-A +A
عبدالله حسن العبدالباقي
العدوان الهمجي الوحشي على غزة الذي تدور أحداثة هذه الأيام، لم يكن الأول في تاريخ تكوين دولة إسرائيل. فالحقائق التاريخية تقول: إن هذه الدولة أنشئت بواسطة عصابات القتل والمجازر والترويع من أجل طرد الفلسطينيين من أرضهم، وترويع اليهود ذاتهم الذين عاشوا لقرون في البلدان العربية، من أجل دفعهم إلى إنشاء هذه الدولة التي قامت على الترويع والارهاب. وأعتقد أن الجميع يعرف من هم «الهاجانا» ويعرف أن أحد رؤساء وزراء هذه الدولة «شامير» كان من تلك العصابات ومطلوب للعدالة لأنه ارهابي.
هذه الدولة ومنذ عام 48 مارست العديد من المجازر ليس فقط في فلسطين منذ النشأة، بل في الدول المجاورة، وبالتأكيد يتذكر المصريون العديد من المجازر أثناء الحروب مع إسرائيل، وكذلك يتذكر اللبنانيون للتو حرب تموز 2006 على لبنان التي مارست فيه هذه الدولة الوحشية بحق البشر والحجر وبغطرسة متناهية، وهي حينما تضرب حتى مقار الأمم المتحدة سواءً في قانا أو في مدرسة الأونروا ترسل رسالة أساسية مفادها أن الأمم المتحدة لا تستطيع أن تحميكم.
غزة إذاً حلقة في سلسلة ابتدأت منذ نشأة هذا الكيان، لكنها في تصوري حلقة مفصلية، بمعنى أنها بداية لفصل جديد في العلاقة مع هذه الغطرسة لا يمكن فيه الاستمرار في قبولها.
قد لا تكون ملامح هذا الفصل واضحة بعد، ذلك أنها في طور التكوين، لكنها من وجهة نظري بداية ذلك الفصل الذي معياره حقوق الإنسان لا مبدأ القوة والغطرسة، وهذا التصور قائم على مواصفات إمتازت بها أحداث غزة وتضافرت فيها ظروف دولية وإقليمية وداخلية وتكنلوجية.
فعلى المستوى الدولي يعيش العالم أزمة ركود اقتصادي طاحنة، أحد أسبابها الرئيسية الحروب، والادعاء بمحاولة حل مشاكل العالم عبر العنف والقوة والهيمنة، وقد استنتج العالم كله الدرس، بل إن شعوب العالم رفضت منذ البدء هذا المبدأ القائم على التحكّم والفكر الإمبراطوري الذي سقط مدوياً اقتصادياً وسياسياً، رغم أن السيد «بوش» يبقى همه على مصالح تجار السلاح وممارسة الارهاب المؤدلج عبر نظريات المحافظين الجدد.
هذه الأزمات التي خلقها للعالم السيد «بوش» أصبحت مكشوفة كنتائج لهذه الممارسات، يظل السيد بوش يمارس نفس الأفعال، ولكن بعد أن فات الأوان وانقلب السحر على الساحر، ليس فقط لأمريكا بل لربيبتها إسرائيل حيث انتصار الصورة على القوة، فقد أبرزت الصورة المشاهدة على شاشات الفضائيات مقدار البشاعة التي يتمتع بها هذا الكيان، وإن أراد أن يخفي هذه الصورة واستطاع إلى حد كبير في كل السنوات الماضية نتيجة همينته على الإعلام وعلى الرأي العام العالمي، إلا أن الفضاء لم يعد ملكاً لأحد وصور الأطفال والنساء والشيوخ المقتولين في شوارع وبيوت ومدارس غزة كانت تعرية حقيقية للحقيقة التي أرادوا دائماً إخفاءها، وهذا ما ولّد حيوية ليس فقط لدى الفلسطينيين الذين وحدتهم المصيبة واكتشفوا أخيراً أن لا مجال للانقسام في معركة غزة حيث يشارك الجميع، بل خلقت الحيوية في الشارع العربي والإسلامي والدولي برمته، الذي يرفض من مبدأ إنساني مشترك هذا الظلم وهذا الارهاب ضد الأبرياء، ويرفض هذه الغطرسة، وهذا ما جعل غزة ملتقى الشرق والغرب، وتخلّت القضية الفلسطينية عن أن تكون عربية وإسلامية فقط، بل قضية عالمية إنسانية بامتياز، وهذا بالتأكيد سيعكس نفسه على السياسة الدولية.
لقد أصبحت القضية الفلسطينية من خلال غزة، مرة أخرى، القضية الأولى للعرب وللمسلمين بل للعالم.
لقد كشفت الصورة القنابل الفسفورية المستخدمة والمحرمة دولياً، وعمليات القتل الجماعي، واستهداف المدارس والآمنين والبيوت والمدنيين والأطفال والنساء وكلها جرائم حرب، فلم يعد ينطلي على العالم «مظلومية» المحرقة النازية التي تمارسها إسرائيل ضد شعب أعزل. لقد اهتزت الصورة التي عملت إسرائيل أن تكون مستقرة في أذهان الرأي العام العالمي عبر عقاب من يشكك في المحرقة. وأضحت المحرقة الممارسة في غزة هي الحقيقة الساطعة التي لايمكن أن يشكك فيها أحد. وأنا أكتب هذا المقال في اليوم السادس عشر للعدوان على غزة، وحين نشره تكون أحداث وربما نتائج قد حدثت، لكني أرى أن ما بعد أحداث غزة غير ما قبلها، ولغير صالح الإرهاب الإسرائيلي.
abumasar@hotmail.com

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 193 مسافة ثم الرسالة