بعد مقابلتي مع الأخ الكريم الأستاذ تركي الدخيل في برنامج إضاءات هذا الأسبوع وصلتني مئات الرسائل الإلكترونية والخطابات من زملاء مهنة وقراء أشكرهم على دعمهم وثقتهم، ولكني فوجئت بمقال الزميل خالد السليمان الذي نشر في صحيفة عكاظ بعنوان «أطباء وحلاقون»، الذي فهم خطأ من قبل الكاتب الزميل أن كلمة «أجرة» تعادل كلمة «مرتب» والصحيح أن كلمة «أجرة» معناها «كشفية» ... ولم يختلط الأمر على كل من سمع المقابلة، وهل يمكن ويعقل أن نقول أن مرتب الحلاق أعلى من مرتب الطبيب؟
إن الذي قصدناه وفهمه من سمع الحوار أن ما يدفع للطبيب (كشفية الطبيب) أقل مما يدفع للحلاق (ساعة الحلاقة)، فإن شركات التأمين تدفع مبالغ زهيدة لكشفية الطبيب تصل إلى خمسين ريالا فقط وأقل من ذلك.
وأعود لمقالي الذي كتبته بعنوان «كل شيء تزداد قيمته إلا الإنسان» الذي نشر في تاريخ 18 شوال 1428هـ والذي قلت فيه «كلما سمعت من يقول الغلاء قد استشرى وكل شيء زادت قيمته وارتفع سعره، دار في خلدي حديث النفس للنفس فأجيب قائلا .. نعم كل شيء زادت قيمته إلا الإنسان، ومع الأيام وعلى كثرة ما أرى من تناقضات بدأ يترسخ عندي هذا الاعتقاد.. ولأقدم للقارئ الكريم دليلا واقعيا من صلب تخصصي (الصحة) ولينظر كل منا في مجال تخصصه ليجد أمثلة أخرى واقعية تدعم الحقيقة المأساوية التي نعيشها وهي أن كل شيء تزداد قيمته إلا الإنسان. ولكي تكون المقارنة موضوعية فإنني سأدعم مقارنتي بالأرقام التي لا تقبل الشك أو التخمين، ومثالي هنا هو عن (التأمين) فالتأمين يعكس دائما قيمة الأشياء، فكلما ازدادت قيمة الشيء ازدادت تكلفة تأمينه، فالثمين الغالي تكلفة تأمينه عالية وباهظة، والرخيص الزهيد تكلفة تأمينه منخفضة ومتواضعة، وعند النظر في تكلفة التأمين الصحي للإنسان ( أقدس مافي الأرض وأثمنه و أغلاه والذي ُخلقت السموات والأرض من أجله) مقارنة بالتأمين الصحي للسيارة (وسيلة المواصلات التي صنعها الإنسان من حديد) نجد أن التأمين الصحي للفرد لدى شركات التأمين في بلادنا تتراوح مابين 800 إلى 3000 ريال سعودي وقد تزداد أو تنقص قليلا عن هذه الأرقام على حسب نوع التغطية والبطاقة التي لها تصنيفات تختلف من شركة إلى آخرى، وأسماء مختلفة مثل البطاقات الخضراء والفضية والذهبية وغيرها. نعم .. تأمين إنسان بلحمه ودمه وعظمه بثمانمائة ريال فقط في السنة.
بل وتأمين رئيس تنفيذي ورئيس مجلس إدارة أكبر الشركات في بلادنا في كثير من الأحيان أقل من ثلاثة آلاف ريال فقط في السنة .. في حين أن تأمين أرخص سيارة يتعدى ثلاثة آلاف ريال في السنة.
وبهذه المعادلة الصعبة تضع كثير من شركات التأمين الضغط على الأطباء أن يروا عددا كبيرا من المرضى بأسعار زهيدة تصل الى 50 ريالا سعوديا وأقل للزيارة الواحدة، أي بمعنى آخر يدفع للطبيب أقل من الحلاق.
وهنا يأتي التحدي الكبير عند الأطباء ذوي الضمائر الحية، والمستشفيات التي لا تقبل أن تنزلق إلى هذا المنزلق الخطير، والتي تعطي لكل مريض حقه في الوقت الذي يصل إلى قرابة الساعة الكاملة للزيارة الأولى، كيف يكون لهؤلاء أن يرضوا ضمائرهم ويتقنوا عملهم ويقدموا جودة عالية في الرعاية الصحية، فإذا أعطي الطبيب الساعة التي يحتاجها المريض لتحقيق دقة التشخيص والعلاج لكان تعويض شركات التأمين لهذه الزيادة بعد أشهر طوال ومماطلة أقل بكثير من ساعة الحلاق والذي يدفع له آنيا بل وقبل الحلاقة في بعض الأحيان، وإني لا أحقر هنا من مهنة الحلاقة ولكن الطبيب الذي يتعامل مع أخطر وأثمن ما في الأرض وأنفق عمره لتحصيل هذا العلم الشاق لن تكون ساعته مثل ساعة الحلاق، وهذا شيء مفروغ منه ومسلم به وبديهي، ولا يستحق التبرير على الإطلاق. ولكي لا نذهب بعيدا نجد أن شركات التأمين الصحي في دبي تدفع من ضعفين إلى ثلاثة أضعاف ما يدفع لعلاج المريض في بلادنا، وقيمة ساعة الطبيب في البلاد المتحضرة أضعاف قيمتها في البلاد الآخرى، ثم نتساءل بعد كل هذا لم تتدهور الخدمات الصحية .. فهل لي الحق أن أعتقد بأن كل شيء زادت قيمته إلا الإنسان؟!.. أترك الإجابة للقارئ الكريم.
