رغم تقديري واعترافي بأهمية ما يحاوله الزميل العزيز الدكتور عبد العزيز قاسم من جهد لتحريك بركتنا الفكرية والثقافية بقذفها ببعض الحجارة بغية تحريكها، إلا أنه ليس في كل حركة بركة وكذلك ليس كل حجر مفيدا في التحريك. فقد فاجأنا العزيز قاسم مجددا بلقاء مطول مع عبد الرحمن الراشد، وكنا بالكاد قد نسينا له حجرا سابقا أدمى وعينا بمكاشافاته معه، ولمعزتنا لهذا العزيز سنغفر له اختيار ذات الحجر مرتين واللدغ من ذات الجحر مرتين، لأنه أراد بحسه الصحفي المرهف استغلال نقطة مثارة حول طريقة تغطية قناة العربية، للحرب على غزة، وأعطى مديرها فرصة للرد على التهم لقناته بعدم التزامها حتى الحياد في قضية تخص العرب الذين تتحدث هذه المحطة باسمهم وتستغله للترويج لأفكار لا تروقهم ولا تمثل طموحاتهم ولا تستهدي أمالهم، إلا أن المدير الراشد لم يوفق في إجاباته وطوح بأسئلة الحوار ذات اليمين وذات اليسار مثبتا التهمة على قناته بوصمها بالانحياز إلى وجهة نظر إسرائيل عدو العرب في محطة العرب العربية.
وقد بات الأمل أن تغير هذه القناة ومثيلاتها اسمها إلى أي اسم آخر، الشرق أوسطية مثلا، كي تتم الخلفية الفكرية للامتداد الثقافي، الأيديولوجي حقيقة، الذي يمثله هؤلاء. وذلك ليقيني أن الحجر الذي اختاره القاسم هذه المرة لا يمثل نفسه وحسب، بل مدرسة فكرية تغريبية تتراص مكعباتها بفعل أجنبي ويلفظها الجسم العربي والإسلامي لأنها غريبة عليه، متطفلة على خلاياه، كادت في فترة من الفترات أن تكون فيروس إيدز يصيب خلايانا الفكرية فيدمر مناعتها ووعيها ولكن الله سلم، بارتكاس السحر على الساحر وعودة الوعي لكثير من شبابنا الذين أغوتهم الطروحات المنمقة عن الفكر الأمريكي والتقدم الأمريكي والديموقراطية الأمريكية، وجميعها فقاعات تفجرت في سماوات أفغانستان والعراق واليوم في غزة، ومن قبل في كل مكان تدب فيه رجل أمريكية.
الخراف والصقور
مما لفت نظري في اللقاء القول إن من يلجأ إلى متابعة الأخبار في غير محطته خراف، والصقور من يتابعون محطته، ورغم ما في هذا القول من صلافة وغرور فإنه يتضمن إهانة لشرائح كبيرة من المجتمع سواء السعودي أو الخليجي أو العربي، وبعد تفنيد هذا الرأي سنكتشف ربما العكس بأن معظم، ولا أقول كل، من يتابع محطته هم ممن بلغ خريف العمر أو بعض النساء والأطفال ممن يريدون قوالب جاهزة وأنماطا فكرية قديمة مقبولة لا تحتاج إلى نقاش وفرز، ومشبوهة في معظم الأحوال، سنكتشف أن متابعي محطته يلعقون العسل غير دارين بما فيه.
الـ «بي بي سي» والعربية
يقول إن محطته مهنية والمحطات الأخرى تعبوية، قاصدا محطة الجزيرة، سأريحه أنا من مقارنة محطته بمحطة الجزيرة، هذه المقارنة التي تصيبه بمقتل كل يوم، هناك محطة أخرى أجنبية، محطة الـ (بي بي سي) الناطقة بالعربية مثلا، كيف وقفت هذه المحطة على الحياد بينما محطته (العربية) تبنت ورصدت وصدقت وبثت كل أكاذيب إسرائيل، هذه المحطة استضافت إسرائيليين، ومهنيا لا عيب في ذلك، إلا أنها كانت تناقشهم وتفحمهم بالأفلام والصور تعرضها عليهم، محطة الراشد هذا تستضيفهم بعد كل عمل بربري لتبريره بشرح وجهة نظرهم ثم ينتهي اللقاء.
