اطلعت على ما نشر في ملحق «الدين والحياة» من جريدة عكاظ في 25/12/1429 عن المؤتمر المنعقد في القاهرة، برعاية من رئيس جامعة الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والذي كان بعنوان «ابن عربي.. ملتقى الشرق والغرب».
فأردت أن أنبه إلى أمر يتعلق بفكر ابن عربي حيال قضية الأديان، وسبب العناية البالغة به في هذه الفترة، يتضح ذلك مما جاء في تعليق السفير الأسباني أنطونيو لوبيت، حين قال: إن الهدف من عقد هذا المؤتمر هو استرجاع روح التسامح والبحث في أعماق الروح على غرار ما كان يقوم به الفيلسوف محيي الدين ابن عربي.
وكلمة رئيس الهيئة العامة للكتب والوثائق القومية محمد صابر عرب، الذي قال: إن الفيلسوف محيي الدين بن عربي شاهد الحروب في الأناضول والشام ومصر وعاصر معركة حطين عام 1187 ميلادية، وتعرف على هول هذه المعارك وما خلفته من دمار وخراب، مما جعله يستهدف مصلحة الإنسان في المقام الأول.
ما المقصود بالتسامح في كلام السفير، ومصلحة الإنسان في كلام عرب؟.
هذا يدفعنا للبحث في القضية المعنية في كلام ابن عربي، والمتعلق بعلاقة الشرق (= الإسلام، وأديان الهند وفارس) والغرب (= المسيحي، اليهودي)، كما هو عنوان المؤتمر.
من الواضح أن محور العلاقة هو الدين، والمقصود بالتسامح هنا: التسامح في الدين.
فما رأي ابن عربي في هذه العلاقة الدينية بين الشرق والغرب ؟.
وحدة الأديان
إن ابن عربي من دعاة وحدة الأديان، وهو أكبر المنظرين لهذه الفكرة في تاريخ المسلمين، من غير تورية، ورأيه هذا مبني على قوله بوحدة الوجود، وهو يتخذ من فكرتي التجلي الإلهي في الكون (= فكرة صوفية خالصة، أثر عن القول بوحدة الوجود)، والقضاء الكوني (= إرادة إلهية)، ذريعة لتقرير: أن المعبود واحد، هو الله تعالى. فمهما عبد الناس، فما عبدوا سوى الله، يقول: «ومن ذلك حب الجمال، هو نعت إلهي، ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله جميل يحب الجمال)، فنبهنا بقوله: (جميل) أن نحبه، فانقسمنا في ذلك إلى قسمين: فمنا من نظر إلى جمال الكمال، وهو جمال الحكمة، فأحبه في كل شيء؛ لأن كل شيء محكم، وهو صنعة الحكيم ،ومنا من لم تبلغ مرتبته هذا، وما عنده علم بالجمال إلا هذا الجمال المقيد، الموقوف على الغرض، وهو في الشرع موضع قوله: ( اعبد الله كأنك تراه )، فجاء بكاف الصفة، فتخيل هذا الذي لم يصل إلى فهمه أكثر من هذا الجمال المقيد، فقيده به، كما قيده بالقبلة، فأحبه لجماله، ولا حرج عليه في ذلك، فإنه أتى بالمشروع له على قدر وسعه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها». [الفتوحات المكية 2/345]
جعل من أحب الله في كل شيء، وعبده كل شيء: رفيع المرتبة في معرفة الله تعالى.
ومن أحبه وعبده في ذات واحدة، هي ذات الإله الحق، لا الوجود كله، وجعل قبلته إلى الكعبة وحدها، لا إلى كل وثن وصنم ومعبود «فقيده به، كما قيده بالقبلة».. : في مرتبة أدنى، قليل الفهم والعقل.. صاحب وهم وتخيل، لا حقيقة وعلم. لكنه على كل حال هو معذور فيما فعل، مادام قد استفرغ جهده وطاقته، ومبنى هذه الحقيقة عنده (= كل عابد فما عبد إلا الله)، أن الله يتجلى في كل صورة، أو يحتجب خلف كل صورة.. فمن عرف ذلك فهو من العارفين. ومن لم يعرف وانحجب بالمحل، ولم يدرك أنه في الحقيقة إنما يحب الله تعالى، ويعبده في كل صورة، فهو من العوام.
