-A +A
منيف الصفوقي- الرياض
بعد نشر وزارة الداخلية أمس الأول قائمة بـ 85 مطلوبا في الخارج عادت إلى الواجهة من جديد مسألة الإرهاب التي حصلت على اهتمام المجتمع المحلي بعد التسجيل المرئي الذي بث على الإنترنت الأسبوع الماضي، وظهر فيه سعوديان عادا من معتقل غوانتانامو وهما يتوليان مهمات قيادية، فيما سمي «تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية». القائمة الأخيرة ترجح إلى حد كبير أنها توطئة لظهور قائمة موجهة إلى الداخل، خصوصا أن التجارب السابقة تعيد إلى الأذهان استباق وزارة الداخلية بنشر قائمة بـ19 مطلوبا مطلع العام 2003 تلتها سلسلة من الأعمال الإرهابية لتعود الوزارة لاحقا إلى إصدار القائمة الشهيرة قائمة 36 مطلوبا التي ضمت حينها من كانوا يقودون أعمال القاعدة في السعودية حتى منتصف العام 2005 إذ صفيت أغلب القيادات ما عد حينها نهاية للتنظيم في الداخل. والملفت في قائمة الـ 85 الأخيرة أنها تأكيد على التطور في تفكير تنظيم القاعدة بالنسبة للعمل تجاه السعودية إذ انتهج التنظيم منذ العام 2005 استراتيجية جديدة تمحورت حول تهريب كوادره خارج البلاد بعد التشديد الأمني المتلاحق، وسقوط العديد من مخابئ التنظيم وانكشافها والتي كان الكثير منها يتخذ من القرى والهجر النائية مقرا. سياسة الهجرة المؤقتة لعناصر التنظيم إلى الخارج اتسمت في تلك الفترة في وجود متنفسات على حدود السعودية مثل العراق واليمن ولاحقا لبنان. ففي العراق ظهرت العديد من الشخصيات المطلوبة في السعودية وأبرزهم عبدالله الرشود منظر القاعدة بعد فارس آل شويل والمطلوب على قائمة 36. وفي التسجيل المبثوث في 23 حزيران (يونيو) 2005 قال الرشود إنه يشغل منصبا شرعيا في القاعدة في العراق ولم يعرف حينها صحة ما قاله، لكن وزارة الداخلية السعودية وقتها قالت إنها ستظل تطارده في الداخل إلى حين ثبوت مغادرته البلاد. أما بالنسبة لليمن فالكثير من أتباع التنظيم من غير القيادات استطاع التسلل إلى اليمن ومنها الانتقال إلى ساحات القتال في العراق وأفغانستان عن طريق باكستان وإيران ومن الأخيرة شقت طريقها إلى العراق. وفي ما يخص المشهد اللبناني فحسب الجهات الأمنية اللبنانية فإن عمل القاعدة والمنتمين لها أصبح معقدا لتداخل التحالفات والمصالح الإقليمية وتقاطعها في البلاد. ومع ظهور جماعة ما يعرف بـ«فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد شمال طرابلس في العام 2006 باتت تتردد أنباء عن وجود عناصر من القاعدة وتحديدا من السعودية. وفي تلك الفترة ألقي القبض على عبد الله البيشي الذي وصف حينها بأنه مسؤول شرعي يراجع مدى ملاءمة تنظيم «فتح الإسلام» مع منطلقات القاعدة فكريا.
وحول وجود القاعدة في لبنان اتهمت سورية بأنها تغض النظر عن تنقلات المطلوبين بين العراق ولبنان لاعتبارات مرتبطة بالصراع الدائر بينها وبين قوى 14 آذار والدول الداعمة لها.

غض النظر أو التنازعات السياسية بين الدول العربية المحيطة بالعراق ساهم إلى حد كبير في وجود مناخ من المناكفات التي استفادة منها القاعدة والتي أعلن حينها المسؤول الثاني في التنظيم أيمن الظواهري اعتزامها تحويل لبنان إلى منصة لمقارعة إسرائيل والقوى الغربية، إضافة إلى الداخل اللبناني.
وبالنسبة إلى السعودية فإن الإعلان عن مطلوبين في الخارج أمر لا يقصد به دول بعيدة، فالمعني تحديدا دول متآخمة تعاني كثيرا من الأزمات في داخلها، ففي اليمن التي تعد من أوعر الدول من ناحية التضاريس تواجه الحكومة المركزية ضعفا في السيطرة على العديد من المناطق، إضافة إلى الحروب التي تخاض ضد المتمردين الحوثيين الذين يشكلون ذراعا متقدمة لإيران حليفتهم التي ما فتئت تتهمها صنعاء بدع التمرد.
تحاف المصالح
ورغم التباين الواضح بين طهران وتنظيم القاعدة إلا أن تحالف المصالح حتم في فترات كثيرة فرص تلاقي ومنها: التسهيلات التي حصلت عليها القاعدة للتحول من أفغانستان وترك مهمة قتال قوات الناتو لطالبان وعليه سهلت طهران للقاعدة الانتقال السلس إلى العراق من خلال حدودها الغربية مع العراق، أما في العراق والتي هاجر إليها كثير من الشباب السعودي بدعوى الجهاد فالانقسام الطائفي ووجود الاحتلال وحجز القاعدة لمكان مبكر وتحالفاتها مع الكثير من القوى الفاعلة على الأرض مثل بقايا الاستخبارات العراقية التابعة لنظام الرئيس الراحل صدام حسين، وأجهزة الاستخبارات الإيرانية، والجماعات الجهادية مثل أنصار الإسلام الكردية كلها ساهمت في وجود العديد من الملاذات الآمنة لعناصر التنظيم لتوحيد الصفوف، ورسم استراتيجية جديدة بعد الهزيمة التي منيت بها في السعودية. ويبدو أن حالة الركود والكمون كانت ستأخذ فترة أطول لكن نجاح تجربة «الصحوات» في العراق التي ساهمت في طرد عناصر القاعدة وتحديدا الأجانب من المناطق السنية شكلت محفزا دفعها إلى البحث عن ملاذ آمن آخر بالدرجة الأولى خصوصا أن البلاد تشهد مزيدا من المصالحات السياسية والتحالفات الجديدة وفقا للمتغيرات على الأرض إلى جانب انحسار العنف الطائفي الذي شكل ذريعة سابقا للقاعدة للتوطن في المناطق السنية تحت شعار حمايتها. ومن العوامل الأخرى المهمة تقليص إيران عبر أذرعها العسكرية ـ فيلق القدس ـ للدعم المقدم للقاعدة في العراق إذ استطاعت طهران بناء ميليشيات تابعة لها دينيا وسياسيا مثل جيش المهدي ـ النسخة العراقية لحزب الله اللبناني ـ إضافة إلى مجموعات أخرى صغيرة مثل كتائب المهدي وجيش الإسلام وغيرها من التنظيمات التي يوكل إليها مهمات تكتيكية محدودة. وتقليص الدعم الإيراني هدفه أيضا التخلص من القاعدة في العراق لصالح حلفائها ومصالحها، ولدفع التنظيم أيضا إلى التحرك إلى جهات أخرى خارج العراق بما يعود عليها بالفائدة السياسية.
خيارات القاعدة
بعد تراجع القاعدة في العراق وخسارتها سابقا لأفغانستان لصالح طالبان وتحول باكستان إلى الدخول في تحالف الحرب على الإرهاب، باتت خيارات القاعدة أقل، خصوصا أن لها تجارب غير ناجحة في القارة السمراء إذ اتخذت من السودان وأوغادين وبعض الدول مقرات، لكن تلك الفترة أبعدتها عن هدفها الاستراتيجي المتمثل في القتال في المنطقة العربية أملا في إنشاء الدولة الإسلامية. وتجاربها غير الناجحة في الدول غير العربية عززها تحولها إلى تنظيم لاجئ عند حكومة طالبان في أفغانستان ثم استبعادها لاحقا من الحرب على الأرض الأفغانية وحصرها بطالبان إلى جانب أن الالتحاق بالتنظيم في الدول غير العربية أمر صعب على العرب وغيرهم.
فالتنظيم وأن ظهر أممي الطابع إلا أنه مقتصر على العرب ويحتاج إلى الكوادر من أبناء البلاد التي يوجد فيها وهذا الأمر لا تفي به البيئات غير العربية فيما يشق على العرب الالتحاق فيه، بينما هناك الكثير من القضايا التي تستهوي الجهاديين في المنطقة وفي مقدمتها العراق وفلسطين ولبنان.
تقلص خيارات القاعدة العربية لاقى في العامين 2006-2007 فرصة مواتية في ترك العراق والتوجه إلى لبنان في ظل انقسامات سياسية إقليمية بلغت ذروتها بعد حرب 2007 بين إسرائيل وحزب الله على الأرض اللبنانية، ثم تطورت باحتلال حزب الله لبيروت في 7 أيار(مايو)2008.
مركز جديد
التنظيم حاول إنشاء مركز جديد يجمع حوله العناصر الراغبة في الانخراط من السعوديين خصوصا الذين لا ملاحظات أمنية عليهم وهذا يفسر ما أشارت إليه العديد من إفادات المقبوض عليهم بعد مواجهات نهر البارد إذ أشاروا جميعا إلى أنهم توجهوا إلى سورية بهدف الانتقال منها إلى العراق لكن التوجيهات التي وصلتهم من قبل المشرفين عليهم أن التعليمات تفيد بالتوجه إلى لبنان من خلال التسلل عبر السلسلة الجبلية المواجهة للبقاع اللبناني ومن خلال طرق التهريب بالقرب من العريضة ـ طرابلس. وحسب المعلومات اللبنانية فإن العناصر التي تم تجميعها في مخيمي نهر البارد والبداوي شمالي لبنان لإبعادها عن التماس مع حزب الله للبدء في تلقي التدريبات العسكرية تحت حجة التجهيز للذهاب إلى العراق ثم لاحقا بدء العمل في تحضير جلسات تدريسية من قبل القيادات التي تعددت جنسياتها بين السعودية والفلسطينية واليمنية.
تجربة لبنان بالنسبة لإعادة تأهيل القاعدة للعمل في السعودية لم تلاق النجاح الذي حصدته بداية الأمر في العراق لتضارب المصالح الإقليمية وتقاطعاتها في لبنان بسبب أن من بين خصوم القاعدة في لبنان حزب الله الشيعي المسيطر على العمل الميداني العسكري في البلاد إلى جانب بعض المنظمات الفلسطينية التي لا تريد سقوط بعض مخيماتها في يد الضيف الجديد، إضافة إلى حالة التوجس التي قابلها بها المجتمع السني اللبناني إلى جانب تراجع دول إقليمية عن عدم جر لبنان إلى توطين القاعدة والاكتفاء بالإشارة إلى قدرتها في نقل القاعدة إليه لعلمها أن التنظيم سيكون منطلقا لتهديد مستقبلي لبعض الأنظمة في المحيط اللبناني لاسيما دمشق التي تعاني أساسا من خصومة مع الجماعات الإسلامية، لكن بالتأكيد عدم حيازة تجربة لبنان على النجاح الكافي لا يعني بالنسبة للقاعدة ـ التي لا تزال ترى أن هدفها الأكبر العودة إلى القتال في السعودية ـ عدم تحويل مناطق في ذلك البلد الذي يعاني من التفكك ملاجئ لقياداتها، خصوصا أن تضاريسه الجبلية تساعد في التخفي والتدرب والتخطيط لشن العمليات إذ ما تم مسبقا التفاهم مع القوى الفاعلة على الأرض مثل حزب الله والفصائل الفلسطينية المسلحة في المخيمات وخارجها.
وتجمع البلدان الثلاثة السابقة «العراق واليمن ولبنان» العديد من العناصر المشتركة التي تجعلها تهديدا على الأمن في السعودية فتلك الدول غير مستقرة أمنيا وتنشط فيها وبشكل كبير العديد من أجهزة الاستخبارات الدولية التي تتواصل مع المجموعات الإرهابية لتنفيذ عمليات إرهابية ذات مغاز وأهداف سياسية، كما أن تلك الدول تنشط فيها عصابات الجريمة المنظمة بداية بعصابات غسيل الأموال وانتهاء بعصابات تجارة المخدرات وتجارة السلاح وجميع هذه العصابات تتكامل مع بعضها وتقدم خدمات لوجستية مقابل منافع متبادلة، يضاف إلى ذلك سهولة الوصول المشروع إليها باستثناء العراق إلى جانب سهولة عملية التسلل عبر الحدود إليها بالنسبة للوصول غير المشروع. ومع ذلك تتوافر تلك الدول على جانب كبير من التواصل الشعبي مع السعودية فهناك جاليتان كبيرتان لليمن ولبنان في البلاد ما يجعل محاصرة الاتصالات الواردة والصادرة إليهما أمرا صعبا، كما أن التحويلات المالية كذلك من الصعوبة ملاحقتها وسط هذه الأعداد الغفيرة من العاملين في البلاد.