حاولت أن أجد عنواناً يليق بموضوع هذا المقال الذي يدور حول قذف الرئيس الأمريكي بالحذاء من قبل الصحفي العراقي منتظر الزيدي, ولم أجد أكثر مناسبةً من وصفه بأنه فعل يتعلق بالكرامة الوطنية والإحساس بالغبن وعدم القدرة على فعل شيء يعبر عن الأسى والقهر من ناحية, ورفض الوجود الأمريكي والفضاعات التي ارتكبتها القوات الأمريكية بحق العراق والعراقيين من ناحية أخرى.
حاولت أن أتتبع ما كتبته الصحف وما قالته وسائل الإعلام عن هذا الحدث؛ فهناك من وصفه بـ«حذاء الدمار الشامل» أو «الإرث السياسي لبوش» أو «حذاء الديموقراطية», بينما وصفته الإدارة الأمريكية بأنه تصرف يعبر عن «ثمن الحرية», مع أنني لا أعرف كيف يكون كذلك. آخرون في العراق ندّدوا بما حصل وأسفوا لذلك, لكن مما لا شك فيه أن هذه التعابير والأوصاف تشرح وجهة نظر قائلها وموقفه من هذه الحادثة والطريقة التي تمت بها, بينما يرى البعض الآخر فيها تعبيراً عن موقف سياسي معين. والحقيقة أن السياسيين كثيراً ما يتعرضون للرشق بالحلوى أو صيحات الاستهجان أو محاولة التعدي عليهم أو حتى الاغتيال, لكن الحذاء آخرها وأكثرها إثارةً.
إن ما حصل من الزيدي يحمل في ثناياه أكثر من معنى. ففي العالم الغربي لا يعتبر الحذاء رمزاً للإهانة, كما هي الحال في الثقافية العربية. وقد ينظر إليه قانونياً على أنه محاولة للاعتداء لأن المكان كان محصناً أمنياً ومن غير الممكن أن يتم اختراق الاحتياطات الأمنية المشددة حول الرئيس الأمريكي بأي طريقة أخرى. وهذه نقطة قد تحسب قانونياً ضد منتظر الزيدي, مما يزيد من العقاب الذي قد يناله في هذه الحالة. لكن يظل الحدث مثيراً في كيفية حصوله ونقله على الهواء مباشرةً من قبل قنوات البث الفضائي. كما أنه أتى في وقت كان يعتقد الرئيس الأمريكي أن قدومه للعراق سوف يكون سلساً ومرحباً به. لكن الأمر اختلف وقد تكون هذه الحادثة أكبر إهانة يتعرض لها الرئيس الأمريكي, وخاتمة لسلسلة كبيرة من الأخطاء اللغوية والمفارقات الغريبة التي تعرض لها خلال فترتي رئاسته, ناهيك عن سياساته الخاطئة والمدمرة أحياناً. أستطيع القول إنه قد يدخل التاريخ ليس كأقل الرؤساء الأمريكيين شعبيةً لكن أتعسهم أيضاً, وأكثرهم إثارةً للضحك, حتى في مطلع تعليقه على الحادث كان مضحكاً وغير آبه بما حصل وكأنه أعطي ميدالية تكريم.
البعض تكلم عن خلفية منتظر الزيدي وأنه شيوعي يساري فهو بالتالي معارض لأمريكا بشكل واضح, بينما رأى البعض الآخر في تصرفه خروجاً عن روح المهنية الصحفية, وأنه لا يعبر عن أخلاقيات المهنة, وهو بالتالي مرفوض. لكن لعلي أقول إن منتظر الزيدي لم يولد شيوعياً ولا يسارياً, ولم يولد أيضاً صحافياً بل هو مواطن عراقي وطني لم يحتمل أن يرى بلده يسرق أمامه ولم يرق له أن يشارك في هذه السرقة أو يحميها بقلمه أو تقاريره الإخبارية. كما أنه لم يستطع فعل شيء لطرد المحتل ووقف سرقة ثروات الشعب العراقي وتأمين حياة مئات الآلاف من العراقيين, أو حماية البقية من الانتهاكات الأخلاقية والتعذيب والمعاملة الدونية التي يتعرضون لها من قبل قوات الاحتلال ومن يتعاون معها.