يدلل على ذلك بقوله تعالى: { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه }، يقول [الفتوحات المكية 2/326]: «فالعالم كله محب ومحبوب، وكل ذلك راجع إليه، كما أنه لم يُعبد سواه، فإنه ما عُبد من عُبد، إلا بتخيل الألوهية فيه، ولولاها ما عُبد، يقول تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه}».
وحاصل الأمر كما قال هو، في كلمة مختصرة [فصوص الحكم 2/158]: « فما أحد في العالم إلا على الصراط المستقيم».
قال: إن المعبود واحد، ولو اختلفت المعبودات. والتدين واحد، ولو اختلفت الأديان.
جواز التدين بكل دين
ترتب على ذلك تجويزه التدين بأي دين، بل بكل دين، فمن الخطأ أن يحصر الإنسان نفسه في دين واحد، بل الصحيح أن يتدين، ويقبل كل ذلك، وهذا هو حقيقة التوحيد وغيره شرك. يقول ابن عربي [ترجمان الأشواق 43]:
لقد صار قلبي قابلا كل صورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة وطائف
وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت
ركائبه فالحب ديني وإيماني
فكل إنسان عقيدته ما جعله في نفسه، فكل من عبد ما جعله في نفسه فقد أصاب، والحذر من التقيد بدين خاص، فالخير الكثير في الاعتقاد بجميع الملل والعقائد، وقبول جميع المعتقدات دون تفريق، وذلك أن عبادة الله تعالى، لا تنحصر في دين دون غيره، ولو كان الإسلام نفسه، لكونه واسعا.. هكذا يقرر ابن عربي، بل ويستدل عليه بالقرآن، ويقول [فصوص الحكم 113]: «وبالجملة فلا بد لكل شخص من عقيدة في ربه، يرجع بها إليه ويطلبه فيها، فإذا تجلى له الحق فيها، عرفه وأقر به، وإن تجلى له في غيرها، أنكره وتعوذ منه وأساء الأدب عليه في نفس الأمر، وهو عند نفسه أن قد تأدب معه، فلا يعتقد معتقد إلها، إلا بما جعله في نفسه، فالإله في الاعتقادات بالجعل، فما رأوا إلا نفوسهم، وما جعلوا فيها.
فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص، وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير، بل يفوتك العلم الأمر على ما هو عليه، فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات كلها، فإن الله أوسع من أن يحصره عقد دون عقد، فإنه يقول: { فأينما تولوا فثم وجه الله }.
وإذا كان الله تعالى قد جعل الناس فريقين، فريقا في الجنة، وهم المؤمنون، وفريقا في السعير، وهم الكافرون. فما يصنع ابن عربي في هذه النتيجة التي تنقض عليه فكرة المساواة بين الأديان، وتحسينها جميعها، وهؤلاء الذين في النار هم يعذبون فيها ؟.
لم يعدم حيلة، فأفاد بأن النار إنما سميت عذابا من العذوبة، وليس من التعذيب، يقول [الفتوحات2/362]: «حتى الساكنين في جهنم لهم فيها حال يستعذبونها، وبهذا سمي العذاب عذابا».
ويقول [الفصوص 2/362]: «وأما أهل النار فمآلهم إلى النعيم لكن في النار؛ إذ لابد لصورة النار بعد انتهاء مدة العذاب أن تكون بردا وسلاما على من فيها، وهذا نعيمهم، فنعيم أهل النار بعد استيفاء الحقوق نعيم خليل الله حين ألقي في النار».
هذا هو سبب الاعتناء بابن عربي !!!.
آراء مصادمة للإسلام
وغني عن الذكر: أن ما قرره مصادم للإسلام، والاعتقاد به ناقض من نواقض الإسلام؛ لقوله تعالى، {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.
{وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين آأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد}.وبعد: فإني أربأ بأي جهة اسلامية أن تكون طرفا حاضرا في مؤتمر ينزع إلى تقرير وحدة الأديان، المجمع عليها من الأمة مناقضتها لصريح الإسلام، الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتما، ناسخا، شاملا.
عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بجامعة أم القرى.
فأردت أن أنبه إلى أمر يتعلق بفكر ابن عربي حيال قضية الأديان، وسبب العناية البالغة به في هذه الفترة، يتضح ذلك مما جاء في تعليق السفير الأسباني أنطونيو لوبيت، حين قال: إن الهدف من عقد هذا المؤتمر هو استرجاع روح التسامح والبحث في أعماق الروح على غرار ما كان يقوم به الفيلسوف محيي الدين ابن عربي.
وكلمة رئيس الهيئة العامة للكتب والوثائق القومية محمد صابر عرب، الذي قال: إن الفيلسوف محيي الدين بن عربي شاهد الحروب في الأناضول والشام ومصر وعاصر معركة حطين عام 1187 ميلادية، وتعرف على هول هذه المعارك وما خلفته من دمار وخراب، مما جعله يستهدف مصلحة الإنسان في المقام الأول.
ما المقصود بالتسامح في كلام السفير، ومصلحة الإنسان في كلام عرب؟.
هذا يدفعنا للبحث في القضية المعنية في كلام ابن عربي، والمتعلق بعلاقة الشرق (= الإسلام، وأديان الهند وفارس) والغرب (= المسيحي، اليهودي)، كما هو عنوان المؤتمر.
من الواضح أن محور العلاقة هو الدين، والمقصود بالتسامح هنا: التسامح في الدين.
فما رأي ابن عربي في هذه العلاقة الدينية بين الشرق والغرب ؟.
وحدة الأديان
إن ابن عربي من دعاة وحدة الأديان، وهو أكبر المنظرين لهذه الفكرة في تاريخ المسلمين، من غير تورية، ورأيه هذا مبني على قوله بوحدة الوجود، وهو يتخذ من فكرتي التجلي الإلهي في الكون (= فكرة صوفية خالصة، أثر عن القول بوحدة الوجود)، والقضاء الكوني (= إرادة إلهية)، ذريعة لتقرير: أن المعبود واحد، هو الله تعالى. فمهما عبد الناس، فما عبدوا سوى الله، يقول: «ومن ذلك حب الجمال، هو نعت إلهي، ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله جميل يحب الجمال)، فنبهنا بقوله: (جميل) أن نحبه، فانقسمنا في ذلك إلى قسمين: فمنا من نظر إلى جمال الكمال، وهو جمال الحكمة، فأحبه في كل شيء؛ لأن كل شيء محكم، وهو صنعة الحكيم ،ومنا من لم تبلغ مرتبته هذا، وما عنده علم بالجمال إلا هذا الجمال المقيد، الموقوف على الغرض، وهو في الشرع موضع قوله: ( اعبد الله كأنك تراه )، فجاء بكاف الصفة، فتخيل هذا الذي لم يصل إلى فهمه أكثر من هذا الجمال المقيد، فقيده به، كما قيده بالقبلة، فأحبه لجماله، ولا حرج عليه في ذلك، فإنه أتى بالمشروع له على قدر وسعه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها». [الفتوحات المكية 2/345]
جعل من أحب الله في كل شيء، وعبده كل شيء: رفيع المرتبة في معرفة الله تعالى.
ومن أحبه وعبده في ذات واحدة، هي ذات الإله الحق، لا الوجود كله، وجعل قبلته إلى الكعبة وحدها، لا إلى كل وثن وصنم ومعبود «فقيده به، كما قيده بالقبلة».. : في مرتبة أدنى، قليل الفهم والعقل.. صاحب وهم وتخيل، لا حقيقة وعلم. لكنه على كل حال هو معذور فيما فعل، مادام قد استفرغ جهده وطاقته، ومبنى هذه الحقيقة عنده (= كل عابد فما عبد إلا الله)، أن الله يتجلى في كل صورة، أو يحتجب خلف كل صورة.. فمن عرف ذلك فهو من العارفين. ومن لم يعرف وانحجب بالمحل، ولم يدرك أنه في الحقيقة إنما يحب الله تعالى، ويعبده في كل صورة، فهو من العوام.
