لاسمه حضور قوي في مشهدنا الشعري ولقصائده وعناوين دواوينه سحر خاص، هذا سعدي يوسف الذي اشتغل على الشعر والترجمة.. وامتهن الرواية.. ثم تواصل مع قرائه مباشرة عبر الانترنت.. من ابي الخصيب حتى المملكة المتحدة رحلة طويلة من المدن.. والعناوين.. والوجوه وكان السعدي دائما هو الحاضر بقوة حتى في نهايات الشمال الافريقي.. عندما قال ذات يوم:
جبال كمكة جرداء
واد كمكة لازرع فيه
وانت الهلالي افقر
من ذرة الرمل بدلت تيها بتيه
هنا لا نتحدث عن صراع الادباء ولا عن خصومات النقاد وعن اشاعات الاخرين هنا.. نلقي الضوء على سعدي الانسان بدءا من ولادته شبه يتيم حتى عزلته شبه وحيد.
وبين هاتين المرحلتين هناك كلام كثير وشعر أكثر.. وهناك قائمة طويلة من العناوين والترجمات.. ولهذا كان حوارنا مع سعدي عن سعدي فقط.
وُلدت في ابي الخصيب، القرية التي خلدها بدر شاكر السياب حتى اصبحت رمزا شعريا في الذاكرة الثقافية، ما الذي تتذكره منها الآن؟
- هل تصدق انني اتذكرها الآن وكأنني اعيش سنوات الفتوة بها، بالتأكيد تغيّرت الآن كثيرا كما يقولون ويروون عنها، ولكنني لازلت استعيد مما في الذاكرة كأنه الآن.. لازلت اذكر غابات النخيل بانواعها المتعددة.. والقنوات المائية والبيوت التي تشرف وتطل وتلامس الماء.. كانت قرية مائية بامتياز في جهتها الشرقية.. ولكن من جهتها الغربية فهي تطل على السعودية والكويت وتتقاطع مع هاتين البيئتين في كل شيء النسب.. والتواصل والعادات وحتى الطقس.. ولكن الاجمل من كل هذا والذي لازال يسكن في الذاكرة عن ابي الخصيب هو احساس الجميع بان امكانهم التعايش بتسامح كبير.
كانت منطقة حرة تتميز بنوع من الاجتهاد في ممارسة الحياة بدون عقد.. وتتميز بالاجتهاد الفكري والسياسي والتعدد المذهبي، كانت الصدور مفتوحة ومتسعة وكان الناس بشتى مشاربهم قريبين من بعضهم البعض.
ساحلية.. وصحراوية
هل تستطيع ان تقول عنها انها تتميز بهوية المدن الساحلية؟
- بالفعل هي في جهتها الغربية مدينة ساحلية.. فالسفن الخشبية كانت تأتي من الخليج وحتى من افريقيا حاملة كل انواع الثقافات والحضارات وباسم التجارة كان الامتزاج الثقافي يواصل تأثيره على قدرة الناس على التعايش مع الآخر.
وانت بها..
- ولدت كما قلت لك بها.. حيث توفي والدي في مرحلة مبكرة من عمري وتقريبا عندما كان عمري اربع سنوات قامت الام واخي الاكبر برعايتنا انا وشقيقيّ.. وكنا بسبب هذه الظروف اقرب الى اسر الملاكين الصغار التي دائما ما تفتقر.. ولكن على العموم كانت الحياة في ذلك الوقت مشبوبة متشبعة بشغف هائل.. وفتنة كبيرة.
ودرست بها؟
- درست المرحلة الابتدائية بها.. ولكن المرحلتين المتوسطة والثانوية درستهما في البصرة بسبب عدم هذه المراحل بالقرية في ذلك الوقت ولكن بعد تخرجي من معهد اعداد المعلمين العالي عدت مدرسا الى مدرسة ابي الخصيب الثانوية وقد تم انشاؤها في تلك الفترة.
