-A +A
وليد العمير ـ جدة
في تنبؤات اقتصادية لعام 2009 وما يصحبه من تحديات وآفاق، وكيف يمكن مواجهة تلك التحديات بالنسبة لاقتصاد المملكة، لأن الاقتصاد علم لا يعتمد على التنجيم وإنما على الأرقام وهي خير برهان. يبرز النفط وأسعاره والطلب العالمي عليه كأهم تحد يواجه الاقتصاد السعودي نتيجة الضبابية التي تكتنف مستقبل أسعار النفظ وتوقعات الطلب عليه. «عكاظ» استطلعت آراء عدد من المختصين للوقوف على رؤاهم للتحديات التي ستواجه الاقتصاد السعودي في 2009 وكيف يمكن مواجهة تلك التحديات في الوقت الذي ستواصل المملكة تمويل المشاريع التنموية، في ظل احتمالات أن يواجه الاقتصاد تباطؤا في النمو وبالتالي فإن المحافظة على النمو الحالي خلال عام 2009 سيكون إنجازا كبيرا في حال حصوله.
التنويع الاقتصادي هو الحل

بداية يرى الكاتب الاقتصادي د. علي بن حسن التواتي أن الميزانية العامة للدولة -أيّ دولة- هي وثيقة اقتصادية مستقبلية لا محاسبية تاريخية، حيث تعنى بمستقبل الاقتصاد الوطني أكثر من عنايتها بماضيه. وتبنى الميزانيات على توقعات مستقبلية لا على احتياطيات أو أرصدة متوفرة. صحيح أن الاحتياطيات والأرصدة المتوفرة تساهم في تغطية أي عجز متوقع في الميزانية وتخفف من أعباء تحمل الدولة لديون وخدمات ديون جديدة ولكن في حالة الدول ذات الاقتصاد الريعي كالدول المنتجة للنفط يفضل عدم التوسع في السحب من الاحتياطيات واستنفاد المدخرات لأهداف استهلاكية، خاصة في ظل ظروف اقتصادية عالمية متردية، ولنا في حجم وأسلوب الإنفاق في التسعينات من القرن الماضي التي انتهت بتحميل الخزينة الوطنية ديونا وأعباء لم يشهد اقتصادنا لها من قبل مثيلا عبرة وموعظة يجب أن نجعلها دائما نصب أعيننا ولا ننساها أبدا أو نتناساها. والميزانية تتطلب الموازنة، فالميزانية (وثيقة) تحمل توجهات الإنفاق الحكومي والموازنة (عملية) مستمرة تهدف للتأكد من أن الأهداف تتحقق وأن التمويل الكافي يتوفر من الإيرادات أو من مصادر أخرى في حال فشل التوقعات.
ومن الميزانية يمكن توقع اتجاهات سياسات الدولة المالية، لأن الميزانية الوطنية العامة هي السجل الرسمي لتلك التوجهات، ولذلك يتم تعريف السياسة المالية بأنها (استخدام الميزانية العامة للدولة لتحقيق أهداف تنموية باستخدام الإنفاق الحكومي لتحقيق أهداف وطنية محددة في المدى القصير). ولذلك أرى أن أهم التحديات التي تواجه ميزانية 2009م السعودية تكمن في ضبابية مستقبل الطلب على النفط وعلى المنتجات البتروكيميائية للصناعات الأساسية التي تمتلكها الحكومة جزئيا أو كليا كمصدر ثابت لمعظم الإيرادات الحكومية، حيث يتوقع مبدئيا أن تنخفض الإيرادات بما لا يقل عن 40 في المئة حسب تقديرات عالمية ما لم تعمل المحفزات العالمية إيجابيا في تحفيز الاقتصاد العالمي وتمكينه من التماسك وإشاعة أجواء تفاؤلية تقنع الجميع بجدوى الاستثمار والبدء في دورة نمو جديدة. أما كيف يمكن أن نتغلب على تلك التحديات؟ فلربما لا يعجب رأيي كثيرين، ولكنني أرى أن البداية تكمن في الاعتراف بأننا جزء من هذا العالم الذي يعاني الأمرين للحفاظ على مكتسبات شعوبه أو حتى توفير لقمة العيش كحد أدنى من متطلباته، وعلينا بالتالي أن نكون أكثر حذرا في الإنفاق خاصة على المشاريع التي تتطلب مشتريات كبيرة من الواردات وتؤدي إلى خروج الأموال من البلاد. وهذا الاعتراف يفرض علينا بالضرورة أن نبحث عن مستوى توظيف للاقتصاد أدنى من المستويات التي كان يعمل حولها خلال السنوات الخمس الماضية Resizing حتى تصبح الأهداف واقعية ويمكن تحقيقها بدلا من الاستمرار في مستويات توظيف وإنفاق عالية قد لا يقدّر لها الاستمرار لفترة طويلة فتصبح صدمة عدم تحقيقها أقسى من الانتظار وقتا أطول لتحقيقها، ولكن الهبوط إلى مستوى توازن أدنى للاقتصاد يجب أن يتجنب المبالغة في الهبوط كما يجب ألا يكون على حساب المواطن بل -كما أسلفت- على حساب المشروعات التي تكثف الواردات وتزيد من نصيب العمالة الأجنبية في إجمالي القوة العاملة في البلاد.
استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية
أما المستشار المالي أحمد الحمدان فيرى أن: المملكة هي جزء لا يتجزأ من العالم الذي بدأ يندمج اقتصاديا أكثر من أي نشاط آخر لأن هناك منتجا ومستهلكا، وأي أمر يؤثر على الجميع سلبا وإيجابا.
لهذا لا نستطيع القول إن اقتصاد المملكة لم يتأثر جراء الأزمة المالية العالمية ولكن نستطيع القول إنه من الاقتصاديات الأقل تأثرا عن غيرها من الأسواق الأخرى.
السوق الأمريكي والأوروبي فتح المجال أمام القروض عالية المخاطر وبدون ضمانات. وأصبحت هذه الديون تتداول بين الشركات في عملية أشبه ما تكون بكرة الثلج في تزايد حجمها. وهذه النقطة تحديدا ليست موجودة في اقتصادنا المحلي، بل هناك تحفظ وشروط في تقديم القروض الشخصية والعقارية والتمويلية بصفة عامة وصفت في بعض الأحيان بأنها مبالغ فيها، ولكن نتيجة هذا التحفظ ظهرت جلية في هذه الأزمة. لأنها جنبت مؤسساتنا المالية من الانزلاق في هذه الازمة، وبدرجة كبيرة.
المدن الاقتصادية التي نعول عليها كثيرا في إيجاد نقلة نوعية في الاقتصاد السعودي تعتمد على القطاع الخاص كليا، وهذا القطاع يحرص على الاستثمار في المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية، وهذا القطاع يعلم أن الفرص في المدن الاقتصادية الناشئة مجد على المديين المتوسط والطويل، وفي الوقت الراهن يمكن أن نشهد تباطؤا في استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية ولكن لن تتوقف وهذا التباطؤ طبيعي في الأوضاع الراهنة.
ومن المسلمات التي يعيها الاقتصاديون وغيرهم، الدورة الاقتصادية، أي أن الانخفاض يتبعه ارتفاع. وفي مثل هذا الانخفاض تتولد فرص كبيرة يمكن استثمارها والاستفادة منها مستقبلا متى ماكان هناك دراسات وافية للفرص المتاحة.
ومن المعروف أن اقتصاد المملكة يعتمد وبنسبة كبيرة على البترول، والانخفاض الحاد في اسعار النفط الحالية تزامن مع الأزمة المالية العالمية.
وبالتالي سيكون هناك تأثير. ولكن هذا الانخفاض وهذه الأزمة لن تدوم طويلا لأن هناك زيادة مطردة في أعداد السكان وهناك طلب متزايد لهذا ستكون هناك زيادة في الانتاج، أي حاجة أكبر للوقود.
تنويع مصادر الدخل
وأخيرا يرى د. خالد الحارثي الكاتب ورئيس مركز الدراسات والاستشارات أنه يدور كثير من الجدل حول الاقتصاد السعودي في عام 2009م وإن كان المثير في هذا الجدل ما بين متشائم جدا ومتشائم فقط، فبعد النمو القياسي الذي حدث في النصف الأول من عام 2008م بسبب الارتفاع غير المسبوق لأسعار النفط لتلامس 147 دولارا/ برميل النفط، إلا أن النصف الثاني كان معاكساً تماما لنتائج النصف الأول لهذا العام، حيث ألقت الأزمة المالية العالمية بظلالها على الاقتصاد العالمي ومنه الاقتصاد المحلي وبالتالي يظل عام 2009م عام مفصلي في الاقتصاديات الدولية والتحدي هو البقاء وليس النمو.
الاقتصاد السعودي يعتمد اعتماداً مباشر على النفط في هيكلته، بتأمل الخمسة أعوام الماضية نلاحظ كيف أن أسعار النفط كانت تتحكم بشكل مباشر في الميزانيات السعودية وبالتالي عند إعداد الموازنة تتعامل وزارة المالية بتحفظ شديد في تقدير أسعار النفط للعام المقبل ومن هنا ظهرت فوائض الميزانيات السابقة ومنها تم تعزيز الاحتياطات الأجنبية التي ساهمت في الحد من آثار الأزمة المالية العالمية على السعودية، وفي تقديري أن أبرز تحديات العام المقبل هي أسعار النفط والطلب العالمي عليه. فمن المرجح أن يراوح ميزان العرض والطلب سوق النفط عند مستويات ضعيفة حيث أتوقع أن ينخفض الطلب على النفط بصورة كبيرة جراء الأزمة المالية وانعكاسها على القطاع الصناعي في الدول الصناعية، فمتوسط أسعار النفط لعام 2008م كانت عند حدود 102 دولار وهو متوسط عال جدا مقارنة بتقديرات متحفظة في حدود 45 دولارا مما سيؤدي إلى فائض كبير لعام 2008م، ولكن الإشكالية تكمن في أن الارتفاع السريع الذي شهِدته أسعار النفط في النصف الأول من عام 2008م تبعه انخفاض حاد إلى أن وصلت الأسعار إلى حدود 30 دولارا.
من جانب آخر من المتوقع أن يشهد عام 2009م تباطؤا في النمو الاقتصادي ناتج عن انخفاض أسعار النفط وصعوبة الحصول على تمويل مما سيسبب إعاقة لتنفيذ بعض المشاريع.
قد تختلف هذه الآثار السلبية من قطاع لقطاع فالخدمات المالية ستتأثر سلبيا ليس بسبب تباطؤ النمو فقط ولكن ناتج عن ضعف السيولة وانعكاسات الأزمة المالية العالمية عليها مما سيحد من عمليات الإقراض للقطاع الخاص، أما في ما يخص قطاع البناء والتشييد الذي كان أكثر المستفيدين من الطفرة الاقتصادية السابقة إلا أنه سيتضرر بشكل مباشر جراء انخفاض الطلب وتباطؤ سوق العقار، أما القطاع الصناعي والبتروكيماويات ففي نظري أنه أكثر المتضررين للعام المقبل نتيجة انخفاض الطلب العالمي والركود في الاقتصاد وبشكل عالمي.
و إذا عرجنا على حديث الشارع وحيلة اليائس "سوق الأسهم" فعام 2008م كان عاما قاسيا من جميع النواحي حيث انخفض السوق بنسبة 48% منذ شهر يوليو هذا العام كما أن السوق وصل إلى أدنى مستوى له منذ 5 سنوات في تاريخ 23 نوفمبر من هذا العام مما أدى إلى أن كثيرا من الشركات أجّلت الاكتتابات في أسهمها حتى يستقر وضع السوق، وعام 2009م في تقديري لن يكون عاما أخضر للسوق في ظل انخفاض النمو و الأرباح لجُل الشركات المساهمة والمدرجة في سوق الأسهم، رغم المغريات العديدة الموجودة في السوق حاليا من أسعار وانخفاض مكررات الربحية إلا أن انعدام الثقة لازال عائقا أساسيا في ضخ السيولة وإن كان كثير من الاقتصاديين يشيرون إلى أن سوق المال يعكس صحة الاقتصاد لأي دولة، إلا أن "خصوصيتنا" تخالف هذا الرأي فسوقنا المالي دائما يغرد خارج السرب.
لاشك أن عام 2009م سيكون عاما صعبا إلا أن ما يخفف حدة التشاؤم هو استمرار الحكومة السعودية بالالتزام بالإنفاق الحكومي وتنفيذ المشاريع التي التزمت بها، فما ذكره خادم الحرمين الشريفين في كلمته في قمة العشرين “G20” بالتزام الحكومة بإنفاق 400 مليار دولار خلال الخمس سنوات المقبلة لتنفيذ المشاريع مما سيعزز النمو، ففي ظل اقتصاد يشكل النفط 90% من إيراداته يظل دائما القلق موجودا واستقرار النمو معدوما، والحل تنويع مصادر الدخل وتنمية الموارد البشرية والاستفادة من الطفرة كوسيلة لتحقيق تنمية مستدامة بدلا من أن تكون رفاهية أو رخاء قصير المدى.