أستأنف مداخلتي على الراشد، ففي مقام التحليل السياسي، حذر هو من سياسة المحاور، ومن دور إيران في توظيف حركات المقاومة لتحقيق أجندتها الإقليمية، أمام هذا التحذير الدائم من تعاظم دور إيران الإقليمي في المنطقة، أليس من المشروع التساؤل عن سبب غياب الدور الإسلامي السني الرسمي في الاتجاهات والسياسات في حرب تموز 2006، لحضور البعد المذهبي، وطغيان الحشد الطائفي، فإنه من الصعب جدا تفهم موقف بعض الاتجاهات والسياسات حيال المقاومة الفلسطينية في تصديها وصمودها البطولي للعدوان الصهيوني الأخير على غزة؟ أليست المقاومة الفلسطينية الإسلامية والوطنية، نموذجا سنيا فذا للمقاومة والمقاومين، يجدر بدعاة الحشد الطائفي المذهبي، أن يعلوا من شأنه ويقدموا له كل سبل الدعم والنصرة والتأييد على الأقل حتى لا تخلو الساحة ـ وفق رؤيتهم ومنطقهم ـ للفاعلين الاقليميين الذين يتخوفون منهم ومن خطرهم؟.
***
كانت تلك أبرز الأفكار والمحاور التي تضمنها الحوار مع الأستاذ الراشد في جانبه السياسي والإعلامي، أما رؤاه ومقولاته في الجانب الفكري، فهي لا تقل ضراوة وشراسة في منطقها الاستفزازي والهجومي، فالراشد حينما يأتي على ذكر الإسلاميين أسد هصور، ومقدام جسور، فهو شديد الوطأة عليهم، ينقدهم نقدا جارحا ولاذعا، ويحط من أقدارهم، ويغمز من قناتهم، فيرميهم بصفات التخلف والتحجر وما إلى ذلك.
في إجابات الراشد بخصوص قراءته وتقييمه للحراك الفكري الدائر على الساحة السعودية، ترداد لمقولات الحداثيين العرب وبعث لأفكارهم، فمع إقراره بأن ثمة "تبدلا مهما في التفكير الإسلامي"، إلا أنه رأى أن التطور الحقيقي لن يتم إنجازه، إلا إذا ظهر في المسلمين رجال مفكرون أمثال الفيلسوف الفرنسي ديكارت، وأعملوا منهجه الشكي التجريبي، في فحص النظريات والمقولات والأفكار، فأسقطوا منها ما كان خاطئا، وتمسكوا بما كان صحيحا صوابا.
قد يبدو هذا التفكير في ظاهرة دعوة مخلصة للتفكير العلمي، لكن الأمر لمن خبر منطق الليبراليين والحداثيين ليس كذلك، فهذه مقدمات تفضي في مآلاتها إلى إخضاع كل العقائد والأحكام والقيم والأفكار لذاك المنهج الشكي التجريبي (التخريبي)، فليس لدى القوم ثوابت ينبغي الوقوف عندها، أو قطعيات لا تقابل إلا بالتسليم والإذعان، حتى نصوص الوحي لم تسلم من عبثهم، فأعملوا فيها سيف المنهجيات الحديثة، التي تجعل النص القرآني مفتوحا لكل القراءات والتأويلات، من غير انضباط أو التزام بمنهجية أصولية معيارية ثابتة.
وحتى لا يصدموا الحس الإسلامي العام، بفجاجة أفكارهم، وانفلات رؤاهم، فإنهم في كثير من الأحيان، لم يفصحوا عن حقيقة توجهاتهم تلك، ولم يعبروا عنها بشكل مباشر، بل اتخذوا من نقد الإسلاميين ومهاجمتهم مدخلا مناسبا، كما تكاثرت كتاباتهم، وارتفعت أصواتهم بنقد الخطاب الديني، على اعتبار أنه منتج بشري، من إنتاج الإسلاميين (المتقدمين منهم والمتأخرين).
لا ندري ما المدى الذي يريد الراشد أن يعمل فيه منهجية الشك الديكارتية، وأين تكون صالحة للعمل في نظره، وأين ينبغي لها أن تتوقف ولا تتقدم خطوة واحدة؟ وهل ثمة تفريق لديه بين ثوابت الدين وقطعياته، وبين ما هو متغير وقابل للإضافة والتعديل والمراجعة، أي باختصار ما قوله في جدلية الثابت والمتغير في ظل دعوته لإخضاع النظريات والمقولات للفحص والتجريب؟.
من المحمود والمطلوب الإشادة بقيمة التفكير ـ كما دعا مدير عام العربية ـ، ومن الفضيلة الاعتراف بأن في الساحة الإسلامية ألوانا وصورا عديدة تخاصم التفكير وتتنكر له، وتجنح إلى منهجيات التقليد والمحاكاة والانغلاق، والتعصب لأقوال العلماء الاجتهادية، والجمود على آراء ومقولات لها خصوصيتها الزمانية والمكانية، ورفعها إلى مقام المعايير القياسية المطلقة التي يحاكم الآخرين عليها، وإقامة عقد الولاء والبراء على أساسها وفي إطارها.
وفي هذا السياق تظهر أهمية الحراك الفكري، وما يدور من سجالات ومناقشات في الأوساط الثقافية السعودية، حول الديمقراطية وكيفية التعاطي معها، وما كتبه الدكتور محمد الأحمري الذي أشاد فيه بالديمقراطية، لما أحدثته من تغييرات جوهرية في بنية المجتمع الأمريكي باختيارها لأوباما، وما أثار من ردود أفعال متباينة في تقديراتها واجتهاداتها ورؤاها.
لكن هذا شيء، وما يدعو إليه كثير من الليبراليين والعلمانيين والحداثيين شيء آخر، هم يريدون بمثل هذا الدعوات، كسر الحواجز واقتحام الخنادق، من خلال إخضاع كل مقررات الدين للنظر والتفكير، هم بقول مباشر لا مواربة فيه "اتجاه ـ كما يقول الدكتور علي جمعة مفتي مصر الحالي ـ يمكن أن نسميه اتجاه التغيير، وهو أشبه ما يكون باتجاه الباطنية في التاريخ الإسلامي، حيث يخرج النص عن كل معنى للمردود اللغوي بما تعارف عليه الناس، على عد اللغة وسيلة لنقل الأفكار، إلى شيء يشبه الرمز، بحيث نتحرر من النصوص، ونصل إلى تحقيق المصلحة كيف كانت..".
في سياق نقد الراشد للإسلاميين، كم كنت أتمنى لو أن "خبير المكاشفات" واجهه بالسؤال التالي: هل ينطلق في نقده للإسلاميين من موقع المحب الودود، أم من موقع الخصم اللدود؟ ذلك أن الراشد في كتاباته كثيرا ما ينتقد تجارب الإسلاميين ـ أو الإسلام السياسي بالتعبير الإعلامي الدارج ـ وخصوصا تجاربه في السلطة، ويثير التخوف منها، وهذا ما يكثر الدندنة عليه جمهرة الكتاب الليبراليين والعلمانيين، إنهم يتخوفون من الإسلاميين، ولا يخافون عليهم، ويسكتون عمن يجهض نجاحاتهم وإن كانت وفق اللعبة الديمقراطية، ولا ينتصرون لخيار الشعب، فلماذا تحارب ـ مثلا ـ تجربة حركة حماس في السلطة وهي التي أخذت الشرعية عبر صناديق الانتخابات؟.
أم أن العلمانيين والليبراليين يدعون إلى الديمقراطية بمقاييس خاصة، ومواصفات محددة لا تتسع للإسلاميين، وتضيق عنهم لأنهم بشر من جنس آخر لا ينتمون لأوطانهم ولا لأمتهم؟؟.
بسام ناصر
Bassamnasser2004@yahoo.com
***
كانت تلك أبرز الأفكار والمحاور التي تضمنها الحوار مع الأستاذ الراشد في جانبه السياسي والإعلامي، أما رؤاه ومقولاته في الجانب الفكري، فهي لا تقل ضراوة وشراسة في منطقها الاستفزازي والهجومي، فالراشد حينما يأتي على ذكر الإسلاميين أسد هصور، ومقدام جسور، فهو شديد الوطأة عليهم، ينقدهم نقدا جارحا ولاذعا، ويحط من أقدارهم، ويغمز من قناتهم، فيرميهم بصفات التخلف والتحجر وما إلى ذلك.
في إجابات الراشد بخصوص قراءته وتقييمه للحراك الفكري الدائر على الساحة السعودية، ترداد لمقولات الحداثيين العرب وبعث لأفكارهم، فمع إقراره بأن ثمة "تبدلا مهما في التفكير الإسلامي"، إلا أنه رأى أن التطور الحقيقي لن يتم إنجازه، إلا إذا ظهر في المسلمين رجال مفكرون أمثال الفيلسوف الفرنسي ديكارت، وأعملوا منهجه الشكي التجريبي، في فحص النظريات والمقولات والأفكار، فأسقطوا منها ما كان خاطئا، وتمسكوا بما كان صحيحا صوابا.
قد يبدو هذا التفكير في ظاهرة دعوة مخلصة للتفكير العلمي، لكن الأمر لمن خبر منطق الليبراليين والحداثيين ليس كذلك، فهذه مقدمات تفضي في مآلاتها إلى إخضاع كل العقائد والأحكام والقيم والأفكار لذاك المنهج الشكي التجريبي (التخريبي)، فليس لدى القوم ثوابت ينبغي الوقوف عندها، أو قطعيات لا تقابل إلا بالتسليم والإذعان، حتى نصوص الوحي لم تسلم من عبثهم، فأعملوا فيها سيف المنهجيات الحديثة، التي تجعل النص القرآني مفتوحا لكل القراءات والتأويلات، من غير انضباط أو التزام بمنهجية أصولية معيارية ثابتة.