كيف كانت الدراسة في البصرة؟
- لم نكن نعيش في البصرة كنا نذهب بالسيارة في الصباح ونعود في المساء وكانت البصرة تبعد عنا حوالى 35 كيلو مترا.. وكان ذلك الوقت الحزب الشيوعي تمدد حتى جنوب العراق بسبب ثقافي من وجهة نظري لان اهم اقطابه والداعين له من ابناء الجنوب أو الشمال الاقصى وكانوا ابناء الجنوب اكثرهم اما شعراء او مثقفون.
لهذا دخلت الحزب
ولسبب ما دخلت في الحزب؟
- اعتقد انه سبب ثقافي وفكري لا اكثر ولا اقل فالافكار التي كان يدعو الحزب لها كانت تتماشى مع نظرتي للعدالة والمساواة والحرية.. ومقاومة الاستعمار والاستغلال.. واذكر ان بدر شاكر السياب وعائلته من ابرز رموز الحزب في المنطقة.
وكعادة كل الشعراء العراقيين ذهبت الى معهد اعداد المعلمين ببغداد؟
- بالنسبة لي كان الامر لابد منه فأخي الأكبر كان معلما وخريجا من هذه المعهد أو الكلية وكانت الانظمة آنذاك تعطي الاولوية لاشقاء المتخرج من هذه الكلية او تلك للقبول بها.. ولذلك قدمت اوراقي وقبلت بها.
والجذور الثقافية لسعدي؟
- دعني اقول لك شيئا.. انا بنيت نفسي بنفسي والاقدار لعبت دورها في تلك المرحلة الاولى كانت قراءات اجتهادية وغير عميقة بما يكفي ولكن عندما بدأ اليهود في عام 48 تقريبا في الخروج من العراق باتجاه اسرائيل وقاموا ببيع بعض ممتلكاتهم كانوا مما يبيعون الكتب فكان من حسن حظي ان اشتريت عربة كاملة من الكتب المهمة والانجليزية بحوالى دينارين هذه العربة او المكتبة احدى أهم المحطات في مسيرتي الادبية فمنها تشكلت معارضي الاولى.
اذاً وصلت لبغداد وقد ودعت جذورك الاولى في ابي الخصيب؟
- بالفعل اعتبرني الآن في بغداد ولكن لم اقطع جذوري مع ابي الخصيب لدرجة انني لازلت اذكر جيراننا من السعوديين حتى بيت الشيخ والخرجي وسواهما ولازالت اكثر غابات النخيل.. وقنوات الماء.. ونداء الخليج المبكر.
في بغداد كان الشعر
وماذا بعد بغداد؟
- كما قلت لك درست في معهد المعلمين ونلت شهادة الليسانس وكانت الاجواء في الكلية غامرة بالادب والفكر والشعر وكان الحوار الادبي والثقافي اقصى حالاته وكانت اصداء مجلة الاديب حاضرة بقوة في المشهد الشعري العراقي.. ومن ابرز الذين اذكرهم من الاساتذة في تلك المرحلة د. عبدالرزاق محي الدين والدكتور مصطفى جواد والدكتور عبدالكريم الدجيلي اضافة الى مجموعة لا تحصى من الشعراء والشاعرات واكملت دراستي في هذه الاجواء.. ثم عدت مدرسا الى ابي الخصيب حيث درست في مدارسها الثانوية فترة من الزمن.
حتى متى؟
- حتى عام 57 حيث اتيحت لي المشاركة في اسبوع ثقافي ضخم في موسكو وكانت تجربة كبيرة لي حيث كانت أول مرة اسافر فيها وكانت الرحلة بالباخرة عبر سوريا.. وعبر سوريا ايضا عدنا حيث استقريت بها فترة اشهر ثم ذهبت للتدريس في مدارس الكويت وبالتحديد في مدرسة الفيروانية وذلك اواخر عام 57 .
وماذا تذكر من اجواء موسكو ومن هم الشعراء العرب الحاضرين؟
- كانت هناك وفود من شتى البلاد العربية سوريا ، العراق، السودان، لبنان ومصر.. واذكر ان ابرز من حضر من مصر في ذلك الوقت نخية كاريوكا.
وماذا بعد الكويت؟
- درست في الكويت كما قلت لك في ثانوية الفيروانية لمدة سنة ونصف وعندما قام الحكم الجمهوري في العراق عدت حوالى العام 1959 واشتغلت في التدريس.. فترة وفي مركز لوسائل الايضاح التابع لوزارة التربية فترة وكنت في ذلك ا لوقت انتقل بين البصرة وبغداد ولكن لعدم ارتباطي بزواج.. كنت مقيما اكثر الوقت في بغداد لانني كنت في منصب نائب اتحاد الادباء.. وكنت اقضي جل وقتي في هذا الاتحاد وكان يرأس الاتحاد آنذاك الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري.
تزوجت مرتين
ومتى تزوجت؟
- تزوجت مرتين الاولى ام حيدر.. يرحمها الله وذلك في عام 61 .. ومرة اخرى عام 91.. ولكنني الآن وحيد واعزل في غربة لندن.
نعود الى الشعر.. متى بدأت محاولاتك معه؟
- بدأت في مرحلة متأخرة من المرحلة الثانوية تحديدا، وبدون تأثير من احد.. بحيث اعلم نفسي بنفسي العروض.. وكانت محاولاتي لي ولم افكر في نشر الا في عام 49 حيث نشرت لي احدى الصحف نصا.
وبعد ذلك؟
- تعمقت علاقتي وازدادت مع وجودي مع شعراء معهد المعلمين وكانت تجربتي الاكبر عندما صدر العدد الاول من مجلة شعر وكانت القصيدة الاولى لسعدي يوسف الذي كان مجهولا في العراق آنذاك.
كيف كانت اصداء هذه القصيدة وكيف وصلت الى المجلة؟
- وصلت للمجلة عبر معلومة من د.رزوق فرج رزوق الذي اخبرني عن مجلة ستصدر قريبا واعطاني عنوانها فارسلت لهم قصيدتي ففوجئت بنشرها.. اما اصداء نشر القصيدة على العراقيين فلم يمكن تلمس ذلك بسبب ان المجلة منعت من دخول العراق.
بسبب قصيدتك ام قصيدة لعراقي آخر؟
- العراقي الوحيد الذي نشر في هذا العدد كان انا فبالتالي كان بسبب قصيدتي التي لم تكن سياسية ابدا بل عن فلاح سقط من اعلى نخلة.. ومات.
أنا ومجلة شعر
وبعد ذلك تواصلت مع المجلة؟
- كنت ذلك الوقت اعيش ارتباكات عدة ولذلك لم اتواصل مع المجلة سوى في قصيدتين تاليتين فقط ثم توقفت.. وكانت الاوضاع قدساءت في العراق فتوجهت الى بيروت.. ومن ثم الى مصر.. ومنها برا الى الجزائر حيث اشتغلت مدرسا لمدة سبع سنوات في مدينة سيدي بلعباس وكان ذلك في عام 64.
علاقتك بالمثقفين العرب والجزائرين في هذه المدة؟
- هل تصدق انني طوال هذه الفترة لم اقدم نفسي شعرا ابدا كنت منزوياً على نفسي ابني عالمي الثقافي من خلال القراءات المتعددة والكتابة الحرة من كل ارتباط.. كنت اكون معماري الشعري الخاص بي.. وقد اثمرت هذه المرحلة احدى ابرز قصائدي.
مرت سبع سنوات في الجزائر.. ماذا عملت بعد ذلك؟
- عدت الى العراق.. وكنت آمل ان الاوضاع تتغير ولكن الاوضاع لم تكن تساعد على البقاء اكثر وبعد ذلك بحوالي عدة سنوات ذهبت عام 78 الى بيروت وكانت تعيش جوا ثقافيا بامتياز كانت ا لحركة الادبية والفكرية كلها تتلاقح في بيروت وكأنها كانت مختبر العرب الفكري والشعري والابداعي.. حتى جاء الحصار الاسرائيلي وكان للمثقف العربي دور مشرف في هذه الازمة..
ولكن ذهبت للجزائر في هذه الفترة؟
- نعم في عام 79 ذهبت مدرسا لمدة سنة في جامعة باتته بالجزائر ثم عدت الى بيروت.
ومنها رحلت عام 82 الى قبرص بعد ان كتبت مريم تأتي؟
- لم اذهب الى قبرص مباشرة بل كنت اعد آخر الخارجين من بيروت ومنها خرجنا الى سوريا.. ومن هناك وعلى سفينة يونانية خرجنا انا وابو اياد وسعد صائب باتجاه قبرص.. لنبدأ رحلة الشتات من جديد.
دمشق لم تكن عابرة
إذن مرورك بدمشق كان عابرا دائما؟
- لا فطوال الفترة الماضية حتى استقراري في المملكة المتحدة وانا شبه مقيم في دمشق حتى ذهابي الى عمان كان لاسابيع اما مستقري شبه الدائم فكان دمشق.
ومتى كانت مرحلة السجن؟
- السجن كان من عام 61- 64.
حدثتني قبل سنوات عن رغبتك في الهجرة للشرق «الصين-الهند» واجدك تنتقل فجأة الى المملكة المتحدة ما الذي تغير؟
- لم يتغير شيء كانت النية عظيمة باتجاه الرحيل الى الشرق وبذلت عدة محاولات حتى استحصلت على تأشيرة دخول اندونيسيا.. ولكن كنت في زيارة الى لندن وجاءت فترة الاستقرار في المملكة المتحدة واعتقد الآن في ظل الاضطراب الكبير الذي يعيشه العراق انها كانت خطوة موفقة اتاحت لي فرصة الاقتراب من الذات اكثر.. ولم يعد يربطني بالعالم سوى الانترنت.
مارست العمل الصحافي كثيرا؟
ليس كثيرا ولكن المثقف اقرب الى العمل الاعلامي والعمل الاعلامي الوحيد تقريبا في عالمنا العربي ذلك الوقت كانت الصحافة لذلك عملت صحفيا في بيروت وفي قبرص.. واخيرا في مجلة المدى قبل ان اذهب الى معتزلي الاخير.
استاذنا سعدي.. اخيراً ماذا تقول؟
- بالتأكيد شكرا على التواصل واهدي لقراء عكاظ آخر قصائدي.
جبال كمكة جرداء
واد كمكة لازرع فيه
وانت الهلالي افقر
من ذرة الرمل بدلت تيها بتيه
هنا لا نتحدث عن صراع الادباء ولا عن خصومات النقاد وعن اشاعات الاخرين هنا.. نلقي الضوء على سعدي الانسان بدءا من ولادته شبه يتيم حتى عزلته شبه وحيد.
وبين هاتين المرحلتين هناك كلام كثير وشعر أكثر.. وهناك قائمة طويلة من العناوين والترجمات.. ولهذا كان حوارنا مع سعدي عن سعدي فقط.
وُلدت في ابي الخصيب، القرية التي خلدها بدر شاكر السياب حتى اصبحت رمزا شعريا في الذاكرة الثقافية، ما الذي تتذكره منها الآن؟
- هل تصدق انني اتذكرها الآن وكأنني اعيش سنوات الفتوة بها، بالتأكيد تغيّرت الآن كثيرا كما يقولون ويروون عنها، ولكنني لازلت استعيد مما في الذاكرة كأنه الآن.. لازلت اذكر غابات النخيل بانواعها المتعددة.. والقنوات المائية والبيوت التي تشرف وتطل وتلامس الماء.. كانت قرية مائية بامتياز في جهتها الشرقية.. ولكن من جهتها الغربية فهي تطل على السعودية والكويت وتتقاطع مع هاتين البيئتين في كل شيء النسب.. والتواصل والعادات وحتى الطقس.. ولكن الاجمل من كل هذا والذي لازال يسكن في الذاكرة عن ابي الخصيب هو احساس الجميع بان امكانهم التعايش بتسامح كبير.
