-A +A
ياسر العمرو
صعب جدا أن نتخيل اختزال الوطن وقيمة الأرض في مظاهر جامدة، وتأبى العاطفة إلا أن تستجيب لكل صادح يثير شجن الأرض والحنين إلى المهد، وتغذية الشعور الوجداني للعلاقة بين الإنسان ووطنه.
الأناشيد والأغاني والقصائد الوطنية تجاوزت في العالم أسره منحى الطرح المجرد إلى منحى أكثر شمولية يمثل رمزية في بعض الأحيان للقيم والمبادئ، وأكبر دليل على ذلك أن كل دولة على هذه الخارطة لديها "نشيد وطني" ينادى به رمزا إلى جانب العلم في المشاهد المختلفة.
دعونا من هذا التقرير العام، وسأتحدث عن المفارقة الغريبة في هذا الشأن، فنحن جيل نشأ منذ صغره على "مغذيات" وطنية، عمقت فيه شعور الانتماء والأصالة فضلا عن الغزارة اللفظية والحسية، ومن منا لايتذكر (روحي وماملكت يداي فداه) و (بلادي بلادي منار الهدى) و (أجل نحن الحجاز ونحن نجد) وغيرها... كانت تشنف سمعنا لتجلو صدى المغترب وتحيي عاطفة المستقر.
لا أعلم أين اختفت تلك القصائد حتى على تلفزيوننا السعودي، وأي ثقافة تلك التي غيبتها، وهل استأنست بخانة الذاكرة أمام الحالة الجديدة لقصائدنا الوطنية التي لاتظهر على السطح إلا مشروطة بفوز المنتخب السعودي لكرة القدم أو لموسمية مهرجان الجنادرية.
جمعني لقاء مع الأخ الشاعر سعد الخريجي كاتب أبيات "ياسلامي عليكم يالسعودية" قال فيه: إن هذه القصيدة "المغناة" بلغت في شهرتها الآفاق، ودليل ذلك ترديدها "ليلا" من المغرب العربي حتى البحرين...
نعم صدقت عزيزي سعد، فمعيار الحس الوطني المرهف غدا مقياسه "التنكس" و "المهايط" وشيء مما يقذف من أموالنا، على إيقاع قصائدنا الوطنية المغناة!
وفي الوقت الذي تبادر فيه أقنية الإعلام الجديد لإعادة توزيع القصائد الوطنية والفلكلورية الخالدة واعتمادها هوية تعرف بها، كما في قناة "سما دبي" وأغنية "غزيل فلة"، و "المستقبل اللبنانية" وأغنية "بحبك يالبنان"؛ تراوح أقنيتنا الإعلامية مكانها، ومنتجونا يفتشون عن موسم لبيع بضاعتهم الوطنية، وأبيات وطننا الخالدة أصبحت تبحث عن مكان ولو في مادتي النصوص والتربية الوطنية!
وبشكل منطقي أكثر.. وطنيتنا لايمكن حصرها بهذا الإطار، لكن مشاعرنا الوطنية ليست ملكا مشاعا لكل عازف عليها بعزف نشاز، ولم يكن مقياسنا هدف لياسر أو مالك لتجود قريحة الشعراء، وإنما لقلب نسميه: وطنا.
yalamro@hotmail.com


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم
88548 تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة