-A +A
علي بن عيسى الشعبي
الاعتدال من العدل ويعني إقامة العدل والإنصاف والتوسط وهو ما تعنيه الآية الكريمة «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً» أي أمة حق وعدل وإنصاف.. فالأمة الإسلامية حتى تقود البشرية يجب أن تقوم على العدل والحق الذي هو جوهر الدين الإسلامي والذي على أساسه يكون المسلم قادراً على معرفة مدى الانحراف عن الحق والفضيلة وبهذا يتحقق للأمة الإسلامية الخيرية التي وصفها سبحانه وتعالى في قوله «كنتم خير أمة أخرجت للناس».
ومنهج الاعتدال السعودي الذي طرحه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في محاضرته في جامعة الملك عبد العزيز هو منهج يتبناه الأمير من سنوات طويلة وهو امتدادٌ للمنهج الذي تقوم عليه المملكة منذ قيام الدولة السعودية الأولى وكرسه وأصله مؤسس الدولة السعودية الحديثة الملك عبدالعزيز آل سعود يرحمه الله وهي مستمرة عليه، حيث اختارت أن تكون دولة إسلامية في وقت كان العالم الإسلامي يعج بالمذاهب الفكرية البعيدة كل البعد عن الدين الإسلامي وكان من يتمسك بعقيدته يعتبر رجعياً ومتخلفاً وجعلت شعارها لا إله إلا الله محمدا رسول الله ودستورها القرآن الكريم والسنة النبوية وحافظت على التوازن في تنميتها بين المحافظة على ثوابتها والأخذ بمعطيات العصر لتقدم أنموذجاً حديثاً في التنمية جمع بين الأصالة والمعاصرة يقوم على الاستقامة والثبات على المبادئ في قبول ما يتفق مع العقيدة ورفض كل ما يتعارض مع الثوابت.

نعم منهج الاعتدال السعودي يرفض التفريط الذي هو منهج أهل الشهوات ولا يعترف بمنهج الإفراط الذي هو منهج أهل الشبهات وكلا المنهجين ليسا من الدين في شيء.. إن منهج الاعتدال السعودي لا يعني كما يفهم البعض قليلاً من التفريط وقليلاً من الإفراط كما هو المفهوم الأرسطوي الذي يقوم على التوسط بين الرذيلتين، كما أنه لا يعني الاختيار الثالث بين الثنائيات كما يفهمه البعض أي التوسط بين الدين والدنيا والدين والدولة أو الثابت والمتغير أو الأصالة والمعاصرة وإنما هو منهج يقوم على الاستقامة والثبات، كما أشار إليه سمو الأمير خالد الفيصل في محاضرته حيث يقول «معنى كلمة الاعتدال هي الاستقامة وإذا استقام الشيء استوى والعدل هو العدالة والاعتدال هو الوسط بين الإفراط والتفريط والإنسان العدل هو من تغلب حسناته على سيئاته وهو منهج الاعتدال السعودي».
إن منهج الاعتدال السعودي شمولي يشمل الاعتدال في التفكير والاعتدال في التوجه والاعتدال في الرأي والاعتدال في الطرح والاعتدال في التعامل بل حتى الاعتدال في المشاعر والعواطف. الاعتدال في كل شؤون الحياة مع الاستقامة على الثوابت.. والذي يعرف الأمير خالد الفيصل يعرف جيداً أنه يتبنى هذا المنهج في كل شؤون حياته فهو بقدر استقامته وثباته على محاربة التطرف والتشدد هو أيضاً ثابت لايتغير في محاربة الانفلات والتخاذل والميوعة والبعد عن تعاليم الدين الإسلامي وعدم التمسك بالقيم العربية والإسلامية الأصيلة.
أقول: إن منهج الاعتدال السعودي يتطلب نشر ثقافة الاعتدال التي على أساسها كانت هذه الأمة أمة عدل وحق وخيرية تستطيع قراءة الثوابت بعيداً عن الغلو والتشدد بعدها عن التفريط والبعد عن الدين. هذه الثقافة تتطلب خطاباً معتدلاً يسهم في تفكيك الخطاب المتشدد ويحذر من خطورة البعد عن الدين.. خطاباً معتدلاً يكرس مفاهيم أساسية في عقيدتنا مثل التسامح والحوار والقبول بالرأي الآخر وغيرها من مفاهيم يتطلبها العصر ولا تتعارض مع جوهر الدين وهذا ما يتوقع أن يحققه كرسي الاعتدال السعودي من تأصيل للمفهوم ونشر ثقافته في المجتمع.
والله من وراء القصد.