-A +A
محمد التونسي- أنقرة
يستفحل تباين المشهد الشرق أوسطي ويستشري الخلاف والاختلاف. وعندما يبلغ التهديد حدود اختلال الموازين السيادية في المنطقة، حري أن ينبري أهل الحصافة وسداد الرأي لعلاج التباين وكبح اللامشروعية وتمرير الأجندة غير السوية. وحين تصدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز عبر مبادرته التي استأصلت عمق المأزق، ورغم السند التأييدي الذي حظيت به من إندونيسيا إلى المغرب، تظل هناك أصوات فاعلة ومؤثرة أخرى في المنطقة. وتركيا التي ليست بمعزل عن هموم الهيمنة الإسرائيلية والمأساة الفلسطينية ، والملف النووي الإيراني، والحالة العراقية المأزومة سياسيا وإثنيا وطائفيا، بجانب أجندة قائمة أخرى هي في مجملها شوكة في الخاصرة العربية، وهنا كان مهما الوقوف عن كثب على ماتحمله الجعبة السياسية التركية عبر رؤى وقناعات الرئيس عبدالله جول الذي خص رؤساء تحرير « عكاظ» و « الحياة» و «المدينة» بهذا الحوار عشية زيارته الرسمية للملكة.

محّص الرئيس التركي، ضمن حديثه ، مواقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ، مثمنا عاليا طرحه مبادرة السلام العربية التي أرست قواعد ثابتة للحل الشامل في وسطية على مبدأي العدل والحق، مبينا في منحى موازٍ أن الملك عبدالله أصاب كبد الحقيقة في قمة الكويت، حين أقر عدم بقاء أي ملف على الطاولة إلى ما لا نهاية ،عطفا على المسعى الدنيء لإسرائيل باستغلالها العدوان لتقنع العالم أن لديها مشكلة أمنية. ووصف المبادرة أنها أوضحت للعالم أن الدول العربية تضمن أمن إسرائيل على شروط هذه المبادرة.


وتناول الرئيس جول آلية التشاور السياسي الدائم بين المملكة وتركيا، فضلا عن استحداث قنوات للتحاور مع مجلس التعاون الخليجي، لتنظيم العلاقات البينية ، موضحا أن المملكة وبلاده توليان أهمية قصوى للاستقرار في المنطقة ،إذ أن ملف الأمن وما يندرج تحت بنوده من مكافحة للإرهاب له أولوية في أجندة أعمال القمة السعودية التركية، مشددا على ضرورة الاستقرار في المنطقة، فحين تنحسر بوادر الأمن يغيب مبدأ الرفاه.

وقال الرئيس جول إن المملكة وتركيا دولتان تتشاركان الفهم الجيد والعميق لنزاعات المنطقة كافة، ومجتمعتان تساندان جميع الجهود المتمخضة عن حسم للنزاعات الموجودة قبل أن تصل إلى مرحلة التنازع أو التصادم.

وبيّن الرئيس التركي موقف بلاده من المأساة الفلسطينية وتطابقها في مظهري المضمون والمحتوى، مشيرا إلى أن من تضرر في النهاية ، هم أبناء القطاع لا حماس ، معضدا واقع الحال بأن الوحدة الفلسطينية أمر مهم وشرط أساس، وليس هناك ما يؤثر على القضية كالتفرق والتشرذم الفلسطيني.

واستدعى الرئيس جول مسيرة العمل التعاوني التنسيقي للجانبين في مشاهده التاريخية والآنية والمستقبلية ، وأنجع سبل استنهاضها اقتصاديا وثقافيا ودفاعيا توطئة لبلوغها مصافات تعود بالنفع على البلدين والمنطقة والعالم بأسره.

هنا الحوار:





يستهل الرئيس التركي عبدالله جول بالترحيب ، ويقول إن زيارتي خادم الحرمين الشريفين عام 2006، 2008 تركتا ذكريات طيبة. وكانتا زيارتين مهمتين جداً. إذ تمثلان زيارتين لأول ملك سعودي إلى تركيا منذ حوالى 40 عاماً، لكن بعد انتخابي رئيساً للجمهورية، تفضل علينا بالزيارة الثانية كدليل على اهتمامه بتركيا، وقال نحن في الوقت نفسه نبادله ذات الشعور. وللحق ، نحن نكن حباً خاصا لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله والقيادة السعودية وللشعب السعودي برمته.

مضيفا إن علاقاتنا الثنائية مهمة جداً، ونحن نولي أهمية قصوى لهذه العلاقات ، إذ أن هناك مسائل متعلقة بالمنطقة ودول الشرق الأوسط، و عندما تستجد أمور معينة نسعى للتشاور الدائم في ما بيننا هاتفيا. في الوقت نفسه سأعمل على تلبية دعوة خادم الحرمين الشريفين لزيارة المملكة ردا على زيارته. ويحدونا أمل أن تتطابق وجهات النظر بالنسبة لعلاقاتنا الثنائية، وعلاقاتنا مع دول المنطقة. وكشف الرئيس التركي عن أنه عاش فترة في المملكة العربية السعودية إبان عقد الثمانينات، عندما كان أبناؤه صغارا ، حتى أن ابنته ولدت في مدينة جدة، ويحتفظ جول بذكريات عائلية جميلة وطيبة، وخادم الحرمين الشريفين على اطلاع بهذا الأمر، هذه العلاقات الشخصية الحميمة تؤثر بالتأكيد إيجابا على العلاقات بين البلدين طبعاً.

القمة السعودية التركية

¶ البداية إذن بالقمة السعودية التركية المرتقبة.. لا شك أن اللقاء الأخير بينكم وبين خادم الحرمين الشريفين في أنقرة تمخض عن تأسيس أرضية جديدة مشتركة، وهذه تجسدت في توقيع اتفاقيات، وكذلك في التواصل فيما بعد بين الشخصيات المسؤولة سعودية وتركية، ومن الواضح أن هذه الزيارة ستشكل إضافة جديدة للعلاقات بين البلدين، هل لنا أن نعرف بالتحديد ماذا في الملف بالنسبة للإضافة المنتظرة من هذه القمة؟ سواءا مايتعلق بعلاقة الرياض وأنقرة ومن ثم فيما بعد ما يتعلق بالتطورات الدولية؟

• العلاقات التركية السعودية موغلة في القدم ولها روابط اجتماعية وثقافية ودينية متعددة، ولكن في الفترة الأخيرة قويت هذه العلاقات وزادت من أطر الفاعلية الموجودة فيها، مما جعلها أكثر ارتباطا وقوة، وأصبح في المنظور تطور مثل هذه العلاقات. ومن أهم القضايا التي انعكست من تبادل الزيارات والتعاون الموجود بين البلدين: اتفاقيات عقدت وتم التصديق عليها من قبل مجلس الشعب التركي الكبير في تركيا، وكذلك من قبل السلطات المختصة لديكم في المملكة العربية السعودية ومن ضمنها الإعفاء الضريبي و تشجيع الاستثمارات والمواصلات والحقول الأخرى الكثيرة التي فتحت آفاقاً عدة لمجالات التعاون بين البلدين، ويمكن لنا إضافة جديدة بالنسبة لاتفاقيات قد تعقد أثناء زيارتي للمملكة أو في ما بعد، وهذه يمكن أن تتعلق بالقضايا الدفاعية أو قضايا مكافحة الإرهاب أو أي حقول أخرى تستوجب التعاون بين البلدين.

وبالنسبة للصناعات الدفاعية فهي مهمة جدا للتعاون بشأنها، ولذلك يمكن أن أوجز بأن حجم التبادل التجاري بين بلدينا يبلغ ستة مليارات دولار، ونطمح إلى أن يصل في القريب العاجل إلى 10 مليارات دولار.

وهناك ملف ثان وهو موضوع الاستثمارات السعودية في تركيا والاستثمارات التركية في المملكة العربية السعودية، ويمكن أن نتناولها في ملفات معينة، فتركيا تعد من الدول التي زادت من فعالياتها الاقتصادية وتمت بقوة بحيث احتل اقتصادها الترتيب السادس في أوروبا حالياً. وهناك استثمارات تأتي إلى تركيا من مختلف دول العالم لأننا دولة لا نميز بين المواطن والمستثمر الأجنبي من الناحية الحقوقية، لذلك فإن الضوابط الاقتصادية وكذلك الإصلاحات التي تمت على مجمل البنية الاقتصادية في تركيا قد أتت بنتائج طيبة على وضع الاقتصاد التركي، وهناك أمثلة على ذلك. وهناك استثمارات سعودية في تركيا في جميع النواحي وهناك شركات تركية ضخمة تعمل في المملكة العربية السعودية لأننا في مجال الإنشاءات، نعتبر البلد الثالث في العالم من ناحية حجم المقاولات الإنشائية، ونحن نشكر الثقة التي توليها القيادة السعودية إلى الشركات التركية، لأن المملكة تعيش نهضة وقفزة اقتصادية واجتماعية كبيرة تجلب نظر العالم برمته. أما بالنسبة للصناعات الدفاعية فنحن نولي أهمية كبيرة لها، فكما تعلمون أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي منذ خمسين عاماً، لذلك فجميع منتجاتنا وصناعاتنا الدفاعية هي على مستوى حلف شمال الأطلسي. من حيث النوعية وهناك صادرات كثيرة لنا إلى حلف شمال الأطلسي، هناك مثال حي على التعاون بيننا وبين المملكة العربية السعودية بالنسبة لشركة FNS التي بدأت بتصنيع المدرعات والسيارات المصفحة في الخرج (منطقة قريبة من الرياض). وهي من نفس الأنواع ومن نفس وسائل النقل العسكرية المصفحة التي تصدر إلى أنحاء عديدة من العالم، ولدينا إمكانات ضخمة في هذا المجال. هذه المسألة تتضمن نوعاً من الحرج عندما تكون هناك صناعات دفاعية متبادلة أو صادرات لأنه بالنسبة للصناعات الدفاعية يجب أن تكون الدولتان اللتان تتفقان في سبيل التعاون في الصناعات الدفاعية متناغمة بالنسبة لسياساتهما في هذه الأمور، كما يجب توفير عنصر الثقة في هذا الشأن. وبالنسبة لمثل هذا التعاون قد يجوز أنها لا تحصل في الأوقات الحرجة مثلاً إذا لم تكن الثقة في العلاقات الجيدة والممتازة متوفرة، هذه هي المسائل التي تتعلق بالعلاقات الثنائية، لكن هناك العلاقات السياسية التي تستثمر بشكل ممتاز جدا في جميع المحافل الدولية ونساند بعضنا البعض في جميع المحافل، ونتشاور دائماً فيما بيننا في القضايا ذات الاهتمام المشترك الدولية والإقليمية والقضايا التي تهم منطقة الشرق الأوسط، فالبلدان متوازيان في النظرة إلى هذه الأمور وهذه مسألة مهمة بالنسبة للبلدين حيث تفكر الدولتان على نفس الأساس وبنفس المنوال، ولذلك فهي تزيد من قوة العلاقات ومن فعالية هذه العلاقات بين الدولتين، هذا بالنسبة لإطار العلاقات الثنائية، وقد يجوز أن ننتقل في ما بعد إلى القضايا الأخرى التي تهم المنطقة.

التنسيق السعودي التركي

¶ من الملاحظ فخامة الرئيس أنكم تحدثتم عن بعض الاتفاقيات التي تمت وأعتقد أنها فعلت بشكل جيد في الجانب الاقتصادي.. لكن السؤال على الجانب السياسي فيما يخص المنطقة هل هناك تنسيق سعودي تركي لبعض القضايا المهمة؟ وفي الشق الثاني من السؤال: تحدثتم عن الإرهاب فهل هناك اتفاقيات ثنائية فيما يخص هذا الجانب أم أنها مازالت أفكاراً مطروحة للنقاش؟

• الموضوع الذي ذكرتموه هو موضوع مهم جداً لأنه إذا كان هناك أمر معين طارئ بالنسبة للقضايا الإرهابية قد يجوز أن تكون هناك دول معينة في المنطقة تنظر إلى هذا الأمر بنظرات مختلفة، ولذلك أسلفت أننا نرى بسرور أن النظرة إلى المواضيع المشتركة التي تخدم المنطقة متطابقة بين تركيا والمملكة العربية السعودية وسأذكر ذلك في شكل أوضح. نحن نولي أهمية كبيرة للاستقرار في المنطقة، وموضوع الأمن له أولوية قصوى في أجندة أعمالنا. وإذا لم يتوفر الأمن والسلام والاستقرار في أية منطقة، فلا توجد هناك أية بوادر للأمن وكذلك حتى للرفاه ويجب أن ندرك هذا تماماً. نحن دولتان نتشارك في الفهم الجيد والعميق لهذه المسألة، ونعتقد ونساند جميع الجهود والتي تؤدي إلى حل النزاعات الموجودة في المنطقة قبل أن تصل إلى مرحلة التنازع أو التصادم. وفي الموضوع العراقي وفي الشأن الفلسطيني ممكن أن نتحدث بوضوح في هذا الموضوع، فقد كنت وقتذاك رئيساً للوزراء في تركيا قبل المسألة العراقية، وقد بادرت إلى جمع دول الجوار العراقي، وكانت أولى زياراتي إلى المملكة العربية السعودية وطرحت على خادم الحرمين الشريفين هذه الأفكار وكانت رؤانا متطابقة تماماً. إن الإسهام التركي السعودي في الحد أو الحيلولة دون تقسيم العراق كان مهما جدا ولذلك فقد ساندنا كبلدين هذا الموضوع وكانت هذه الاجتماعات هي السبل المؤدية إلى هذا الحل. وقد عقدنا في هذا المنتدى اثنتي عشرة مرة اجتماعات لوزراء الخارجية وثلاث مرات لوزراء الداخلية، ولسمو الأمير سعود الفيصل مشاركة فعالة وكبيرة فيما تم إنجازه في هذا الشأن. ولذلك فنحن في تشاور مستمر لأن هذا الموضوع لم ينته بعد ويجب أن يظل التشاور بيننا قائماً في مثل هذه الأمور التي تهمنا جميعاً. لا نستطيع أن نقول إن العراق للعراقيين ونحن غير ملزمين بأية شؤون تخصها، فإن النار التي تندلع في العراق ستعاني من لهيبها دول الجوار العراقي.

أما بالنسبة للشأن الفلسطيني فنحن في تشاور مستمر سواء هاتفياً أو إرسال مبعوثين إلى المملكة، فإن أهم نظرة تشاركنا فيها هي وحدة الفصائل الفلسطينية وعدم تشرذم الرأي الفلسطيني، كما ساندنا بقوة مبادرة خادم الحرمين الشريفين التي أدت إلى اتفاق مكة، وكذلك أبدينا ما في وسعنا لتأمين وقف إطلاق النار. وكذلك بالنسبة للمبادرة العربية التي طرحها خادم الحرمين الشريفين في قمة بيروت في وقتها فقد لقيت مساندة تركية كبيرة. وفي عام 2006 تم الاتفاق على آلية خاصة للتشاور السياسي الدائم بين المملكة وتركيا، كما تم الاتفاق على آلية للتحاور مع مجلس التعاون الخليجي، لتنظيم العلاقات مع دول المجلس بشكل عام.

وفي ما يخص الإرهاب فإن تركيا دولة تكافح هذا الداء منذ فترة طويلة وأعتقد أنكم تعرفتم على الإرهاب في وقت متأخر نوعاً ما، ولدينا من التجارب الكثير التي استفدنا منها في مكافحة الإرهاب. وبالطبع كنا نتمنى ألا تكون لنا هذه الخبرة والتجارب في هذا المجال حتى لا نعيش هذه الحوادث المؤسفة، ولكن للأسف فقد نفذ الإرهاب إلى المجتمع الدولي كافة فنراه منتشراً في الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والسعودية والهند وباكستان والمغرب ولم يدع الإرهاب مكاناً في العالم إلا وقد طاله، ونعلم أن وزراء الداخلية في بلدينا في تشاور مستمر فيما يخص هذا الشأن، وكذلك المنظمات الأمنية التابعة للدولتين دائماً في تناغم وتحاور بالنسبة لهذه الأمور كافة.

قبعة أوروبية أم عمامة عربية؟

¶ فخامة الرئيس: العادات والتقاليد العربية التركية شبه متشابهة (الدين، الثقافة)، أشياء كثيرة، ومن الملاحظ أن العلاقات شهدت فتوراً في فترات سابقة إلا أن تحركا دبلوماسيا تركيا في المنطقة العربية أدى إلى تلطيف الأجواء.. لكن السؤال المطروح لماذا ترتدي تركيا القبعة الأوروبية بشكل يبدو أكثر من ارتدائها للعمامة العربية؟

** تركيا تولي أهمية كبيرة جدا لجميع الدول التي تربطها بها علاقات مميزة، وهي على مسافة واحدة تقريباً منها جميعاً، ولكن في السنوات الأخيرة بدأت بلدنا تولي أهمية كبيرة لجيرانها القريبين في المنطقة، وحاولنا أن تكون علاقاتنا متميزة جداً مع هذه الدول مع محاولة تصفير المشاكل -إعادتها إلى الصفر- مع دول الجوار، كنا إيجابيين جداً عندما اتبعنا هذه السياسة وكان هدفنا هو حل المشاكل وليس خلقها. كانت لنا علاقات ضعيفة ببعض دول الجوار وبعد أربع أو خمس سنوات، تحسنت علاقاتنا بهم ووصلت إلى الذروة، عندما نقول جيراننا فنحن نقصد الدول الموجودة في المنطقة وكذلك المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي ومصر وجميع التي أوليناها أهمية خاصة جداً لتخصيب علاقاتنا وإيصالها إلى المستوى المطلوب من قبلنا وشعبنا ممتن لهذا الاتجاه ونحن نساند هذه النظرة. ما يقودنا إلى هذا الفكر هو اشتراكنا في دين واحد، وثقافة مشتركة تتشابه حضاراتنا وثقافاتنا وقناعاتنا، ولو رجعنا إلى مئات السنين فهناك علاقات تاريخية ربطت بيننا بشكل كبير. في العصر الحديث طبعاً هناك أنظمة مختلفة للدول الموجودة في الواقع الحالي وهناك قضايا دستورية مختلفة وأنظمة مختلفة وحقائق مختلفة أيضاً بالنسبة لهذه الدول، ولكن كل هذا لا يمكن أن يحجب أو يغطي حقيقة اشتراكنا في الكثير من القناعات. هذه هي خيارات الدول المختلفة ونحن نحترم تلك الخيارات، إلا أن ذلك لا يؤثر على علاقاتنا وصداقاتنا وشراكاتنا، بأي شكل من الأشكال.

فلسطين نسيج متكامل

¶ لاحظنا أثناء الهجوم العدواني على غزة أن التصريحات التركية كانت إلى جانب حماس على حساب السلطة الفلسطينية فما رأيكم؟

• عندما كنا نتناول هذا الموضوع لم نعبر عن حماس، ولكن كنا نعبر عن مأساة الشعب الفلسطيني، فنحن نرى فلسطين وحدة متكاملة ونسيجا واحدا، فهناك انتخابات فازت بها حماس في هذه الفترة، وقد تكون هناك انتخابات تفوز بها جهة أخرى، ولكننا لسنا طرفاً في الفرقة الفلسطينية إطلاقاً، والذين تألموا وعانوا في غزة لم يكونوا «حماس» ولكنهم كانوا أبناء الشعب الفلسطيني. فالأطفال والنساء الذين لقوا حتفهم وتلك المآسي التي رأيناها جميعاً وكأننا نشاهد مباراة لكرة القدم بنقل حي على الهواء مباشرة على جميع الفضائيات، آلمتنا وجرحتنا من الأعماق. جميع صحفنا بلا استثناء سواء كانت يمينية أو يسارية وفي جميع الاتجاهات اتحدت في إبراز هذه المأساة في صفحاتها، من الصفحة الأولى إلى الأخيرة، لأن هناك ضحايا كثراً على الساحة، والشعب التركي دون استثناء كان متألماً جداً من هذه المأساة، وطبعاً رجال الدولة الذين يمثلون هذا الشعب سواء مجلس الوزراء أو شخصي أو جميع الوزراء تألمنا جميعاً، وقد عكست الصحف هذا الشعور الشعبي بالألم الفلسطيني.

التشرذم آفة القضية الفلسطينية

¶ ولكن السؤال فخامة الرئيس: إن الموقف السياسي في بداية وقف إطلاق النار كان يدعم «حماس» أما اليوم كان مستشار وزير الخارجية يطالب «حماس» باتخاذ موقف من اثنين إما أن تصبح جهة مسلحة أو أن تتخذ الجانب السياسي الدبلوماسي في التفاوض، هذا يعني أن موقف تركيا شابه شيء من الاختلاف خلال أسبوعين.. هل من توضيح؟

• لو تعرضنا لمحتويات هذه التصريحات ستجدها متطابقة تماماً في المضمون والمحتوى.. هناك قسم من الصحف تأخذ أجزاء من الجمل وتبرزها على الواجهة، إلا أننا كما أسلفنا في غزة جرت انتخابات حرة وسمحوا لحركة حماس بخوضها وفازت، ولكن بطبيعة الحال هناك توصيات قمنا بإبدائها إلى حركة حماس، وقمنا بإبداء مثل هذه التوصيات لمنظمة فتح أيضاً، وطبعاً مسؤوليتهم اختلفت عندما قاموا بإدارة الدولة لأنه كان يجب أن يكون موقفهم مختلفاً وأعتقد أن هذا الرأي صحيح، لابد أن يكون لهم دور مختلف لأنهم أصبحوا في مكان إدارة الدولة، ولذلك فنحن نرى أن الوحدة الفلسطينية أمر مهم وشرط أساسي، ليس هناك ما يؤثر على القضية الفلسطينية كالتفرق والتشرذم الفلسطيني. ماذا تستطيع أن تفعل فلسطين إزاء إسرائيل وهي غير متوحدة، فجغرافياً هي في الأصل مقسمة، وعندما نضيف إلى ذلك الانقسام السياسي، يكون الأمر ضاراً جدا للفلسطينيين والعرب وجميع المسلمين، هذا آخر ما يمكن أن يفكر فيه البعض، ولذلك فإننا لنا علاقات بالطرفين، ونعتقد بأننا لابد ألا نهمش جزءا على حساب آخر لأنه بالضرورة سيكون جزءاً من العملية السياسية، هذا ما فعلناه وهذا ما أبديناه في هذا الاتجاه. ومن الجائز أنكم تعلمون بأنه عندما فازت حماس في الانتخابات كنت أنا كوزير للخارجية أول من دعاهم إلى تركيا لمناقشة هذه المسألة، وقلنا لهم بما أنكم فزتم بالانتخابات عليكم أن تكون تصرفاتكم مختلفة وتحتضنون القضية الفلسطينية بقوة وتحتوون الأزمة جيداً، كانت هذه هي نصيحتي لهم إلا أنه للأسف الكثير مما قلته لم يطبق على أرض الواقع.

بعقولنا نقرأ التفاعل العالمي إيجابا

¶ فخامة الرئيس: في الحقيقة إن هموم المنطقة كثيرة جدا ورغم تعزيز الطرف التركي للحوار، مع العرب إلا أن البعض يزعم أن هذا التوجه لترويج ما يسمى مشروع الشرق الأوسط الكبير، خاصة أن هذا الموضوع طرح سابقاً في لقاء

فخامتكم مع الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، ما نود أن نعرفه كيف تدحضون ذلك إن كان زعماً أو كان حقيقة؟

• يمكن لكم أن تتعرفوا على موقفنا الشامل بالنسبة لهذا الموضوع من خطابي الشامل الذي ألقيته في اجتماع وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي الذي عقد في طهران عام 2003. قلت آنذاك: لقد حبانا الله سبحانه وتعالى بالعقل والمنطق، فيجب أن نكون واقعيين ويجب أن ننظر نظرة إيجابية ونقرأ ما يحدث في العالم حالياً قراءة صحيحة. ولأنني كنت أتحدث للدول الإسلامية فقد قلت إننا كدول إسلامية يجب أن ندرس: ماذا ينقصنا، ما هي أخطاؤنا، ما المسائل التي يجب أن نسعى لها؟ طرحت أفكاري بالنسبة للقضايا التي تتعلق بكيفية أن تكون دولنا قوية في هذا الاتجاه. طرحت بعض المبادئ المهمة كالشفافية ومحصلة الذات والحقوق وسيادة القانون، قلت لهم: يجب أن ننظم داخل البيت وبعكس ذلك فإن الأغراب والأجانب سيأتون لتنظيم بيوتنا من الداخل، وعندما يبدأون بهذه المحاولة سيضعون مصالحهم الشخصية في الاعتبار طبعاً قبل كل شيء، وعلينا أن نعلم أن لا أحد يترك على حاله في هذا العالم لأن موقف أي طرف يؤثر على الجانب الآخر. علينا أن ننظم أمورنا الداخلية، ننظم بيوتنا، ننظم المنطقة بمبادرات من قبلنا، يجب أن نتوصل إلى آليات تحد من ظهور المشاكل والمنازعات قبل أن نقوم بحل المشاكل والمنازعات. ولذلك فهناك أقاويل كثيرة بالنسبة لمشروع الشرق الأوسط الكبير وقد ترددت في أنحاء كثيرة، إن علاقاتنا مع المنطقة حميمية وهادفة ونزيهة وتستند على أسس تاريخية عميقة أسست على هذه المصالح.

تركيا والدبلوماسية الناعمة

¶ تركيا تستخدم الدبلوماسية الناعمة المؤثرة، وهي تقوم حالياً بدور الوسيط بين إسرائيل وسوريا في مفاوضات السلام والانتقال إلى مرحلة مباشرة عبر الوسيط التركي، إلا أن الملاحظ أن هناك أطرافاً لا يرضيها هذا الدور التركي وتحاول التأثير على الدور التركي الذي بدا مؤثراً في السنتين الأخيرتين وأقصد هنا إيران بالذات.. ما قصدته هو السؤال عن طبيعة العلاقات التركية الإيرانية، والأهم من ذلك ما موقف تركيا من البرنامج النووي الإيراني؟ فإيران تتوسع في المنطقة محاولة التأثير في الداخل العراقي ومعروف أنها تتدخل في الشؤون الداخلية العراقية، وفي لبنان تحاول التدخل في الشأن اللبناني وإيجاد بؤر للتوتر هناك، و«حماس» أصبح لها وضع مع إيران وتنظر إلى علاقاتها بها.. هذا كله يجعل إيران تتمدد وتتوسع على حساب الدول العربية.. فما موقف تركيا من كل هذا؟

• إيران دولة جارة، وبلد مهم جداً في هذه المنطقة وهي دولة مهمة في العالم الإسلامي أيضا، وهناك توجهات مختلفة في العالم الإسلامي سواء من الناحية السياسية أو ناحية الأنظمة التي تتصف بها هذه الدول وهذه جميعها موجودة في العالم الإسلامي، وإيران لها سياسة أمنية مختلفة وفهم معين للقضية الأمنية، بعد أن ذكرت كل هذا أردت أن أصل إلى نقطة مهمة، بالنسبة للقضية الفلسطينية والشأن العراقي، هذه جروح نازفة، ولكن القضية الفلسطينية هي أم المشاكل في دول عديدة وفي موقف متعثر الآن، لو لم تحل هذه المشاكل فإن الدول سيكون لها منظور خاص بالنسبة لحل هذه المشاكل والطرق المتبعة في هذا الاتجاه. من هذا المنطلق علينا أن نبادر في الحال لحل خلافات كل المنطقة، من أجل ألا نفسح المجال للآخرين للتدخل في ذلك.

سياسات المحاور خطر داهم

¶ لكن إيران لا تساعد على هذه الحلول .. فهي تجرح، بل تزيد الجروح؟

• يجوز أن تكون لإيران تطلعات كدولة إسلامية وتحب أن تدافع عن الشؤون الإسلامية، ولكن فلسطين عربية وفلسطين بها المذهب السني، فلذلك بالنسبة للعرب وللفلسطينيين يجب أن يبادروا قبل كل شيء لحل هذه الإشكاليات. بالنسبة للمنطقة وبالنسبة للخليج فنحن في تركيا على دراية بالمشاكل الموجودة، ونعلم أن أهم خطر يواجهنا هو أن تكون هناك محاور في هذه المنطقة تعيد سياسات مختلفة وتواجه الآخر، هناك هذا الشيء ولو لم يتم الحديث عنه صراحة، ولذلك علينا أن نبادر جميعاً ونركز على ضرورة إرساء عامل الاستقرار في المنطقة. وبالنسبة للعراق وإيران علينا ألا ننسى الحرب التي دارت رحاها بينهما ودفع ثمنها مليون شخص فقدوا حياتهم وأهدرت جميع الثروات الإسلامية العراقية والإيرانية بلا داع. هذا يدل على السياسات الخاطئة والتشوش الفكري في نظر بعض الساسة والقادة بالنسبة لهذه الأمور. في السبعينات كان الدخل الفردي من الناتج القومي في العراق حوالي عشرة آلاف دولار، والآن وصل إلى بضعة دولارات وكذلك إيران، وبعدما كانت تلك الدول تمتلك الثروات الهائلة وكل الإمكانات إلا أنها الآن تستورد الغاز والبترول. ولذلك فإننا نولي أهمية خاصة لذلك عندما زرت القاهرة زرت الجامعة العربية وألقيت هناك خطاباً بعد سقوط أو تفكك الاتحاد السوفيتي، وهناك آليات وضعت في أوروبا للتعاون والتظاهر ووضعت مبادئ لها وتم الاعتراف بحدود الدول وامتدت كذلك لدول القوقاز لحل كل المشاكل العالقة في هذه المناطق والذي فعلوه أنهم حاولوا تفكيك المشاكل قبل أن تصل إلى الحرب أو شفير الحرب، قلت وقتها في الجامعة العربية إننا في منطقة يجب أن تكون لدينا آلية ومبادئ معينة في ذات الاتجاه يجب أن نبادر إلى إرساء دعائم هذه الآلية في المنطقة لكي نواجه المشاكل قبل أن تصل إلى الصدام المسلح بين الأطراف المعنية، ويجب أن نخطو خطوات متعددة باتجاه إرساء عامل الأمن والاستقرار. وبعكسه فإن هناك محاور في الدول العربية والإسلامية وقد تكون هناك محاور في بلد واحد مثلما رأيناه في فلسطين. أنا أفهم ما ترمون إليه، ونحن على علم بذلك، لذلك أخشى أن أستطرد في هذه الأمور حتى لا نزعزع أمور الاستقرار والأمن الذي نشارك في همه جميعاً.

سيادة الأمن والاستقرار

* لكن إيران مازالت تحتل جزرا خليجية، جزرا لدولة الإمارات العربية المتحدة، وترفض المفاوضات كما ترفض محاولات التهدئة، هذا بالإضافة للممارسات التي ذكرتها سابقاً وتركيا على معرفة جيدة بها؟

• نعم.. ولكن هناك مشاكل حدودية ومشاكل أخرى، في هذه المنطقة، وهذا أمر مؤسف، وقد بدأت الحرب العراقية في الكويت أيضاً بسبب هذه المشاكل، وهناك مشاكل معينة في دول الخليج كما ذكرتم، لقد حبانا الله بالعقل والمنطق كما قلت، لذلك فعلينا أن نحكم المنطق وضبط النفس ونقدم عنصر الأمن والاستقرار الذي يجب أن يحكم علاقاتنا.

الإمارات.. إيران .. الجزر

¶ هل يمكن أن تقوم تركيا بدور الوسيط في المفاوضات حتى تقبل إيران المفاوضات مع الإمارات أو على الأقل نقل الملف إلى محكمة العدل الدولية؟

• لم تصلنا طلبات من أي طرف من الأطراف، نحن لدينا علاقات متزنة مع جميع دول الخليج طبعاً، إلا أنه للآن لم تصلنا أي طلبات من هذا القبيل.

خادم الحرمين الشريفين محق

¶ بالنسبة لمبادرة خادم الحرمين الشريفين،.. صرحتم فخامتكم أنكم كنتم داعماً لها، ولو رجعنا إلى كلمة الملك عبدالله في قمة الكويت، فإنه يصر على أن لا تبقى المبادرة إلى الأبد على الطاولة، فما هو الموقف التركي الواضح من هذه المبادرة؟

• أرى أن خادم الحرمين الشريفين محق في هذا الموضوع، فليس من المعقول أن يبقى أي ملف على الطاولة إلى ما لا نهاية، كانت حركة دنيئة أن تستغل إسرائيل الأزمة لتقنع العالم أن لديها مشكلة أمنية ولكن هذه المبادرة أوضحت للكل أن الدول العربية تضمن أمن إسرائيل على شروط هذه المبادرة، ولكن كان على إسرائيل أن تقوم بالمقابل بإجراءات معينة. وهناك أمر مهم آخر أن جميع الدول الإسلامية قد أيدت هذه المبادرة من إندونيسيا إلى المغرب حتى إيران التي كان يكفيها أن تبدي موافقتها ضمنيا على هذا الموضوع إلا أنها وافقت، وهناك بيان لمنظمة المؤتمر الإسلامي شاركت فيه ووقعت جميع الدول الإسلامية، ويجب أن ندرس هذا الملف بعناية.

معادلة تركيا وأوروبا

¶ فخامة الرئيس .. انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، يبدو للبعض أن تركيا عاجزة عن الوفاء بكل معايير كوبنهاجن في ما يتعلق بالانضمام للاتحاد الأوروبي، بينما في الواقع فإن تركيا أنجزت الكثير بالنسبة لاشتراطات بروكسل كإلغاء عقوبة الإعدام وإبعاد العسكريين عن التدخل في السلطة. أجريتم العديد من الإصلاحات والإنجازات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما نعتقد حسب معايير كوبنهاجن واشتراطات بروكسل أن تركيا مهيأة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أين الحقيقة أمام هذا الادعاء من جهة وأمام الواقع الذي أنجزته تركيا من جهة أخرى؟

• أحب أن أوضح قبل كل شيء أنه عندما قمنا بتطبيق المعايير الأوروبية والمعايير التي ذكرتموها، وكذلك قمنا بالإصلاحات الاجتماعية والسياسية كنا نستهدف قبل كل شيء مصلحة بلدنا بالنسبة لهذا الانضمام. الأمر الثاني: هو أنه لأننا حققنا الكثير من هذه المعايير، فقد بدأنا مرحلة الانضمام الكامل إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2005، المهم هو بدء المفاوضات لأن هناك من الشكوك التي كانت تعرقل إمكانية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، أو مماطلة من بعض الدول في شأن الانضمام، لكن عندما بدأت المفاوضات فقد مضت سنتان أو ما يقرب السنوات الثلاث، وهذه المراحل مستمرة بالنسبة للمفاوضات، وهناك ملفات فتحت وأغلقت لأن الاتحاد الأوروبي له ضوابط معينة بالنسبة لهذا الموضوع، وأحب أن أؤكد وأشير إلى أن انضمام الدول الكبيرة إلى الاتحاد الأوروبي استغرق زمناً أطول من المعتاد. تتذكرون أن انجلترا قد رفضت عضويتها مرتين بسبب استفتائهم فرنسا على عضويتها. كما استغرق انضمام إسبانيا إلى الاتحاد عشر سنوات، وتركيا دولة كبيرة تضم 70 مليونا، وهي دولة مسلمة تنضم الى الاتحاد الأوروبي ببنية جديدة وتكون من أكبر المجاميع في البرلمان الأوروبي في حالة انضمامها. أما الدول الصغيرة أو ذات الاقتصادات الضعيفة فهي تختلف عن مسار انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. وبالنسبة للعامل الاقتصادي فنحن أكبر سادس اقتصاد ضمن المجموعة الأوروبية كما ذكرت آنفاً، يجب أن نفكر في هذه الأمور، كما يجب أن نستوعب هذه المسائل ولذلك لا يهمنا الاستعجال في هذا الأمر. ولكن هناك أمرا يسرني أن أذكره وهو أن جميع الدول الإسلامية قد ساندت بقوة وأيدت انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وكذلك المملكة العربية السعودية وخادم الحرمين الشريفين ومصر والدول الأخرى فقد أولت اهتماماً كبيراً وساندت تركيا في هذا الاتجاه. إن الأوروبيين يعرفون ذلك جيداً ولذلك كنا في موقف القوة باتجاه الأوروبيين في هذه المسألة.

الجسرية بين الإسلام وأوروبا

¶ أيضاً فخامة الرئيس: مازلنا في نفس الاتجاه؛ موضوع الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فأنتم تقدمون صورة للإسلام المعتدل وهناك جدل يدور في النادي الأوروبي بين من يؤيد انضمامكم إلى الاتحاد ويرى أن تركيا هي جسر لهم بين أوروبا والعالم الإسلامي في مجال الحوار وفي مجال تقويم الثقافات وفي ساحة التفاهم حول السلام الدائم والمستمر، بينما هناك طرف آخر على النقيض تماماً يحذر من العواقب الوخيمة من هذا التقارب بين أوروبا والعالم الإسلامي من خلال تركيا، الواضح أنكم تقفون في منطقة الوسط، فما هو هذا الوسط الذي تحاولون من أجله أن توفقوا فيه بين دوركم بين أوروبا والعالم الإسلامي وبين مصلحة تركيا في مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟

• كلامكم صحيح، أوروبا مجتمع متعدد الأطياف، وهناك مجاميع أوروبية تساند انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وهناك جهات تعارض ذلك، وبعض المجاميع تقول إن هذا منتدى مسيحي، يجب أن يبقى بهذا الشكل، ولكن الآخرين يقولون كلا إن هذا الاتحاد يجب أن يكون متعدد الثقافات ومتعدد الأديان، ولكن يجب أن تسود المفاهيم الديمقراطية في هذا الشأن. وعندما بدأت محاولات سن الدستور الأوروبي حاول البعض أن تكون المسيحية من ضمن الدستور إلا أن ذلك قد رفض، هناك مجاميع ترى أن انضمام تركيا يخدم الإسلام في المنطقة وكذلك بالنسبة للمفاهيم الحضارية والتواصل الحضاري بين الأطراف المختلفة، ولذلك فقد شرعت الدول الأوروبية بالإجماع على البدء في مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، لأن هناك شرط الإجماع في اتخاذ هذه القرارات.

معضلة السلام

¶ حول تجميد محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل في الوقت الراهن، هل تفكر تركيا في إعادة إحياء محادثات السلام بين البلدين؟

• نحن نرى أن موضوع الحوار يجب أن يعم على المنطقة بأسرها وبالتأكيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أحد أهم هذه المواضيع، وكذلك سوريا وإسرائيل ولبنان يجب أن تكون على محور المفاوضات، لقد طلب الطرفان بإلحاح أن نتدخل في هذه المسألة، وفي السنوات السابقة كان هناك قسم من المحاولات ولم نكن مطمئنين إلى النتائج، ولذلك انسحبنا في تلك المرحلة سابقاً، وفي هذه المرة قلنا للطرفين سألناهم إذا كانوا جادين في هذا الموضوع ويريدون التوصل إلى حل، أبدى الطرفان تأييدهما لكونهما جادين لهذا بدأت المفاوضات وجرت خمس جولات فيها، وكان من المؤمل أن تبدأ المفاوضات المباشرة عندما بدأت أحداث غزة، ولذلك علقت هذه المفاوضات حتى تكون هناك رغبة مشتركة للبدء فيها مرة أخرى. نأمل أن يسود الأمن والسلام الدائم في المنطقة إذا جلسنا نحن وأنتم والمصريون وتحدثنا ورأينا هذه المآسي تحدث في كل عام أو عامين فهل نبقى نتفرج عليها. رأينا وقرأنا مقالة سمو الأمير تركي الفيصل في الفايننشال تايمز بإعجاب.. نعم حدث ما حدث.. ولكن في الشعب السعودي والمصري والتركي من تألم كثيراً للمأساة التي خلفت آثاراً عميقة في قلوب هذه الشعوب، فهل ننتظر تكرار هذه المآسي بعد عامين مرة أخري؟ لقد حدثت قبل عامين ولذلك فمن هذا المنطلق نحن نبادر إلى حل النزاع على محور معين، ونأمل أن تسود هذه الذهنية على المحاور الأخرى، هناك إدارة جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية وهذه فرصة جيدة وكبيرة، وأقول بالنسبة لهذه المسألة تابعنا تصريحات الرئيس الأمريكي الجديد والرسالة التي أرسلها إلى المجتمع الإسلامي وإبداء الرغبة في إرساء دعائم التعاون مع العالم الإسلامي، وقد تحدثت معه هاتفياً، عندما تم انتخابه وأبلغني رغبته في تحسين العلاقات مع العالم الإسلامي ومدى الأهمية التي يوليها إلى هذه المنطقة من العالم، وأنا أعتقد أنه جاد في هذه المسألة لأنني تابعت كتبه ومقالاته وتصريحاته التي أدلى بها أثناء حملته الانتخابية، وهناك مسألة أخرى بالنسبة للعالم الإسلامي في إطاره العام وكذلك العالم العربي وكذلك بالنسبة للشأن الفلسطيني، فالفلسطينيون أنفسهم يجب أن يكونوا مهيئين لهذا لأن هناك إشارات وردت من قبل الطرف الثاني من الولايات المتحدة من القوة العظمى الموجودة في هذه المنطقة، فعلينا أن نقرأ هذه الإشارات قراءة جيدة ويجب أن نبادر إلى الإجابة عليها والتفاعل معها بشكل جيد. الأشهر الأولى مهمة جداً بالنسبة لإدارة أوباما إذا وضعت الأمور والعلاقات في إطارها الصحيح فستبدأ وستستمر في هذا الاتجاه ولذلك هذه من المسائل المهمة وأهمها الشأن الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وكذلك كل مشاكل المنطقة يجب أن نكون مهيئين وأن نكون واضحين وصريحين في مطالبنا ومتوحدين وأقوياء في الإجابة على هذه المواقف، هذه مسألة مهمة وأعتقد أنها من أهم المسائل على الإطلاق.

¶ إذن هناك موقف أمريكي جديد ومختلف عملياً على الأرض وليس فقط تصريحات؟

• نعم أرى ذلك لأن الإدارة الجديدة قالت إننا لا نتعامل مع القضايا العالمية من طرف واحد، بينما بشكل ثنائي وبشكل جماعي ولا نتصرف منفردين ولا نملي إرادة معينة على طرف من الأطراف، نفكر مع العالم ونتشاور مع كل القوى الموجودة في العالم، ونتحاور بالنسبة لكل القضايا حتى بالنسبة لأكثر الأطراف قد يكون الأكثر تطرفا حتى مع إيران إذا كانت هي مستعدة للحوار فسنتحاور معها. فهذه مسألة مهمة طبعاً، وهذا تغير عملي في السياسة كما تلاحظون لن يكون هناك تغير جوهري في عكس الاتجاهات الموجودة في قسم الدول هذا أمر مفروغ منه ومفهوم ولكن يجب أن نكون واقعيين ولكننا يجب أن ندرس هذه الوقائع الجديدة بتمعن.

خطر الموقف الإيراني

¶ عندي سؤال سابق لم يتم الإجابة عليه فضلا فخامة الرئيس: ما الموقف التركي من البرنامج النووي الإيراني، وما هو موقفكم فيما لو قامت أمريكا أو إسرائيل بضرب المفاعل النووي الإيراني مع العلم أن الموقف الإيراني يشكل خطراً ويعمل على تغيير ميزان القوى في المنطقة برمتها؟

• نحن لا نريد أن نرى قوة نووية لدى جيراننا وفي المنطقة، وكذلك بالنسبة لأسلحة الدمار الشامل، فنحن ضد هذه الأسلحة، وقد أوضحنا هذا الموقف بصراحة لزملاء إيرانيين عندما تحدثنا إليهم ولكننا نرى أن هذه المسألة يجب أن تحل بالطرق السياسية الدبلوماسية وعن طريق التحاور.

العفو سمة الأقوياء

¶ فخامة الرئيس.. بعيداً عن السياسة هناك مواطن تركي في المملكة كان محكوماً عليه بالقصاص وتم العفو عنه بالأمس، كيف استقبلت هذا الخبر؟!

• لقد أرسلت بهذا المفهوم إلى خادم الحرمين الشريفين، وأنا أشكر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على هذا النبل الذي لا أستغربه من شخصية مثله.. وأشكره على هذا العفو الذي هو سمة الأقوياء وعاليي الشأن، وحسب علمي فإن المواطن قد اعتذر عما بدر منه في المحاكم المختصة.. ولذلك فإنني مسرور لاستجابة المملكة لطلبنا وأقدم شكري العميق للمملكة ملكا وشعباً.

المملكة في قلوبنا

¶ فخامة الرئيس: أرجو أن تعلموا أن المواطنين الأتراك يعدون من أفضل الجاليات الموجودة في المملكة العربية السعودية.

• شكراً.. أعلم أن هناك حوادث فردية بالطبع، يجوز أن يرتكبها أحد بعلم أو بدون علم، ولكن أرى أن الأتراك يكنون محبة خاصة لبلدكم المملكة العربية السعودية وأنتم بالطبع تولون أهمية لمواطنينا الأتراك ونحن نشكركم على ذلك.

شكرا تركيا

¶ أحب أن أقول شكراً لفخامة الرئيس.. شكراً تركيا.. وشكراً لأعوانك المخلصين.. وكلما استغرقنا وقتا أطول في لقائنا ضمنا أن زيارتكم للمملكة قد اقتربت.

• أهلا بكم.. وشكراً ونرجو أن يتجدد اللقاء.