-A +A
عبدالكريم الرازحي
واصلت العظاءتان القتال واحتدم الصراع بينهما، ومن شدة تشابكهما سقطتا من سقف الكوخ ووقعتا على المصباح الزيتي فكان أن خرج الفتيل من المصباح وسقط على الناموسية فاشتعلت، وسرعان ما امتدت النار إلى الفرش وراحت الأم العجوز -أم السيد- تصرخ وتستنجد فسارع أهالي القرية وأخرجوها ثم ظلوا يسكبون قرب الماء على سريرها حتى تمكنوا من إخماد الحريق. لكن للأسف كانت جراح العجوز المسكينة بالغة. نودي على مطبب القرية فحضر وفحص العجوز وهز رأسه وقال: «لابد من دهن الحروق بدم دجاجة. آتوني بواحدة سأذبحها وأتلو عليها الكلمات الطقوسية، ثم ببقاياها أعِدّوا حساءً للمريضة».
وصاح أحدهم: «بالفعل يوجد ديك بالساحة وسارع الرجال إلى مطاردة الديك وسرعان ما أمسك به الرجل وحمله إلى الداخل كي تجرى التضحية به» لكن العجوز وقبل أن تأخذ رشفة من مرق الديك لفظت أنفاسها وبموتها كان على أحدهم أن يمتطي الفرس ويذهب إلى القرية التي يوجد بها رب العائلة ليخبره بوفاة أمه ويعود به سريعا ليقيم مراسم الجنازة. وفي هذه الرحلة عاني الفرس محنة غير مسبوقه ووجد نفسه في طريق العودة تحت وابل ضربات السوط والمهماز وعلى ظهره حِمْلان ثقيلان. لقد وصل خائر القوى يتقيا زبدا مُحْمَرّا وخطا بضع خطوات ثم هوى «انفجر قلبه».
وبالنسبة للتيس فوفق تقاليد القرية فإنه قبل دفن الميت يجب فتح القبر وصب دم تيس بداخله وإطعام لحمه للمعزين وهذا ما حدث. أما الثور فقد ذُبح في الحفل الكبير الذي يقام بعد مرور أربعين يوما على الوفاة وبمناسبة تحرر روح الميت من آخر القيود التي لاتزال تربطها بالعالم الأرضي.
وحده الكلب المخلص لواجبه خرج من هذه الزوبعة سليما.
هذه الحكاية التي تحمل أحيانا عنوان «يمكن للا شيء أن يقتل كل شيء» هي التي يلجأون إليها في إفريقيا لتوضيح المثل السائر: «لاوجود لمشاجرة صغيرة كما لاوجود لحريق صغير».


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم
88548 تبدأ بالرمز 155 مسافة ثم الرسالة