يدلل على ذلك بقوله تعالى: { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه }، يقول [الفتوحات المكية 2/326]: «فالعالم كله محب ومحبوب، وكل ذلك راجع إليه، كما أنه لم يُعبد سواه، فإنه ما عُبد من عُبد، إلا بتخيل الألوهية فيه، ولولاها ما عُبد، يقول تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه}».
وحاصل الأمر كما قال هو، في كلمة مختصرة [فصوص الحكم 2/158]: « فما أحد في العالم إلا على الصراط المستقيم».
قال: إن المعبود واحد، ولو اختلفت المعبودات. والتدين واحد، ولو اختلفت الأديان.
جواز التدين بكل دين
ترتب على ذلك تجويزه التدين بأي دين، بل بكل دين، فمن الخطأ أن يحصر الإنسان نفسه في دين واحد، بل الصحيح أن يتدين، ويقبل كل ذلك، وهذا هو حقيقة التوحيد وغيره شرك. يقول ابن عربي [ترجمان الأشواق 43]:
لقد صار قلبي قابلا كل صورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة وطائف
وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت
ركائبه فالحب ديني وإيماني
فكل إنسان عقيدته ما جعله في نفسه، فكل من عبد ما جعله في نفسه فقد أصاب، والحذر من التقيد بدين خاص، فالخير الكثير في الاعتقاد بجميع الملل والعقائد، وقبول جميع المعتقدات دون تفريق، وذلك أن عبادة الله تعالى، لا تنحصر في دين دون غيره، ولو كان الإسلام نفسه، لكونه واسعا.. هكذا يقرر ابن عربي، بل ويستدل عليه بالقرآن، ويقول [فصوص الحكم 113]: «وبالجملة فلا بد لكل شخص من عقيدة في ربه، يرجع بها إليه ويطلبه فيها، فإذا تجلى له الحق فيها، عرفه وأقر به، وإن تجلى له في غيرها، أنكره وتعوذ منه وأساء الأدب عليه في نفس الأمر، وهو عند نفسه أن قد تأدب معه، فلا يعتقد معتقد إلها، إلا بما جعله في نفسه، فالإله في الاعتقادات بالجعل، فما رأوا إلا نفوسهم، وما جعلوا فيها.
فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص، وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير، بل يفوتك العلم الأمر على ما هو عليه، فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات كلها، فإن الله أوسع من أن يحصره عقد دون عقد، فإنه يقول: { فأينما تولوا فثم وجه الله }.
وإذا كان الله تعالى قد جعل الناس فريقين، فريقا في الجنة، وهم المؤمنون، وفريقا في السعير، وهم الكافرون. فما يصنع ابن عربي في هذه النتيجة التي تنقض عليه فكرة المساواة بين الأديان، وتحسينها جميعها، وهؤلاء الذين في النار هم يعذبون فيها ؟.
لم يعدم حيلة، فأفاد بأن النار إنما سميت عذابا من العذوبة، وليس من التعذيب، يقول [الفتوحات2/362]: «حتى الساكنين في جهنم لهم فيها حال يستعذبونها، وبهذا سمي العذاب عذابا».
ويقول [الفصوص 2/362]: «وأما أهل النار فمآلهم إلى النعيم لكن في النار؛ إذ لابد لصورة النار بعد انتهاء مدة العذاب أن تكون بردا وسلاما على من فيها، وهذا نعيمهم، فنعيم أهل النار بعد استيفاء الحقوق نعيم خليل الله حين ألقي في النار».
هذا هو سبب الاعتناء بابن عربي !!!.
آراء مصادمة للإسلام
وغني عن الذكر: أن ما قرره مصادم للإسلام، والاعتقاد به ناقض من نواقض الإسلام؛ لقوله تعالى، {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.
{وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين آأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد}.وبعد: فإني أربأ بأي جهة اسلامية أن تكون طرفا حاضرا في مؤتمر ينزع إلى تقرير وحدة الأديان، المجمع عليها من الأمة مناقضتها لصريح الإسلام، الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتما، ناسخا، شاملا.
عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بجامعة أم القرى.