-A +A
إبراهيم القربي ـ جدة
يحاولون إيهام البعض بأنهم قادرون على تزوير أي مستند دون أن يكتشف أمرهم، ولكن الجهات الأمنية دائما ما تلاحقهم وتلقي القبض عليهم، فيما تواصل جهودها في الوقت نفسه في تعقب مخالفي أنظمة الإقامة وحملة الوثائق المزورة، حيث كشف تقرير لهيئة الرقابة والتحقيق أن قضايا التزوير استحوذت على المرتبة الأولى بـ 1660 قضية خلال العامين الأخيرين على مستوى المملكة، وأظهر التقرير أن التزوير من أكثر القضايا الجنائية التي وردت للهيئة، ما جعل لجنة الإدارة والموارد البشرية والعرائض في مجلس الشورى توصي بسرعة الانتهاء من دراسة مشروع نظام مكافحة التزوير، علما بأن معظم من يتم القبض عليهم من متخلفي العمرة.
لاصق مزور

مخالف من جنسية آسيوية كان يحمل إقامة مزورة تم القبض عليه في جدة، واعترف بأخذها مقابل مبلغ مالي من أحد أبناء جلدته ممن يسكنون معه، وبعد التأكد من المعلومات التي أفصح عنها، وعمل التحريات الأزمة ومراقبة الشخص المطلوب، تحركت الفرقة المختصة، وبعد مراقبة دقيقة تم مداهمة الموقع ووجدت زعيم العصابة، وبرفقته شخص آخر، حيث عثر على ختم مزور وعدد 2 لاصق مزور لتجديد إقامة فئة 1000 ريال، وآخر مزور لتجديد إقامة فئة 500 ريال، إضافة إلى خمس إقامات وثلاث رخص قيادة مزورة فارغة البيانات.
إقامات مزورة
وحكاية أخرى حدثت لشمس الدين بنغالي الجنسية الذي سولت له نفسه الحصول على إقامة مزورة إذ يقول: بعد مجيئي المملكة، من أجل أداء مناسك العمرة؛ وبعد أن انتهيت منها واقتربت عودتي إلى بلدي؛ التقيت شخصا لا أعرفه؛ سوى أنه بنغالي وأكد لي أنه بإمكاني الإقامة هنا والحصول على إقامة مزورة ومن ثم التنقل بها والحصول كذلك على عمل، فسألته كيف يكون ذلك، فأشار إلي أن هناك عاملا باكستانيا سوف يصدر لك الإقامة فقط مقابل 1200 ريال، لكن سرعان ما انفضح أمري وأمره حيث ألقت الجوازات القبض علينا.
وقصة أخرى للمزور ش. زين الدين؛ وهو أفغاني أراد البحث عن وسيلة سريعة تجعله ثريا؛ فلم يجد أمامه سوى مزاولة التزوير كمهنة يعتقد أنها سوف تدر عليه دخلا جيدا؛ فبدأ كمزور محترف يقصده الكثيرون من ضعاف النفوس؛ وبطريقة غير نظامية؛ غير أن أحلامه لم تدم طويلا حيث تمكنت الجوازات من القبض عليه.
التوعية بالتزوير
إلى ذلك يعلق الدكتور حسن سفر أستاذ نظم الحكم الإسلامي والقضاء والمرافعات الشرعية وأستاذ في مجمع الفقه الإسلامي الدولي إن التزوير من الجرائم التي فيها مخالفة لسلطات الدولة ولقوانينها التي تقضي بتنظيم أحوال المجتمع للمحافظة على حقوقهم وخطر على المجتمع بحيث يظهر فقدان الحقوق واندثارها وتغيير معالمها بواسطة هذا العمل المشين، لافتا أن الأحكام الشرعية الإسلامية جاءت للمحافظة على حقوق الناس والعباد وعلى وثائقهم وممتلكاتهم وأن التزوير ضرب من ضروب المخالفة الشرعية والأخلاقية والسلوكية لما فيه من مخاطر أولها فقدان الأمانة، معتبرا أن ظاهرة التزوير تفاقمت في ظل طغيان الماديات واللهاث وراء متطلبات الحياة وضعف الوازع الديني.
ويضيف د.سفر أن الدولة أصدرت نظاما يسمى بنظام الرشوة والتزوير وأسندت ولاية تطبيقه إلى ديوان المظالم، وأبانت أن خطره عظيم كما أن الجانب الاقتصادي يلعب دورا كبيرا في ذلك، فقد يتم التزوير في (العملات) والوثائق الرسمية والتواقيع وهذه كلها صنوف من مسالك غير أدبية، لذا فإنه يجب إيقاع العقوبة التعزيرية لمن قدم على هذه الأفعال.
ويرى الدكتور سفر أن ظاهرة التزوير تفاقمت في ظل طغيان الماديات واللهاث وراء متطلبات الحياة وضعف الوازع الديني مرجعا أسبابها إلى ضعف الوازع الديني والرغبة في الثراء السريع وعدم القناعة لدى الشخص المزور؛ بالإضافة إلى نشأته في بيئة غير أخلاقية لا تلتزم بالسلوك السوي، ومن الأسباب أيضا أنه قد تكون هناك ضغائن وأحقاد في محيط العائلة أو الأسرة ويريد أحدهم أن يدس أو يغير معالم الحق، فيندفع بشهادة زور أو يندفع بتزوير وثائق أو يكون في حالة عوز وحاجة، فيزور شيكات أو يتلاعب في أوراق رسمية وما إلى ذلك.
