-A +A
كاظم الشبيب
توقف العدوان الإسرائيلي عن غزة، ومساعي التوصل إلى هدنة لن تتوقف، ولكن هل يمكن إعادة الحياة لعجلة السلام في المنطقة؟ وهل لا زال للسلام فرص متاحة بين العرب وإسرائيل؟ أم أن مسيرة السلام ماتت بالضربة القاضية في غزة؟. أم أن تل أبيب من القوة بمكان بحيث تستطيع أن تتكرم بإعطاء السلام الإسرائيلي للضفة الغربية بشكل منفصل عن قطاع غزة؟ وهل لدى العرب القدرة الفعلية والواقعية على إعادة النظر في أصل الاستمرار أو عدم الاستمرار في خيار السلام كاستراتيجية كانت مؤملة حتى قبل العدوان على غزة؟
حيث إن هذه الأسئلة، وغيرها كثير، أصبحت مفروضة، وفي الوقت ذاته هي عميقة وكبيرة وخطيرة، لأنها تهم جل المنطقة العربية والإسلامية وشعوبها، ولا يمكن تناولها في مقال، ولكن يمكن الاعتماد على المنهج العام الذي اتخذته إسرائيل في التعامل مع العرب، وعلى منطقها ورؤيتها تجاه السلام وعلى الآليات التي تبنتها في التعامل مع محيطها الجغرافي، لمحاولة استشراف مستقبل السلام في المنطقة. لذا نكتفي هنا بالإشارة إلى بعض النقاط الرئيسة حول الموضوع، منها:
«نجاحهم وخسارتنا»: نجحت إسرائيل منذ اتفاقية كامب ديفد وما تلاها من اتفاقيات مع الفلسطينيين والأردنيين، من التفرد بالدول العربية في اتفاقيات سلام ثنائية بعد أن كان المطلب العربي القديم يقوم على وحدة مسارات التفاوض مع إسرائيل. وبالتالي تمكنت أيضاً من تقسيم العرب لاحقاً إلى توجهين, الأول توجه ما سمي بالاعتدال والثاني توجه ما سمي بالممانعة. ونجاحهم الأكبر، كنتيجة للاتفاقيات، يرتكز على انتهاء مرحلة الحروب الشاملة بين العرب وإسرائيل.
«دبلوماسيتهم ودبلوماسيتنا»: استطاعت الدبلوماسية العربية أن تتكيف باحتراف مع المعطيات الإسرائيلية والمعادلة السياسية بين العرب من جهة وإسرائيل وأمريكا والغرب من جهة أخرى في بعض المحطات. وقدم العرب معظم ما يمكنهم تقديمه لنجاح الأمر في أغلب الأوقات، لكن إسرائيل لم تقدم أي شيء مقابل ذلك في كل الأوقات! وبينما كان العرب يتغاضون عن الكثير من تجاوزات إسرائيل، حيث كانت الأخيرة لا تنظر للأمور إلا بمنظار مصالحها دون مراعاة لمصالح أي طرف آخر.
«منطقهم ومنطقنا»: منطق العرب قبل اتفاقيات السلام المبرمة مع إسرائيل كان دائماً يقوم على تحرير الأراضي العربية بالحرب، أما بعد تلك الاتفاقيات فكان الغالب هو منطق السلام رغم بعض زوايا التوتر هنا وهناك. بيد أن إسرائيل لم تعمل بشكل جاد للتوصل إلى سلام عادل، وتطالب مقابل ذلك بأمنها، بل انطبع منطقها في العقود الثلاثة الماضية بالتعنت مع محاولة فرض شروطها على جميع أطراف السلام العربية. من جهة أخرى استمرت خروقاتها تجاه حتى الأطراف العربية التي وقعت معها اتفاقيات سلام، والأدهى تمثل في استخدامها آلة الحرب كوسيلة لإخضاع من لا يتوافق مع شروطها والسلام الذي تطلبه. ولا يبدو أن حربها على غزة ستكون الأخيرة. منطق القوة عند الإسرائيليين لم يكن مستحدثاً بعد اتفاقيات السلام، بل هو المنطق ذاته الذي استخدمته جميع الحكومات الإسرائيلية تجاه العرب خلال العقود السبعة الماضية.
«خياراتهم وخياراتنا»: بينما أعلن العرب، أغلبهم، خلال العقدين الماضيين، مراراً وتكراراً، استعدادهم للسلام ووضعه كاستراتيجية وحيدة للتعامل مع إسرائيل وإسقاط الخيارات الأخرى، كانت الأخيرة تعلن دائماً أن خيار الحرب، تحت عناوين مختلفة، هو خيار قائم، آخرها ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت عندما قرر وقف إطلاق النار من جانب وأحد!
حرب إسرائيل على غزة لم تكن لمعالجة ظرف ميداني عسكري يؤذيها. لو كان كذلك ربما يتفهم بعض العرب ذلك، ولكنها كانت حرب إجرامية بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ قاسية وحادة ومدمية. فهل سيبقى للسلام فرصة للتحقق عند أبناء الشهداء والجرحى والمصائب التي حلت بغزة وأهلها؟ ننظر وتنظرون.
kshabib@hotmail.com


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة