تمثل تقنية النانو فتحا علميا جديدا تنتظره البشرية بالكثير من الترقب والآمال العريضة في استثمار هذه التقنية في الكثير من المجالات العلمية والاقتصادية المهمة التي تتصل مباشرة بحياة الإنسان الذي تتعقد احتياجاته الحياتية وتتزايد بحكم التطور الحضاري الكبير الذي شمل مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية.
ولأهمية هذه التقنية والطفرة التي ستحققها للعالم خلال القرن الحادي والعشرين ينظم معهد الملك عبد الله لتقنية النانو في جامعة الملك سعود تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، خلال الفترة من 5 إلى 7 أبريل الجاري مؤتمرا دوليا بعنوان «المؤتمر العالمي لصناعات تقنية النانو ـ التقنية الرائدة في القرن الحادي والعشرين»، وذلك في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات في فندق الإنتركونتيننتال في الرياض.
ويشارك في المؤتمر علماء بارزون من المملكة والدول العربية وعدد من دول العالم الذين سيتحدثون عن هذا الفتح العظيم في التطور الذي يطال كل جوانب حياة الإنسان.
ولا شك أن المملكة لم تكن بمعزل عن هذا التطور التقني الهائل الذي يحوّل ويبدل ويغير الحياة البشرية، فحكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والنائب الثاني ـ حفظهم الله ـ بحسها الواعي أدركت قيمة التقنية الحديثة في التطور الحضاري للبلاد، ومن هنا جاء الدعم السخي للمملكة للبحث العلمي والاهتمام الرسمي بتقنية النانو، إشارة واضحة على الفهم الواعي للقيادة الرشيدة لقيمة العلم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة وعلى أرقى ما يكون من مستويات الجودة، والكفاءة العلمية النادرة، وما رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ لمؤتمر تقنية النانو إلا دليلا حيا وملموسا على وعي هذه القيادة الرشيدة، وعلى المستقبل المشرق الذي ينتظر هذه التقنية الوليدة، وعلى الفوائد المتعددة التي ستعود بالخير الوفير والعطاء الكثير على التطور الحضاري والتقني للمملكة، وما يشكله ذلك من آثار إيجابية على المسيرة التنموية للمملكة.
وبهذا الدعم تستطيع المملكة قيادة المنطقة العربية في هذه الثورة العلمية، ولتحقيق ذلك فلابد من بناء مؤسسي علمي متكامل قائم على القوى البشرية المؤهلة، والمؤسسات العلمية المتميزة، والقوانين المشجعة لهذا العمل الجليل.
ولا شك أن الرهان على التقنية، هو رهان الأمم الحريصة على أن تكون في مقدمة ركب العالم المتحضر، وهي ستكسب هذا الرهان إذا ما وجدت دعم القيادة، كما هو في المملكة.
في هذا التقرير نلقي الضوء على هذه التقنية واستخداماتها:
ما هو النانو؟
مؤتمر تقنية النانو الذي تستضيفه جامعة الملك سعود قد يدفع الكثيرين لطرح السؤال التالي على أنفسهم أو على الآخرين.. ما هو النانو؟ يعني مصطلح النانو الجزء من المليار، فالنانو متر هو واحد على المليار من المتر، ولكي نتخيل صغر النانو متر نذكر ما يلي:
تبلغ سماكة الشعرة الواحدة من شعر الإنسان 50 مايكرو مترا ، أي 500 ألف نانو متر، وأصغر الأشياء التي يمكن للإنسان رؤيتها بالعين المجردة يبلغ عرضها حوالي عشرة آلاف نانو متر، وعندما تصطف عشر ذرّات من الهيدروجين فإن طولها يبلغ نانو متر واحد.
هناك بضعة تعريفات لابد من طرحها للتعريف أكثر بالنانو، ومن تلك التعريفات:
– مقياس النانو وهو يشمل الأبعاد التي يبلغ طولها نانو متر واحد لغاية الـ 100 نانو متر.
- علم النانو: ويقصد بها دراسة المبادئ الأساسية للجزئيات والمركبات التي لا يتجاوز قياسها الـ 100 نانو متر.
– تقنية النانو: وهي علوم النانو وهندستها لإنتاج مخترعات جديدة.
الصغر المتناهي: لنقرب تعريف النانو من الأذهان، دعونا نتخيل مكعبا من الذهب طول ضلعه متر واحد، ولنقطعه بآلة ما، طولا وعرضاً وارتفاعاً، ستكون لدينا ثمانية مكعبات طول ضلع الواحد منها 50 سنتيمترا، وبمقارنة هذه المكعبات بالمكعب الأصلي نجد أنها ستحمل جميع خصائصه كاللون الأصفر اللامع، والنعومة، وجودة التوصيل ودرجة الانصهار وغيرها من الخصائص ما عدا القيمة النقدية بالطبع. ثم لنقم بقطع واحد من هذه المكعبات إلى ثمانية مكعبات أخرى، وسيصبح طول ضلع الواحد منها 25 سنتيمترا، وستحمل هذه المكعبات الخصائص نفسها مرة أخرى بالطبع، وسنقوم بتكرار هذه العملية مرات عدة، وسيصغر المقياس في كل مرة من السنتيمتر إلى المليمتر وصولاً إلى الميكرومتر، وبالاستعانة بمكبر مجهري، وأداة قطع دقيقة سنجد أن الخواص ستبقى كما هي عليه، وهذا واقع مجرب في الحياة العملية، فخصائص المادة على مقياس الميكرومتر، وما هو أكبر منه لا تعتمد على الحجم. وعلى كل فعندما نستمر في القطع سنصل إلى ما أسميناه سابقا بمقياس النانو، وعند هذا الحجم، ستتغير جميع خصائص المادة كليا بما فيها اللون والخصائص الكيميائية، وسبب هذا التغير يعود إلى طبيعة التفاعلات بين الذرّات المكونة لعنصر الذهب، ففي الحجم الكبير من الذهب لا توجد هذه التفاعلات في الغالب، ونستنتج من ذلك أن الذهب ذا الحجم النانوي سيقوم بعمل مغاير لما يقوم به الذهب ذو الحجم الكبير.
النانو تكنولوجي
وهو مصطلح علمي جديد ظهر في العام 2004 وهو يعني: تكنولوجيا أو تقنية تصنيع أدوات ومكائن حجمها جزء من مليون جزء من المليمتر. ويقول العلماء: إن الذرات هي العناصر الأولية التي تكون الأشياء الطبيعية، وهي العناصر الأولية في تقنية النانو.
النانو تكنولوجي إذن ثورة بلا حدود في عالم بلا حدود، وقد أصبحت نقطة تحول كبرى في مجال الصناعة، حيث بدأت هذه التقنية تفرض وجودها في مجالات شتى، إذن فالنانو وليد الثورة التقنية الحديثة التي تتسارع خطاها الماراثونية في كل ثانية لتضع العالم أمام نوافذ جديدة تفتح أمامه آفاقا متسعة للتطور والتحديث والقفز مسافات بعيدة في دروب ومسالك المعرفة الممتدة بل نهاية، فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم.
والنانو هذه التقنية الوليدة والجديدة تعد نتاجا رائعا لبحث علمي نشط وجهد إنساني مستمر، وقبل هذا وذاك تشير إلى قوة الملاحظة التي ولدت الكثير من النظريات العالمية الكبيرة التي خدمت الإنسان وأفادت البشرية وفتحت الآفاق أمام الإنسان لطرق مجالات كانت نائية وصعبة إن لم تكن مستحيلة.
تقنية النانو بلا شك نتاج ملاحظة ذكية، وتجارب علمية حثيثة وسعي عملي متواصل، وهي تقنية فتحت المجال واسعا أمام البشرية للاستفادة منها في مجالات شتى نذكر منها التالي:
- اقتصاديات النانو تكنولوجي.
– صناعة النانو تكنولوجي. (الصناعة الذرية والتقنية، أو الصناعة الثانوية)
– تسويق النانو تكنولوجي. (التسويق الذري تكنولوجي أو التقني)
– إدارة النانو تكنولوجي. (الإدارة الذرية التكنولوجية أو التقنية).
– مؤسسات أو منظمات أو وكالات النانو تكنولوجي.
– أعمال النانو تكنولوجي (المهارات التقنية والعلمية الذرية والتكنولوجية والتقنية).
– خرطنة النانو تكنولوجي.
– نمذجة النانو تكنولوجي.
– التطور الحلزوني للنانو تكنولوجي.
– سلوكية الدوران الفضائي للذرات الجزيئية.
– إدامة وتحسين واستمرارية الأداء النانوي.
- تحفيز الأداء النانوي الضمني (وكيف يتم إحداث التغيير الضمني للمادة المنتجة من حالة إلى حالة أخرى، بمعنى وجود محفز يدير العملية الإجرائية الضمنية لعملية التغيير).
– التركيبات النانوية (الناتجة من عمليات التفاعل الجزئي والكلي الذرية التي تؤدي إلى التغير التركيبي الثانوي).
– الإدراك والفهم والمعرفة الية للنانو التكنولوجي .(النظرية وال).
كل هذه مجالات ومدارات لا بد من الاهتمام بها وتجديد السعي لإثرائها ومراعاتها عند الحديث عن الاستفادة من تقنية النانو التي تمثل حقلا لا تزال أرضه الخصبة في حاجة للمزيد من جهود العلماء والمختصين والباحثين، لدعمه بالمزيد من الأفكار والمحفزات العلمية القادرة على أن يكون الحصاد من هذا الحقل وفيرا يشبع حاجات إنسان العصر المادية والاقتصادية وبما يسهم في تطوير هذه التقنية الوليدة التي تنتظرها البشرية بكثير من الترحيب والترقب والأمل.
أهمية النانو
يحرص رجال الصناعة ذوو الفهم الراقي والوعي بأهمية التقنية على تطوير مصانعهم وعلى جودة منتجاتهم وسلعهم التي تقوم مصانعهم بتوفيرها للمستهلكين، ويشمل هذا الأمر أرباب المصانع الخفيفة والثقيلة والمصانع العادية التي تنتج سلعا استهلاكية عادية أو المصانع الكيماوية وغيرها.
ولكي تتطور المصانع ويزداد إنتاجها، وبالتالي تتحقق الجدوى الاقتصادية والربحية منها ولكي يكون ما تنتجه جديرا بالاقتناء وقادرا على المنافسة التجارية فمن واجب رجال الصناعة أن يواكبوا التطور التقني الصناعي وألا يعيشوا في جزر منعزلة عن العالم الصناعي الذي يسرع من خطاه التطويرية في كل وقت وحين ويستقصي عن الجديد في المجال الصناعي وتطوراته المتسارعة كل يوم ويحض على الاستفادة منها.
إن العالم يتطور في كل المجالات، وما تقنية النانو إلا علامة بارزة من علامات التطور التقني الحديث، ويشكل المجال الصناعي واحدا من أبرز المستفيدين منها، وسنضرب في ما يلي مثالا واحدا على فائدة هذه التقنية الحديثة على الصناعة.
من المعروف أن الطريقة التقليدية في تصنيع المواد الكيماوية المختلفة تتم بخلط مواد التفاعل الكيميائي، وبذلك فإن المادة الكيميائية الناتجة تكون خليطا أو مزيجا من مواد عدة أما باستخدام تقنية النانو، فمن الممكن توجبه وضع الذرات الداخلة في التفاعل الكيميائي توجيهاً محدداً.
هذه الوسيلة لها فوائد عدة نجملها في التالي:
1 – ستكون المواد الناتجة أكثر دقة من تلك المصنوعة بالطريقة التقليدية.
2- ستكون درجة النقاوة في المنتج أكثر.
3 – توحيد نوعية المنتج.
4 – تقليل تكلفة الإنتاج.
5 – خفض الطاقة المستهلكة في التصنيع.
إن إنتاج سلعة بمواصفات جودة عالية وبتكلفة أقل وكميات كبيرة هي ما يشغل فكر رجال الصناعة الأذكياء والحريصين على التميز والنجاح والانتشار لمنتجاتهم، وهذا ما تساعدهم عليه تقنية النانو.
النانو في الطب
إن الات الطبية لتقنية المنمنمات من أهم الات الواعدة على الإطلاق كما يقول المختصون، فالمستقبل واعد بالجديد المفيد للطبيب وللمريض على حد سواء، فمن المحتمل الحصول على مركبات نانوية تدخل إلى جسم الإنسان وترصد مواقع الأمراض وتحقن الأدوية وتأمر الخلايا بإفراز الهرمونات المناسبة وترميم الأنسجة، كما يمكن لهذه المركبات الذكية أن تحقن الأنسولين داخل الخلايا بالجرعات المناسبة أو تدخل إلى الخلايا السرطانية لتفجرها من الداخل.
يقول العلماء: إن بالإمكان زرع أجهزة الاستشعار في الدماغ لتمكن المصاب بالشلل الرباعي من السير.
وتتعدد فوائد تقنية النانو الطبية، فقد تم الحصول على طاقم أسنان لا يزيد حجمه عن حجم الخلية باستطاعته ابتلاع الكريات الحمراء وقضمها ثم إطلاقها مجددا إلى الدم بمعدل عشر خلايا في الثانية، ويمكن لطاقم الأسنان هذا أن يساعد على إدخال الأدوية أو الجينات إلى داخل الخلايا، وبالتالي يعزز العلاج المركز لكثير من الأمراض.
إن تقنية النانو تعد الإنسان بالجديد المفيد والمدهش في الوقت نفسه وهذه بعض من ما يخطط له علماء النانو من مبتكرات ستغير حياة الإنسان:
- إن الحجم له اعتباره في عالم الحاسب الآلي والإلكترونيات، وغدا ومع تطور تقنية النانو سيكون الحاسب العملاق الموجود في مراكز الأبحاث والتطوير أو في الجامعات الكبرى مجرد ساعة يد في المستقبل.
- المباني والآلات ستستطيع إرسال إشارات لا سلكية عندما تحتاج إلى صيانة أو قد تستطيع إصلاح نفسها.
- ثيابنا ستأخذ بيانات عن صحتنا وتنبهنا لعوامل بيئية مضرة، وستنظف نفسها من الأوساخ والروائح دون أي مساعدة، كما ستقوم بتدفئة وتبريد الجسم حسب درجة الحرارة الخارجية.
- غرفة عمليات كاملة ستمكن صناعتها في كبسولة صغيرة يتم وضعها داخل جسم المريض لتقوم بتنفيذ برنامج العملية الذي برمجه الطبيب فيها حسب حالة المريض.
- مصممو الأزياء والمهندسون والزراعيون والعشرات من أصحاب المهن والحرف المختلفة ستطرق تقنية النانو أبوابهم وتدعوهم إلى عالمها الجديد والمفيد والمذهل من الابتكارات التطويرية.
- حياة الإنسان ستتغير كما حدث عبر العصور.
بدأ مصطلح (تقنية النانو) ينتشر في مجال الصناعات الإلكترونية المتصلة بالمعلوماتية والمتفحص للبطاقات المستخدمة في الحواسيب اليوم، وخاصة الحواسيب المحمولة يجد أنها مضغوطة إلى درجة كبيرة، فالبطاقة التي لا يزيد سمكها على بضعة مليمترات تتكون في الحقيقة من خمس طبقات، أو لنقل رقاقات مضغوطة مع بعضها، كما أن المتفحص للكابلات والمكثفات التي كان وزنها يقدر بالكيلو جرام، يجد أن وزنها لا يتجاوز الملي جرام، فقد تضاءل الحجم، وتضاعفت القدرة، وكل ذلك بفضل اختزال سمك الكابلات، وضغط حجم المكثفات والدارات، مما قصر المسافات التي تقطعها الإلكترونات، وأكسب الحواسيب سرعة أكبر في تنفيذ العمليات.
إنها تقنية النانو التي صنعت هذا التميز التقني، وأفلحت في مدنا بالصغير الكبير، وقد أتاحت تقنية النانو فرصا عديدة وتوسعت في مجالات عديدة، فجادت بالكثير من الاستخدامات المفيدة والفاعلة في مجالات الصناعات الإلكترونية، ومنها على سبيل المثال مجال الترانزستورات، فقد بدأ مصممو الترانزستور في الوصول إلى الحدود الطبيعية لمدى صغر رقائق السليكون والنحاس التي تصنع منها تلك المواد في دليل عملي آخر على اتساع مجالات تقنية النانو بتعاملها مع مختلف المعادن الموجودة أو المتوفرة في الطبيعة، وما أكثرها وما أكثر المجالات التي يستخدمها الإنسان أو يوظفها فيها.
استنادا إلى تقنية النانو، قام أربعة علماء أمريكيين يعملون في وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) بأبحاث ناجحة ساعدت على تمهيد الطريق لبناء ترانزستورات من الأنابيب الإلكترونية البالغة الصغر، التي تم صنعها من طبقة واحدة من الذرات الكربونية يتم قياسها من خلال النانومتر (النانو متر الواحد يعادل واحد على بليون من المتر).
واستنتج العلماء إمكانية تصنيع الترانزستورات من الأنابيب البالغة الصغر، وشملت اكتشافاتهم الغوارتيمية لتشكيل هذه الات والتقنيات الجديدة لإرسال المعلومات والمكونات الكربونية التي تعمل مثل المحطات الطرفية لمفتاح تشغيل الترانزستور، ووسائل استخدام سلاسل أنابيب النانو بالأنظمة الإلكترونية.
إنه مجال جديد حيوي وضروري وهام، أتاحته تقنية النانو التي تشكل فتحا علميا للبشرية يتيح أمامها المزيد من النوافذ والمجالات للمزيد من التطور والتحديث الذي يجعل الحياة أكثر سهولة ورفاهية في نهاية المطاف.
ولأهمية هذه التقنية والطفرة التي ستحققها للعالم خلال القرن الحادي والعشرين ينظم معهد الملك عبد الله لتقنية النانو في جامعة الملك سعود تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، خلال الفترة من 5 إلى 7 أبريل الجاري مؤتمرا دوليا بعنوان «المؤتمر العالمي لصناعات تقنية النانو ـ التقنية الرائدة في القرن الحادي والعشرين»، وذلك في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات في فندق الإنتركونتيننتال في الرياض.
ويشارك في المؤتمر علماء بارزون من المملكة والدول العربية وعدد من دول العالم الذين سيتحدثون عن هذا الفتح العظيم في التطور الذي يطال كل جوانب حياة الإنسان.
ولا شك أن المملكة لم تكن بمعزل عن هذا التطور التقني الهائل الذي يحوّل ويبدل ويغير الحياة البشرية، فحكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والنائب الثاني ـ حفظهم الله ـ بحسها الواعي أدركت قيمة التقنية الحديثة في التطور الحضاري للبلاد، ومن هنا جاء الدعم السخي للمملكة للبحث العلمي والاهتمام الرسمي بتقنية النانو، إشارة واضحة على الفهم الواعي للقيادة الرشيدة لقيمة العلم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة وعلى أرقى ما يكون من مستويات الجودة، والكفاءة العلمية النادرة، وما رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ لمؤتمر تقنية النانو إلا دليلا حيا وملموسا على وعي هذه القيادة الرشيدة، وعلى المستقبل المشرق الذي ينتظر هذه التقنية الوليدة، وعلى الفوائد المتعددة التي ستعود بالخير الوفير والعطاء الكثير على التطور الحضاري والتقني للمملكة، وما يشكله ذلك من آثار إيجابية على المسيرة التنموية للمملكة.
وبهذا الدعم تستطيع المملكة قيادة المنطقة العربية في هذه الثورة العلمية، ولتحقيق ذلك فلابد من بناء مؤسسي علمي متكامل قائم على القوى البشرية المؤهلة، والمؤسسات العلمية المتميزة، والقوانين المشجعة لهذا العمل الجليل.
ولا شك أن الرهان على التقنية، هو رهان الأمم الحريصة على أن تكون في مقدمة ركب العالم المتحضر، وهي ستكسب هذا الرهان إذا ما وجدت دعم القيادة، كما هو في المملكة.
في هذا التقرير نلقي الضوء على هذه التقنية واستخداماتها:
ما هو النانو؟
مؤتمر تقنية النانو الذي تستضيفه جامعة الملك سعود قد يدفع الكثيرين لطرح السؤال التالي على أنفسهم أو على الآخرين.. ما هو النانو؟ يعني مصطلح النانو الجزء من المليار، فالنانو متر هو واحد على المليار من المتر، ولكي نتخيل صغر النانو متر نذكر ما يلي:
تبلغ سماكة الشعرة الواحدة من شعر الإنسان 50 مايكرو مترا ، أي 500 ألف نانو متر، وأصغر الأشياء التي يمكن للإنسان رؤيتها بالعين المجردة يبلغ عرضها حوالي عشرة آلاف نانو متر، وعندما تصطف عشر ذرّات من الهيدروجين فإن طولها يبلغ نانو متر واحد.
هناك بضعة تعريفات لابد من طرحها للتعريف أكثر بالنانو، ومن تلك التعريفات:
– مقياس النانو وهو يشمل الأبعاد التي يبلغ طولها نانو متر واحد لغاية الـ 100 نانو متر.
- علم النانو: ويقصد بها دراسة المبادئ الأساسية للجزئيات والمركبات التي لا يتجاوز قياسها الـ 100 نانو متر.
– تقنية النانو: وهي علوم النانو وهندستها لإنتاج مخترعات جديدة.
