الجلد هو أضخم عضو في أجسامنا... وهو يحتوى على «جغرافيا» جلدية عجيبة مكونة من وديان وتلال وجبال وكلها مطعمة بالخلايا العصبية التي تستشعر مختلف المتغيرات ولو كانت بسيطة جدا... حتى لو نسمة هواء وديعة من هنا أوهناك... وخلف هذه الحركة البسيطة المسببة للطراوة سنجد العديد من نعم الله التي لا تحصى، فروقات ضئيلة في الضغط الجوي بين المنطقة الدافعة والمستقبلة لها... ولكننا نجهل أو نتجاهل عظمة هذه الروائع لأننا لا نراها بأعيننا و«البعيد عن العين بعيد عن القلب» لأن حاسة البصر هي المهيمنة على حواسنا الخمس... وهناك نواح مثيرة لهذا الموضوع فالطراوة تحتوي على بعض الجوانب المزعجة وخصوصا فيما يتعلق بالنواحي الفكرية، فكم من البشر اليوم وكل يوم يعيشون في «الطراوة» بعيدا عن الواقع... وفي بعض الأحيان نجد أن هذه الظاهرة السيئة تمتد لشعوب بأكملها وإليكم هذه القصة العجيبة:
في القرن السابع عشر كانت لهولندا فلسفة «خشوني ولا تنسوني» في الحركة الاستعمارية الأوروبية حول العالم... كانت لهذه الدولة الصغيرة نسبيا أملاك في شرق القارة الأمريكية، وفي الواقع فقد كان اسم «نيويورك» الأصلي هو «نيو أمستردام» أي العاصمة الجديدة، ولا تزال بعض أسماء تلك المدينة تعكس تراثها الهولندي مثل حي «هارلم» مثلا... ولكن أهم مستعمرة وأكثرها دخلا لهولندا كانت في شرق آسيا وتحديدا في إندونيسيا وكان اسمها آنذاك هو «جاوا»... وكانت معاملة المستعمرين لأهالي تلك الجزر غاية في القسوة من قبل الأفراد والشركات بل والحكومة الهولندية بأكملها، ومنها أنهم كانوا يرغمون المزارعين على التركيز على المحاصيل التي تنمي الخزينة الهولندية والمصالح الهولندية حول العالم... وعلى سبيل المثال فبدلا من زراعة الأرز لتغذية السوق المحلي كان التركيز على القهوة والشاي والبهارات للتصدير... الشاهد في الموضوع أن الشعب الهولندي كان يعيش في «الطراوة» بجهله أو تجاهله لتلك الممارسات القاسية... وفي عام 1860 صدرت قصة خيالية بعنوان «ماكس هيف لايير» Max Havelaar وكانت ولا تزال إحدى أهم القصص في تاريخ الآداب ذلك لأنها كانت نقدا لاذعا لأعمال الحكومة الاستعمارية في «جاوا» و«سومطرا»... من نظام الضرائب، إلى فرض المحاصيل غير المثمرة للأهالي، والتفرقة العنصرية وغيرها من الممارسات الاستعمارية الفاسدة، وبعد نشر القصة في هولندا وخارجها وقراءتها وانتشارها، ساهمت مساهمة جوهرية في خروج الشعب الهولندي من الطراوة لأنهم أدركوا أن الرخاء الذين يعيشون فيه كان على حساب خيرات الشعب الجاوي المظلوم... وانتشرت القصة انتشارا كبيرا حول أوروبا... وخلال فترة أقل من عشر سنوات ترجمت إلى أكثر من خمس لغات ثم إلى أكثر من ثلاث وثلاثين لغة حول العالم... وأما في جاوا نفسها فقد ساهمت الرواية في إيجاد صحوة شعبية نمت عبر التاريخ ليتمخض عنها تأسيس الدولة الأندونيسية الحديثة بعد فترة طويلة من الزمن... بل وأكثر من ذلك فقد ساهم هذا العمل الأدبي في صحوة الشعوب الأوروبية سواء كانت الاستعمارية الإنجليزية أو الفرنسية أو الإيطالية أو غيرها في آسيا وأفريقيا.
* أمنيــــة :
يعيش العالم بأكمله اليوم في طراوة تجعله بعيدا عن وضع الاضطهاد والظلم وخصوصا ضد الإنسان الفلسطيني على الأراضي الفلسطينية حيث أصبحت القسوة ضد الإنسان والمكان ممارسة يومية عادية....أتمنى أن تكون هناك صحوة على مستوى الشعوب والحكومات لتقويم هذا الوضع المخجل... ولا أعذار لأننا نرى بأعيننا هذه الممارسات غير الإنسانية اليوم وكل يوم.
والله من وراء القصد.
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة
في القرن السابع عشر كانت لهولندا فلسفة «خشوني ولا تنسوني» في الحركة الاستعمارية الأوروبية حول العالم... كانت لهذه الدولة الصغيرة نسبيا أملاك في شرق القارة الأمريكية، وفي الواقع فقد كان اسم «نيويورك» الأصلي هو «نيو أمستردام» أي العاصمة الجديدة، ولا تزال بعض أسماء تلك المدينة تعكس تراثها الهولندي مثل حي «هارلم» مثلا... ولكن أهم مستعمرة وأكثرها دخلا لهولندا كانت في شرق آسيا وتحديدا في إندونيسيا وكان اسمها آنذاك هو «جاوا»... وكانت معاملة المستعمرين لأهالي تلك الجزر غاية في القسوة من قبل الأفراد والشركات بل والحكومة الهولندية بأكملها، ومنها أنهم كانوا يرغمون المزارعين على التركيز على المحاصيل التي تنمي الخزينة الهولندية والمصالح الهولندية حول العالم... وعلى سبيل المثال فبدلا من زراعة الأرز لتغذية السوق المحلي كان التركيز على القهوة والشاي والبهارات للتصدير... الشاهد في الموضوع أن الشعب الهولندي كان يعيش في «الطراوة» بجهله أو تجاهله لتلك الممارسات القاسية... وفي عام 1860 صدرت قصة خيالية بعنوان «ماكس هيف لايير» Max Havelaar وكانت ولا تزال إحدى أهم القصص في تاريخ الآداب ذلك لأنها كانت نقدا لاذعا لأعمال الحكومة الاستعمارية في «جاوا» و«سومطرا»... من نظام الضرائب، إلى فرض المحاصيل غير المثمرة للأهالي، والتفرقة العنصرية وغيرها من الممارسات الاستعمارية الفاسدة، وبعد نشر القصة في هولندا وخارجها وقراءتها وانتشارها، ساهمت مساهمة جوهرية في خروج الشعب الهولندي من الطراوة لأنهم أدركوا أن الرخاء الذين يعيشون فيه كان على حساب خيرات الشعب الجاوي المظلوم... وانتشرت القصة انتشارا كبيرا حول أوروبا... وخلال فترة أقل من عشر سنوات ترجمت إلى أكثر من خمس لغات ثم إلى أكثر من ثلاث وثلاثين لغة حول العالم... وأما في جاوا نفسها فقد ساهمت الرواية في إيجاد صحوة شعبية نمت عبر التاريخ ليتمخض عنها تأسيس الدولة الأندونيسية الحديثة بعد فترة طويلة من الزمن... بل وأكثر من ذلك فقد ساهم هذا العمل الأدبي في صحوة الشعوب الأوروبية سواء كانت الاستعمارية الإنجليزية أو الفرنسية أو الإيطالية أو غيرها في آسيا وأفريقيا.
* أمنيــــة :
يعيش العالم بأكمله اليوم في طراوة تجعله بعيدا عن وضع الاضطهاد والظلم وخصوصا ضد الإنسان الفلسطيني على الأراضي الفلسطينية حيث أصبحت القسوة ضد الإنسان والمكان ممارسة يومية عادية....أتمنى أن تكون هناك صحوة على مستوى الشعوب والحكومات لتقويم هذا الوضع المخجل... ولا أعذار لأننا نرى بأعيننا هذه الممارسات غير الإنسانية اليوم وكل يوم.
والله من وراء القصد.
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة