-A +A
كاظم الشبيب
هل تتحول الحرب على غزة إلى نقطة محورية للتحول في المنطقة من خيار السلام كاستراتيجية إلى خيار استراتيجي آخر؟ وبالتالي تعود أوراق اللعبة إلى ما قبل اتفاقية أوسلو، ولكن بصور وأسماء وأجندات أخرى؟ أم إنه مكتوب على البلدان العربية أن تتكيف مع تقلب الدولة العبرية بين صورتيها، الحضارية والديمقراطية الباحثة عن السلام، وصورتها كدولة متجبرة لا قيمة للإنسان العربي في عقيدتها، ولن تراعي في سحقه أية حقوق إنسانية أو بنود شرعية أو مواثيق دولية؟ يكشف العدوان الإسرائيلي على غزة الوجه الحقيقي للإسرائيليين. ويُعيدنا كعرب ومسلمين ليذكرنا بأن إسرائيل يستحيل أن تتحول إلى صديق يمكن الوثوق به أو الاعتماد عليه ليكون شريكاً مستقبلياً للسلام. نحن كعرب ومسلمين لسنا بحاجة للتذكير بذلك، ولكن هول جرائم الحرب التي تمارسها آلة الحرب الإسرائيلية على أهل غزة جاءت لتنبهنا وتعيدنا لما حاولنا تغييبه مؤملين بسلام عادل مع تل أبيب. هذه الصورة قد تُعيدنا إلى أنفسنا عندما نشاهد إسرائيل تستغل خلافاتنا العربية- العربية، وخلافاتنا الفلسطينية- الفلسطينية، بل تساهم في إضرامها بين الحين والآخر من خلال تسريبات إعلامية ضد هذا الطرف العربي أو ذاك الطرف الفلسطيني، والأدهى معرفتها بقابليتنا للاستفزازات الداخلية تجاه بعضنا، وبقابليتنا للانتصار للذات الفردية أو الجماعية الضيقة على حساب قضايانا الرئيسة وجراحاتها. بيد أن العدوان الجاري على أهلنا في غزة حقق للقضية الفلسطينية ما عجزنا نحن من تحقيقه، وسعينا ردحاً من الزمن للمحافظة عليه، وهو بقاء القضية الفلسطينية كمحور وقلب لقضايا الأمة العربية والإسلامية، وخير شاهد تفاعل الشارع العام من المحيط إلى المحيط، وبمعدل يومي، لنصرة القضية! وما جرى في أروقة مجلس الأمن قبل وأثناء وبعد صدور القرار 1860 يؤكد أيضاً الصورة القديمة الجديدة للدعم الأمريكي الأوروبي المفتوح لإسرائيل تحت عناوين مختلفة منها: حقها في الدفاع عن النفس، القضاء على البنية التحتية للإرهاب والإرهابيين، إنهاء الوجود الإيراني في المنطقة، حماية الدولة المتحضرة والديمقراطية في المنطقة- إسرائيل-، تحقيق الأمن لإسرائيل... ولا يبدو أن هذه الصورة من الممكن تغييرها على المدى القريب والمتوسط.
ما أقدمت إسرائيل عليه من صور وحشية في هذه الحرب يؤكد استعدادها للتضحية بورقة السلام مع سوريا، بل حتى مع الفلسطينيين وبقية العرب بما فيهم مصر. وربما تدفع نتائج الحرب العرب نحو إعادة النظر في استراتيجية خيار السلام مع إسرائيل ما دامت تساهم في إضعاف حتى الدول التي ترتبط معها في اتفاقيات سياسية وأمنية، فلماذا تنحا تل أبيب في هذا الاتجاه الذي قد يجلب، ربما, الطلاق بينها والسلام مع العرب؟ تريد إسرائيل، بالإضافة لمحاولتها تجريب المعالجات التي وضعها إيهود باراك وزير الدفاع على هيكلية وتقنيات الوحدات المقاتلة بعد فشلها في حرب تموز2006واستعادة بعض الهيبة المفقودة للجيش في محيطه العربي لتكون أداة في أي مفاوضات سياسية لاحقة، وكذلك ضرب جذور البنية التحتية لقدرات فصائل المقاومة كي لا تتحول إلى رادع ضد أي حكومة إسرائيلية قادمة...والأهم أنها تريد تمديد وإطالة العمر الافتراضي للتفاوض مع العرب لإكمال عمليات تهويد القدس الشرقية وزيادة المستوطنات كي تستوعب المهاجرين الجدد وإعادة رسم الحدود من جديد لتأمين منطقة آمنة جديدة لجدار الفصل القائم ذاته.
«لإسرائيل حساباتها الخاصة» كما قالت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية، وقد أثبتت تل أبيب بأنه لا يهمها كيف ينظر الآخرون إليها ويقيمون مواقفها، أو ما هي حساباتهم. ختاماً، هذه حسابات إسرائيل فما هي حساباتنا؟
kshabib@hotmail.com

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة