-A +A
كاظم الشبيب
هذا يبرر تصرف صاحب الحذاء ويمجده. وذاك يمقته ويشجبه، وبينهما متفرج. وغالبية الشارع العربي تسانده، بينما شريحة أخرى واسعة حائرة لا تعلم أتحشر نفسها مع المؤيدين أم تركب سفينة المنتقدين. اعتقد بأننا، حسب اتجاه بوصلتنا الفكرية والسياسية كعرب ومسلمين، نحتاج إلى إعادة تأهيل قدراتنا على استيعاب وهضم الرسائل الصامتة أكثر من الرسائل المنطوقة والمكتوبة.
انقلبت المعادلة رأساً على عقب دون سابق إنذار. ارتفع الداني وسقط العالي. ما لا قيمة له معنوياً أمسى مطلوباً بالملايين. وما له قيمة سياسية بات منبوذاً. هذه هي خلاصة المقارنة بين حذاء منتظر الزيدي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية. حذاء مقابل سياسة تشغل العالم في كل دقيقة وساعة. بل فردةُ واحدة من شسعِ نعلٍ صغير مقابل سياسة دولة عظمى لها صولة وجولة في كل زقاق وشارع من مدن الكرة الأرضية.
يصعب على البعض استيعاب رمزية الحدث، كما جرى لصديق عزيز علي إذ قام مُستخفاً بالحدث نحو صياغة قصيدة يدافع بها عن جورج بوش الابن، ويذم فعل منتظر الزيدي، لأنه ليس من قيمنا العربية والإسلامية!! قيمة ورمزية الحدث ما كان لهما أن ينتجا هذا الدوي الإعلامي والتفاعل العالمي لو وقع الأمر في أمريكا ذاتها، أو في بريطانيا. أما أن يكون العراق مركزاً للحدث، وأن يكون الزمان في توقيت مدهش حيث يعيش الرئيس بوش أيامه الأخيرة في البيت الأبيض. هما - الزمان والمكان- ما جعلا لوقعة الحذاء رسالة ومعنى وإيقاعاً خاصاً قل نظيرها في هذا الزمان.
سيتذكر الرئيس بوش تلك اللقطة ما عاش من عمره المتبقي. فكما للنجاحات لقطات وصور تبقى في الذاكرة راسخة في العقل الباطن وفي وجدان صاحبها، كذلك هي لقطة الحذاء ستبقى علامة فارقة لفشل السياسات الخارجية لواشنطن، ليس في المنطقة فقط، بل في العالم، حيث رسخت الأزمة المالية العالمية هذه الصورة.
التاريخ لا ينسى شيئاً إلا ما أراد المؤرخون تجاهله تعمداً. فكان للأحذية نصيب من صفحات التاريخ، بل كانت كل صفحة منها ترمز وترسل رسائل للآخرين، منها: في التاريخ الحديث، اللوحة الفنية التي أتحف الفنان التشكيلي العالمي «فان جوخ» بها العالم عندما رسم زوجاً من الأحذية مهترئاً أحدهما مقلوب على قفاه، وقد أشرت إليها في مجموعتي القصصية التي صدرت قبل خمس سنوات بعنوان «حذائي المحترم». ومنها: حادثة حذاء رئيس الاتحاد السوفيتي نيكيتا خروتشوف وهو يضرب به الطاولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1960م. ومنها: «القباقب»، وهي اسم لنوع من الأحذية، التي زعمت الأساطير أن شجرة الدر ملكة الممالك قد قُتلت بها.
يبدو أن شعوب المنطقة ترحب بأحذية الأرجل التي تتمكن من التعبير عما تضيق من حمله الصدور بسبب سياسات واشنطن في المنطقة. ولكن، وختاماً، سيكون الحذاء الفاصل الزمني والمعنوي بين مرحلتين، سابقة نحن في نهايتها وهي مرحلة الرئيس جورج بوش، ولاحقة قادمة هي مرحلة أوباما. فهل يستفيد الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما من رمزية الحدث؟ وهل يدفعه المستشارون الجدد في البيت الأبيض للاستفادة من رسالة الحذاء العراقي المعروف عند أهل العراق بـ«القندرة»؟ نأمل ذلك.
kshabib@hotmail.com

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة