لم يكن بالإمكان إخفاء دهشتك وأنت تتجول في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي أقفل أبوابه الأسبوع الماضي، وأقيم في قاعة ضخمة اتسعت لأكثر من 650 دار نشر عربية. وكان لافتا أن أغلب الكتب التي كنت تتوقع غيابها، تجدها منتشرة بكثافة في الكثير من دور النشر؛ فروايات الراحل عبد الرحمن منيف تصدرت قائمة المبيعات هذا العام، بعد أن غابت لأعوام طويلة، وأغلب ما تسمعه عن كتب لم تكن موجودة من قبل بيع منها بالمئات في المعرض.
خالد البسام *
غير أن هذا لا يعني أن «الدنيا ربيع»، بل هناك كتب غابت لأسباب ولأخرى، بل يبدو وكأن لعبة الغياب هذه جزء من عملية رواج الكتب. فقد شعرت مثلا أن هناك كتابا يفرحون بقرار منع كتبهم حتى يكون هناك طلب كبير عليها، وفي بعض الأحيان يمارس بعض المؤلفين اللؤم ويقومون هم أنفسهم بإبهار أعمالهم بالكثير من الإثارة حتى تمنع.
لكن في حضرة معرض الرياض كان كل شيء يقدر بالآلاف وربما عشرات الآلاف من جمهور ضخم حضر في اليوم الأول فقط بعدد يقارب الثلاثين ألفا من رجال ونساء وأطفال. وأكثر المتعطشين للكتب جاؤوا سريعا في اليوم الأول حتى لا تنتهى الكتب المهمة والجديدة التي طالما قرأوا عنها ولا يحصلون على نسخة منها. لذلك أعلنت الكثير من دور النشر اللبنانية مثلا أن بعض الكتب نفدت من اليوم الأول. ولم ينته العطش للكتب في اليوم الأول فقط، لكنه استمر لأيام وطوال أيام المعرض.
إنه مشهد لا يصدق، أنت في الرياض وتقرأ كل شيء. معرض كتب لا تخطئه العين. فيبدو المعرض من بعيد وكأنك ذاهب إلى احتفال ضخم، فالحشود لا تنتهي والسيارات تتهادى على المكان، وعشرات العمال يحملون كتبا عجز زبائن المعرض عن حملها أو احتضانها. أمهات وأطفال، بعضهم جاؤوا من قرى ومدن بعيدة وبعيدة جدا عن الرياض، بحثا عن كتاب جميل أو رواية رائعة. وأمهات لم تقعدهن مهمات الأمومة ورعاية الأطفال عن التواجد في المعرض، وحمل أطفالهن الرضع ووضع الحليب الجاهز بجانب عربات الأطفال الصغيرة والتجول معهم في أروقة المعرض الضخم، المزدحم بالبشر والكتب والمعرفة.
بعد ثلاثة أيام من وصولي لمعرض الرياض، جلست مع الناقد والمترجم العراقي الشهير عبد الواحد لؤلؤة في بهو الفندق البعيد، نسمع الحكايات الحلوة عن العراق والنكبات السياسية فيه والانقلابيين الذين أضاعوا كل شيء وتركوا البلاد خرابا. كانت الصحف أمامنا ثقيلة مملوءة بكل أنواع الأخبار، وأكثرها يزيد عدد صفحاتها على الخمسين، كان الدكتور لؤلؤة يقطع تصفحنا، ويقول: من أين تأتي هذه الصحف بكل هذه الأخبار والموضوعات؟. في المساء سألت السؤال نفسه، وأنا أتجول في معرض الكتاب: من أين يأتي هؤلاء بكل هذه الكتب؟.
في المعرض غالبا ما تنسى الأسئلة وتتذكر أنك تتجول في صفحات الكتب. أما ما هي الكتب فهذا شأنك وذوقك ورغبتك.
داخل معرض الرياض تشعر وكأن المطابع اللبنانية وربما العربية كلها تطبع للرياض، كي يقرأ أهل المملكة، الواثقون من قدرتهم الشرائية مهما ارتفعت أسعار الكتب. أما الذي قال إن القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ، فعليه أن يقول الآن وبكل ثقة وكبرياء إن المملكة تكتب وبيروت تطبع والمملكة تقرأ أيضا. ومن لا يصدق هذا الكلام فليسأل باعة الكتب الذين لم أرهم في قمة الفرح والسعادة كما شاهدتهم في الرياض.
* كاتب بحريني
albassamk@hotmail.com
خالد البسام *
غير أن هذا لا يعني أن «الدنيا ربيع»، بل هناك كتب غابت لأسباب ولأخرى، بل يبدو وكأن لعبة الغياب هذه جزء من عملية رواج الكتب. فقد شعرت مثلا أن هناك كتابا يفرحون بقرار منع كتبهم حتى يكون هناك طلب كبير عليها، وفي بعض الأحيان يمارس بعض المؤلفين اللؤم ويقومون هم أنفسهم بإبهار أعمالهم بالكثير من الإثارة حتى تمنع.
لكن في حضرة معرض الرياض كان كل شيء يقدر بالآلاف وربما عشرات الآلاف من جمهور ضخم حضر في اليوم الأول فقط بعدد يقارب الثلاثين ألفا من رجال ونساء وأطفال. وأكثر المتعطشين للكتب جاؤوا سريعا في اليوم الأول حتى لا تنتهى الكتب المهمة والجديدة التي طالما قرأوا عنها ولا يحصلون على نسخة منها. لذلك أعلنت الكثير من دور النشر اللبنانية مثلا أن بعض الكتب نفدت من اليوم الأول. ولم ينته العطش للكتب في اليوم الأول فقط، لكنه استمر لأيام وطوال أيام المعرض.
إنه مشهد لا يصدق، أنت في الرياض وتقرأ كل شيء. معرض كتب لا تخطئه العين. فيبدو المعرض من بعيد وكأنك ذاهب إلى احتفال ضخم، فالحشود لا تنتهي والسيارات تتهادى على المكان، وعشرات العمال يحملون كتبا عجز زبائن المعرض عن حملها أو احتضانها. أمهات وأطفال، بعضهم جاؤوا من قرى ومدن بعيدة وبعيدة جدا عن الرياض، بحثا عن كتاب جميل أو رواية رائعة. وأمهات لم تقعدهن مهمات الأمومة ورعاية الأطفال عن التواجد في المعرض، وحمل أطفالهن الرضع ووضع الحليب الجاهز بجانب عربات الأطفال الصغيرة والتجول معهم في أروقة المعرض الضخم، المزدحم بالبشر والكتب والمعرفة.
بعد ثلاثة أيام من وصولي لمعرض الرياض، جلست مع الناقد والمترجم العراقي الشهير عبد الواحد لؤلؤة في بهو الفندق البعيد، نسمع الحكايات الحلوة عن العراق والنكبات السياسية فيه والانقلابيين الذين أضاعوا كل شيء وتركوا البلاد خرابا. كانت الصحف أمامنا ثقيلة مملوءة بكل أنواع الأخبار، وأكثرها يزيد عدد صفحاتها على الخمسين، كان الدكتور لؤلؤة يقطع تصفحنا، ويقول: من أين تأتي هذه الصحف بكل هذه الأخبار والموضوعات؟. في المساء سألت السؤال نفسه، وأنا أتجول في معرض الكتاب: من أين يأتي هؤلاء بكل هذه الكتب؟.
في المعرض غالبا ما تنسى الأسئلة وتتذكر أنك تتجول في صفحات الكتب. أما ما هي الكتب فهذا شأنك وذوقك ورغبتك.
داخل معرض الرياض تشعر وكأن المطابع اللبنانية وربما العربية كلها تطبع للرياض، كي يقرأ أهل المملكة، الواثقون من قدرتهم الشرائية مهما ارتفعت أسعار الكتب. أما الذي قال إن القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ، فعليه أن يقول الآن وبكل ثقة وكبرياء إن المملكة تكتب وبيروت تطبع والمملكة تقرأ أيضا. ومن لا يصدق هذا الكلام فليسأل باعة الكتب الذين لم أرهم في قمة الفرح والسعادة كما شاهدتهم في الرياض.
* كاتب بحريني
albassamk@hotmail.com