-A +A
معتوق الشريف – جدة
كان قدر المؤلفين أن تكرمهم أمانة مدينة جدة بإطلاق اسمهم على شارع لا يتجاوز طوله 4 كلم، لا يمت إلى مسماه بشيء. فـ«شارع المؤلفين» الذي يمتد من شارع الأمير ماجد بن عبد العزيز غربا إلى شارع الشيخ محمد بن جبير ومجرى السيل شرقا، تسيطر عليه حياة ساكنة، فلا تكاد تسمع فيه أي ضجة.. ولماذا الضجيج وكل المحلات التي على جانبيه خصصت للدواجن المجمدة والصيدليات والالكترونيات والمستوصفات الخاصة والأقمشة والستائر والمطاعم التي تقدم أكلات هندية وباكستانية وصينية، ولو أمعنت النظر لوجدت أن معظم لوحات هذه المحلات كتبت كلماتها بلغة لم تدخل القاموس بعد. وإذا كان عدد من المؤلفين لا يعرفون من أين استمد الشارع اسمه، فإنهم يجمعون على عدم تناسق المسمى مع الشارع، لكونه يفتقد إلى ما يشير إلى التأليف أو إنتاج الكتب وغيرها، داعين إلى ضرورة تنظيم مسمى الشارع، ليكون الاسم مطابقا مع الواقع، حيث تندر أن تجد في جنباته أي علامة تستطيع أن تربط بينها وبين مسماه. لكن كنت قرأت أن هناك ما يسمى بـ (غسيل الأدمغة)، ولعل هذه العبارة ترددت أمامي، وأنا أقود سيارتي في الشارع الذي يكتظ بالمغاسل التي لم أدخلها لمعرفة ماذا تقدم من خدمة، فعندما تمر بالشارع تلاحظ وجود أربع محطات (تقاطعات) باتجاه الشرق (طريق الحرمين السريع)، حيث وضعت لكل واحدة منها خصائص استثمارية تختلف عن الأخرى.
عند البداية باتجاه الغرب تجد على جانبي الشارع، إضافة إلى المغاسل صيدلية ومحلات للسباكة ومطاحن للحبوب وأفرانا ومحلات للأقمشة ومدرسة وحيدة لتعليم القرآن الكريم، ومحلات للبنشر وورشا للتبريد وملحمة. وعندما يتقاطع الشارع مع شارع الصحافة تبدأ مرحلة جديدة تمتاز بوجود مركز طبي خاص ومطاعم للأكلات الهندية والصينية. أما إذا حاولت السير شرقا، فإنك ستجد تقاطعا مع شارع الأمير متعب (الأربعين)، وبعد أن تسير متجاوزا هذا التقاطع، فإنك تنتقل إلى مرحلة أخرى من شارع المؤلفين، تمتاز بكثرة محلات الخياطة وبيع جراك الشيش والمشاغل النسائية وصوالين الحلاقة التي تعد الأكثر انتشارا. وقبل أن يأخذك الشارع إلى التقاطع مع شارع دله، فإنك تلحظ ما بين خطي الشارع لوحتين متجاورتين مختلفتي الاهتمام، تشيران إلى (الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون) و(هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، رغم بعد مقرهما عن الشارع، ولا يدري أحد سبب تواجدهما إلى جوار بعضهما البعض.

المرحلة ما قبل الأخيرة من الشارع هي مرحلة ما بعد تقاطعه مع شارع دله، التي تبدأ بمحطة بنزين وبنشر ومغسلة سيارات وبوفيه، لكن إذا قدت سيارتك على مهل، فإنك تلحظ عن يمينك ويسارك مدرسة أهلية وبقالتين لا تصلان إلى مرحلة السوبر ماركت، ومحلات للتنجيد والستائر ومغسلة!.. وتقاطع مع شارع أم القرى، الذي إذا تجاوزته ستجد أنك في منطقة دبلوماسية، حيث مقر القنصليتين الماليزية والاندونيسية وشارع الشيخ محمد بن جبير، حتى تصل إلى مجرى السيل الذي يأتي كمانع في وجه الشارع من «التحليق نحو الفضاء الخارجي!».
بلا شك أن شارع المؤلفين يحتاج إلى وقفة وتفكير وربط بين الأشياء جميعا ابتداء من المسمى وتواجد محلات المغاسل والحلاقة!.. وانغلاق الشارع قبل أن يصل إلى الطريق السريع، فهذا الشارع يحاكي بشكل أو بآخر الواقع المعاصر، لاسيما ما يشهده مجال التأليف والنشر والتوزيع من انتكاسة وسماسرة وتجار لا يبالون بالمبدعين والمؤلفين، بقدر سعيهم لكسب المزيد من الأموال. فهل بالإمكان إحياء شارع المؤلفين وجعله اسما على مسمى، كما فعل العراقيون بشارع المتنبي؟. سؤال يبقى برسم المستقبل.