اشتد اهتمام العالم في الأسبوع الماضي، بتعيين السيناتور السابق جورج ميتشيل البالغ من العمر خمسة وسبعين عاما، كمبعوث أمريكي إلى منطقة الشرق الأوسط، وميتشيل من أصل ايرلندي لبناني معروف بنزاهته، سبق وأن ساهم في التفاوض على الاتفاق الذي عرف بيوم (الجمعة العظيمة) في ايرلندا الشمالية، ذلك الاتفاق الذي أحل السلام في هذا الإقليم بعد قتال دام ثمانين عاما. إن خطة ميتشيل، هي اختراق جدار الأزمة في الشرق الأوسط، لكنه في حاجة إلى دعم قوي من البيت الأبيض، ولن يقبل بأن يخسر انجازاته التاريخية بقبول هذه المهمة لو لم يكن على يقين من القدرة على حلها، ولن يتسنى له ذلك إلا بعاملين: إرادة قوية من أطراف الصراع، ودعم أقوى من الإدارة الأمريكية، والبيت الأبيض على حد سواء.
ولكي لا نفرط في التفاؤل فإن قبوله بالمهمة لا يعني أنه سينجح فيها، لكنه قبل هذا الدور، لأنه أدرك بأن الرئيس أوباما جعل أزمة الشرق الأوسط في قمة الأولويات، فقد فاجأ العالم العربي والإسلامي، عندما اتصل برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ليؤكد له الرغبة في (العمل معه كشركاء بهدف قيام سلام دائم في الشرق الأوسط).
لقد نقل عن الرئيس الأمريكي القول بأن هذا هو أول اتصال يجريه مع مسؤول أجنبي بعد ساعات قليلة على توليه الرئاسة، ومع هذا فإن العرب يشعرون بخيبة الأمل من الرؤساء الذين تعاقبوا على البيت الأبيض، لأنهم نادرا ما كانوا يبدون رغبة صادقة في مواجهة الكونجرس، الذي يقع تحت التأثير القوي لمجموعات الضغط الإسرائيلية، ويأتي في مقدمتها لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية المعروفة باسم (ايباك)، و(معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) الذي كان له التأثير القوي على إدارة بوش.
صحيح أن العرب وقعوا تحت تأثير الفضائيات التي شلت لديهم القدرة على التفكير، بسبب تقديمها التحليلات والأفكار المصنعة، والشعب العربي بما فيهم معظم المفكرين مصابون بثقافة الاستهلاك، وخاصة فيما يتعلق بجانب الاستهلاك الفكري، وهو ما أصاب المجتمع الأمريكي من قبل، فقد ولد لديهم الإعلام قناعات مصنعة وجاهزة للاستعمال، فلم يعد لديهم الرغبة في التفكير الحر، وأصبح التحليل وتصنيع الأفكار مقتصراً على قادة الفكر، وبنوك التفكير في أمريكا.
ولكي لا نفرط في التشاؤم، فالرؤساء الأمريكيون لهم دور في تحقيق بعض المكاسب للعرب. كان الاتفاق في البداية أن تعود غزة وأريحا، وأن تسلما للفلسطينيين، لكن المفاوضات والانتفاضات وسعت من طموحات الفلسطينيين حتى اتسعت الأهداف للضفة الغربية والقطاع وتعززت فيما بعد بالمبادرة العربية، لهذا كان ياسر عرفات على اقتناع تام،بأن فلسطين لن تتحرر إلا من خلال المعارك التفاوضية، وليس عن طريق المقاومة وحدها.
لقد كان عرفات موحدا لكلمة الفلسطينيين، ومدركا أن المفاوضات وحدها لن تتقدم، وأن المقاومة وحدها لن تكسب، فكان يضع البندقية في يد وغصن الزيتون في يد أخرى، ولما نسى الفلسطينيون وديعة عرفات، اشتد الصراع بين رواد التفاوض، ورواد المقاومة، وانقسم العالم العربي إلى قسمين، قسم يعتقد أن المفاوضات وحدها التي تحقق المكاسب، وقسم يرى أن المقاومة وحدها هي السبيل إلى التحرير.
لقد صمدت المقاومة أمام العدوان على غزة، لكنه كان صموداً في الملاجئ والأنفاق، وإرسال عدد متواضع من الصواريخ الذي يكفي لأن يكون ذريعة للعدوان، وحفظ لماء الوجه لإسرائيل أمام المجتمع الدولي، والمؤسف أن العدو الصهيوني يعتقد أنه قد انتصر في هذه المعركة، فتدميره للبنية التحتية، واستخدامه لأقذر الأسلحة، يعتبر انتصارا، وقتله للنساء والأطفال والشيوخ يعتبر انتصارا، فأين الانتصار وهم لم يخوضوا صداما واحدا، أو حتى اشتباكا مع المقاومة الفلسطينية التي انقسمت قيادتها بين الملاجئ في غزة، والأجواء العليلة في الشام. لقد خسرت إسرائيل الكثير من سمعتها في العالم، والموقف الشعبي في بريطانيا اليوم شاهد على ذلك، لكن الإدارة الصهيونية خططت أن يكون تشويه السمعة لإسرائيل وحدها، فأوعزت لبعض اليهود بالوقوف مع المظاهرات ضد ذلك العنف والإجرام الذي مارسه العدو الصهيوني على الفلسطينيين في غزة، كما أن حزب كاديما الذي أشعل الحرب لكسب الانتخابات في مواجهة الليكود قد خسر، إن أن قيادة كاديما قد تسببت في تشويه سمعة إسرائيل أمام العالم، دون أن تحقق أهدافها في رفع سقف التأييد لكاديما، حتى تجاوزت نسبة المؤيدين بحسب استطلاعات الرأي الثمانين في المائة لصالح الليكود، لقد كانت هناك أطراف إقليمية وإسرائيلية تتاجر بدم الفلسطينيين. فالمحللون في الشرق الأوسط يعكفون على متابعة كلمات أوباما ورصد تحركاته، للتعرف على خطته في الشرق الأوسط، ففي المراحل الأولى من حملته الانتخابية كان صريحا بطريقة غير معهودة، عندما قال: بأن أحدا لم يعان كما عانى الفلسطينيون، ثم بين وجهة نظره عندما قال: إنه يمكن دعم إسرائيل من دون تبني سياسات (حزب الليكود) التوسعية. عارض الرئيس الجديد أوباما في الماضي الحرب على العراق، وانتقد المسؤولين المنحازين لإسرائيل من صقور المحافظين الجدد، لكنه في خطابه الرئاسي لم يتطرق بالتفصيل، بل ركز على العموميات عندما قال: إن أمريكا في حالة حرب مع العنف والكراهية.
لقد أراد أن يؤكد للمسلمين، أن أمريكا ليست في حرب مع الإسلام، فوعد بأن تكون أول زيارة له خارج أمريكا إلى بلد إسلامي كبير، وذكر المغرب بالاسم، وعلل ذلك بأنها أول دولة تعترف باستقلال أمريكا، لكنه وجد نفسه تنازعه إلى أن تكون الدولة التي يزورها هي أندونيسيا، لأنه نشأ فيها ما بين عام 1967 و1971م. لقد أثارت الحرب الظالمة التي شنتها إسرائيل على غزة الشفقة في نفسه، وتذكر ما عاناه آباؤه، فأعلن أنه لن يسمح بحرب تشنها إسرائيل، لكن الجميع يرغب منه أن يعمل على قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، تكون القدس الشرقية عاصمة هذه الدولة، فاتصاله بمحمود عباس فيه إشارة قوية إلى رغبته في حل النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي.
إنه في حاجة إلى تعزيز وقف إطلاق النار في فلسطين، وإطلاق الحوار مع حركة حماس، ورفع الحصار عن غزة، وإيقاف تهريب السلاح، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تملك القدرة على التفاوض مع إسرائيل، وهذا يتطلب إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية بسرعة في الضفة والقطاع.
إن على الإدارة الأمريكية أن لا تهمش الدور السوري، فقد استطاعت القيادة في سوريا أن تمسك بأوراق المقاومة، حتى لا تسقط من حسابات التسوية، خصوصا أن حماس والجبهة الشعبية والجهاد وغيرها من المنظمات، قد اتخذت من دمشق ملاذا آمنا لقيادتها، فلم يعد لهذه القيادات أن تتصرف أو تقرر دون الموافقة السورية، وعلى جورج ميتشيل إذا أراد أن ينجح في مهمته أن يضع سوريا ضمن زيارته التي بدأت، وإلا فسوف يجد نفسه يدور في حلقة مفرغة.
eshki@doctor.com
ولكي لا نفرط في التفاؤل فإن قبوله بالمهمة لا يعني أنه سينجح فيها، لكنه قبل هذا الدور، لأنه أدرك بأن الرئيس أوباما جعل أزمة الشرق الأوسط في قمة الأولويات، فقد فاجأ العالم العربي والإسلامي، عندما اتصل برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ليؤكد له الرغبة في (العمل معه كشركاء بهدف قيام سلام دائم في الشرق الأوسط).
لقد نقل عن الرئيس الأمريكي القول بأن هذا هو أول اتصال يجريه مع مسؤول أجنبي بعد ساعات قليلة على توليه الرئاسة، ومع هذا فإن العرب يشعرون بخيبة الأمل من الرؤساء الذين تعاقبوا على البيت الأبيض، لأنهم نادرا ما كانوا يبدون رغبة صادقة في مواجهة الكونجرس، الذي يقع تحت التأثير القوي لمجموعات الضغط الإسرائيلية، ويأتي في مقدمتها لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية المعروفة باسم (ايباك)، و(معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) الذي كان له التأثير القوي على إدارة بوش.
صحيح أن العرب وقعوا تحت تأثير الفضائيات التي شلت لديهم القدرة على التفكير، بسبب تقديمها التحليلات والأفكار المصنعة، والشعب العربي بما فيهم معظم المفكرين مصابون بثقافة الاستهلاك، وخاصة فيما يتعلق بجانب الاستهلاك الفكري، وهو ما أصاب المجتمع الأمريكي من قبل، فقد ولد لديهم الإعلام قناعات مصنعة وجاهزة للاستعمال، فلم يعد لديهم الرغبة في التفكير الحر، وأصبح التحليل وتصنيع الأفكار مقتصراً على قادة الفكر، وبنوك التفكير في أمريكا.
ولكي لا نفرط في التشاؤم، فالرؤساء الأمريكيون لهم دور في تحقيق بعض المكاسب للعرب. كان الاتفاق في البداية أن تعود غزة وأريحا، وأن تسلما للفلسطينيين، لكن المفاوضات والانتفاضات وسعت من طموحات الفلسطينيين حتى اتسعت الأهداف للضفة الغربية والقطاع وتعززت فيما بعد بالمبادرة العربية، لهذا كان ياسر عرفات على اقتناع تام،بأن فلسطين لن تتحرر إلا من خلال المعارك التفاوضية، وليس عن طريق المقاومة وحدها.
لقد كان عرفات موحدا لكلمة الفلسطينيين، ومدركا أن المفاوضات وحدها لن تتقدم، وأن المقاومة وحدها لن تكسب، فكان يضع البندقية في يد وغصن الزيتون في يد أخرى، ولما نسى الفلسطينيون وديعة عرفات، اشتد الصراع بين رواد التفاوض، ورواد المقاومة، وانقسم العالم العربي إلى قسمين، قسم يعتقد أن المفاوضات وحدها التي تحقق المكاسب، وقسم يرى أن المقاومة وحدها هي السبيل إلى التحرير.
لقد صمدت المقاومة أمام العدوان على غزة، لكنه كان صموداً في الملاجئ والأنفاق، وإرسال عدد متواضع من الصواريخ الذي يكفي لأن يكون ذريعة للعدوان، وحفظ لماء الوجه لإسرائيل أمام المجتمع الدولي، والمؤسف أن العدو الصهيوني يعتقد أنه قد انتصر في هذه المعركة، فتدميره للبنية التحتية، واستخدامه لأقذر الأسلحة، يعتبر انتصارا، وقتله للنساء والأطفال والشيوخ يعتبر انتصارا، فأين الانتصار وهم لم يخوضوا صداما واحدا، أو حتى اشتباكا مع المقاومة الفلسطينية التي انقسمت قيادتها بين الملاجئ في غزة، والأجواء العليلة في الشام. لقد خسرت إسرائيل الكثير من سمعتها في العالم، والموقف الشعبي في بريطانيا اليوم شاهد على ذلك، لكن الإدارة الصهيونية خططت أن يكون تشويه السمعة لإسرائيل وحدها، فأوعزت لبعض اليهود بالوقوف مع المظاهرات ضد ذلك العنف والإجرام الذي مارسه العدو الصهيوني على الفلسطينيين في غزة، كما أن حزب كاديما الذي أشعل الحرب لكسب الانتخابات في مواجهة الليكود قد خسر، إن أن قيادة كاديما قد تسببت في تشويه سمعة إسرائيل أمام العالم، دون أن تحقق أهدافها في رفع سقف التأييد لكاديما، حتى تجاوزت نسبة المؤيدين بحسب استطلاعات الرأي الثمانين في المائة لصالح الليكود، لقد كانت هناك أطراف إقليمية وإسرائيلية تتاجر بدم الفلسطينيين. فالمحللون في الشرق الأوسط يعكفون على متابعة كلمات أوباما ورصد تحركاته، للتعرف على خطته في الشرق الأوسط، ففي المراحل الأولى من حملته الانتخابية كان صريحا بطريقة غير معهودة، عندما قال: بأن أحدا لم يعان كما عانى الفلسطينيون، ثم بين وجهة نظره عندما قال: إنه يمكن دعم إسرائيل من دون تبني سياسات (حزب الليكود) التوسعية. عارض الرئيس الجديد أوباما في الماضي الحرب على العراق، وانتقد المسؤولين المنحازين لإسرائيل من صقور المحافظين الجدد، لكنه في خطابه الرئاسي لم يتطرق بالتفصيل، بل ركز على العموميات عندما قال: إن أمريكا في حالة حرب مع العنف والكراهية.
لقد أراد أن يؤكد للمسلمين، أن أمريكا ليست في حرب مع الإسلام، فوعد بأن تكون أول زيارة له خارج أمريكا إلى بلد إسلامي كبير، وذكر المغرب بالاسم، وعلل ذلك بأنها أول دولة تعترف باستقلال أمريكا، لكنه وجد نفسه تنازعه إلى أن تكون الدولة التي يزورها هي أندونيسيا، لأنه نشأ فيها ما بين عام 1967 و1971م. لقد أثارت الحرب الظالمة التي شنتها إسرائيل على غزة الشفقة في نفسه، وتذكر ما عاناه آباؤه، فأعلن أنه لن يسمح بحرب تشنها إسرائيل، لكن الجميع يرغب منه أن يعمل على قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، تكون القدس الشرقية عاصمة هذه الدولة، فاتصاله بمحمود عباس فيه إشارة قوية إلى رغبته في حل النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي.
إنه في حاجة إلى تعزيز وقف إطلاق النار في فلسطين، وإطلاق الحوار مع حركة حماس، ورفع الحصار عن غزة، وإيقاف تهريب السلاح، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تملك القدرة على التفاوض مع إسرائيل، وهذا يتطلب إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية بسرعة في الضفة والقطاع.
إن على الإدارة الأمريكية أن لا تهمش الدور السوري، فقد استطاعت القيادة في سوريا أن تمسك بأوراق المقاومة، حتى لا تسقط من حسابات التسوية، خصوصا أن حماس والجبهة الشعبية والجهاد وغيرها من المنظمات، قد اتخذت من دمشق ملاذا آمنا لقيادتها، فلم يعد لهذه القيادات أن تتصرف أو تقرر دون الموافقة السورية، وعلى جورج ميتشيل إذا أراد أن ينجح في مهمته أن يضع سوريا ضمن زيارته التي بدأت، وإلا فسوف يجد نفسه يدور في حلقة مفرغة.
eshki@doctor.com