-A +A
حمدان الحربي ـ جدة
مع تفاقم الأزمة المالية العالمية انعكست تداعياتها على العديد من الاستثمارات والاقتصادات في دول العالم وتعاني دبي حاليا كغيرها من هذه التداعيات، الأمر الذي انعكس على الاستثمارات فيها، ومنها الاستثمارات السعودية. هل انتهى عصر النمو الذهبي لمدينة دبي؟ وهل تعيش أزمة اقتصادية حالياً؟ وما أثر ذلك على الاستثمارات السعودية في دبي؟ وكم يقدر حجم تلك الاستثمارات؟ وما المجالات التي تركزت فيها؟ وما حجم التأثير الذي لحق بها نتيجة تلك الأزمة؟ وهل ستستمر تلك الاستثمارات في تحمل المعاناة الناجمة عن تبعات الأزمة التي لحقت دبي؟ أم سترحل عائدة إلى المملكة؟ وفي كلتا الحالتين ما مدى الخسائر التي ستلحق بها نتيجة البقاء أو التصفية والعودة للوطن لتكون رافدا للتنمية؟ وكيف يمكن تهيئة البيئة الاستثمارية لدينا لضمان عدم تعرض الاستثمارات السعودية لمثل هذه المخاطر؟

«عكاظ» طرحت هذه التساؤلات على عدد من الاقتصاديين فقدروا أن خسائر الاستثمارات السعودية في سوق المال في دبي بلغت 65 في المائة وفي العقار 50 في المائة، موضحين أن رهنها بالقروض البنكية يمنع عودتها إلى الوطن، لافتين إلى أن حجم هذه الاستثمارات في الإمارات بلغ 25 مليار دولار.
دبي تعاني
أكد عبد المحسن الحكير رئيس مجلس إدارة إحدى مجموعات السياحة والتنمية ورئيس مجلس الأعمال السعودي الإماراتي من الجانب السعودي، أن دبي تعاني حاليا بشدة من تداعيات الأزمة المالية العالمية، الأمر الذي انعكس على الاستثمارات فيها، ومنها الاستثمارات السعودية التي توجهت إلى هناك وقت الطفرة وقبل الأزمة المالية، وشأنها شأن الاستثمارات المختلفة في إمارة دبي، تسهم بصورة كبيرة في دوران عجلة الاقتصاد الإماراتي بشكل كبير، حيث إنها تسير جنبا إلى جنب مع الاستثمارات الأخرى في دعم الاقتصاد الإماراتي، وهي مشمولة بحماية النظم والقوانين المعمول بها هناك. وهناك أسباب جوهرية تقف وراء الاستثمارات السعودية في دبي، منها وجود اقتصاد يتمتع بديناميكية متميزة مثل سهولة شراء وبيع الأسهم والعقارات والسلع والمنتجات الأخرى مثل الذهب، نظرا لانفتاح الإمارة على العالم الخارجي بشكل منقطع النظير بدليل وجود المناطق الحرة «جبل علي» والمدن المتخصصة مثل مدينة دبي للإعلام. وهناك أكثر من 100 شركة سعودية من أصل 1213 مؤسسة تعمل في مدينة دبي للإعلام. بمعنى آخر تمثل الشركات السعودية أكثر من 10 في المائة من عدد المؤسسات العاملة في هذه المدينة المتخصصة. وكون مناخ الاستثمار جاذبا للغاية في دبي، فإنها أصبحت من الوجهات المفضلة لدى السعوديين بشكل عام، ووفقا لمجلة «فوربز» العربية تجاوز عدد النزلاء السعوديين النصف مليون فرد العام الماضي، كما استخدم أكثر من مليون مسافر من السعودية مطار دبي في السنة نفسها.
الاستثمارات السعودية
وعن حجم الاستثمارات السعودية والمجالات التي تركزت فيها قال الحكير:
توجد في الإمارات العربية المتحدة استثمارات سعودية ضخمة ومعظمها في إمارة دبي، وهي تتجاوز 25 مليار دولار، وأهم المجالات التي تتركز فيها، هي العقارات لأسباب عدة منها مرونة شروط التملك، وسهولة إنجاز المعاملات عن طريق جهة حكومية موحدة، كذلك سوق دبي المالية، ويحتل المستثمرون السعوديون المرتبة الثانية في الاستثمار في سوق دبي المالية بعد المواطنيين الإماراتيين، حيث يشكل السعوديون أكثر من 50 في المائة من إجمالي عدد المستثمرين الخليجيين في السوق.
ورأى أن التأثير الذي لحق بتلك الاستثمارات نتيجة الأزمة العالمية الاقتصادية انعكست على مختلف الاقتصادات، وذلك لارتباط مختلف الدول حاليا بمنظومة اقتصادية واحدة، وقال على الرغم من قلة تأثر بعض البلدان بهذه الأزمة، إلا أنه يجب التصدي لها والتقليل من آثارها، كون معظم الاستثمارات العربية والخليجية في البورصات العالمية، لافتا إلى أن الاستثمارات السعودية في دبي تأثرت بصورة ما بهذه الأزمة.
وعن مدى استمرارية تلك الاستثمارات في تحمل المعاناة الناجمة عن تبعات الأزمة العالمية أم عودتها من دبي إلى المملكة، قال: أرى بصراحة شديدة إن الاقتصاد السعودي يخسر كثيرا بخروج أموال تقدر بمليارات الدولارات كان من الممكن أن تسهم في معالجة بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد مثل توفير أفضل فرص العمل للمواطنين، لكن في الوقت نفسه ليس من الصواب أن نلوم المستثمرين الباحثين عن أفضل المزايا لأموالهم، بل الصواب يكمن في توفير الأجواء المناسبة لاستقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية، ومتى ما تحققت الظروف المناسبة فإن المستثمر السعودي على استعداد كامل لاستثمار أمواله داخل وطنه، ومن جانبي لا أتوقع رحيل أو عودة هذه الاستثمارات في المدى القريب لأنه ليس من السهل فك الارتباط بينها وبين الاستثمارات الأخرى المتحالفة معها.
العوائد وراء النزوح
وأرجع الحكير سبب نزوح الاستثمارات السعودية إلى دبي إلى وجود بيئة مشجعة للاستثمار في الإمارة من ناحية، ورغبة المستثمرين في تحقيق عوائد مالية جيدة من خلال الشراكات مع الجانب الإماراتي أو مع الرساميل الأجنبية التي تحتضنها دبي، وقال: لذا أصبحت دبي الوجهة الجديدة لاستثمارات السعوديين، بعد أن عادت الاستثمارات من الأسواق الغربية على خلفية تبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
تذليل العقبات
وعن كيفية تهيئة البيئة الاستثمارية المناسبة لضمان عدم هجرة الاستثمارات السعودية، وعدم تعرضها لأية مخاطر قال: يتحقق ذلك من خلال التوسع في الأنظمة التي تحمي الرساميل، وإيجاد المزيد من المناخات المواكبة لعمل المستثمر، وتذليل العقبات التي قد تواجه المستثمرين، فإذا تحقق ذلك تكون لدينا بيئة لضمان استقرار الاستثمارات السعودية وعدم هجرتها لمناطق أخرى.
العقار الأكثر تضررا
من جانبه أكد فضل بن سعد البوعينين، أن جميع الاستثمارات في دبي تعرضت لتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الحادة، وقال: إن الاستثمارات السعودية هي جزء من الاستثمارات العامة هناك. يجري لها ما يجري للاستثمارات الأخرى، وقد تعرضت حاليا لانخفاض يختلف حجمه باختلاف القطاعات الاستثمارية، وبالطبع كان القطاع العقاري أكثر تضررا، إضافة إلى سوق دبي المالية، ومازالت الاستثمارات السعودية قائمة في دبي على الرغم من التراجعات خصوصا في قطاع العقار، بجانب ذلك أن بعض المشروعات العقارية السعودية تحت التشييد ما زال يجري العمل فيها، بل إن بعضها استفاد من الأزمة بعد انخفاض تكاليف الإنشاء، وتوفر المواد والخدمات الإنشائية بشكل لم يسبق له مثيل من قبل، وأعتقد أن من دخل سوق دبي وقت الطفرة، وتضخم الأسعار لا بد أن تكون خسائره في الوقت الحالي أكبر من المستثمرين الأوائل الذين استطاعوا أن يحصلوا على عوائد مجزية في الخمس سنوات الماضية يمكن أن تعوضهم الخسائر الحالية.
وأضاف: إن تفاعل حكومة دبي ومحاولتها السيطرة على تداعيات الأزمة، ودخول حكومة أبو ظبي بقوة لدعم اقتصاد إمارة دبي والمحافظة على مكتسباتها كل ذلك يمكن أن يشيع بعض الطمأنينة في نفوس المستثمرين حيال جهود الحكومة لحماية الاقتصاد، وبالتالي الاستثمارات المحلية والأجنبية بشكل عام.
خسائر سعودية
وعن حجم الاستثمارات السعودية في دبي وحجم التأثير الذي لحق بها قال: يبلغ عشرات المليارات، ولكن لا يمكن أن نحدد حجمها بدقة في ظل غياب البيانات الرسمية، وهي بالطبع متركزة في قطاع العقارات، والسوق المالية، إلا أن هذا لا يمنع من وجود بعض الاستثمارات الصناعية والتجارية الأخرى. إن الاستثمارات السعودية هي جزء من الاستثمارات العامة في دبي، ويمكن أن تكون نسب الانخفاضات المعلنة فيها رسميا في قطاع العقار، وسوق المال نفس نسب الانخفاضات التي طالت الاستثمارات السعودية في سوق المال تبدو أن الخسائر تتراوح بين 55 و65 في المائة، أما في قطاع العقارات، فنحن نتحدث عن انخفاضات قريبة من 50 في المائة وربما أكثر من ذلك، ولكن يجب أن نشير إلى الخسائر المضاعفة التي نتجت عن التوسع في الاستثمار اعتمادا على القروض البنكية، وهنا الخسائر لن تقف عند نسبة محددة بل تكون مرتهنة بمتغيرات القرض، الفوائد المتراكمة، والخسائر الحقيقية في القطاع الذي تستثمر فيه تلك الأموال.
الرهن يمنع العودة
وعن مدى استمرار تلك الاستثمارات في تحمل المعاناة أو العودة إلى المملكة قال: لا أعتقد أن تخرج تلك الاستثمارات من دبي في الوقت الراهن على أساس أن قطاعات الاقتصاد ربما تأثرت بحجم كبير جدا، كما أن الاستثمارات نفسها فقدت الكثير من قيمها في الوقت الحالي ما يجعل التخارج منها في الوقت الحالي يؤدي إلى تسجيل خسائر حقيقية، وهو أمر لا أعتقد أن كثيرا من المستثمرين راغبون في اللجوء إليه عطفا على معرفتنا السابقة بنفسيات المستثمرين السعوديين، إضافة إلى ذلك يمكن أن تكون بعض الاستثمارات مرهونة مقابل قروض بنكية، ما يجعل أمر التصفية على علاقة بأطراف أخرى خلاف المالكين أنفسهم.
وأضاف: إن حجم الخسائر المستقبلية المتوقعة ترتبط كليا بمتغيرات الأزمة وقدرة حكومة دبي على السيطرة عليها ومعالجتها في الأشهر المقبلة، لافتا إلى أن انفراج الأزمة الاقتصادية يعني وقف خسائر الاستثمارات السعودية، وتقليصها شيئا فشيئا.
وعن أسباب نزوح الاستثمارات السعودية إلى دبي قال: المستثمرون في العالم يبحثون عن فرص الاستثمار في الأسواق العالمية، حيث إن عولمة الاستثمار أصبحت الصفة التي تميز هذا العصر، والمملكة تؤمن بحرية الاقتصاد وحرية تنقل الأموال دون قيد أو شرط، لذا فالاستثمارات السعودية نزحت إلى دبي لاقتناص الفرص التي كانت متاحة للجميع، وللاستفادة من البيئة الاستثمارية العالمية، وبعضها ربما كانت تبحث عن سهولة الإجراءات والبعد عن القيود التي يعتقدون أنها تحد من قدرتهم على الاستثمار.
البيئة السعودية جاذبة
وحول كيفية تهيئة البيئة الاستثمارية لضمان عدم تعرض الاستثمارات السعودية لأية مخاطر قال: أعتقد أن البيئة الاستثمارية السعودية من أفضل البيئات الجاذبة للاستثمار، وذلك وفق تقارير المنظمات الدولية التي تشير إلى أن المملكة تأتي في قمة الدول الجاذبة للاستثمار على المستوى العربي، قد تكون هناك بعض الأخطاء التي تحتاج إلى الحل، ولكن أجزم بأن الأخطاء لا يمكن أن ترقى إلى دفع الاستثمارات السعودية إلى الخارج. الأزمة الاقتصادية الحالية أثبتت متانة الاقتصاد وقوته، وقوة الأنظمة التي خففت من تداعيات الأزمة العالمية محليا.
أما ما يتعلق بالمخاطر فهو أمر لا يمكن تجاوزه البتة، ولكن يمكن تقليله، فطالما أن هناك استثمارا لا بد أن تكون هناك مخاطر وفرص للربحية، وتبقى القيادة تلعب الدور الأهم في خفض المخاطر وتحقيق التوازن في حركة الاقتصاد. النمو الحاد لا بد أن تعقبه انخفاضات حادة، في حين أن النمو المنطقي والمتوازن يقلل من المخاطرة، على العموم المخاطر التي أثرت في الاستثمارات السعودية والاستثمارات الأخرى هي مخاطر عالمية نتجت عن الأزمة الاقتصادية العالمية، وبذلك تكون إمكانية تفاديها مستحيلة إلا لمن وفقه الله بالرؤية الثاقبة، والتوقع الصحيح لمجريات الأمور.