يقول إن حتى أقل الناس فهما سيعرف أن إسرائيل مجرمة، بمعنى أنه حتى لو لم تقل محطته ذلك، فهل ترى قالته؟ للأسف قالت العكس، نشرت صحيفة يديعوت أحرينوت أن مراسلة محطة العربية في غزة أكدت على إطلاق صواريخ من تحت مكتبها في بناية البرج، وظهرت في شريط مصور وهي تتمايل رقصا بالقول إن الانفجار الحاصل من ضرب البرج الذي تجمع فيه صحفيون دوليون ناتج عن صاروخ مقاومة، يا سبحان الله وحدها من بين جمع الصحفيين عرفت ذلك، ولو انفجر الصاروخ على بعد أمتار منها لطار رأسها في الفضاء، واتخذت (إسرائيل) حديثها دليلا من قناة عربية ضد قضية عربية،
وسأنتهز الفرصة هنا لسؤاله إن كان أقل الناس فهما سيعرف أن (إسرائيل) مجرمة، فماذا عن أمريكا، أم أن حدود وعيه تقف عند هذا الحد ولا تبصر من يقف وراء هذه الدولة المصطنعة. أمريكا ليست مذنبة بكل ما فعلته وتفعله في العراق وأفغانستان؟ أمريكا ليست مذنبة في اغتصاب خيارات الشعوب وتحويلها إلي مصالح أمريكية؟ أمريكا ليست مذنبة باعتقال وتعذيب آلاف المعتقلين العرب والمسلمين في سجونها حول العالم وفي جوانتانامو؟ ولا أقول كل المثقفين الذين يبررون ذلك سوى إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
دحلان وورقة التوت
تستضيف محطته (العربية) الانقلابي دحلان، أول منقلب ضد اتفاق مكة، والرجل الذي أسقط ورقة التوت عن نفسه، ويعتبر المحرض الأول ضد حماس، ومن كان يستعد للدخول إلى غزة مع كتيبته المجهزة عسكريا، حال القضاء على حماس، وتجري معه مقابلة في الأسبوع الأول من الحرب على غزة يقول فيه كلاما ضد المقاومة تخجل حتى إسرائيل من ترديده. تعرض محطته وسط الأسبوع الثاني من الحرب أثناء تعاظم سقوط الشهداء وتناثر الأشلاء، احتفالا راقصا لإحدى بلديات المدن الإسرائيلية، يظهر مدى التمدين والتحضر الذي يسود هناك. أليس هذا تبنيا لإدعاءات دولة مجرمة يعرف أقل الناس فهما إجرامها؟
تتشجع محطته بالذهاب إلى مدينة إسرائيلية يحتفل أهلها بضرب سكان غزة، وعندما تنبري واحدة منهم لشكر من جعل ذلك ممكنا، بادئة بشكر أمريكا ثم تذكر اسم دولة أخرى فتقطع المحطة الاتصال حجبا لحقيقة بثتها أكثر من قناة محايدة أخرى. يراوغ بالقول، وهو للأسف اشتهر إعلاميا بذلك، أن حماس أخرت إذاعة خطاب السيد خالد مشعل تقديرا لمحطته، ولو علمت حماس أن محطته ستبث الخطاب لألغته، ويخادع بالقول إن استخدام كلمة شهيد لمراسلي محطته لم يظهر إلا في إعلان دعائي، كتبرير لعدم استخدام كلمة شهيد لضحايا غزة، وجميعنا شاهد خبر أطوار بهجت وزميلها يتكرر في نشرات محطته لأيام، ثم عاد وتكرر في الشريط المقروء لأيام أخر.
مفاجأة الحوار
ثم كانت مفاجأة عزيزنا القاسم أن قدم لنا الراشدكمنظر اقتصادي ثم كفيلسوف تاريخي بعد أن كنا نعرفه محللا سياسيا، وإن كان لمحللي الزيجات أقرب، ذلك أنه يحلل للعرب زواجا كاثيلوكيا مع أمريكا وزواجا للمتعة مع إسرائيل. يدعي أن الرأسمالية ليست عقيدة ولا أيديولوجيا مثل الشيوعية، وهذه قمة الدعاية الدغمائية الخرقاء التي ظننت أن شرقنا العربي قد أفاق منها منذ زمن، يقول إن الرأسمالية مجرد آلة لتنظيم السوق ولا تسقط لأن سوقا انهارت، أليس هذا تعلقا طفوليا بنظرية غربية وظفت السوق لأغراض ذاتية فأنبتت كل هذا الفساد، ألم تستعر هذه النظرية آليات نظريات منافسة لمحاولة إنقاذ سوقها وهو أيقونة نشاطها، أليست هذه الاستعارة دليل تهافت النظرية الرأسمالية، فلم الدفاع عنها وعن سيدتها أمريكا بكل هذا التسطيح.
يدعي أن ليس هناك سوى دولة عظمى واحدة هي أمريكا والبقية دول كبرى فقط، الناس في أمريكا بدأت تتحدث عن ما بعد الإمبريالية، الناس في كل أرجاء العالم بدأت تتحدث عن ما بعد سياسة القطب الواحد، وأزلام أمريكا ما زالوا متمسكين بزعامة أمريكا كأن الشمس لن تشرق إلا من صرة هذه الأمريكا؟
الاقتصاد والحربان العالميتان
ثم هو فيلسوف تاريخي يقول لنا إن اندلاع الحروب، خصوصا الحربين العالميتين لم يكن لأسباب اقتصادية، تماما يا سيد مثلها مثل الحرب على العراق لم تكن لأسباب نفطية بل كانت رغبة في جلب الديموقراطية للعراقيين وتخليصهم من دكتاتورهم الظالم، فأي تهافت هذا؟ ويذهب أكثر بالقول إن عودة الناس لقراءة فكر ماركس عبارة عن هوس بالماضي، نستولجيا كما ذكر. حسنا فما القول إذا كان أساتذته ومعلموه في واشنطن هم من عادوا لتراث ماركس يستلهمونه حلا لمعضلتهم، بل استخدموا بعضا من آلياته، فهل هذه نستولجيا خيالية أم تنفيذا لهذه الآليات، أليست النستولجيا هي التمسك بعظمة أمريكا في عالم بدأ يدحض هذه العظمة، أليست النستولجيا هي أن تعيش حلم غيرك، أليس لهؤلاء دولة وبيئة ومجتمع ينتمون إليه، هل ستظل أرواحهم معلقة في الهواء هائمة لا تعرف مستقرا فهم هناك مطاردون وهنا مطرودون.
الطابور الخامس
إن قلت إنهم طابور خامس فذلك مدح لهم لا يستحقونه، ذلك أن الطابور الخامس يبعثه الجيش المحارب من أبناء جلدته خلف خطوط عدوه لاستجلاب أسراره، هؤلاء للأسف أبناء جلدتنا ويعملون لصالح أعدائنا، هؤلاء تتلمذوا علي يد رالف باتاي وكتبه عن العقل العربي، ومن قبله حفنة من المستشرقين المتحاملين على الشرق المسلم، هؤلاء تابعوا فكر هينتنجتون وصراعه مع حضارة الإسلام، ومن بعده فوكوياما ونهاية التاريخ بتصدر سيدتهم أمريكا، هؤلاء ما زالوا صرعى أحلام وردية طفولية عن ديموقراطية أمريكا وليبرالية أمريكا وزعامة أمريكا، صرعى لم يفيقوا بعد على حقيقة الواقع الذي انهارت وانتهت إليه أمريكا، لا أقول سوى بتركهم وشأنهم بعد أن ضمنا انحسار تأثيرهم على شبابنا العربي والمسلم الذي أثبتت الأحداث وعيه بما يحدث وكشفه للمبررين والمنظرين لما يحدث.
د.عبد المحسن هلال
أستاذ جامعي وكاتب
وقد بات الأمل أن تغير هذه القناة ومثيلاتها اسمها إلى أي اسم آخر، الشرق أوسطية مثلا، كي تتم الخلفية الفكرية للامتداد الثقافي، الأيديولوجي حقيقة، الذي يمثله هؤلاء. وذلك ليقيني أن الحجر الذي اختاره القاسم هذه المرة لا يمثل نفسه وحسب، بل مدرسة فكرية تغريبية تتراص مكعباتها بفعل أجنبي ويلفظها الجسم العربي والإسلامي لأنها غريبة عليه، متطفلة على خلاياه، كادت في فترة من الفترات أن تكون فيروس إيدز يصيب خلايانا الفكرية فيدمر مناعتها ووعيها ولكن الله سلم، بارتكاس السحر على الساحر وعودة الوعي لكثير من شبابنا الذين أغوتهم الطروحات المنمقة عن الفكر الأمريكي والتقدم الأمريكي والديموقراطية الأمريكية، وجميعها فقاعات تفجرت في سماوات أفغانستان والعراق واليوم في غزة، ومن قبل في كل مكان تدب فيه رجل أمريكية.
الخراف والصقور
مما لفت نظري في اللقاء القول إن من يلجأ إلى متابعة الأخبار في غير محطته خراف، والصقور من يتابعون محطته، ورغم ما في هذا القول من صلافة وغرور فإنه يتضمن إهانة لشرائح كبيرة من المجتمع سواء السعودي أو الخليجي أو العربي، وبعد تفنيد هذا الرأي سنكتشف ربما العكس بأن معظم، ولا أقول كل، من يتابع محطته هم ممن بلغ خريف العمر أو بعض النساء والأطفال ممن يريدون قوالب جاهزة وأنماطا فكرية قديمة مقبولة لا تحتاج إلى نقاش وفرز، ومشبوهة في معظم الأحوال، سنكتشف أن متابعي محطته يلعقون العسل غير دارين بما فيه.
الـ «بي بي سي» والعربية
يقول إن محطته مهنية والمحطات الأخرى تعبوية، قاصدا محطة الجزيرة، سأريحه أنا من مقارنة محطته بمحطة الجزيرة، هذه المقارنة التي تصيبه بمقتل كل يوم، هناك محطة أخرى أجنبية، محطة الـ (بي بي سي) الناطقة بالعربية مثلا، كيف وقفت هذه المحطة على الحياد بينما محطته (العربية) تبنت ورصدت وصدقت وبثت كل أكاذيب إسرائيل، هذه المحطة استضافت إسرائيليين، ومهنيا لا عيب في ذلك، إلا أنها كانت تناقشهم وتفحمهم بالأفلام والصور تعرضها عليهم، محطة الراشد هذا تستضيفهم بعد كل عمل بربري لتبريره بشرح وجهة نظرهم ثم ينتهي اللقاء.
يقول إن حتى أقل الناس فهما سيعرف أن إسرائيل مجرمة، بمعنى أنه حتى لو لم تقل محطته ذلك، فهل ترى قالته؟ للأسف قالت العكس، نشرت صحيفة يديعوت أحرينوت أن مراسلة محطة العربية في غزة أكدت على إطلاق صواريخ من تحت مكتبها في بناية البرج، وظهرت في شريط مصور وهي تتمايل رقصا بالقول إن الانفجار الحاصل من ضرب البرج الذي تجمع فيه صحفيون دوليون ناتج عن صاروخ مقاومة، يا سبحان الله وحدها من بين جمع الصحفيين عرفت ذلك، ولو انفجر الصاروخ على بعد أمتار منها لطار رأسها في الفضاء، واتخذت (إسرائيل) حديثها دليلا من قناة عربية ضد قضية عربية،
وسأنتهز الفرصة هنا لسؤاله إن كان أقل الناس فهما سيعرف أن (إسرائيل) مجرمة، فماذا عن أمريكا، أم أن حدود وعيه تقف عند هذا الحد ولا تبصر من يقف وراء هذه الدولة المصطنعة. أمريكا ليست مذنبة بكل ما فعلته وتفعله في العراق وأفغانستان؟ أمريكا ليست مذنبة في اغتصاب خيارات الشعوب وتحويلها إلي مصالح أمريكية؟ أمريكا ليست مذنبة باعتقال وتعذيب آلاف المعتقلين العرب والمسلمين في سجونها حول العالم وفي جوانتانامو؟ ولا أقول كل المثقفين الذين يبررون ذلك سوى إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
دحلان وورقة التوت
تستضيف محطته (العربية) الانقلابي دحلان، أول منقلب ضد اتفاق مكة، والرجل الذي أسقط ورقة التوت عن نفسه، ويعتبر المحرض الأول ضد حماس، ومن كان يستعد للدخول إلى غزة مع كتيبته المجهزة عسكريا، حال القضاء على حماس، وتجري معه مقابلة في الأسبوع الأول من الحرب على غزة يقول فيه كلاما ضد المقاومة تخجل حتى إسرائيل من ترديده. تعرض محطته وسط الأسبوع الثاني من الحرب أثناء تعاظم سقوط الشهداء وتناثر الأشلاء، احتفالا راقصا لإحدى بلديات المدن الإسرائيلية، يظهر مدى التمدين والتحضر الذي يسود هناك. أليس هذا تبنيا لإدعاءات دولة مجرمة يعرف أقل الناس فهما إجرامها؟
تتشجع محطته بالذهاب إلى مدينة إسرائيلية يحتفل أهلها بضرب سكان غزة، وعندما تنبري واحدة منهم لشكر من جعل ذلك ممكنا، بادئة بشكر أمريكا ثم تذكر اسم دولة أخرى فتقطع المحطة الاتصال حجبا لحقيقة بثتها أكثر من قناة محايدة أخرى. يراوغ بالقول، وهو للأسف اشتهر إعلاميا بذلك، أن حماس أخرت إذاعة خطاب السيد خالد مشعل تقديرا لمحطته، ولو علمت حماس أن محطته ستبث الخطاب لألغته، ويخادع بالقول إن استخدام كلمة شهيد لمراسلي محطته لم يظهر إلا في إعلان دعائي، كتبرير لعدم استخدام كلمة شهيد لضحايا غزة، وجميعنا شاهد خبر أطوار بهجت وزميلها يتكرر في نشرات محطته لأيام، ثم عاد وتكرر في الشريط المقروء لأيام أخر.
مفاجأة الحوار
ثم كانت مفاجأة عزيزنا القاسم أن قدم لنا الراشدكمنظر اقتصادي ثم كفيلسوف تاريخي بعد أن كنا نعرفه محللا سياسيا، وإن كان لمحللي الزيجات أقرب، ذلك أنه يحلل للعرب زواجا كاثيلوكيا مع أمريكا وزواجا للمتعة مع إسرائيل. يدعي أن الرأسمالية ليست عقيدة ولا أيديولوجيا مثل الشيوعية، وهذه قمة الدعاية الدغمائية الخرقاء التي ظننت أن شرقنا العربي قد أفاق منها منذ زمن، يقول إن الرأسمالية مجرد آلة لتنظيم السوق ولا تسقط لأن سوقا انهارت، أليس هذا تعلقا طفوليا بنظرية غربية وظفت السوق لأغراض ذاتية فأنبتت كل هذا الفساد، ألم تستعر هذه النظرية آليات نظريات منافسة لمحاولة إنقاذ سوقها وهو أيقونة نشاطها، أليست هذه الاستعارة دليل تهافت النظرية الرأسمالية، فلم الدفاع عنها وعن سيدتها أمريكا بكل هذا التسطيح.
يدعي أن ليس هناك سوى دولة عظمى واحدة هي أمريكا والبقية دول كبرى فقط، الناس في أمريكا بدأت تتحدث عن ما بعد الإمبريالية، الناس في كل أرجاء العالم بدأت تتحدث عن ما بعد سياسة القطب الواحد، وأزلام أمريكا ما زالوا متمسكين بزعامة أمريكا كأن الشمس لن تشرق إلا من صرة هذه الأمريكا؟
الاقتصاد والحربان العالميتان
ثم هو فيلسوف تاريخي يقول لنا إن اندلاع الحروب، خصوصا الحربين العالميتين لم يكن لأسباب اقتصادية، تماما يا سيد مثلها مثل الحرب على العراق لم تكن لأسباب نفطية بل كانت رغبة في جلب الديموقراطية للعراقيين وتخليصهم من دكتاتورهم الظالم، فأي تهافت هذا؟ ويذهب أكثر بالقول إن عودة الناس لقراءة فكر ماركس عبارة عن هوس بالماضي، نستولجيا كما ذكر. حسنا فما القول إذا كان أساتذته ومعلموه في واشنطن هم من عادوا لتراث ماركس يستلهمونه حلا لمعضلتهم، بل استخدموا بعضا من آلياته، فهل هذه نستولجيا خيالية أم تنفيذا لهذه الآليات، أليست النستولجيا هي التمسك بعظمة أمريكا في عالم بدأ يدحض هذه العظمة، أليست النستولجيا هي أن تعيش حلم غيرك، أليس لهؤلاء دولة وبيئة ومجتمع ينتمون إليه، هل ستظل أرواحهم معلقة في الهواء هائمة لا تعرف مستقرا فهم هناك مطاردون وهنا مطرودون.
الطابور الخامس
إن قلت إنهم طابور خامس فذلك مدح لهم لا يستحقونه، ذلك أن الطابور الخامس يبعثه الجيش المحارب من أبناء جلدته خلف خطوط عدوه لاستجلاب أسراره، هؤلاء للأسف أبناء جلدتنا ويعملون لصالح أعدائنا، هؤلاء تتلمذوا علي يد رالف باتاي وكتبه عن العقل العربي، ومن قبله حفنة من المستشرقين المتحاملين على الشرق المسلم، هؤلاء تابعوا فكر هينتنجتون وصراعه مع حضارة الإسلام، ومن بعده فوكوياما ونهاية التاريخ بتصدر سيدتهم أمريكا، هؤلاء ما زالوا صرعى أحلام وردية طفولية عن ديموقراطية أمريكا وليبرالية أمريكا وزعامة أمريكا، صرعى لم يفيقوا بعد على حقيقة الواقع الذي انهارت وانتهت إليه أمريكا، لا أقول سوى بتركهم وشأنهم بعد أن ضمنا انحسار تأثيرهم على شبابنا العربي والمسلم الذي أثبتت الأحداث وعيه بما يحدث وكشفه للمبررين والمنظرين لما يحدث.
د.عبد المحسن هلال
أستاذ جامعي وكاتب