لم أصادف أحدا تحدثت إليه الأسبوع الماضي في أفغانستان يرغب بالعودة إلى حكم طالبان: فالأفغان يتمسكون تماما بالفرصة التي أتيحت لهم لاختيار طريقة حياتهم كيفما يريدون، ولحكم أنفسهم بأنفسهم.
لكن يخشى الأفغان أن يلازمهم مأزق مستمر. فجماعة طالبان أضعف من أن يستطيعوا مقاتلة القوات الأفغانية وقوات التحالف في مواجهة تقليدية. لكن المؤسسات الأفغانية ليست متمكنة بالدرجة الكافية لكي تهزم حرب الميليشيات التي تتبناها جماعة طالبان.
ومن هذا المنطلق فإننا نرحب بقرار الرئيس أوباما إرسال 17.000 من القوات الأمريكية الإضافية إلى أفغانستان. إن التهديد المتمثل بوقوع هجمات إرهابية على أراضينا مازال تهديدا حقيقيا. وأفغانستان كانت الحاضنة للإرهاب بمحض الاختيار في تسعينيات القرن العشرين، ومازال هذا هو الحال اليوم بالنسبة لحدودها مع باكستان. فتنظيم القاعدة مازال مختبئا في تلك المناطق الحدودية، يجنّد جماعة طالبان ورجال القبائل. والتزام الولايات المتحدة، إلى جانب التزامنا والتزام أربعين دولة أخرى، فيه مؤشر مهم على التزام الجميع على المدى الطويل.
ومازال التأثير الإيجابي مستمرا لما تبذله قواتنا المسلحة ودبلوماسيونا والعاملون في مجال الإغاثة - وهم جميعا يعملون في بيئة صعبة للغاية. وشجاعتهم الراسخة ومهنيتهم ومهارتهم في أداء عملهم محل فخر واعتزاز لبلدنا. فقد ساعدنا خلال العام الماضي في هيلماند في مضاعفة عدد المقاطعات التي تقع تحت سيطرة الحكومة الأفغانية. وانخفض معدل زراعة الأفيون، بينما يشهد الاقتصاد الأفغاني المشروع نموا مضطردا، وعدد المواطنين الذين يحصلون على الرعاية الصحية الأساسية والتعليم في ارتفاع مستمر.
لكننا دأبنا على القول منذ وقت طويل بأنه ليس هنالك حل عسكري بحت للتمرد. فما لم يكن العمل العسكري بموازاة استراتيجية سياسية واقتصادية واضحة، فإنه لن يؤدي سوى لإجبار جماعة طالبان على الاختباء تحت الأرض أو تشجيعهم على أن يلعبوا لعبة الانتظار.
إن هزيمة التمرد تعني فهم المتمردين وأسباب تمردهم، وأن يتولد لدينا فهم أفضل لأشكال التمرد. فالمتمردون لا ينطلقون من منظمة واحدة، كما أنهم لا يقاتلون لأجل قضية واحدة. فهناك جماعة طالبان ممن يؤمنون بأيديولوجية معينة، وجماعة طالبان ممن يركضون وراء الحصول على عشر دولارات باليوم، وهناك مقاتلون من خارج المنطقة، ومجرمون، ومهربو المخدرات، وأمراء الحرب، والمتعطشون للسلطة. وجميعهم يعتمدون إلى حد ما على إذعان ورضوخ بعض من المواطنين العاديين الذين، رغم خوفهم من عودة طالبان، يشككون بقدرة الدولة على حمايتهم، وبالتالي فإنهم يتحوطون من الخسارة عن طريق مناصرة الطرفين.
إن استراتيجيتنا هي مساعدة الحكومة الأفغانية في شق صفوف المتمردين، وتجنيد من هم على استعداد لنبذ القاعدة، والتخلي عن العنف، والقبول بالدستور الأفغاني. هذا يعني مواجهة مختلف أطياف المتمردين بمجموعة من الطرق المختلفة.
إذا ما أردنا من المواطنين الأفغانيين العاديين حرمان طالبان من الدعم والملاذ الآمن، علينا أن نمنحهم الثقة بأن دولتهم - وخصوصا الجيش الوطني وقوات الشرطة والقضاء فيها - ستوفر لهم الحماية الكاملة، ونحن نساعد الحكومة على توفيرها لمواطنيها.
وعندما يتعلق الأمر بمن اصطفوا إلى جانب طالبان ليس لتتوفر لهم الحماية ولعدم توفر خيار أمامهم، بل لكي يتمتعوا بالقوة والسيطرة، فإننا نريد أن نوفر لهم حوافز أقوى ونفرض عليهم عقوبات أشد. عليهم أن يعلموا بأنهم إذا ما نبذوا العنف وقبلوا بسيادة القانون، فإن أمامهم فرصاً لممارسة السيطرة من خلال العملية السياسية المشروعة. لكن إذا كانوا لا يقبلون بالدستور الأفغاني فإن القوات العسكرية ستلاحقهم دون كلل.
ومن ثم بالطبع هنالك العناصر الأكثر تطرفا من بين المتمردين: أولئك هم الذين يؤمنون بأيديولوجية متطرفة ومتشددة، وعازمون على رفض سلطة الدولة الشرعية، وعلى استعداد للقتال حتى النهاية. وهناك أيضا أعداد صغيرة من المقاتلين الأجانب. الرد الوحيد على كلتا هاتين الفئتين هو المواجهة والقوة: قوة التحالف والقوات الأفغانية بشكل متزايد. وقد كان هناك في العام الماضي تآكل بين صفوف هاتين الفئتين على كلا جانبي الحدود.
لقد ذهبت خلال زيارتي الأخيرة لأفغانستان إلى معبر خيبر، حيث تمثل سهولة تحرك المتمردين بحرية عبر 2400 كم من الحدود الممتدة بين أفغانستان وباكستان مشكلة هائلة. وعزم الولايات المتحدة على معالجة المشكلة في أفغانستان وباكستان معا يعتبر خطوة كبيرة للأمام. فبوجود روابط قوية بين المتمردين في كونار والمقاتلين في وزيرستان، وبين المجرمين ومن يقومون بأعمال السلب والنهب والإرهابيين في لشقر جاه وكويتا، وفي بشاور ونانغاهار، فإن أفغانستان لن تنعم بالسلام أبدا ما لم تنجح الحكومة الباكستانية في مواجهة المقاتلين في باكستان.
ومن بين وقوع قتلى نتيجة للأعمال الإرهابية في باكستان، ومع خطر توسع الفكر الطالباني، وانتشار عمليات الإعدام عقب إجراءات موجزة، نشهد بروز قبول متنامٍ بين النخبة في باكستان بأن التطرف الذي ينطوي على ارتكاب أعمال العنف هو أكبر تهديد يواجهه بلدهم. علينا أن نؤازر الحكومة المنتخبة ديموقراطيا وقواتها المسلحة في اجتثاث التطرف من أراضيها، وتطوير نهج مشترك مع السلطات الأفغانية لمواجهته.
تمثل أفغانستان امتحانا لعزيمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والتحالف الدولي الأوسع. وتوفير المزيد من القوات لن يكون كافيا أبدا لفرض الاستقرار في جميع أنحاء أفغانستان. لكن باستطاعة القوة العسكرية الضغط بشكل مباشر على من يرفضون التعاون مع الدولة الأفغانية، وحماية من يتعاونون معها.
هذه هي الطريقة الوحيدة لبناء أفغانستان تنعم بالسلام والأمن. وهي أفضل طريقة لضمان عدم عودة طالبان إلى السلطة، وألا تعود أفغانستان - مرة أخرى- لتصبح ملاذا آمنا للساعين لإلحاق الأذى بنا.
* وزير الخارجية البريطاني
لكن يخشى الأفغان أن يلازمهم مأزق مستمر. فجماعة طالبان أضعف من أن يستطيعوا مقاتلة القوات الأفغانية وقوات التحالف في مواجهة تقليدية. لكن المؤسسات الأفغانية ليست متمكنة بالدرجة الكافية لكي تهزم حرب الميليشيات التي تتبناها جماعة طالبان.
ومن هذا المنطلق فإننا نرحب بقرار الرئيس أوباما إرسال 17.000 من القوات الأمريكية الإضافية إلى أفغانستان. إن التهديد المتمثل بوقوع هجمات إرهابية على أراضينا مازال تهديدا حقيقيا. وأفغانستان كانت الحاضنة للإرهاب بمحض الاختيار في تسعينيات القرن العشرين، ومازال هذا هو الحال اليوم بالنسبة لحدودها مع باكستان. فتنظيم القاعدة مازال مختبئا في تلك المناطق الحدودية، يجنّد جماعة طالبان ورجال القبائل. والتزام الولايات المتحدة، إلى جانب التزامنا والتزام أربعين دولة أخرى، فيه مؤشر مهم على التزام الجميع على المدى الطويل.
ومازال التأثير الإيجابي مستمرا لما تبذله قواتنا المسلحة ودبلوماسيونا والعاملون في مجال الإغاثة - وهم جميعا يعملون في بيئة صعبة للغاية. وشجاعتهم الراسخة ومهنيتهم ومهارتهم في أداء عملهم محل فخر واعتزاز لبلدنا. فقد ساعدنا خلال العام الماضي في هيلماند في مضاعفة عدد المقاطعات التي تقع تحت سيطرة الحكومة الأفغانية. وانخفض معدل زراعة الأفيون، بينما يشهد الاقتصاد الأفغاني المشروع نموا مضطردا، وعدد المواطنين الذين يحصلون على الرعاية الصحية الأساسية والتعليم في ارتفاع مستمر.
لكننا دأبنا على القول منذ وقت طويل بأنه ليس هنالك حل عسكري بحت للتمرد. فما لم يكن العمل العسكري بموازاة استراتيجية سياسية واقتصادية واضحة، فإنه لن يؤدي سوى لإجبار جماعة طالبان على الاختباء تحت الأرض أو تشجيعهم على أن يلعبوا لعبة الانتظار.
إن هزيمة التمرد تعني فهم المتمردين وأسباب تمردهم، وأن يتولد لدينا فهم أفضل لأشكال التمرد. فالمتمردون لا ينطلقون من منظمة واحدة، كما أنهم لا يقاتلون لأجل قضية واحدة. فهناك جماعة طالبان ممن يؤمنون بأيديولوجية معينة، وجماعة طالبان ممن يركضون وراء الحصول على عشر دولارات باليوم، وهناك مقاتلون من خارج المنطقة، ومجرمون، ومهربو المخدرات، وأمراء الحرب، والمتعطشون للسلطة. وجميعهم يعتمدون إلى حد ما على إذعان ورضوخ بعض من المواطنين العاديين الذين، رغم خوفهم من عودة طالبان، يشككون بقدرة الدولة على حمايتهم، وبالتالي فإنهم يتحوطون من الخسارة عن طريق مناصرة الطرفين.
إن استراتيجيتنا هي مساعدة الحكومة الأفغانية في شق صفوف المتمردين، وتجنيد من هم على استعداد لنبذ القاعدة، والتخلي عن العنف، والقبول بالدستور الأفغاني. هذا يعني مواجهة مختلف أطياف المتمردين بمجموعة من الطرق المختلفة.
إذا ما أردنا من المواطنين الأفغانيين العاديين حرمان طالبان من الدعم والملاذ الآمن، علينا أن نمنحهم الثقة بأن دولتهم - وخصوصا الجيش الوطني وقوات الشرطة والقضاء فيها - ستوفر لهم الحماية الكاملة، ونحن نساعد الحكومة على توفيرها لمواطنيها.
وعندما يتعلق الأمر بمن اصطفوا إلى جانب طالبان ليس لتتوفر لهم الحماية ولعدم توفر خيار أمامهم، بل لكي يتمتعوا بالقوة والسيطرة، فإننا نريد أن نوفر لهم حوافز أقوى ونفرض عليهم عقوبات أشد. عليهم أن يعلموا بأنهم إذا ما نبذوا العنف وقبلوا بسيادة القانون، فإن أمامهم فرصاً لممارسة السيطرة من خلال العملية السياسية المشروعة. لكن إذا كانوا لا يقبلون بالدستور الأفغاني فإن القوات العسكرية ستلاحقهم دون كلل.
ومن ثم بالطبع هنالك العناصر الأكثر تطرفا من بين المتمردين: أولئك هم الذين يؤمنون بأيديولوجية متطرفة ومتشددة، وعازمون على رفض سلطة الدولة الشرعية، وعلى استعداد للقتال حتى النهاية. وهناك أيضا أعداد صغيرة من المقاتلين الأجانب. الرد الوحيد على كلتا هاتين الفئتين هو المواجهة والقوة: قوة التحالف والقوات الأفغانية بشكل متزايد. وقد كان هناك في العام الماضي تآكل بين صفوف هاتين الفئتين على كلا جانبي الحدود.
لقد ذهبت خلال زيارتي الأخيرة لأفغانستان إلى معبر خيبر، حيث تمثل سهولة تحرك المتمردين بحرية عبر 2400 كم من الحدود الممتدة بين أفغانستان وباكستان مشكلة هائلة. وعزم الولايات المتحدة على معالجة المشكلة في أفغانستان وباكستان معا يعتبر خطوة كبيرة للأمام. فبوجود روابط قوية بين المتمردين في كونار والمقاتلين في وزيرستان، وبين المجرمين ومن يقومون بأعمال السلب والنهب والإرهابيين في لشقر جاه وكويتا، وفي بشاور ونانغاهار، فإن أفغانستان لن تنعم بالسلام أبدا ما لم تنجح الحكومة الباكستانية في مواجهة المقاتلين في باكستان.
ومن بين وقوع قتلى نتيجة للأعمال الإرهابية في باكستان، ومع خطر توسع الفكر الطالباني، وانتشار عمليات الإعدام عقب إجراءات موجزة، نشهد بروز قبول متنامٍ بين النخبة في باكستان بأن التطرف الذي ينطوي على ارتكاب أعمال العنف هو أكبر تهديد يواجهه بلدهم. علينا أن نؤازر الحكومة المنتخبة ديموقراطيا وقواتها المسلحة في اجتثاث التطرف من أراضيها، وتطوير نهج مشترك مع السلطات الأفغانية لمواجهته.
تمثل أفغانستان امتحانا لعزيمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والتحالف الدولي الأوسع. وتوفير المزيد من القوات لن يكون كافيا أبدا لفرض الاستقرار في جميع أنحاء أفغانستان. لكن باستطاعة القوة العسكرية الضغط بشكل مباشر على من يرفضون التعاون مع الدولة الأفغانية، وحماية من يتعاونون معها.
هذه هي الطريقة الوحيدة لبناء أفغانستان تنعم بالسلام والأمن. وهي أفضل طريقة لضمان عدم عودة طالبان إلى السلطة، وألا تعود أفغانستان - مرة أخرى- لتصبح ملاذا آمنا للساعين لإلحاق الأذى بنا.
* وزير الخارجية البريطاني