-A +A
فاطمة بنت محمد العبودي
عندما طالعت اللقاء الذي أجري في هذه الصحيفة قبل أسبوعين مع والدي أمد الله في عمره لمزيد من العمل الصالح، لم يشدني ما كتب فيه بقدر ما شدتني الصورة الكبيرة لوالدي في وسط الصفحة، في النسخة الورقية للصحيفة، وعلى الرغم من أن الكثير ممن قرأ المقابلة أثنى على ما فيها لكن تأثري ليس بما كتب، على جودته، إنما الإرهاق الذي بدا واضحاً في عيني والدي، وكنت ألحظ احمرار عينيه على الطبيعة لكن الصورة المكبرة أظهرت أثر القراءة المستمرة لساعات متواصلة، على عينيه.
استنفدت القراءة والتأليف جزءاً كبيراً من حياة والدي وهذا أمر عرفناه نحن أولاده وعرفه غيرنا، فعلى الرغم من ممارسة عمله المعتاد وأسفاره المتواصلة في خدمة الدعوة الإسلامية إلا أن القراءة والتأليف متعته لا يفارقانه أو هو لا يفارقهما، وقد اعتادت عيناه على العمل باستمرار ولم ألحظ الاحتجاج عليهما قبل اليوم، ذلك أنه اعتاد على عدم السهر كما أن حاجته للنوم قليلة وغذاؤه صحي وهي عوامل مساعدة على صحة العينين.
تذكر والدتي شغفه بالقراءة والتدوين من بداية زواجهما، وكيف كانت تصنع له الشاي بعد صلاة العشاء وتحضره له وهو يكتب على ضوء السراج في سطح منزلهم الطيني في بريدة قبل الكهرباء ويبرد الشاي وهو منشغل عنه فتنزل لتسخينه في الظلام عدة مرات.
وكيف يكون نائماً في فراشه أو يستعد للنوم فيذكر أمراً متعلقاً بتأليفه فيقفز من فراشه لتدوينه، ولا ينتظر حتى الصباح، فوالدي حفظه الله عالي الهمة لا يثنيه كسل ولا انشغال عن القراءة والكتابة، أو إنجاز أمر من أموره.
وقد يعتقد البعض أن شغفه بالقراءة والتأليف شغله عن بقية أمور حياته لكن الواقع خلاف ذلك فهو متابع لأمور أولاده وأحفاده، ومواظب على استماع الأخبار، ويقرأ صحفاً يومية محددة، ويمارس هواياته، يساعده على ذلك التنظيم والتخطيط والاستثمار الأمثل للوقت، ولا شك أن وجود والدتي حفظها الله في حياته من العوامل المساعدة على نجاحه وغزارة إنتاجه.
وعوداً على عيني والدي والإرهاق الذي آلمني في الصورة، فإن سببه تواصل عمله على إنجاز معجم أسر بريدة وهو مؤلف ضخم من 22 مجلداً وصل في تأليفه ومراجعة طباعته إلى مراحله الأخيرة، وقد عمل به لسنوات عديدة يجمع المعلومات والوثائق من الكتب ومن مقابلة كبار السن في رحلات ميدانية إلى بريدة، وقد خشي والدي على ضياع المعلومات لوفاة الكثيرين ممن خبروا أسر بريدة وأحوالها، فحرص على متابعة العمل لإنجاز هذا المعجم وتوثيق جميع ماله صلة بأسر بريدة، وقد كان في البداية معجماً لأسر القصيم لكن ما توفر له من معلومات جعله يفصل معجم أسر بريدة وفي نيته أن يكمل بقية المعاجم. وقد أجابني حين سألته عما إذا كان يشعر بما نشعر به من سرعة مرور الوقت، وعدم قدرتنا على إنجاز ما نريد، بقصةٍ لا يتسع المجال لذكرها، مفادها بأن في الوقت بركة والمهم كيفية استثمارنا له.
fma34@yahoo.com



للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي تبدأ بالرمز 135 مسافة ثم الرسالة