الكرامة الوطنية تظل قيمة نفيسة لدى من يحملها, وقد تدفعه لفعل أكثر من ذلك, لكنني متأكد أن الزيدي وغيره كثيرون لم يستطيعوا فعل أكثر من ذلك وإلا لما ترددوا في زمن كثر فيه العملاء وزهقت فيه الأرواح ودنست فيه الأعراض في العراق. الوطنية هي ارتباط الشخص بوطنه وحبه له وغيرته عليه, وهذه المعاني والقيم الجملية يتم رسمها بطرق سلوكية كثيرة, حتى وإن خرج بعضها عن المألوف وجاوز المعتاد.
knhabbas@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 145 مسافة ثم الرسالة
حاولت أن أتتبع ما كتبته الصحف وما قالته وسائل الإعلام عن هذا الحدث؛ فهناك من وصفه بـ«حذاء الدمار الشامل» أو «الإرث السياسي لبوش» أو «حذاء الديموقراطية», بينما وصفته الإدارة الأمريكية بأنه تصرف يعبر عن «ثمن الحرية», مع أنني لا أعرف كيف يكون كذلك. آخرون في العراق ندّدوا بما حصل وأسفوا لذلك, لكن مما لا شك فيه أن هذه التعابير والأوصاف تشرح وجهة نظر قائلها وموقفه من هذه الحادثة والطريقة التي تمت بها, بينما يرى البعض الآخر فيها تعبيراً عن موقف سياسي معين. والحقيقة أن السياسيين كثيراً ما يتعرضون للرشق بالحلوى أو صيحات الاستهجان أو محاولة التعدي عليهم أو حتى الاغتيال, لكن الحذاء آخرها وأكثرها إثارةً.
إن ما حصل من الزيدي يحمل في ثناياه أكثر من معنى. ففي العالم الغربي لا يعتبر الحذاء رمزاً للإهانة, كما هي الحال في الثقافية العربية. وقد ينظر إليه قانونياً على أنه محاولة للاعتداء لأن المكان كان محصناً أمنياً ومن غير الممكن أن يتم اختراق الاحتياطات الأمنية المشددة حول الرئيس الأمريكي بأي طريقة أخرى. وهذه نقطة قد تحسب قانونياً ضد منتظر الزيدي, مما يزيد من العقاب الذي قد يناله في هذه الحالة. لكن يظل الحدث مثيراً في كيفية حصوله ونقله على الهواء مباشرةً من قبل قنوات البث الفضائي. كما أنه أتى في وقت كان يعتقد الرئيس الأمريكي أن قدومه للعراق سوف يكون سلساً ومرحباً به. لكن الأمر اختلف وقد تكون هذه الحادثة أكبر إهانة يتعرض لها الرئيس الأمريكي, وخاتمة لسلسلة كبيرة من الأخطاء اللغوية والمفارقات الغريبة التي تعرض لها خلال فترتي رئاسته, ناهيك عن سياساته الخاطئة والمدمرة أحياناً. أستطيع القول إنه قد يدخل التاريخ ليس كأقل الرؤساء الأمريكيين شعبيةً لكن أتعسهم أيضاً, وأكثرهم إثارةً للضحك, حتى في مطلع تعليقه على الحادث كان مضحكاً وغير آبه بما حصل وكأنه أعطي ميدالية تكريم.
البعض تكلم عن خلفية منتظر الزيدي وأنه شيوعي يساري فهو بالتالي معارض لأمريكا بشكل واضح, بينما رأى البعض الآخر في تصرفه خروجاً عن روح المهنية الصحفية, وأنه لا يعبر عن أخلاقيات المهنة, وهو بالتالي مرفوض. لكن لعلي أقول إن منتظر الزيدي لم يولد شيوعياً ولا يسارياً, ولم يولد أيضاً صحافياً بل هو مواطن عراقي وطني لم يحتمل أن يرى بلده يسرق أمامه ولم يرق له أن يشارك في هذه السرقة أو يحميها بقلمه أو تقاريره الإخبارية. كما أنه لم يستطع فعل شيء لطرد المحتل ووقف سرقة ثروات الشعب العراقي وتأمين حياة مئات الآلاف من العراقيين, أو حماية البقية من الانتهاكات الأخلاقية والتعذيب والمعاملة الدونية التي يتعرضون لها من قبل قوات الاحتلال ومن يتعاون معها.
الكرامة الوطنية تظل قيمة نفيسة لدى من يحملها, وقد تدفعه لفعل أكثر من ذلك, لكنني متأكد أن الزيدي وغيره كثيرون لم يستطيعوا فعل أكثر من ذلك وإلا لما ترددوا في زمن كثر فيه العملاء وزهقت فيه الأرواح ودنست فيه الأعراض في العراق. الوطنية هي ارتباط الشخص بوطنه وحبه له وغيرته عليه, وهذه المعاني والقيم الجملية يتم رسمها بطرق سلوكية كثيرة, حتى وإن خرج بعضها عن المألوف وجاوز المعتاد.
knhabbas@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 145 مسافة ثم الرسالة