-A +A
جاك سترو
لم تساورني أية أوهام، في أي يوم من الأيام، بشأن التحديات التي يواجهها العراق والعراقيون، وعندما تحدثت أمام مجلس العموم، قبيل العمل العسكري ضد العراق، قبل حوالى ثلاث سنوات، قلت إن هذه هي أصعب مسألة عليّ التعامل معها. وهذا الكلام مازال صحيحاً حتى اليوم. غير أنني، مع علمي ومعرفتي بالصعوبات، مازلت محافظاً على اعتقادي الراسخ بأنّ أولئك الذين يخططون لافتعال حرب أهلية في العراق، لا يستطيعون، ولن ينجحوا، في تحقيق أهدافهم.

وعندما زرت بغداد مؤخراً، كانت كلمة «التفاؤل» حاضرة دائماً على لساني، ولم تكن الكلمة نابعة مني، بل نقلتها عن زعيم سنّي عراقي. فعندما قابلته، للمرة الأولى، وجدته رافضاً للعملية السياسية. لكنه تغيّر لاحقاً، لأنه استطاع رؤية حسنات دخول السنة في العملية. وهو أدرك أن الهجوم الأخير على المسجدين في سامراء، لم يكن هجوماً ضد «المحتلين»، ولا ضد «المتعاونين مع المحتلين»، ولا ضد «الكافرين والصهاينة»، بل كان هجوماً على «الإسلام نفسه» وخاصة ضد المسلمين الشيعة.

إن العراق يقف الآن على مفترق خطير من الخيارات. فهل سينجح؟ أنا أعتقد ذلك، لسبب رئيسي واحد، هو أن هجوم سامراء يشكل الدليل الأشد وضوحاً على عجز الإرهابيين لأنّ ما كانوا يحاولون إنجازه منذ أواسط العام 2003، كان تدمير مسيرة العراق باتجاه تشكيل حكومة ديموقراطية، وذات تمثيل شعبي، فالانتخابات التي جرت في يناير 2004، وما تلاها من إقرار للدستور الجديد في أغسطس، ثم الاستفتاء في أكتوبر، والانتخابات في ديسمبر، كلها، أثبتت أن الشعب العراقي ملتزم بالعملية الديموقراطية.

إن الديموقراطية لا تعني فقط إعطاء الأكثرية حق التقرير، بل تعني توفير الحماية للأفراد، والأقليات. ولقد أدرك جميع العراقيين، تدريجياً، أنهم سوف يحصلون على مزيد من الحرية في مجال تسيير حياتهم وأمورهم. ولم تعطِ لانتخابات ديسمبر الماضي، أي حزب أو أية قائمة سياسية، الأغلبية الساحقة في البرلمان الجديد، الأمر الذي يعني أن الحكومة القادمة يجب أن تكون ائتلافية وذات قاعدة شعبية واسعة. وهذا يعني بالتالي، أن السياسة في العراق قد بدأت تزدهر وتتوسّع، في مواجهة القمع والحكم الاستبدادي.

وعندما يأتي الوقت المناسب، سوف يتم نقل المسؤولية الأمنية من القوات المتعددة الجنسيات، إلى القوى الأمنية العراقية. وهذا الوقت تحدّده الحكومة العراقية. وأنا أشعر في كل مرة أزور فيها العراق، بمدى شجاعة الزعماء السياسيين هناك، الراغبين في مواصلة السير على طريق الديموقراطية التي اختارها بلدهم. كما أرى التصميم الثابت لدى أغلبية العراقيين، على عدم السماح للإرهابيين، بمنعهم من السير في هذا الاتجاه. ولذلك أعتقد جازماً بأن الشعب العراقي سوف يحقّق مبتغاه، ويُلحق الهزيمة بالإرهابيين.

وزير خارجية بريطانيا

ترجمة: جوزيف حرب