* طبيب استشاري، ورئيس مجلس الإدارة
والرئيس التنفيذي للمركز الطبي الدولي
فاكس: 96626509659+
okazreaders@imc.med.sa
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 197 مسافة ثم الرسالة
إن الذي قصدناه وفهمه من سمع الحوار أن ما يدفع للطبيب (كشفية الطبيب) أقل مما يدفع للحلاق (ساعة الحلاقة)، فإن شركات التأمين تدفع مبالغ زهيدة لكشفية الطبيب تصل إلى خمسين ريالا فقط وأقل من ذلك.
وأعود لمقالي الذي كتبته بعنوان «كل شيء تزداد قيمته إلا الإنسان» الذي نشر في تاريخ 18 شوال 1428هـ والذي قلت فيه «كلما سمعت من يقول الغلاء قد استشرى وكل شيء زادت قيمته وارتفع سعره، دار في خلدي حديث النفس للنفس فأجيب قائلا .. نعم كل شيء زادت قيمته إلا الإنسان، ومع الأيام وعلى كثرة ما أرى من تناقضات بدأ يترسخ عندي هذا الاعتقاد.. ولأقدم للقارئ الكريم دليلا واقعيا من صلب تخصصي (الصحة) ولينظر كل منا في مجال تخصصه ليجد أمثلة أخرى واقعية تدعم الحقيقة المأساوية التي نعيشها وهي أن كل شيء تزداد قيمته إلا الإنسان. ولكي تكون المقارنة موضوعية فإنني سأدعم مقارنتي بالأرقام التي لا تقبل الشك أو التخمين، ومثالي هنا هو عن (التأمين) فالتأمين يعكس دائما قيمة الأشياء، فكلما ازدادت قيمة الشيء ازدادت تكلفة تأمينه، فالثمين الغالي تكلفة تأمينه عالية وباهظة، والرخيص الزهيد تكلفة تأمينه منخفضة ومتواضعة، وعند النظر في تكلفة التأمين الصحي للإنسان ( أقدس مافي الأرض وأثمنه و أغلاه والذي ُخلقت السموات والأرض من أجله) مقارنة بالتأمين الصحي للسيارة (وسيلة المواصلات التي صنعها الإنسان من حديد) نجد أن التأمين الصحي للفرد لدى شركات التأمين في بلادنا تتراوح مابين 800 إلى 3000 ريال سعودي وقد تزداد أو تنقص قليلا عن هذه الأرقام على حسب نوع التغطية والبطاقة التي لها تصنيفات تختلف من شركة إلى آخرى، وأسماء مختلفة مثل البطاقات الخضراء والفضية والذهبية وغيرها. نعم .. تأمين إنسان بلحمه ودمه وعظمه بثمانمائة ريال فقط في السنة.
بل وتأمين رئيس تنفيذي ورئيس مجلس إدارة أكبر الشركات في بلادنا في كثير من الأحيان أقل من ثلاثة آلاف ريال فقط في السنة .. في حين أن تأمين أرخص سيارة يتعدى ثلاثة آلاف ريال في السنة.
وبهذه المعادلة الصعبة تضع كثير من شركات التأمين الضغط على الأطباء أن يروا عددا كبيرا من المرضى بأسعار زهيدة تصل الى 50 ريالا سعوديا وأقل للزيارة الواحدة، أي بمعنى آخر يدفع للطبيب أقل من الحلاق.
وهنا يأتي التحدي الكبير عند الأطباء ذوي الضمائر الحية، والمستشفيات التي لا تقبل أن تنزلق إلى هذا المنزلق الخطير، والتي تعطي لكل مريض حقه في الوقت الذي يصل إلى قرابة الساعة الكاملة للزيارة الأولى، كيف يكون لهؤلاء أن يرضوا ضمائرهم ويتقنوا عملهم ويقدموا جودة عالية في الرعاية الصحية، فإذا أعطي الطبيب الساعة التي يحتاجها المريض لتحقيق دقة التشخيص والعلاج لكان تعويض شركات التأمين لهذه الزيادة بعد أشهر طوال ومماطلة أقل بكثير من ساعة الحلاق والذي يدفع له آنيا بل وقبل الحلاقة في بعض الأحيان، وإني لا أحقر هنا من مهنة الحلاقة ولكن الطبيب الذي يتعامل مع أخطر وأثمن ما في الأرض وأنفق عمره لتحصيل هذا العلم الشاق لن تكون ساعته مثل ساعة الحلاق، وهذا شيء مفروغ منه ومسلم به وبديهي، ولا يستحق التبرير على الإطلاق. ولكي لا نذهب بعيدا نجد أن شركات التأمين الصحي في دبي تدفع من ضعفين إلى ثلاثة أضعاف ما يدفع لعلاج المريض في بلادنا، وقيمة ساعة الطبيب في البلاد المتحضرة أضعاف قيمتها في البلاد الآخرى، ثم نتساءل بعد كل هذا لم تتدهور الخدمات الصحية .. فهل لي الحق أن أعتقد بأن كل شيء زادت قيمته إلا الإنسان؟!.. أترك الإجابة للقارئ الكريم.
* طبيب استشاري، ورئيس مجلس الإدارة
والرئيس التنفيذي للمركز الطبي الدولي
فاكس: 96626509659+
okazreaders@imc.med.sa
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 197 مسافة ثم الرسالة