ومن العوامل أيضا وجود طائفة من القادمين للعمرة أو العمل أو الحج جاءوا وكونوا عصابات أو جماعات لتزوير الإقامات وتأشيرات الخروج والعودة وتضع أختاما مزورة، ويكون اللهاث وراء المال لارتكاب هذا التزوير، لافتا أن وزارة الداخلية وضعت نظام البصمات للمحافظة على النواحي الأمنية والأخلاقية، فشرعت في هذا النظام الذي يكشف هوية المزور لدى الجهات الأمنية، داعيا إلى إحكام الرقابة والتنديد بجرائم التزوير من قبل الخطباء في المساجد ومجالس الأحياء والعمد وتوضيح خطورتها على المجتمع وتوعية العمالة التي تفد للبلاد ويتكثف تواجدها في المنشآت والمعامل والمدن الصناعية والأحياء بلغاتهم، مبينا أن عقوبة جريمة التزوير تختلف من حالة إلى أخرى بناء على ما لدى ديوان المظالم من إثباتات، فهناك من يزورون الإقامات وهناك من يزورون في الشيكات المالية، وهناك من يزور في الشهادات وهذه تأخذ جانبا قضائيا ويجب أن يعزروا وقد تصل العقوبات إلى السجن والجلد والإبعاد عن البلاد، وقد تصل مدة السجن إلى أكثر من خمس سنوات إذا كان هناك تكرار من المزور لفعلته.
سلوك سيكوباتي
ويرى الأخصائي النفسي سليمان الشمري أن التزوير يندرج ضمن السلوك (السيكوباتي) المضاد للمجتمع فالعامل الأساسي لمزاولة هذه الجريمة هو الطمع والبحث عن الثراء السريع.
وتكمن أسباب التزوير في أسباب نفسية منها الصراع والإحباط والقلق والتوتر والحرمان والأخبار المؤلمة والجوع الانفعالي والأزمات النفسية وعدم إشباع الحاجات والنمو المضطرب للذات والضعف العقلي والضعف الأخلاقي، إضافة إلى الأسباب البيئية المتعلقة بالتنشئة الاجتماعية الخاطئة والنقص في تعلم القيم الدينية والمعايير الاجتماعية والبيئية الجانحة وتأثير الكبار والفقر والجهل والمرض وقلة الضبط والمراقبة واضطراب العلاقات الاجتماعية الأسرية ورفقاء السوء وإدمان المخدرات.
ينظر زهير مفتي المحامي والمستشار القانوني لجريمة التزوير على أنها أي طريقة يتخذها شخص ما ليغش بها آخر وتعتبر جريمة محرمة شرعا كونها مخلة بالشرف والأمانة، لذا فإن فاعله يعاقب بعقوبة تعزيرية قضى بها نظام مكافحة التزوير، لافتا أن للتزوير ثلاثة أركان تتمثل في التحريف المادي واحتمال الضرر والقصد الجنائي.
مكافحة التزوير
وأشار مصدر في إدارة مكافحة التزوير في جوازات منطقة مكة المكرمة إلى أن رجال الجوازات سيستمرون في تعقب المخالفين لأنظمة الإقامة؛ وبالذات ضعاف النفوس الذين يحاولون إيهام البعض أنهم قادرون على تزوير أي مستند دون أن يكتشف أمرهم؛ موضحا أن إدارة مكافحة التزوير ترصد وتتابع الأشخاص الذين يمارسون عمليات التزوير من خلال المخبرين السريين، بالإضافة إلى فرق البحث والتحري حيث يتم إعداد كمين لهؤلاء الأشخاص ومن ثم ضبطهم متلبسين والقبض عليهم بعد التنسيق مع الجهات المختصة ومن ثم تتم عملية الاستجواب وإحالتهم إلى جهة الاختصاص لتطبيق المقتضى النظامي في حقهم، مبينا اكتشاف التزوير المادي بجميع أشكاله من خلال استخدام أجهزة الفحص الفني المتطورة تقنيا والتي يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع هي: أجهزة (الفحص المبدئي) ومن ضمن هذه الأجهزة؛ جهاز الأشعة فوق البنفسجية لإظهار السمات الأمنية المتوفرة في الوثيقة؛ و جهاز الميكروسكوب لاكتشاف نوع الطباعة المستخدم في الوثيقة موضوع الفحص؛ إضافة إلى أجهزة الفحص الفني المبدئي المتقدم الذي يشمل عدة خصائص فنية لإظهار مواطن التزوير بشكل واضح؛ وتمتاز هذه الأجهزة بسهولة الاستخدام كونها يدوية التحكم، وهناك أجهزة الفحص الفني الشامل وتحتوي على جميع الخصائص الفنية التي تحدد نوع وشكل التزوير بشكل واضح لما تمتلكه مثل هذه الأجهزة من إضاءات وفلاتر متنوعة تعطي دقة وجودة في صورة الوثيقة أثناء عمليات الفحص الفنية عليها. مضيفا أنه من خلال هذه الأجهزة الفنية تتضح السمات الأمنية المرئية منها وغير المرئية؛ بالإضافة لإظهار التزوير المادي بنوعيه (لآلي والكيميائي) أو عند تعديل البيانات باستخدام مداد مختلف عن المداد المدونة به البيانات الأصلية في الوثيقة موضوع الفحص، بالإضافة لعمليات المضاهاة سواء المتعلقة بالأختام أو المستندات الرسمية ولم يقتصر التزوير على الجانب الطباعي فقط، بل اشتمل أيضا على محاكات السمات الأمنية السرية المتوفرة في الوثائق، مؤكدا أن استخدام نظام الخصائص الحيوية (البصمة) قد حد من عمليات التزوير؛ حيث يتم تدوين بيانات الشخص؛ وأخذ بصمة اليد والعين الخاصة به؛ بالإضافة إلى تصويره فوتوغرافيا؛ وبالتالي لا يستطيع تعديل البيانات أو استبدال الصورة كونها محفوظة في النظام المركزي.