هل لم يعد هناك من يسأل عنها فعلا، وهل زهد الناس في اقتنائها بعد أن أصبح ما في أيديهم ما هو أخف وأسرع منها، ماذا عن سوقها، هل أصبح يعاني كسادا وبورا، أمهات الكتب والمجلدات (الطبري، مقدمة ابن خلدون والمغني) وغيرها، أين موقعها في زمن الإنترنت وزمن السرعة ؟.
المشهد العام يقول لأنها صارت حملا زائدا على أرفف المكتبات، وبضاعة لا زبون لها، في حين أن من أصحاب المكتبات التراثية وغير التراثية من يقول إنها أصبحت تقتصر على طلبة العلم، وهناك من يقول إن السوق مازالت بخير.
لا غنى عن المجلدات
عمر بن عبود بن رضوان (70 عاما) الرجل الذي يمتلئ حكمة ووقارا أمضى (50 عاما) مع هذه الكتب بائعا في المكتبة الأولى في مكة المكرمة، ثم صار له مكتبته الخاصة التي يحرص على مواصلة تقديم المعرفة عن طريقها، لم يبتعد يوما واحدا عن مكتبته رغم تقدم سنه يقول:
لدي رسالة أقدمها من خلال توفير الكتب، بغض النظر عن الناحية التجارية، فأنا أحفظ كل عناوين الكتب التي تمت طباعتها، وتاريخ طباعتها، وأيضا محتواها، ويكفي فقط أن تطلب كتابا عن موضوع معين لأسرد لك مئات الكتب التي تتناوله. ويضيف العم رضوان في مكتبتي عدد كبير من الكتب التي قمت بتصنيفها حسب الاختصاص، وأن كان يغلب على معظمها الكتب التراثية، أما فيما يتعلق بالمجلدات فلا شك أن الإقبال عليها لم يعد مثلما كان قبل 40 أو 50 سنة، بالرغم من أن معظمها تم اختصاره، وإن كان يؤلمني هذا الاختصار فمثلا كتاب (المغني) والمكون أصلا من (14) جزءا، تم اختصاره في إحدى الطبعات إلى كتابين، وكذلك (المحلي) كان عبارة عن (12) جزءا، صار الآن كتابا واحدا، وهناك (زاد المعاد) كان ستة أجزاء وقد طبع الآن في كتاب واحد أيضا، وهو الكتاب الذي قال عنه أئمة الشافعية «بيع الزاد وأقتني زاد المعاد» وهذه الاختصارات ما كانت لتكون لو لم يعد الإقبال ضئيلا.
مضيفا: إن الإقبال كما عايشته هو الأكثر بين النساء منه بين الرجال، فالرجال لا يمثلون في شراء الكتب أكثر من 20 % وغالبا ما يكونوا طلاب علم أو ممن يحضرون للماجستير أو الدكتوراه، في حين هناك من يأتين من النسوة لغرض الوعي أوالثقافة أو المعرفة العامة، وأستغرب ابتعاد الناس عن اقتناء مثل تلك الكتب، والسبب لأن تلك المجلدات تحوي المعرفة والعلم الحقيقي، أما ما يقال عن الحصول عن تلك المعرفة أو تلك المعلومة عن طريق (الإنترنت أو المجلات أو غيرها)، فصدقني أن تلك المعلومات السريعة لا تؤسس معرفة قوية وإنما معرفة هشة لا تخرج عن كونها قشور لا تلبث أن تتلاشي.
ويضيف لقد كثرت الكتب لكن قل الباحثون عنها، تأتيني كتب من لبنان، وبالمناسبة دعني أحدثك عن دور النشر، فمع الأسف الشديد أن دور النشر اللبنانية، وأنا أحترم هذه الدور كثيرا، لأنها تجيد فن التعامل معنا، فهم أي اللبنانيين يقومون بإرسال طلبات الكتب بمجرد مكالمة هاتفية فقط، ثم بعد فترة يرسلون في طلب نصف قيمة تلك الكتب، في حين أن دور النشر الوطنية بكل أسف لا يمكن أن تسلمك كتابا واحدا ما لم تدفع القيمة حالا رغم الفترة الزمنية الطويلة التي نتعامل فيها معهم.
ويقول: أنت تعرف أن الكتب التي تباع مثلها مثل أية بضاعة تخضع للتعامل التجاري المبني على استلام القيمة أوعلى الأقل نصف القيمة مقدما والباقي يخضع للكميات المباعة.
نعود لموضوع المجلدات والإقبال عليها، فقد كان هناك من يأتي لكي نؤسس له مكتبة في بيته من تلك الكتب، وهذا مؤشر على حرص الناس في تلك الفترة على وجود مكتبة داخل بيوتهم، لذا أقول إن بيتا يخلو من مكتبة أهله جهلاء، فقبل 30 عاما كانت نسبة القراء تصل إلى 25 % في حين صارت نسبة القراء حاليا لا تتجاوز 1.5 %، وهذا مؤشر لا يسر أحدا، في حين ترى الغربيين لا يكاد يتحرك أحدهم إلا وفي يده كتاب.
المكتبات الإكترونية
يقول محمد تيلاد قوتي (48 عاما) أمضيت أكثر من تسع سنوات في عمل المكتبات، والحقيقة أن هذه المجلدات كان يأتي لشرائها في تلك الفترة بعض المهتمين، وفي الآونة الأخيرة اقتصر الطلب عليها من طلاب الجامعة فقط، وحتى هؤلاء صاروا يحبذون الرجوع لهذه المجلدات في (الإنترنت) أو عن طريق الاقراص الممغنط.
يشاطره أحمد عبد السميع الكشك (53 عاما) الرؤية بقوله: قبل 25 عاما كان الطلب ملحا وكان البعض يتبارى على حيازة نوعيات معينة من الطبعات لبعض هذه المجلدات مثل تاريخ الطبري، وبعض مجلدات كتب التفسير، لكن في السنوات الأخيرة، وظهور المكتبات الإلكترونية في الإنترنت ساهم هذا كثيرا في الحد من التسارع على حيازة مثل هذه المجلدات.
فمن خلال تجربتي الطويلة في المكتبات وجدت أن المكتبات الإلكترونية دفعت الكثير على الزهد في شراء ( أمهات الكتب ) هذه، وهذا من باب سرعة الوصول إلى المعلومة التي يريدها الباحث مثلا، لكن في النهاية لا أظن أن يكون هناك استغناء كامل عن اقتناء المجلدات فهي تختلف عن المعلومة الموجودة على (السيديهات) والتي تكون غالبا مهددة بالتلف.
القرطاسية أفضل
مشاري عبد العزيز الأحمدي (66 عاما) لم يتردد في القول : قررت منذ ما يقارب العامين إغلاق المكتبة، لهذا كتبت عليها «للتقبيل»
وحينما لم يأت أحد، قررت إغلاقها ولهذا جمعت كل الكتب التي كانت هنا ووضعتها داخل ( كراتين )، وكما ترى لقد أزلت نصف المكتبة ولم يتبق إلا النصف تقريبا لأنه لابد من الخروج من المحل قبلما يأتي شهر ربيع الثاني، هذا نتيجة لعدم وجود زبائن لهذه الكتب، ولم تعد تجارة بيع الكتب تؤكل عيشا، ولم أستطع تحمل دفع الايجار من جيبي.
ويضيف الأحمدي لم يكن يأتي إلى المكتبة إلا بعض طلاب الجامعة ممن يبحث عن كتاب أو كتابين، ربما أفكر جيدا بتحويلها إلى قرطاسية فهذا أفضل بكثير من بيع الكتب، والقضية لا تخص مجلدات الدين أو الموسوعات أو غيرها من أمهات الكتب، وإنما الإقبال على الكتاب صار شبة معدوم.
حتى الصغار هجروني
يعلل احمد صالح النجوم (54 عاما) سبب عدم ذلك الإقبال بقوله: إن توفر تلك المجلدات على الإنترنت، ووجود بعضها على شكل (سيديهات) ساهم إلى حد كبير في عدم الرغبة في شراء تلك المجلدات أو غيرها، لكن لا من ناحيتي أعتقد أن العلم كل العلم في تلك المجلدات وهي التي خرجت الكثير من العلماء والمثقفين ونشرت الوعي الاجتماعي الصحيح، وأنا لا أشعر بمتعة الحصول على المعرفة أو المعلومات أيا كانت إلا من خلال صفحات تلك الكتب، وإن استخدمت (النت) في بعض الاحيان، لكن لا أستغني أبدا عن تلك الكتب، لهذا تصفحت كافة الكتب الموجودة في مكتبتي هذه، فأجد نفسي مع تفسير الطبري ومجلداته، وكتب الصحاح، بالإضافة إلى الكتب الثقافية فقرأت للمنفلوطي وطه حسين والعقاد ومي زيادة وجبران خليل جبران وغيرهم، كل هذا من خلال المكتبة.
المشهد العام يقول لأنها صارت حملا زائدا على أرفف المكتبات، وبضاعة لا زبون لها، في حين أن من أصحاب المكتبات التراثية وغير التراثية من يقول إنها أصبحت تقتصر على طلبة العلم، وهناك من يقول إن السوق مازالت بخير.
لا غنى عن المجلدات
عمر بن عبود بن رضوان (70 عاما) الرجل الذي يمتلئ حكمة ووقارا أمضى (50 عاما) مع هذه الكتب بائعا في المكتبة الأولى في مكة المكرمة، ثم صار له مكتبته الخاصة التي يحرص على مواصلة تقديم المعرفة عن طريقها، لم يبتعد يوما واحدا عن مكتبته رغم تقدم سنه يقول:
لدي رسالة أقدمها من خلال توفير الكتب، بغض النظر عن الناحية التجارية، فأنا أحفظ كل عناوين الكتب التي تمت طباعتها، وتاريخ طباعتها، وأيضا محتواها، ويكفي فقط أن تطلب كتابا عن موضوع معين لأسرد لك مئات الكتب التي تتناوله. ويضيف العم رضوان في مكتبتي عدد كبير من الكتب التي قمت بتصنيفها حسب الاختصاص، وأن كان يغلب على معظمها الكتب التراثية، أما فيما يتعلق بالمجلدات فلا شك أن الإقبال عليها لم يعد مثلما كان قبل 40 أو 50 سنة، بالرغم من أن معظمها تم اختصاره، وإن كان يؤلمني هذا الاختصار فمثلا كتاب (المغني) والمكون أصلا من (14) جزءا، تم اختصاره في إحدى الطبعات إلى كتابين، وكذلك (المحلي) كان عبارة عن (12) جزءا، صار الآن كتابا واحدا، وهناك (زاد المعاد) كان ستة أجزاء وقد طبع الآن في كتاب واحد أيضا، وهو الكتاب الذي قال عنه أئمة الشافعية «بيع الزاد وأقتني زاد المعاد» وهذه الاختصارات ما كانت لتكون لو لم يعد الإقبال ضئيلا.
مضيفا: إن الإقبال كما عايشته هو الأكثر بين النساء منه بين الرجال، فالرجال لا يمثلون في شراء الكتب أكثر من 20 % وغالبا ما يكونوا طلاب علم أو ممن يحضرون للماجستير أو الدكتوراه، في حين هناك من يأتين من النسوة لغرض الوعي أوالثقافة أو المعرفة العامة، وأستغرب ابتعاد الناس عن اقتناء مثل تلك الكتب، والسبب لأن تلك المجلدات تحوي المعرفة والعلم الحقيقي، أما ما يقال عن الحصول عن تلك المعرفة أو تلك المعلومة عن طريق (الإنترنت أو المجلات أو غيرها)، فصدقني أن تلك المعلومات السريعة لا تؤسس معرفة قوية وإنما معرفة هشة لا تخرج عن كونها قشور لا تلبث أن تتلاشي.
ويضيف لقد كثرت الكتب لكن قل الباحثون عنها، تأتيني كتب من لبنان، وبالمناسبة دعني أحدثك عن دور النشر، فمع الأسف الشديد أن دور النشر اللبنانية، وأنا أحترم هذه الدور كثيرا، لأنها تجيد فن التعامل معنا، فهم أي اللبنانيين يقومون بإرسال طلبات الكتب بمجرد مكالمة هاتفية فقط، ثم بعد فترة يرسلون في طلب نصف قيمة تلك الكتب، في حين أن دور النشر الوطنية بكل أسف لا يمكن أن تسلمك كتابا واحدا ما لم تدفع القيمة حالا رغم الفترة الزمنية الطويلة التي نتعامل فيها معهم.
ويقول: أنت تعرف أن الكتب التي تباع مثلها مثل أية بضاعة تخضع للتعامل التجاري المبني على استلام القيمة أوعلى الأقل نصف القيمة مقدما والباقي يخضع للكميات المباعة.
نعود لموضوع المجلدات والإقبال عليها، فقد كان هناك من يأتي لكي نؤسس له مكتبة في بيته من تلك الكتب، وهذا مؤشر على حرص الناس في تلك الفترة على وجود مكتبة داخل بيوتهم، لذا أقول إن بيتا يخلو من مكتبة أهله جهلاء، فقبل 30 عاما كانت نسبة القراء تصل إلى 25 % في حين صارت نسبة القراء حاليا لا تتجاوز 1.5 %، وهذا مؤشر لا يسر أحدا، في حين ترى الغربيين لا يكاد يتحرك أحدهم إلا وفي يده كتاب.
المكتبات الإكترونية
يقول محمد تيلاد قوتي (48 عاما) أمضيت أكثر من تسع سنوات في عمل المكتبات، والحقيقة أن هذه المجلدات كان يأتي لشرائها في تلك الفترة بعض المهتمين، وفي الآونة الأخيرة اقتصر الطلب عليها من طلاب الجامعة فقط، وحتى هؤلاء صاروا يحبذون الرجوع لهذه المجلدات في (الإنترنت) أو عن طريق الاقراص الممغنط.
يشاطره أحمد عبد السميع الكشك (53 عاما) الرؤية بقوله: قبل 25 عاما كان الطلب ملحا وكان البعض يتبارى على حيازة نوعيات معينة من الطبعات لبعض هذه المجلدات مثل تاريخ الطبري، وبعض مجلدات كتب التفسير، لكن في السنوات الأخيرة، وظهور المكتبات الإلكترونية في الإنترنت ساهم هذا كثيرا في الحد من التسارع على حيازة مثل هذه المجلدات.
فمن خلال تجربتي الطويلة في المكتبات وجدت أن المكتبات الإلكترونية دفعت الكثير على الزهد في شراء ( أمهات الكتب ) هذه، وهذا من باب سرعة الوصول إلى المعلومة التي يريدها الباحث مثلا، لكن في النهاية لا أظن أن يكون هناك استغناء كامل عن اقتناء المجلدات فهي تختلف عن المعلومة الموجودة على (السيديهات) والتي تكون غالبا مهددة بالتلف.
القرطاسية أفضل
مشاري عبد العزيز الأحمدي (66 عاما) لم يتردد في القول : قررت منذ ما يقارب العامين إغلاق المكتبة، لهذا كتبت عليها «للتقبيل»
وحينما لم يأت أحد، قررت إغلاقها ولهذا جمعت كل الكتب التي كانت هنا ووضعتها داخل ( كراتين )، وكما ترى لقد أزلت نصف المكتبة ولم يتبق إلا النصف تقريبا لأنه لابد من الخروج من المحل قبلما يأتي شهر ربيع الثاني، هذا نتيجة لعدم وجود زبائن لهذه الكتب، ولم تعد تجارة بيع الكتب تؤكل عيشا، ولم أستطع تحمل دفع الايجار من جيبي.
ويضيف الأحمدي لم يكن يأتي إلى المكتبة إلا بعض طلاب الجامعة ممن يبحث عن كتاب أو كتابين، ربما أفكر جيدا بتحويلها إلى قرطاسية فهذا أفضل بكثير من بيع الكتب، والقضية لا تخص مجلدات الدين أو الموسوعات أو غيرها من أمهات الكتب، وإنما الإقبال على الكتاب صار شبة معدوم.
حتى الصغار هجروني
يعلل احمد صالح النجوم (54 عاما) سبب عدم ذلك الإقبال بقوله: إن توفر تلك المجلدات على الإنترنت، ووجود بعضها على شكل (سيديهات) ساهم إلى حد كبير في عدم الرغبة في شراء تلك المجلدات أو غيرها، لكن لا من ناحيتي أعتقد أن العلم كل العلم في تلك المجلدات وهي التي خرجت الكثير من العلماء والمثقفين ونشرت الوعي الاجتماعي الصحيح، وأنا لا أشعر بمتعة الحصول على المعرفة أو المعلومات أيا كانت إلا من خلال صفحات تلك الكتب، وإن استخدمت (النت) في بعض الاحيان، لكن لا أستغني أبدا عن تلك الكتب، لهذا تصفحت كافة الكتب الموجودة في مكتبتي هذه، فأجد نفسي مع تفسير الطبري ومجلداته، وكتب الصحاح، بالإضافة إلى الكتب الثقافية فقرأت للمنفلوطي وطه حسين والعقاد ومي زيادة وجبران خليل جبران وغيرهم، كل هذا من خلال المكتبة.