الصغر المتناهي: لنقرب تعريف النانو من الأذهان، دعونا نتخيل مكعبا من الذهب طول ضلعه متر واحد، ولنقطعه بآلة ما، طولا وعرضاً وارتفاعاً، ستكون لدينا ثمانية مكعبات طول ضلع الواحد منها 50 سنتيمترا، وبمقارنة هذه المكعبات بالمكعب الأصلي نجد أنها ستحمل جميع خصائصه كاللون الأصفر اللامع، والنعومة، وجودة التوصيل ودرجة الانصهار وغيرها من الخصائص ما عدا القيمة النقدية بالطبع. ثم لنقم بقطع واحد من هذه المكعبات إلى ثمانية مكعبات أخرى، وسيصبح طول ضلع الواحد منها 25 سنتيمترا، وستحمل هذه المكعبات الخصائص نفسها مرة أخرى بالطبع، وسنقوم بتكرار هذه العملية مرات عدة، وسيصغر المقياس في كل مرة من السنتيمتر إلى المليمتر وصولاً إلى الميكرومتر، وبالاستعانة بمكبر مجهري، وأداة قطع دقيقة سنجد أن الخواص ستبقى كما هي عليه، وهذا واقع مجرب في الحياة العملية، فخصائص المادة على مقياس الميكرومتر، وما هو أكبر منه لا تعتمد على الحجم. وعلى كل فعندما نستمر في القطع سنصل إلى ما أسميناه سابقا بمقياس النانو، وعند هذا الحجم، ستتغير جميع خصائص المادة كليا بما فيها اللون والخصائص الكيميائية، وسبب هذا التغير يعود إلى طبيعة التفاعلات بين الذرّات المكونة لعنصر الذهب، ففي الحجم الكبير من الذهب لا توجد هذه التفاعلات في الغالب، ونستنتج من ذلك أن الذهب ذا الحجم النانوي سيقوم بعمل مغاير لما يقوم به الذهب ذو الحجم الكبير.
النانو تكنولوجي
وهو مصطلح علمي جديد ظهر في العام 2004 وهو يعني: تكنولوجيا أو تقنية تصنيع أدوات ومكائن حجمها جزء من مليون جزء من المليمتر. ويقول العلماء: إن الذرات هي العناصر الأولية التي تكون الأشياء الطبيعية، وهي العناصر الأولية في تقنية النانو.
النانو تكنولوجي إذن ثورة بلا حدود في عالم بلا حدود، وقد أصبحت نقطة تحول كبرى في مجال الصناعة، حيث بدأت هذه التقنية تفرض وجودها في مجالات شتى، إذن فالنانو وليد الثورة التقنية الحديثة التي تتسارع خطاها الماراثونية في كل ثانية لتضع العالم أمام نوافذ جديدة تفتح أمامه آفاقا متسعة للتطور والتحديث والقفز مسافات بعيدة في دروب ومسالك المعرفة الممتدة بل نهاية، فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم.
والنانو هذه التقنية الوليدة والجديدة تعد نتاجا رائعا لبحث علمي نشط وجهد إنساني مستمر، وقبل هذا وذاك تشير إلى قوة الملاحظة التي ولدت الكثير من النظريات العالمية الكبيرة التي خدمت الإنسان وأفادت البشرية وفتحت الآفاق أمام الإنسان لطرق مجالات كانت نائية وصعبة إن لم تكن مستحيلة.
تقنية النانو بلا شك نتاج ملاحظة ذكية، وتجارب علمية حثيثة وسعي عملي متواصل، وهي تقنية فتحت المجال واسعا أمام البشرية للاستفادة منها في مجالات شتى نذكر منها التالي:
- اقتصاديات النانو تكنولوجي.
– صناعة النانو تكنولوجي. (الصناعة الذرية والتقنية، أو الصناعة الثانوية)
– تسويق النانو تكنولوجي. (التسويق الذري تكنولوجي أو التقني)
– إدارة النانو تكنولوجي. (الإدارة الذرية التكنولوجية أو التقنية).
– مؤسسات أو منظمات أو وكالات النانو تكنولوجي.
– أعمال النانو تكنولوجي (المهارات التقنية والعلمية الذرية والتكنولوجية والتقنية).
– خرطنة النانو تكنولوجي.
– نمذجة النانو تكنولوجي.
– التطور الحلزوني للنانو تكنولوجي.
– سلوكية الدوران الفضائي للذرات الجزيئية.
– إدامة وتحسين واستمرارية الأداء النانوي.
- تحفيز الأداء النانوي الضمني (وكيف يتم إحداث التغيير الضمني للمادة المنتجة من حالة إلى حالة أخرى، بمعنى وجود محفز يدير العملية الإجرائية الضمنية لعملية التغيير).
– التركيبات النانوية (الناتجة من عمليات التفاعل الجزئي والكلي الذرية التي تؤدي إلى التغير التركيبي الثانوي).
– الإدراك والفهم والمعرفة الية للنانو التكنولوجي .(النظرية وال).
كل هذه مجالات ومدارات لا بد من الاهتمام بها وتجديد السعي لإثرائها ومراعاتها عند الحديث عن الاستفادة من تقنية النانو التي تمثل حقلا لا تزال أرضه الخصبة في حاجة للمزيد من جهود العلماء والمختصين والباحثين، لدعمه بالمزيد من الأفكار والمحفزات العلمية القادرة على أن يكون الحصاد من هذا الحقل وفيرا يشبع حاجات إنسان العصر المادية والاقتصادية وبما يسهم في تطوير هذه التقنية الوليدة التي تنتظرها البشرية بكثير من الترحيب والترقب والأمل.
أهمية النانو
يحرص رجال الصناعة ذوو الفهم الراقي والوعي بأهمية التقنية على تطوير مصانعهم وعلى جودة منتجاتهم وسلعهم التي تقوم مصانعهم بتوفيرها للمستهلكين، ويشمل هذا الأمر أرباب المصانع الخفيفة والثقيلة والمصانع العادية التي تنتج سلعا استهلاكية عادية أو المصانع الكيماوية وغيرها.
ولكي تتطور المصانع ويزداد إنتاجها، وبالتالي تتحقق الجدوى الاقتصادية والربحية منها ولكي يكون ما تنتجه جديرا بالاقتناء وقادرا على المنافسة التجارية فمن واجب رجال الصناعة أن يواكبوا التطور التقني الصناعي وألا يعيشوا في جزر منعزلة عن العالم الصناعي الذي يسرع من خطاه التطويرية في كل وقت وحين ويستقصي عن الجديد في المجال الصناعي وتطوراته المتسارعة كل يوم ويحض على الاستفادة منها.
إن العالم يتطور في كل المجالات، وما تقنية النانو إلا علامة بارزة من علامات التطور التقني الحديث، ويشكل المجال الصناعي واحدا من أبرز المستفيدين منها، وسنضرب في ما يلي مثالا واحدا على فائدة هذه التقنية الحديثة على الصناعة.
من المعروف أن الطريقة التقليدية في تصنيع المواد الكيماوية المختلفة تتم بخلط مواد التفاعل الكيميائي، وبذلك فإن المادة الكيميائية الناتجة تكون خليطا أو مزيجا من مواد عدة أما باستخدام تقنية النانو، فمن الممكن توجبه وضع الذرات الداخلة في التفاعل الكيميائي توجيهاً محدداً.
هذه الوسيلة لها فوائد عدة نجملها في التالي:
1 – ستكون المواد الناتجة أكثر دقة من تلك المصنوعة بالطريقة التقليدية.
2- ستكون درجة النقاوة في المنتج أكثر.
3 – توحيد نوعية المنتج.
4 – تقليل تكلفة الإنتاج.
5 – خفض الطاقة المستهلكة في التصنيع.
إن إنتاج سلعة بمواصفات جودة عالية وبتكلفة أقل وكميات كبيرة هي ما يشغل فكر رجال الصناعة الأذكياء والحريصين على التميز والنجاح والانتشار لمنتجاتهم، وهذا ما تساعدهم عليه تقنية النانو.
النانو في الطب
إن الات الطبية لتقنية المنمنمات من أهم الات الواعدة على الإطلاق كما يقول المختصون، فالمستقبل واعد بالجديد المفيد للطبيب وللمريض على حد سواء، فمن المحتمل الحصول على مركبات نانوية تدخل إلى جسم الإنسان وترصد مواقع الأمراض وتحقن الأدوية وتأمر الخلايا بإفراز الهرمونات المناسبة وترميم الأنسجة، كما يمكن لهذه المركبات الذكية أن تحقن الأنسولين داخل الخلايا بالجرعات المناسبة أو تدخل إلى الخلايا السرطانية لتفجرها من الداخل.
يقول العلماء: إن بالإمكان زرع أجهزة الاستشعار في الدماغ لتمكن المصاب بالشلل الرباعي من السير.
وتتعدد فوائد تقنية النانو الطبية، فقد تم الحصول على طاقم أسنان لا يزيد حجمه عن حجم الخلية باستطاعته ابتلاع الكريات الحمراء وقضمها ثم إطلاقها مجددا إلى الدم بمعدل عشر خلايا في الثانية، ويمكن لطاقم الأسنان هذا أن يساعد على إدخال الأدوية أو الجينات إلى داخل الخلايا، وبالتالي يعزز العلاج المركز لكثير من الأمراض.
إن تقنية النانو تعد الإنسان بالجديد المفيد والمدهش في الوقت نفسه وهذه بعض من ما يخطط له علماء النانو من مبتكرات ستغير حياة الإنسان:
- إن الحجم له اعتباره في عالم الحاسب الآلي والإلكترونيات، وغدا ومع تطور تقنية النانو سيكون الحاسب العملاق الموجود في مراكز الأبحاث والتطوير أو في الجامعات الكبرى مجرد ساعة يد في المستقبل.
- المباني والآلات ستستطيع إرسال إشارات لا سلكية عندما تحتاج إلى صيانة أو قد تستطيع إصلاح نفسها.
- ثيابنا ستأخذ بيانات عن صحتنا وتنبهنا لعوامل بيئية مضرة، وستنظف نفسها من الأوساخ والروائح دون أي مساعدة، كما ستقوم بتدفئة وتبريد الجسم حسب درجة الحرارة الخارجية.
- غرفة عمليات كاملة ستمكن صناعتها في كبسولة صغيرة يتم وضعها داخل جسم المريض لتقوم بتنفيذ برنامج العملية الذي برمجه الطبيب فيها حسب حالة المريض.
- مصممو الأزياء والمهندسون والزراعيون والعشرات من أصحاب المهن والحرف المختلفة ستطرق تقنية النانو أبوابهم وتدعوهم إلى عالمها الجديد والمفيد والمذهل من الابتكارات التطويرية.
- حياة الإنسان ستتغير كما حدث عبر العصور.
بدأ مصطلح (تقنية النانو) ينتشر في مجال الصناعات الإلكترونية المتصلة بالمعلوماتية والمتفحص للبطاقات المستخدمة في الحواسيب اليوم، وخاصة الحواسيب المحمولة يجد أنها مضغوطة إلى درجة كبيرة، فالبطاقة التي لا يزيد سمكها على بضعة مليمترات تتكون في الحقيقة من خمس طبقات، أو لنقل رقاقات مضغوطة مع بعضها، كما أن المتفحص للكابلات والمكثفات التي كان وزنها يقدر بالكيلو جرام، يجد أن وزنها لا يتجاوز الملي جرام، فقد تضاءل الحجم، وتضاعفت القدرة، وكل ذلك بفضل اختزال سمك الكابلات، وضغط حجم المكثفات والدارات، مما قصر المسافات التي تقطعها الإلكترونات، وأكسب الحواسيب سرعة أكبر في تنفيذ العمليات.
إنها تقنية النانو التي صنعت هذا التميز التقني، وأفلحت في مدنا بالصغير الكبير، وقد أتاحت تقنية النانو فرصا عديدة وتوسعت في مجالات عديدة، فجادت بالكثير من الاستخدامات المفيدة والفاعلة في مجالات الصناعات الإلكترونية، ومنها على سبيل المثال مجال الترانزستورات، فقد بدأ مصممو الترانزستور في الوصول إلى الحدود الطبيعية لمدى صغر رقائق السليكون والنحاس التي تصنع منها تلك المواد في دليل عملي آخر على اتساع مجالات تقنية النانو بتعاملها مع مختلف المعادن الموجودة أو المتوفرة في الطبيعة، وما أكثرها وما أكثر المجالات التي يستخدمها الإنسان أو يوظفها فيها.
استنادا إلى تقنية النانو، قام أربعة علماء أمريكيين يعملون في وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) بأبحاث ناجحة ساعدت على تمهيد الطريق لبناء ترانزستورات من الأنابيب الإلكترونية البالغة الصغر، التي تم صنعها من طبقة واحدة من الذرات الكربونية يتم قياسها من خلال النانومتر (النانو متر الواحد يعادل واحد على بليون من المتر).
واستنتج العلماء إمكانية تصنيع الترانزستورات من الأنابيب البالغة الصغر، وشملت اكتشافاتهم الغوارتيمية لتشكيل هذه الات والتقنيات الجديدة لإرسال المعلومات والمكونات الكربونية التي تعمل مثل المحطات الطرفية لمفتاح تشغيل الترانزستور، ووسائل استخدام سلاسل أنابيب النانو بالأنظمة الإلكترونية.
إنه مجال جديد حيوي وضروري وهام، أتاحته تقنية النانو التي تشكل فتحا علميا للبشرية يتيح أمامها المزيد من النوافذ والمجالات للمزيد من التطور والتحديث الذي يجعل الحياة أكثر سهولة ورفاهية في نهاية المطاف.