-A +A
محمد بن علي الهرفي
ما فعله «منتظر الزيدي» ومنذ لحظاته الأولى أصبح حديث العالم كله، فلأول مرة يحدث هذا، فضلا في أن المقذوف رئيس لأقوى وأعظم دولة في العالم.
عالمنا العربي – في مجمله – استقبل هذا الحدث بفرح كبير، فمنذ الساعات الأولى بدأت استقبل رسائل هاتفية تحوي قصائد مؤيدة لما قام به «منتظر الزيدي»، رسائل من داخل المملكة ومن خارجها، قصائد بالفصحى وأخرى بالعامية، نكات على هذا أو ذاك، تهاني حارة من الداخل والخارج، الكل يعبر عن تعاطفه وفرحته بالصورة التي يراها..

الإعلام العربي لم يتوقف عن طرح ما فعله الزيدي في كل وسائل الإعلام، ومنظر قذفه للحذاء باتجاه «بوش» كان الحدث الأبرز في القنوات الفضائية، أما الكتاب العرب فقد تنافسوا في طرق تناول الموضوع، كما تنافسوا في الحديث عن آثار ما فعله الزيدي على الرئيس «بوش» وإدارته.. لكن قلة لا تكاد تذكر من الكتاب استنكر هذا العمل باعتباره يتنافى مع مهنة الصحافة، كما يتنافى مع آداب الضيافة، وهو –كما قالوا- لن يحقق أي شيء للعراق، وسيعطي انطباعا سيئا عن العرب.
أكثر الذين شنوا حملة على «منتظر الزيدي» محمد بن علي المحمود الكاتب في صحيفة «الرياض» في مقاله المنشور يوم 20/12/1429هـ، فقد اعتبر عمله «جريمة سلوكية» ووصفه بأنه «إعلامي عراقي همجي» وهاجم بشدة كل الذين وقفوا معه، ونعتهم بأبشع الصفات، وقال عنهم: إنهم نتاج الواقع المأساوي للعقل الجمعي العربي، وانتهى إلى أن بوش وحكومته لن ينالهم أي ضرر من ذلك الفعل!!
أما الأستاذ عبدالله أبو السمح الكاتب في «عكاظ» فقد وصف الزيدي بالجبن، وأثنى على الديمقراطية الأمريكية مدللا عليها بأن «الجبان» خرج من المحكمة يمشي على رجليه!! ولست أدري على أي رجلين كان يمشي ذلك «الجبان»!!
على أية حال لكل الحق أن يقول ما يشاء، وأن يفكر بالطريقة التي تعجبه، ولكن ليس لأحد الحق أن يطلق ألفاظا سيئة على معظم العرب الذين يخالفونه الرأي فهذا لا يتفق مع الديمقراطية أو الحرية التي يدعون بأن «بوش» قد حققها في العراق.. معظم هؤلاء الكتاب كانوا سعداء بما حدث – على اختلاف مسببات تلك السعادة – فهل تنطبق عليهم تلك الصفات؟؟ السيد «منتظر الزيدي» سيحاكم أمام محكمة مختصة بالإرهاب، وهذا يؤكد ديمقراطية الحكومة العراقية، كما يؤكد مقولة «بوش» أن «منتظر» كان يمارس حريته!!
السيد «منتظر» عبر بطريقته عن مدى حقده على من احتل بلده ودمرها، ورسالته فهمها «بوش» والأمريكان، كما فهمها كل من احتفل بفعله، لكن الأهم – في نظري – كيف سيفهمها الرئيس القادم «أوباما»؟؟
من المعروف أن السيد «أوباما» وعد ناخبيه أن الجيش الأمريكي سيغادر العراق، ومعروف –أيضا- أنه كان ضد غزو العراق، ولكن – من المعروف أيضا – أن الوعود الانتخابية شيء وتحقيقها شيء آخر.
هناك اتفاقية أمنية وقعت بين أمريكا والعراق، وهذه الاتفاقية تحوي نصوصا مطاطة قد تبقي الأمريكان وقتا طويلا في العراق، والاجتهادات في فهم تلك النصوص بدأت الآن، وبدأ القول إن الجيش الأمريكي سيبقى في بعض المدن خلافا للاتفاقية الأمنية، كما أن بعض قادة العراق يعتقد أن مصلحة العراق في بقاء الجيش لعشر سنوات أو أكثر!! وهكذا وجدنا –وسنجد – أن الأمريكان – في ظل عقليتهم الحالية – سيحاولون البقاء في العراق ما دام أن لهم أو للصهاينة مصلحة في ذلك.
الرئيس القادم «أوباما» عليه أن يقرأ بدقة رسالة «منتظر» وأن لا يصدق أن أحدا في العراق يرحب بالاحتلال، وأنه لم يسبق لأحد أن رحب باحتلال بلاده وتدميرها إلا شرذمة من المستفيدين من الاحتلال.
عليه أن يقرأ بدقة الفرح العارم في الشارع العربي لما فعله «منتظر» ودلالة هذا الفرح.
عليه أن يدرك أن هذا الفرح يعبر عن الكراهية الشديدة لسياسة سلفه «بوش» ليس في العراق وحدها بل وفي فلسطين وأفغانستان.
عليه أن يقرأ ردة الفعل في الشارع الأمريكي ليعرف أن كثيرا من الأمريكان كانوا ضد سياسة سلفه، فقد تسبب في موت الآلاف منهم، كما تسبب في الأزمة الاقتصادية الهائلة التي لحقت بالأمريكان خاصة والعالم عامة.
على الرئيس القادم أن يسحب كامل جيشه من العراق، وأن يترك العراق لأهله، كما عليه أن يفعل الشيء نفسه في أفغانستان فقد مضى زمن الاستعمار، وكما هزم الأمريكان في العراق فستلحق بهم الهزيمة في أفغانستان، الحل ليس في زيادة الجيش هناك بل في سحبه وترك أفغانستان لأهلها.. على الرئيس القادم أن لا يسير على هدي سلفه في موضوع القضية الفلسطينية، فقد تحدث «بوش» كثيرا لكنه لم يفعل شيئا واكتفى بتشجيع حصار غزة والتضييق على أهلها، ومنع الطعام والدواء عنهم.. عليه أن يحقق العدالة للفلسطينيين، كما أن عليه أن ينهي أكذوبة الإرهاب التي استغلها سلفه لمحاربة كل المناشط الإسلامية في العالم كله. إن أحسن الرئيس القادم قراءة رسالة «منتظر» فسيحقق الخير لوطنه ولأوطاننا، وإلا فإن الرسائل الأسوأ لن تتوقف.
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 113 مسافة ثم الرسالة