-A +A
بدر بن سعود
المحتوى المفتوح أو المدار بمعرفة الناس دخل بقوة إلى الساحة الإعلامية الغربية، ومن الأدلة شراء موقع «ماي سبيس» الاجتماعي بمبلغ خمسمائة وثمانين مليون دولار أمريكي، دفعتها مجموعة «نيوزكوربريشن» الإعلامية المملـــوكة لروبرت مردوك، وحصول «غوغل» على «يـــوتيوب» مقـــــابل مليار وخمسـة وستين مليون دولار، والموقعان لهما شعبية واسعة جداً، ومحتواهما بالكامل جماهيري، وتؤكد الأرقام بأن المواقع الإخبارية المعززة بخاصية المحتوى المفتوح تحتفظ بعدد أكبر من الزوار مقارنة بالمواقع المشابهة غير المهتمة بأدوات التفـــــاعل والمشاركة الاجتماعية على الإنترنت، كما هو الحال في موقع جريدة «الإندبندنت» البريطانية، ولو أن معظم القراء يفضلون المتابعة الصامتة لماينشر في المواقع الإعلامية، ولا يشاركون فيها إلا نادراً، بل ومن يعلق لا يتجاوز نسبة تتراوح بين واحد وخمسة في المئة من إجمالي الزوار، ومن الإثباتات أن «بي بي سي» البريطانية تستقبل يومياً آلاف المشاركات والتعليقات، وواقعها الاحصائي يقول: إن المشاركات لا تمثل في أحسن الأحوال إلا نصف في المئة من العدد الكلي للزوار، والشريحة المشغولة بالتعليق الإلكتروني في العالم العربي قد تقفز من مكان إلى مكان، وتسوق لمواقفها في مجموعة من المواقع الإعلامية، وبأسلوب وعظي وثقيل على النفس أحياناً، والمراقب يمكنه التعرف عليها بسهولة وان تغيرت أسماؤها.
كتب تيم أوريلي (2005) بأن الإنترنت وسعت الخيارات المتاحة أمام الناس، في صناعة وتقييم المحتوى الإعلامي ونشره، والزيادة أن مواقع مثل «يوتيوب» و«ماي سبيس» و«ويكيبيديا» و«بيبو» و«بيكزو» صارت منابرَ إعلامية لما يعرف بـ «المحتوى المفتوح» أو «اليوزر جانريتد كونتانت»، وفيها يستطيع أي شخص تقديم مايريده مصوراً أو مكتوباً، وله أيضاً حق التعليق والتحليل والاستنتـــاج، دون رقيب أو حسيب أو مؤهلات تذكر، تماماً كما هو الحال مع خبراء الفضائيات العربية والألقاب التي توزع عليهم بالمجان، وحسب مزاج المعد أو المقدم أو إدارة التحرير وتخميناتها الشخصية، واستناداً إلى رأي بول سافو، المنشور في مجلة «الايكونوميست» يوم 20 أبريل 2006: فلم يعد الجمهور مستهلكاً مستسلماً لم يعرض عليه، وانما تحول الي مشارك ومكون أساسي في المعادلة الإعلامية.
من الشواهد الإضافية أيضاً، ردة الفعل الإلكترونية للجمهور البريطاني على تفجيرات لندن في يوليو 2005، وحجم المشــاركة الإعلامية في المناسبة المذكورة يكشف المستقبل الواعد الذي ينتظر المحتوى المفتوح، على الأقل في بريطانيا، فقد استقبـلت مواقع «بي بي سي» علــى الإنترنت اثنين وعشــــرين ألف رسالة إيميل ومــوبايل، وثلاثمائة صورة، ومجموعة من مقاطع الفيديو، وكل هذا كان في اليوم الأول للاعتداءات، وقال تورين دوغلاس(2006) أن المحتوى الإعلامي الذي قدمه المواطنون البريطانيون وغيرهم في هذه الحادثة، تفوق في قيمته الإخبارية على المواد المجهزة بواسطة الصحافيين وأهل المهنة، وذكر مارك دوز (2003) بأن «اليوزر جانريتد كونتانت» غيرت جذرياً في معـــايير الصحافة الكلاسيكية، وفي العلاقة بين الصحافي والجمهور، وفي «الدوغما» التي تفترض أن امتياز النقل والمراسلة حق حصري للإعلاميين، وان الجمهور له شرف الاستقبال والمتابعة دون تدخل أو مقاومة، وقرأت اخيراً أن المدونات ورسائل الإيميل ستكون على رأس اهتمامات موقع «البيت الأبيض» في الفترة الرئاسية لـ «باراك اوباما» وسيطرح الموقع للمناقشة موضوعات السياسة والاقتصاد لمعرفة رأي الأمريكيين حولها قبل دراسة أي قرار ملزم بخصوصها، وللتذكير فان الدمج بين المحتـوى الإعلامي الهاوي والمحترف منتشر في العالم الغربي، وآخر المنضمين اليه، على حد علمي، جريدة «يو إس إي تــــوداي» في نسختهـا الإلكترونية، والجــــــريدة غيرت في إخرجها على الإنترنت في مارس 2007، خصيصاً لهذا الغرض.
أما مواقع الصحافة البريطانية فقد استخدمت حزمة من الصيغ التفاعلية لتشجيع الناس على المشاركة، وحتى لا ينتهي بها الأمر إلى التهميش والعزلة وانعدام الفاعلية وليتنا نتعلم، وأهم هذه الصيغ: التصويت والتعليقات الإلكترونية على الأخبار بعد التسجيل أو بدون تسجيل، وافردت ابواباً خاصة لمناقشة قضايا يقترحها القراء وتبقى القضايا مفتوحة لاســـــابيع أو اشهر، وهذه الفكرة قديمة وبدأتها «الغارديان» في سنة 1999 ثم لحقت بها «الميل» في سنة 2002، ولايمكن تصورها في معظم الصحافة العربية لانها قد تتجاوز وتنقد بشراسة، والتجارب القريبة اثبتت وبالــــدليل القاطع أن شخصية المسؤول العـربي لازالت مأزومة وتخلط بين الذاتي والموضوعي في النقد، وترك الإعلام البريطاني المطبوع في شكله الرقمي زوايا يضع فيها الصحافيين أسئلة حول احداث معينة أو ساخنة ويطلبـون رأي الجمهـور فيها، والصحافيون هنا يستقبلون الردودأولاً ويحررونها قبل نشرها إلكترونياً، وهذه الزوايا تستمر لايام فقط ولها شعبية عريضة، ومثلاً في مناسبة وفاة الاذاعي البريطاني المعروف جون بيل في اكتوبر 2004، استقبل هذا القسم في «بي بي سي» الإلكترونية مئة ألف رسالة إيميل من الزوار في موضوع نشره حوله، كما قامت الصحافة البريطانية على الإنترنت، بعمل مقابلات مع الصحافيين والشخصيــــات العامة، يطرح فيها الزوار الأسئلة ليجيب عليها الضيف إلكترونيا وأحياناً بالصوت والصورة، وخصصت مساحات لمدونات القراء وموادهم الإعلامية المصورة والمكتوبة، والثانية تنشر في الموقع بعد معالجة وإعادة صياغة يقوم بها الصحافيين.
للمعلومية المدونات عندما ولدت في مواقع الصحافة البريطانية على الإنترنت، كانت محصورة في الصحافيين وتحديداً المراسلين الأجانب فيها، وركزت على نشر أفكارهم ومعها اعمالهم الصحافية غير المسموح بنشرها في النسخـــــة الورقية للجريدة، والقاعدة البريطانية ترى أن التعليقات الإلكترونية على أي مادة أو خبر لا تعبر دائماً عن وزنها الحقيقي أو قيمتها في نظر الجمهور، وربما تجاوزت القيمة الاخبارية عدد التعليقات المنشورة أو العكس، وبعض المسؤولين في هــــذه المواقع يعتقـــــد بأن مسألة نشــر التعليق دون مراجعته والتأكد من محتواه، ممارسة خطيرة وقد تؤدي إلى نتائج كابوسية، لذا فالرقابة قائمة على قدم وساق في هذه المساحات الإلكترونية، واغلبها لا ينشر إلا ما يتناسب مع هوية الجريدة ولا يضر بسمعتها، ولابد أن ينسجم خط المشاركة مع خط الجريدة، ويوجد في «بي بي سي» الإلكترونية «سوفت وير» يفحص الإيميلات المرسلة من القراء ويتأكد من التزامها وتوازنها قبل نشرها، والامر لا يستغرق وقتاً ويتم بـ «ضغطة زر»، والشبكة قامت بهذا الإجراء في محاولة منها لاختصار الوقت الذي تحتاجه عملية المراجعة والنشر، والتجربة لمن يعرفها مملة وتستهلك ساعات طويلة، ورعم هذا فإن مشاركات القراء مفيدة للجريدة في الوصول إلى اخبار جديدة أو غير معروفة، ومن الادلة، أن جريدة «الصن» تنشر اسبوعياً ما بين ثلاثة إلى اربعة اخبار تحصل عليها من زوار موقعها الإلكتروني، وقد يستفاد من التعليقات في جذب المعلن الإلكتروني ووصوله مبـاشرة إلى جمهور بضاعته، ويحتمل أن تؤسس لعلاقة عاطفية ونوع من الولاء بين القارئ وجريدته، ومكاسبها النفسية أكبر من مكاسبها المالية.
السؤال: هل يكفي السابق لإقناع الصحافة السعودية بفتح منابر إعلامية للقراء في مواقعها الإلكترونية...؟
binsaudb@ yahoo.com

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة