-A +A
كاظم الشبيب
كانت السماء العربية ملبدة بالغيوم. لم تنتج جعبة المحللين سوى عصارة من التوقعات السلبية. لم يكن هناك ما يشي أو يوحي بالأمل حتى صباح يوم الاثنين، بل على العكس من ذلك، كان لتسارع الأحداث وطبيعتها، كإفراز للعدوان الإسرائيلي على غزة، ما يدفع لليأس: اتفاق أمريكي إسرائيلي تجاوز الأصول والأعراف الدبلوماسية تجاه دولة عربية بثقل مصر، وشكوك وارتباك عربيان، وأزمة ثقة عربية - عربية في المواقف جرت على مسرح قمة الدوحة وقمة شرم الشيخ، وكانت الخشية الكبرى أن تنتهي تلك الفصول بانكسار للجرة العربية وتفتتها على صخرة قمة الكويت الاقتصادية.
وحدث ما لم يكن في حسبان الكثيرين. انقلبت المعادلة نحو أفق هز كل قناعات المحللين والسياسيين من العرب والإسرائيليين. دوت صرخة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لإعادة اللحمة العربية إلى أصولها، عبر طي صفحات الشتات ولملمة الذات العربية، ومطالبة الجميع، بلا استثناء، التسامي على الجراح الذاتية والمصالح الآنية، والعمل على التصدي لجراح الأمة الكبيرة ومصالحها السامية.
جاء النداء بحجم الأزمة، فالمنعطف السياسي الذي تتعرض له الأمة خطير جداً ولا يحتمل الانتظار، والكرب الذي يختلج في صدر الشارع العربي والإسلامي متشنج جداً ولا يحتمل وزن قشة من التأخير والتأني للتفكير. فكان النداء مصيباً، وكانت الاستجابة العربية للنداء متقدمة أيضاً. قبل قمة إعادة الأمل في الكويت كانت مفردات التفكك والهوان والبعثرة وانعدام الثقة تسود إعلامنا العربي الفضائي والإلكتروني والورقي، وبعدها غابت تلك المفردات لتحل مكانها مفردات اللحمة والتقارب والتشاور والبحث المشترك لخيارات العرب القادمة في التعامل مع إسرائيل.
كأني بهذا النداء المتقدم يقر للجميع مبدأ حرية الاختلاف في التكتيك ولكنه يفرض على الجميع التوحد في الأهداف العربية والإسلامية، ويفرض على الجميع، أيضاً، خطاً أحمر لا ينبغي المساومة فيه أو عليه، من قبل كل الأطراف، وهو حفظ حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة كصاحب أرض محتلة ووطن مسلوب وشعب مشرد وتأمين مصالحه المستقبلية، وإلا لن تبقى المبادرة العربية للسلام على الطاولة للأبد!
كي نعزز نتائج النداء، ونتهيأ لاستكماله بنجاحات سياسية واقتصادية، نحتاج إلى لملمة الصف الفلسطيني على قاعدة النجاح الأولى في صناعة توجه المصالحات العربية - العربية التي انطلقت بنداء خادم الحرمين في الكويت. والأمر الأكثر إلحاحاً، اليوم، هو التعجيل في لملمة ومداواة جراح غزة وأهلها مما خلفه العدوان على الأرض وفي النفوس. الحرب على غزة أعادت الأمل الذي أراد الإسرائيليون إماتته فينا. ونداء الملك أعاد بيننا الثقة التي أرادت تل أبيب نزعها منا، ولكن النداء يقول بأنها لن تنجح. والله من وراء القصد.
kshabib@hotmail.com

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة