ومنْ مِنَ العرب والمسلمين يمكن أن ينسى (طوني بلير)، رئيس الوزراء البريطاني السابق الذي استعدى الرئيس الأمريكي السابق (جورج بوش) للانقضاض عليهم انتقاماً لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2002م. ومن ينسى تزوير بلير لدلائل ووثائق عن أسلحة الدمار الشامل العراقية التي تبيّن فيما بعد أنها لا تعدو كونها قصاصات منقولة عن بحث أعدّه شخص عراقي لنيل درجة الماجستير من جامعة أمريكية. بلير الذي خضع للرئيس الأمريكي السابق وأخضع بلاده وقوّات بلاده العسكرية لمشيئته حتى يتمكن من استدراجه لاستكمال بعض الأعمال غير المكتملة التي ندمت بريطانيا على الانسحاب من بعض البلاد دون التمكن من استكمالها لعدم ملاءمة ظروف الزمان والمكان حينها لاستكمالها.
لقد كانت أهداف بلير الخفية من مساندة بوش هي استدراجه للعراق لتحقيق هدف لطالما طمحت بريطانيا إلى تحقيقه وهو تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات صغيرة عاجزة، ولكنها لم تتمكن من ذلك أمام الضربات المتعاقبة لثورة العشرين وما تبعها من مقاومة لم تفلح في إيقافها حتى قوّات (الصحوات) من أفراد البادية الذين جندتهم بريطانيا حينها للقضاء دون جدوى على مقاومة المدن المنظمة. فلم تجد بريطانيا حينها بداً من الانسحاب بعد تنصيب حكومة موالية تضمن تصرّف شركة (بريتيش بتروليوم) بإنتاج وتسويق النفط العراقي. ولكن لم يكتب لتلك الحكومة الاستمرار فتهاوت سريعاً وتبعتها شركة (بريتش بتروليوم) التي ما لبثت أن أُممت لينقطع شريان هام من شرايين الاقتصاد البريطاني، فكان لا بد من انتهاز فرصة اندفاع بوش ورغبته في الانتقام لتحقيق الهدف القديم المتمثل في تقسيم العراق على أسس طائفية ومذهبية بحيث يمكن من خلال اللعب على التناقضات فيما بينها العودة للسيطرة على نفط العراق وإن على حساب شعبه ووحدة أراضيه.
أما أفغانستان التي غادرتها القوات البريطانية الغازية القادمة من مستعمرتها السابقة الهند في أوائل القرن الماضي بعد هزيمة منكرة في معركة فقدت فيها 23 ألفاً من مقاتليها على أيدي قبائل الباشتون التي تمثلها طالبان هذه الأيام فهي أيضا هدف لانتقام البريطانيين الذين يطمحون لإبقاء تواجد دائم لحلف شمال الأطلسي فيها لموقعها الوعر المتميز الذي تستطيع أي قوّة كبيرة متمركزة فيه من مراقبة كل ما يدور في الصين والهند وجمهوريات القوقاز وروسيا وإيران وبحر العرب والخليج. كما أنها أفضل موقع لقوّة متمركزة للعمل كخط دفاع أوّل عن أوروبا.
وكان يمكن أن نودّع بلير كما ودعنا بوش - ربما أيضا بحذاء آخر - لو قدّر له أن يستمر حتى انتهاء فترته الوزارية، ولكن الشعب البريطاني الذي سئم كذبه وأضاليله أجبره على الاستقالة في يونيو 2007م. وكان من الممكن أن يترأس جمعية خيرية أو يسعى للسلام كما فعل جيمي كارتر وغيره من الزعماء الذين لم يتمكنوا من تحقيق ما يكفي من أعمال صالحة أثناء وجودهم في مواقع السلطة، ولكنه آثر أن يستكمل أهداف أسلافه التاريخية من بلفور إلى إيدن في تحويل منطقتنا العربية إلى حديقة حيوانات كبيرة ترعاها إسرائيل. وباتفاق بينه وبين بوش تم تشكيل ما عرف بالرباعية الدولية التي تضم كلاً من أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وتم تنصيب بلير موفداً لها للشرق الأوسط. أي أنه أعدّ لنفسه بمساندة من بوش هيكلاً تنظيمياً يضمن من خلاله أن تسري كلمته على الجميع بمن فيهم الأمم المتحدة. وبدلاً من تكثيف جهوده لتصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبه سلفه بلفور بوعده المشؤوم ركّز بلير بالمعونات والمساندة على المجموعة الفلسطينية التي تعيش تحت ظل إسرائيل في الضفة الغربية، وأهمل المجموعة التي تعيش شبه مستقلة في غزّة، وشجع على مزيد من الحصار لها والإهمال في الاستماع إليها، بل اتضح لعدد من كبار المحللين السياسيين لاحقاً أنه اتفق مع إسرائيل وبوش على ضرب غزّة قبل انتهاء ولاية الأخير. ويبدو أن الاتفاق على ضرب غزة تمّ أثناء زيارة بلير لواشنطن في أيام بوش الأخيرة بدعوى استلام ميدالية الحرية كمكافأة له من بوش بعد مماطلة الكونجرس في منحه ميدالية أخرى تعتبر الأعلى بين الميداليات التي يمكن أن تمنح لمدني في الولايات المتحدة.
وبمجرد عودة بلير من واشنطن قدمت أساطيل الأطلسي إلى المنطقة بدعوى مكافحة القرصنة، وضربت إسرائيل غزّة، ووقعت اتفاقية محاصرة غزّة التي أثمرت استيلاء إسرائيل على سفينة أسلحة إيرانية متجهة إلى سوريا. وفجأة ودون سابق إنذار إذا ببلير يظهر ويعلن أن لا إعمار لغزّة قبل أن تتم المصالحة الفلسطينية وأن على حماس أن تعترف بإسرائيل وتنبذ العنف إذا ما أرادت أن يسمح لها بمجرد الحديث. ياللروعة!؟ يهندس الجريمة ويتوارى عن الأنظار ليغطي عليها حتى تحقق أهدافها ثم يظهر فجأة ليملي شروط المنتصر. بلير يدعو للوحدة الفلسطينية! والله لو قلت هذا للشيطان لسخر منك ضاحكاً. الرجل الذي زرع الفرقة وعززها بين الفلسطينيين من خلال الرباعية العالمية يدعو للوحدة بمعنى إخضاع طرف فلسطيني يظنه مهزوماً لطرف فلسطيني يظنه منتصراً لتمرير صفقة باردة متعفنة معدّة منذ زمن بعيد.
ولكن تطوراً غريباً حصل في موقف بلير الذي كان قد نسي لوهلة أو تناسى أنه ليس في موقع من يملي الشروط بعد وصول أوباما للسلطة في أمريكا، وتعيينه بعد يوم من وصوله لجورج ميتشل، مهندس السلام في أيرلندا، مفوضاً خاصاً ومندوباً له للشرق الأوسط مع تجاهل واضح لبلير ورباعية بلير. وهنا أفاق بلير على أن عصراً جديداً قد بدأ وأن عليه أن يداهن ويجامل حتى لا يفقد منصبه الذي اختاره مع بوش لضمان استمرارية سياسات المحافظين الجدد على المستوى العالمي في الفترة القادمة، فلعل وعسى أن يحدث شيء يؤثر في أوباما فيغير مواقفه المعلنة وينحاز لسياسات بلير وبوش. وهذا التغير في موقف بلير كان كبيراً وعجيباً تمثل في دعوته من خلال حوار مع (بي بي سي) على هامش منتدى (دافوس) لفتح جسور للتفاوض مع (حماس) بعد توصله لقناعة بأن السلام لا يمكن أن يتم دون حماس ودون بقية الفصائل المقاومة في غزّة. هذا الموقف الجديد يعزوه الكاتب السياسي (ديفد جارنر) في مقالة له في جريدة (ميل) إلى استيعاب بلير للحقائق الجديدة وخوفه من فقدان منصبه خاصة أن إدارة أوباما التي فتحت حواراً سريّا مباشرا مع حماس قبيل وصولها للسلطة تأخذ عليه تواريه من واجهة الأحداث وعدم بذل الجهود الكافية لنزع فتيل الأزمة حتى وصلت حدّ الانفجار. وهو يدافع عن نفسه بالقول إنه كان يبذل جهود التهدئة (من خلف ستار). وأظن أنه سيكون بحاجة لمزيد من الدفاع عن نفسه قريباً بعد صدور توجيه للحكومة من لجنة تحقيق برلمانية خاصة بالإفراج عن محاضر جلستي مجلس الوزراء يومي 13 و 17 مارس 2003م التي ترأسها بلير قبل اتخاذ قراره بالتورط في حرب العراق.
والخلاصة أن بلير ليس وسيطاً نزيهاً بل هو مرفوض شكلاً ومضموناً من (الشارعين) العربي والإسلامي، وبينه وبينهم دماء ودموع وتارات لم ولن تندمل حتى لو لحق بحليفه بوش إلى المزبلة الشهيرة. وفي كل الأحوال من الأفضل إلغاء (الرباعية الدولية)، تلك الهيكلية الشاذة التي تساوي بين (الأمم المتحدة) وبعض مكوناتها لأنها بوجود أمثال بلير على رأسها ستبقى أكبر عقبة في سبيل السلام..
Altawati@yahoo.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة
لقد كانت أهداف بلير الخفية من مساندة بوش هي استدراجه للعراق لتحقيق هدف لطالما طمحت بريطانيا إلى تحقيقه وهو تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات صغيرة عاجزة، ولكنها لم تتمكن من ذلك أمام الضربات المتعاقبة لثورة العشرين وما تبعها من مقاومة لم تفلح في إيقافها حتى قوّات (الصحوات) من أفراد البادية الذين جندتهم بريطانيا حينها للقضاء دون جدوى على مقاومة المدن المنظمة. فلم تجد بريطانيا حينها بداً من الانسحاب بعد تنصيب حكومة موالية تضمن تصرّف شركة (بريتيش بتروليوم) بإنتاج وتسويق النفط العراقي. ولكن لم يكتب لتلك الحكومة الاستمرار فتهاوت سريعاً وتبعتها شركة (بريتش بتروليوم) التي ما لبثت أن أُممت لينقطع شريان هام من شرايين الاقتصاد البريطاني، فكان لا بد من انتهاز فرصة اندفاع بوش ورغبته في الانتقام لتحقيق الهدف القديم المتمثل في تقسيم العراق على أسس طائفية ومذهبية بحيث يمكن من خلال اللعب على التناقضات فيما بينها العودة للسيطرة على نفط العراق وإن على حساب شعبه ووحدة أراضيه.
أما أفغانستان التي غادرتها القوات البريطانية الغازية القادمة من مستعمرتها السابقة الهند في أوائل القرن الماضي بعد هزيمة منكرة في معركة فقدت فيها 23 ألفاً من مقاتليها على أيدي قبائل الباشتون التي تمثلها طالبان هذه الأيام فهي أيضا هدف لانتقام البريطانيين الذين يطمحون لإبقاء تواجد دائم لحلف شمال الأطلسي فيها لموقعها الوعر المتميز الذي تستطيع أي قوّة كبيرة متمركزة فيه من مراقبة كل ما يدور في الصين والهند وجمهوريات القوقاز وروسيا وإيران وبحر العرب والخليج. كما أنها أفضل موقع لقوّة متمركزة للعمل كخط دفاع أوّل عن أوروبا.
وكان يمكن أن نودّع بلير كما ودعنا بوش - ربما أيضا بحذاء آخر - لو قدّر له أن يستمر حتى انتهاء فترته الوزارية، ولكن الشعب البريطاني الذي سئم كذبه وأضاليله أجبره على الاستقالة في يونيو 2007م. وكان من الممكن أن يترأس جمعية خيرية أو يسعى للسلام كما فعل جيمي كارتر وغيره من الزعماء الذين لم يتمكنوا من تحقيق ما يكفي من أعمال صالحة أثناء وجودهم في مواقع السلطة، ولكنه آثر أن يستكمل أهداف أسلافه التاريخية من بلفور إلى إيدن في تحويل منطقتنا العربية إلى حديقة حيوانات كبيرة ترعاها إسرائيل. وباتفاق بينه وبين بوش تم تشكيل ما عرف بالرباعية الدولية التي تضم كلاً من أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وتم تنصيب بلير موفداً لها للشرق الأوسط. أي أنه أعدّ لنفسه بمساندة من بوش هيكلاً تنظيمياً يضمن من خلاله أن تسري كلمته على الجميع بمن فيهم الأمم المتحدة. وبدلاً من تكثيف جهوده لتصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبه سلفه بلفور بوعده المشؤوم ركّز بلير بالمعونات والمساندة على المجموعة الفلسطينية التي تعيش تحت ظل إسرائيل في الضفة الغربية، وأهمل المجموعة التي تعيش شبه مستقلة في غزّة، وشجع على مزيد من الحصار لها والإهمال في الاستماع إليها، بل اتضح لعدد من كبار المحللين السياسيين لاحقاً أنه اتفق مع إسرائيل وبوش على ضرب غزّة قبل انتهاء ولاية الأخير. ويبدو أن الاتفاق على ضرب غزة تمّ أثناء زيارة بلير لواشنطن في أيام بوش الأخيرة بدعوى استلام ميدالية الحرية كمكافأة له من بوش بعد مماطلة الكونجرس في منحه ميدالية أخرى تعتبر الأعلى بين الميداليات التي يمكن أن تمنح لمدني في الولايات المتحدة.
