-A +A
صلاح الدين الدكاك
* صفَّق عميد إحدى كليات السينما والمسرح في أوروبا، بحماس ودهشة، لدى مشاهدته «فيلماً» تقدم به طالب يمني كمشروع تخرُّج . تدور أحداث «الفيلم» وسط زخم الحياة اليومية في أحياء صنعاء القديمة وبابها الشهير بـ «باب اليمن» ؛ حيث الأمكنة والمعمار وملبوسات الناس وإيقاع الحياة، تؤلف مشهداً تاريخياً سحيقاً، حُشر على نحو ما، في سياق القرن الراهن..
قال العميد: «إنها لحكومة جديرة بالشكر تلك التي توفر كل هذا الديكور وكل هذا العدد من الكومبارس والإكسسوارات، دعماً لمشروع تخّرج...» ، رد الطالب ثاقباً بالونة الدهشة والحماس: «يبدو أن هناك لبساً ياسيادة العميد، فما شاهدته لم يكن تمثيلاً، بل هو الواقع بعينه».
ـ كان ذلك نهاية سبعينات القرن الفائت. لم يتغير المشهد كثيراً ؛ وإذا ما نبشنا عن مصير الطالب الآنف ذكره ـ ونظرائه ممن ابتعثوا لدراسة الإخراج السينمائي والمسرحي وألوان الفنون الجميلة ـ فسنجد الأوفر حظاً بينهم، مطموراً في الملفات في أرشيف وزارة الثقافة أو في فناء المؤسسة العامة للسينما والمسرح، يقزقز اللب وينفق راتبه البائس على السجائر و «الأغصان الخضراء».
ـ لم تتحول مثل هذه الفنون الطارئة على الحياة العربية إلى لازمة جمعية ونمط حياة وصناعة يعوَّل عليها في حساب الدخل القومي؛ فالواقع الاقتصادي والاجتماعي لم يتحول على نحو يكفل ازدهارها. وحتى بالنسبة لبلدان دخلت هذا المضمار باكراً كمصر فإن نجم هذه الصناعة يهرول بوتيرة متسارعة، صوب الزوال.
في اليمن كان لدينا دور سينما بالعشرات.. صار لدينا مؤسسة للسينما ومئات المتخصصين العاطلين و.. انقرضت دور العرض وانحسر الطلب؛ ولا يزال الابتعاث جارياً بلا مغزى، واتسع ليشمل تخصصات «كالطاقة النووية وهندسة الروبوت».
الفن التشكيلي هو الآخر يبدو ترفاً فائضاً على حاجة بلد تطحنه الحاجة إلى الرغيف، ورغم وفرة المشتغلين به إلا أنه لم يشكل رهان بقاء بالنسبة لهم كما لم تتشكل ذائقة جمعية تجعل من نتاجاته مطلباً لعامة الناس ولا لخاصتهم.
النظرة إلى هذه الفنون لاتزال ذات نظرة الخليفة الذي دخل عليه رجل يصوب الإبرة على الإبرة فيصيبها... قال الخليفة للرجل بعد أن فرغ من استعراضه: أمرنا لك بمائة دينار ومائة جلدة.. فأما الدنانير فلأنك جئت بشيء لم يسبقك إليه أحد، وأما الجلد فلأن ماجئت به لاجدوى منه ولا ينفع الناس.
Salah_Aldkak@yahoo.com





للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 216 مسافة ثم الرسالة