-A +A
صلاح الدين الدكاك
بالنسبة للطيار الإسرائيلي – كما للمشاهد العربي – كانت غزة واقعاً افتراضياً، يقصفه الأول ويتعاطف معه الثاني، دون أن تترتب على كليهما، تبعات من أي نوع في حالتي القصف والتعاطف.
والآن وقد أفرغ الطيار الحربي حمولته، وأفرغ المشاهد قذائفه الصوتية ودموعه أمام الشاشة، فإن واقعاً افتراضياً جديداً – ربما مسلسل تركي مودرن – سيكنس ذاكرة الشارع من كل ما تكدس فيها من غبار وأبنية منهارة وجثث وأشلاء، خلال 21 يوماً هي فترة البث التلفزيوني المشترك لـ«مسلسل غزة».

تكمن أزمة إسرائيل في «استخدامها المفرط» لتقانة القتل المتفوق، وتكمن أزمة العربي في استخدامه المفرط لأبجديات العجز؛ وفي الفجوة الشاسعة بين الأزمتين، فقدت الحرب مفهومها التقليدي المتعارف عليه، فعلى الجانب المعادي بدت المعركة أشبة بلعبة «بلاي ستيشن مطوًّرة» خاضها الطيارون في مرمى عدسات البث المباشر، ودون الحاجة لمراوغة المضادات ورادارات الرصد المنتفية أصلاً، واقتصرت مهاراتهم في كبس أزرار الموت عشوائياً والتسديد كيفما اتفق، فما من أهداف نوعية على الأرض.
وعلى الجانب العربي بدت المعركة مجرد دراما بصرية مؤثرة، غير مسبوقة بـ«نلفت عناية المشاهدين إلى أن الصور التي سنوردها مؤذية للمشاعر و.. » انتهى مسلسل الذبح، ليخرج القاتل والمقتول توحِّدهما الصرخة ذاتها: «لقد انتصرنا»!.
لست في معرض تقييم من انتصر على من؟! وكيف؟!..فالمعركة غير قابلة للقياس بالمعايير التقليدية للكسب والخسارة، كما لا أريد الانتقاص من صمود وتضحيات شعب فلسطين.التضحيات التي تستثمر بانتهازية – في كل جولة ذبح – لصالح سجالات داخلية – فلسطينية فلسطينية، عربية عربية، بينما ينفذ القتلة بجلد الجريمة وتُبرًّأ ساحة الاحتلال، ولا ضمانات عملية ملموسة تحول دون مذابح أخرى!
لدينا هزائم بعدد ثقوب الغربال، ولدينا في المقابل «أعياد نصر وجلاء» لا تعد ولا تحصى، ولعل الهزيمة الوحيدة الكفيلة باستئصال القدرة العربية على ادعاء الانتصار، هي أن يفنى العرب دفعة واحدة، أو يفقدوا القدرة على الكلام!
لقد انتهت (( حرب غزة ))..فكل حرب بعدها ونحن طيبون!
Salah_Aldkak@yahoo.com