كانت منطقة حرة تتميز بنوع من الاجتهاد في ممارسة الحياة بدون عقد.. وتتميز بالاجتهاد الفكري والسياسي والتعدد المذهبي، كانت الصدور مفتوحة ومتسعة وكان الناس بشتى مشاربهم قريبين من بعضهم البعض.
ساحلية.. وصحراوية
هل تستطيع ان تقول عنها انها تتميز بهوية المدن الساحلية؟
- بالفعل هي في جهتها الغربية مدينة ساحلية.. فالسفن الخشبية كانت تأتي من الخليج وحتى من افريقيا حاملة كل انواع الثقافات والحضارات وباسم التجارة كان الامتزاج الثقافي يواصل تأثيره على قدرة الناس على التعايش مع الآخر.
وانت بها..
- ولدت كما قلت لك بها.. حيث توفي والدي في مرحلة مبكرة من عمري وتقريبا عندما كان عمري اربع سنوات قامت الام واخي الاكبر برعايتنا انا وشقيقيّ.. وكنا بسبب هذه الظروف اقرب الى اسر الملاكين الصغار التي دائما ما تفتقر.. ولكن على العموم كانت الحياة في ذلك الوقت مشبوبة متشبعة بشغف هائل.. وفتنة كبيرة.
ودرست بها؟
- درست المرحلة الابتدائية بها.. ولكن المرحلتين المتوسطة والثانوية درستهما في البصرة بسبب عدم هذه المراحل بالقرية في ذلك الوقت ولكن بعد تخرجي من معهد اعداد المعلمين العالي عدت مدرسا الى مدرسة ابي الخصيب الثانوية وقد تم انشاؤها في تلك الفترة.
كيف كانت الدراسة في البصرة؟
- لم نكن نعيش في البصرة كنا نذهب بالسيارة في الصباح ونعود في المساء وكانت البصرة تبعد عنا حوالى 35 كيلو مترا.. وكان ذلك الوقت الحزب الشيوعي تمدد حتى جنوب العراق بسبب ثقافي من وجهة نظري لان اهم اقطابه والداعين له من ابناء الجنوب أو الشمال الاقصى وكانوا ابناء الجنوب اكثرهم اما شعراء او مثقفون.
لهذا دخلت الحزب
ولسبب ما دخلت في الحزب؟
- اعتقد انه سبب ثقافي وفكري لا اكثر ولا اقل فالافكار التي كان يدعو الحزب لها كانت تتماشى مع نظرتي للعدالة والمساواة والحرية.. ومقاومة الاستعمار والاستغلال.. واذكر ان بدر شاكر السياب وعائلته من ابرز رموز الحزب في المنطقة.
وكعادة كل الشعراء العراقيين ذهبت الى معهد اعداد المعلمين ببغداد؟
- بالنسبة لي كان الامر لابد منه فأخي الأكبر كان معلما وخريجا من هذه المعهد أو الكلية وكانت الانظمة آنذاك تعطي الاولوية لاشقاء المتخرج من هذه الكلية او تلك للقبول بها.. ولذلك قدمت اوراقي وقبلت بها.
والجذور الثقافية لسعدي؟
- دعني اقول لك شيئا.. انا بنيت نفسي بنفسي والاقدار لعبت دورها في تلك المرحلة الاولى كانت قراءات اجتهادية وغير عميقة بما يكفي ولكن عندما بدأ اليهود في عام 48 تقريبا في الخروج من العراق باتجاه اسرائيل وقاموا ببيع بعض ممتلكاتهم كانوا مما يبيعون الكتب فكان من حسن حظي ان اشتريت عربة كاملة من الكتب المهمة والانجليزية بحوالى دينارين هذه العربة او المكتبة احدى أهم المحطات في مسيرتي الادبية فمنها تشكلت معارضي الاولى.
اذاً وصلت لبغداد وقد ودعت جذورك الاولى في ابي الخصيب؟
- بالفعل اعتبرني الآن في بغداد ولكن لم اقطع جذوري مع ابي الخصيب لدرجة انني لازلت اذكر جيراننا من السعوديين حتى بيت الشيخ والخرجي وسواهما ولازالت اكثر غابات النخيل.. وقنوات الماء.. ونداء الخليج المبكر.
في بغداد كان الشعر
وماذا بعد بغداد؟
- كما قلت لك درست في معهد المعلمين ونلت شهادة الليسانس وكانت الاجواء في الكلية غامرة بالادب والفكر والشعر وكان الحوار الادبي والثقافي اقصى حالاته وكانت اصداء مجلة الاديب حاضرة بقوة في المشهد الشعري العراقي.. ومن ابرز الذين اذكرهم من الاساتذة في تلك المرحلة د. عبدالرزاق محي الدين والدكتور مصطفى جواد والدكتور عبدالكريم الدجيلي اضافة الى مجموعة لا تحصى من الشعراء والشاعرات واكملت دراستي في هذه الاجواء.. ثم عدت مدرسا الى ابي الخصيب حيث درست في مدارسها الثانوية فترة من الزمن.
حتى متى؟
- حتى عام 57 حيث اتيحت لي المشاركة في اسبوع ثقافي ضخم في موسكو وكانت تجربة كبيرة لي حيث كانت أول مرة اسافر فيها وكانت الرحلة بالباخرة عبر سوريا.. وعبر سوريا ايضا عدنا حيث استقريت بها فترة اشهر ثم ذهبت للتدريس في مدارس الكويت وبالتحديد في مدرسة الفيروانية وذلك اواخر عام 57 .
وماذا تذكر من اجواء موسكو ومن هم الشعراء العرب الحاضرين؟
- كانت هناك وفود من شتى البلاد العربية سوريا ، العراق، السودان، لبنان ومصر.. واذكر ان ابرز من حضر من مصر في ذلك الوقت نخية كاريوكا.
وماذا بعد الكويت؟
- درست في الكويت كما قلت لك في ثانوية الفيروانية لمدة سنة ونصف وعندما قام الحكم الجمهوري في العراق عدت حوالى العام 1959 واشتغلت في التدريس.. فترة وفي مركز لوسائل الايضاح التابع لوزارة التربية فترة وكنت في ذلك ا لوقت انتقل بين البصرة وبغداد ولكن لعدم ارتباطي بزواج.. كنت مقيما اكثر الوقت في بغداد لانني كنت في منصب نائب اتحاد الادباء.. وكنت اقضي جل وقتي في هذا الاتحاد وكان يرأس الاتحاد آنذاك الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري.
تزوجت مرتين
ومتى تزوجت؟
- تزوجت مرتين الاولى ام حيدر.. يرحمها الله وذلك في عام 61 .. ومرة اخرى عام 91.. ولكنني الآن وحيد واعزل في غربة لندن.
نعود الى الشعر.. متى بدأت محاولاتك معه؟
- بدأت في مرحلة متأخرة من المرحلة الثانوية تحديدا، وبدون تأثير من احد.. بحيث اعلم نفسي بنفسي العروض.. وكانت محاولاتي لي ولم افكر في نشر الا في عام 49 حيث نشرت لي احدى الصحف نصا.
وبعد ذلك؟
- تعمقت علاقتي وازدادت مع وجودي مع شعراء معهد المعلمين وكانت تجربتي الاكبر عندما صدر العدد الاول من مجلة شعر وكانت القصيدة الاولى لسعدي يوسف الذي كان مجهولا في العراق آنذاك.
كيف كانت اصداء هذه القصيدة وكيف وصلت الى المجلة؟
- وصلت للمجلة عبر معلومة من د.رزوق فرج رزوق الذي اخبرني عن مجلة ستصدر قريبا واعطاني عنوانها فارسلت لهم قصيدتي ففوجئت بنشرها.. اما اصداء نشر القصيدة على العراقيين فلم يمكن تلمس ذلك بسبب ان المجلة منعت من دخول العراق.
بسبب قصيدتك ام قصيدة لعراقي آخر؟
- العراقي الوحيد الذي نشر في هذا العدد كان انا فبالتالي كان بسبب قصيدتي التي لم تكن سياسية ابدا بل عن فلاح سقط من اعلى نخلة.. ومات.