وبمجرد عودة بلير من واشنطن قدمت أساطيل الأطلسي إلى المنطقة بدعوى مكافحة القرصنة، وضربت إسرائيل غزّة، ووقعت اتفاقية محاصرة غزّة التي أثمرت استيلاء إسرائيل على سفينة أسلحة إيرانية متجهة إلى سوريا. وفجأة ودون سابق إنذار إذا ببلير يظهر ويعلن أن لا إعمار لغزّة قبل أن تتم المصالحة الفلسطينية وأن على حماس أن تعترف بإسرائيل وتنبذ العنف إذا ما أرادت أن يسمح لها بمجرد الحديث. ياللروعة!؟ يهندس الجريمة ويتوارى عن الأنظار ليغطي عليها حتى تحقق أهدافها ثم يظهر فجأة ليملي شروط المنتصر. بلير يدعو للوحدة الفلسطينية! والله لو قلت هذا للشيطان لسخر منك ضاحكاً. الرجل الذي زرع الفرقة وعززها بين الفلسطينيين من خلال الرباعية العالمية يدعو للوحدة بمعنى إخضاع طرف فلسطيني يظنه مهزوماً لطرف فلسطيني يظنه منتصراً لتمرير صفقة باردة متعفنة معدّة منذ زمن بعيد.
ولكن تطوراً غريباً حصل في موقف بلير الذي كان قد نسي لوهلة أو تناسى أنه ليس في موقع من يملي الشروط بعد وصول أوباما للسلطة في أمريكا، وتعيينه بعد يوم من وصوله لجورج ميتشل، مهندس السلام في أيرلندا، مفوضاً خاصاً ومندوباً له للشرق الأوسط مع تجاهل واضح لبلير ورباعية بلير. وهنا أفاق بلير على أن عصراً جديداً قد بدأ وأن عليه أن يداهن ويجامل حتى لا يفقد منصبه الذي اختاره مع بوش لضمان استمرارية سياسات المحافظين الجدد على المستوى العالمي في الفترة القادمة، فلعل وعسى أن يحدث شيء يؤثر في أوباما فيغير مواقفه المعلنة وينحاز لسياسات بلير وبوش. وهذا التغير في موقف بلير كان كبيراً وعجيباً تمثل في دعوته من خلال حوار مع (بي بي سي) على هامش منتدى (دافوس) لفتح جسور للتفاوض مع (حماس) بعد توصله لقناعة بأن السلام لا يمكن أن يتم دون حماس ودون بقية الفصائل المقاومة في غزّة. هذا الموقف الجديد يعزوه الكاتب السياسي (ديفد جارنر) في مقالة له في جريدة (ميل) إلى استيعاب بلير للحقائق الجديدة وخوفه من فقدان منصبه خاصة أن إدارة أوباما التي فتحت حواراً سريّا مباشرا مع حماس قبيل وصولها للسلطة تأخذ عليه تواريه من واجهة الأحداث وعدم بذل الجهود الكافية لنزع فتيل الأزمة حتى وصلت حدّ الانفجار. وهو يدافع عن نفسه بالقول إنه كان يبذل جهود التهدئة (من خلف ستار). وأظن أنه سيكون بحاجة لمزيد من الدفاع عن نفسه قريباً بعد صدور توجيه للحكومة من لجنة تحقيق برلمانية خاصة بالإفراج عن محاضر جلستي مجلس الوزراء يومي 13 و 17 مارس 2003م التي ترأسها بلير قبل اتخاذ قراره بالتورط في حرب العراق.
والخلاصة أن بلير ليس وسيطاً نزيهاً بل هو مرفوض شكلاً ومضموناً من (الشارعين) العربي والإسلامي، وبينه وبينهم دماء ودموع وتارات لم ولن تندمل حتى لو لحق بحليفه بوش إلى المزبلة الشهيرة. وفي كل الأحوال من الأفضل إلغاء (الرباعية الدولية)، تلك الهيكلية الشاذة التي تساوي بين (الأمم المتحدة) وبعض مكوناتها لأنها بوجود أمثال بلير على رأسها ستبقى أكبر عقبة في سبيل السلام..
Altawati@yahoo.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة