-A +A
قبل سنوات ليست بالبعيدة كان البعض منا يتخوف على أبنائه من بعض الصحف والمجلات الوافدة التي قد تصل إليهم بطريقة أو بأخرى وهي تحمل أفكارا سيئة أو موضوعات مخالفة لقيم هذا المجتمع وأخلاقه السامية، علما بأن مثل هذه الصحف والمجلات قلما تصل لهذه البلاد وهي على هذا النحو بحكم تشديد الرقابة عليها، فيما كان البعض الآخر ممن يسكنون المناطق الحدودية لهذه البلاد المترامية الأطراف يتخوفون هم الآخرون من بعض البرامج التلفزيونية التي قد تصلهم من بعض محطات التلفزة لدول مجاورة على الرغم من أنها محافظة إلى حد كبير، أما اليوم فلم يعد هذا التخوف بقاصر على هذين المنفذين فحسب، وإنما تجاوزه إلى أبعاد بعيدة لم تكن في الحسبان ممثلا في الفضائيات والتي لم تعد تلك الرقابة أو حتى التشفير بوسائل مجدية للحيلولة دون وصول ما تبثه الينا من سموم وأفكار ومبادئ هدامة للقيم والأخلاق الكريمة. فالفضاء أصبح متسعا لمثل هذه الغاية والناس باتوا فيه بين مخير ومسير لاستقبال كل ما تمطره عليهم هذه الفضائيات من غث وسمين، فالأب المحافظ مثلا إن هو تمكن من إبعاد هذه الفضائيات من بيته، فإنه لن يكون في مقدوره منع أبنائه من مشاهدتها من خلال بعض الأقارب أو الجيران أو من خلال زملائهم أو أصدقائهم ومعارفهم، وهذا ما بينته الكثير من الدراسات بخصوص هذه المسألة من انه من الصعوبة بمكان الوقوف أمام هذه الفضائيات الجارفة أو الحيلولة دون وصولها إلى أي مجتمع على امتداد الكرة الأرضية، من ذلك دراسة طبقت على عينة من الأطفال في إحدى الدول الغربية لمعرفة مدى تأثرهم بهذه الفضائيات والتي لم تكن على هذا النحو الهائل من الانتشار، تبين من تلك الدراسة بأن هؤلاء الأطفال لم يعرفوا في لحظتها بأنهم من بلد غير البلد الذي يستقبلون منه هذه الفضائيات وقبلها التلفزيونات المحلية، وكل ذلك ناتج من تأثرهم ببرامج ذلك البلد المجاور لبلدهم الأم، فتأثير الفضائيات مسوغ لا يختلف عليه اثنان على الاطلاق، كما أن حجم هذا التاثير بات أكبر مما يتصوره العقل البشري، لاسيما على الأطفال الذين دائما ما يتسمون بشدة التأثير وميلهم إلى التقليد، يليهم في هذا المنحى بعض الشباب وخاصة في مرحلة المراهقة والذين عادة ما يوصفون بعدم الثبات العاطفي والانفعالي، فضلا عن ميلهم للاستقلال والتوق لنيل العظمة والانبهار بالآخرين، ممن لهم شأن كبير في سلم اهتماماتهم وميولهم الشخصية كالرياضيين مثلا، والسؤال الذي لابد منه في هذه العجالة هو ما الحل؟.
فإلى الآباء والمربين أقول: الله الله من التهاون في مثل هذا الدور التربوي المهم لحياة فلذات الأكباد، ولندرك سويا بأن الفضائيات وحتى المفيدة منها، هي الأخرى لها انعكاسات سيئة على هؤلاء الأبناء من عدة نواح صحية وعضوية، كضعف البصر وتقوس العمود الفقري والسمنة وترهل الجسم نتيجة للجلوس الطويل أمام هذا الجهاز المغري حقا، بالإضافة للميل للكسل والتراخي عن القيام بالعبادات لمن هم في سن التكليف، فضلا عن الاتكالية وعدم المقدرة في الاستيقاظ المبكر، وفي استيعاب الدروس وحل الواجبات المدرسية، كناتج حتمي للانشغال بمشاهدة البرامج التلفزيونية إلى ساعات متأخرة من الليل وغير ذلك من الصراعات النفسية والتي تنشأ من جراء اختلاف ما يشاهده الطفل عبر الشاشة التلفزيونية، مقارنة بما يشاهده أو يلمسه على أرض الواقع، يقول أحد المفكرين ويدعى جيري ماندر وهو كاتب أمريكي معاصر وله تجربة طويلة في حقل الإعلام ما نصه: على الرغم من أننا ربما لا نكون قادرين على فعل أي شيء تجاه العبث بالهندسة الوراثية وتواجد القنابل النيوترونية، إلا أننا كأفراد نستطيع أن نقول (لا) للتلفزيون وأن نتخلص من أجهزتنا برميها في سلات النفايات.. ذلك لأن فكرة التلفزيون وبرامجه لا يمكن إصلاحها بأي حال من الأحوال، لأن مشكلاته مرتبطة في التقنية نفسها.. وليس بإمكان جيل جديد من مسؤولي التلفزيون ممن يتمتعون بحسن النية أن يغيروا ما يفعله هذا الجهاز للذين يشاهدونه، لأن تأثيراته على الجسم والعقل لا يمكن فصلها عن تجربة المشاهدة، أما نحن فليس لنا إلا أن نقول بأن هذا الجهاز يتوقف ضرره أو نفعه على حسن الاستخدام من عدمه، مثله مثل أي جهاز في حوزتنا يمكن أن نستعمله في الخير، فتعود فائدته أو نستعمله في الشر فيعود وباله علينا وهكذا، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

عبد الفتاح أحمد الريس