وحتى لا يصدموا الحس الإسلامي العام، بفجاجة أفكارهم، وانفلات رؤاهم، فإنهم في كثير من الأحيان، لم يفصحوا عن حقيقة توجهاتهم تلك، ولم يعبروا عنها بشكل مباشر، بل اتخذوا من نقد الإسلاميين ومهاجمتهم مدخلا مناسبا، كما تكاثرت كتاباتهم، وارتفعت أصواتهم بنقد الخطاب الديني، على اعتبار أنه منتج بشري، من إنتاج الإسلاميين (المتقدمين منهم والمتأخرين).
لا ندري ما المدى الذي يريد الراشد أن يعمل فيه منهجية الشك الديكارتية، وأين تكون صالحة للعمل في نظره، وأين ينبغي لها أن تتوقف ولا تتقدم خطوة واحدة؟ وهل ثمة تفريق لديه بين ثوابت الدين وقطعياته، وبين ما هو متغير وقابل للإضافة والتعديل والمراجعة، أي باختصار ما قوله في جدلية الثابت والمتغير في ظل دعوته لإخضاع النظريات والمقولات للفحص والتجريب؟.
من المحمود والمطلوب الإشادة بقيمة التفكير ـ كما دعا مدير عام العربية ـ، ومن الفضيلة الاعتراف بأن في الساحة الإسلامية ألوانا وصورا عديدة تخاصم التفكير وتتنكر له، وتجنح إلى منهجيات التقليد والمحاكاة والانغلاق، والتعصب لأقوال العلماء الاجتهادية، والجمود على آراء ومقولات لها خصوصيتها الزمانية والمكانية، ورفعها إلى مقام المعايير القياسية المطلقة التي يحاكم الآخرين عليها، وإقامة عقد الولاء والبراء على أساسها وفي إطارها.
وفي هذا السياق تظهر أهمية الحراك الفكري، وما يدور من سجالات ومناقشات في الأوساط الثقافية السعودية، حول الديمقراطية وكيفية التعاطي معها، وما كتبه الدكتور محمد الأحمري الذي أشاد فيه بالديمقراطية، لما أحدثته من تغييرات جوهرية في بنية المجتمع الأمريكي باختيارها لأوباما، وما أثار من ردود أفعال متباينة في تقديراتها واجتهاداتها ورؤاها.
لكن هذا شيء، وما يدعو إليه كثير من الليبراليين والعلمانيين والحداثيين شيء آخر، هم يريدون بمثل هذا الدعوات، كسر الحواجز واقتحام الخنادق، من خلال إخضاع كل مقررات الدين للنظر والتفكير، هم بقول مباشر لا مواربة فيه "اتجاه ـ كما يقول الدكتور علي جمعة مفتي مصر الحالي ـ يمكن أن نسميه اتجاه التغيير، وهو أشبه ما يكون باتجاه الباطنية في التاريخ الإسلامي، حيث يخرج النص عن كل معنى للمردود اللغوي بما تعارف عليه الناس، على عد اللغة وسيلة لنقل الأفكار، إلى شيء يشبه الرمز، بحيث نتحرر من النصوص، ونصل إلى تحقيق المصلحة كيف كانت..".
في سياق نقد الراشد للإسلاميين، كم كنت أتمنى لو أن "خبير المكاشفات" واجهه بالسؤال التالي: هل ينطلق في نقده للإسلاميين من موقع المحب الودود، أم من موقع الخصم اللدود؟ ذلك أن الراشد في كتاباته كثيرا ما ينتقد تجارب الإسلاميين ـ أو الإسلام السياسي بالتعبير الإعلامي الدارج ـ وخصوصا تجاربه في السلطة، ويثير التخوف منها، وهذا ما يكثر الدندنة عليه جمهرة الكتاب الليبراليين والعلمانيين، إنهم يتخوفون من الإسلاميين، ولا يخافون عليهم، ويسكتون عمن يجهض نجاحاتهم وإن كانت وفق اللعبة الديمقراطية، ولا ينتصرون لخيار الشعب، فلماذا تحارب ـ مثلا ـ تجربة حركة حماس في السلطة وهي التي أخذت الشرعية عبر صناديق الانتخابات؟.
أم أن العلمانيين والليبراليين يدعون إلى الديمقراطية بمقاييس خاصة، ومواصفات محددة لا تتسع للإسلاميين، وتضيق عنهم لأنهم بشر من جنس آخر لا ينتمون لأوطانهم ولا لأمتهم؟؟.
بسام ناصر
Bassamnasser2004@yahoo.com