أنا ومجلة شعر
وبعد ذلك تواصلت مع المجلة؟
- كنت ذلك الوقت اعيش ارتباكات عدة ولذلك لم اتواصل مع المجلة سوى في قصيدتين تاليتين فقط ثم توقفت.. وكانت الاوضاع قدساءت في العراق فتوجهت الى بيروت.. ومن ثم الى مصر.. ومنها برا الى الجزائر حيث اشتغلت مدرسا لمدة سبع سنوات في مدينة سيدي بلعباس وكان ذلك في عام 64.
علاقتك بالمثقفين العرب والجزائرين في هذه المدة؟
- هل تصدق انني طوال هذه الفترة لم اقدم نفسي شعرا ابدا كنت منزوياً على نفسي ابني عالمي الثقافي من خلال القراءات المتعددة والكتابة الحرة من كل ارتباط.. كنت اكون معماري الشعري الخاص بي.. وقد اثمرت هذه المرحلة احدى ابرز قصائدي.
مرت سبع سنوات في الجزائر.. ماذا عملت بعد ذلك؟
- عدت الى العراق.. وكنت آمل ان الاوضاع تتغير ولكن الاوضاع لم تكن تساعد على البقاء اكثر وبعد ذلك بحوالي عدة سنوات ذهبت عام 78 الى بيروت وكانت تعيش جوا ثقافيا بامتياز كانت ا لحركة الادبية والفكرية كلها تتلاقح في بيروت وكأنها كانت مختبر العرب الفكري والشعري والابداعي.. حتى جاء الحصار الاسرائيلي وكان للمثقف العربي دور مشرف في هذه الازمة..
ولكن ذهبت للجزائر في هذه الفترة؟
- نعم في عام 79 ذهبت مدرسا لمدة سنة في جامعة باتته بالجزائر ثم عدت الى بيروت.
ومنها رحلت عام 82 الى قبرص بعد ان كتبت مريم تأتي؟
- لم اذهب الى قبرص مباشرة بل كنت اعد آخر الخارجين من بيروت ومنها خرجنا الى سوريا.. ومن هناك وعلى سفينة يونانية خرجنا انا وابو اياد وسعد صائب باتجاه قبرص.. لنبدأ رحلة الشتات من جديد.
دمشق لم تكن عابرة
إذن مرورك بدمشق كان عابرا دائما؟
- لا فطوال الفترة الماضية حتى استقراري في المملكة المتحدة وانا شبه مقيم في دمشق حتى ذهابي الى عمان كان لاسابيع اما مستقري شبه الدائم فكان دمشق.
ومتى كانت مرحلة السجن؟
- السجن كان من عام 61- 64.
حدثتني قبل سنوات عن رغبتك في الهجرة للشرق «الصين-الهند» واجدك تنتقل فجأة الى المملكة المتحدة ما الذي تغير؟
- لم يتغير شيء كانت النية عظيمة باتجاه الرحيل الى الشرق وبذلت عدة محاولات حتى استحصلت على تأشيرة دخول اندونيسيا.. ولكن كنت في زيارة الى لندن وجاءت فترة الاستقرار في المملكة المتحدة واعتقد الآن في ظل الاضطراب الكبير الذي يعيشه العراق انها كانت خطوة موفقة اتاحت لي فرصة الاقتراب من الذات اكثر.. ولم يعد يربطني بالعالم سوى الانترنت.
مارست العمل الصحافي كثيرا؟
ليس كثيرا ولكن المثقف اقرب الى العمل الاعلامي والعمل الاعلامي الوحيد تقريبا في عالمنا العربي ذلك الوقت كانت الصحافة لذلك عملت صحفيا في بيروت وفي قبرص.. واخيرا في مجلة المدى قبل ان اذهب الى معتزلي الاخير.
استاذنا سعدي.. اخيراً ماذا تقول؟
- بالتأكيد شكرا على التواصل واهدي لقراء عكاظ آخر قصائدي.