-A +A
هناء البنهاوي (القاهرة)
في ظل استمرار إساءة الدوائر الغربية للإسلام وتشويه صورته وأحكامه فيما يختص بحقوق المرأة تبرز قضية ضرب الزوجات التي تتخذ ذريعة للتأكيد على أن الإسلام يهين المرأة وينتقص حقوقها الإنسانية، وهو ما يطرح السؤال حول حدود الضرب؟ ظروفه؟ وكيف يمكن الرد على من يقول أن ضرب المرأة امتهان لكرامتها؟ وهل هناك مدخل لإلغاء هذا الباب على خلفية تغيير الفتوى بتغيّر الزمان والمكان؟ وهل هناك مسوغ يسوغ للمرأة مقاضاة زوجها إذا ما أبرحها ضرباً؟ وفي السطور القادمة إجابة على هذه التساؤلات الشائكة.

بادر الدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة الإسلامية الأسبق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ، إلى توضيح موقف الإسلام في هذه القضية الخاصة تجاه الذين يهاجمون وسيلة التأديب للزوجة مؤكدا أن هذا الضرب لا يكون إلا بعد استنفاد جميع السبل وهي وعظها ببيان حقوق زوجها عليها وواجباتها نحوه ونحو الأبناء وهجرها في المضجع ، والوسيلة الثالثة هي الضرب بعد فشل تحقيق الإصلاح بالوسيلتين السابقتين ، موضحا أن الذين يهاجمون هذه الوسيلة ويتهمونها بأية اتهامات بأنها تحط من قيمة المرأة هم يتناقضون مع صريح القرآن الكريم قال تعالى }واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا | .

وعلى ذلك يؤكد د. عثمان أن إنكار الضرب وادعاء انه لم يرد في الشرع او مهاجمته كاحدى الوسائل في معاملة الزوج مع زوجته هو إنكار أمر معلوم من الدين بالضرورة، لكنه أيضا يدعو للوقوف عدة وقفات أهمها انه إذا أثبتت الوسائل الاخرى قدرة في إقناع الزوجة بحقوق زوجها ففي هذه الحالة يمنع الضرب ولا يجوز شرعا ، علينا أن نحذو حذو رسولنا الكريم في هذا الشأن فهو لم يضرب امرأة قط ، بل انه من القواعد العامة في الشريعة ومفاهيمها انه ما أكرم المرأة إلا كريم وما أهانها إلا لئيم . ويضيف د. عثمان أن بعض النساء لا يجدي معهن الضرب فقد يكون الضرب عبثا وتعديا على المرأة في هذه الحالة دون مبرر ودون أمل في إصلاح حالها . كما أكد انه لا يجوز أن يضرب الزوج زوجته ضربا مبرحا لأن ذلك يعطي المرأة الحق في مقاضاة زوجها أمام القضاء ، فالضابط في استخدام الضرب هو أن يكون الزوج قد يئس من الوسيلتين السابقتين وان يستخدم الضرب بالطريقة التي يؤدب بها الأب ابنته فكما أن الأب يتسم بالرحمة والعطف على ابنته واحترامها ولا يريد إيذاءها فكذلك يجب أن يكون سلوك الزوج مع زوجته إذا لجأ إلى هذه الوسيلة ويجب عليه أيضا أن يتفهم سلوك زوجته فبعض النساء إذا ضربت من زوجها فلا تتحمل هذا إطلاقا ، وقد تطلب الطلاق فعليه إذن أن يوائم بين الأمور ، وليس كل أمر مباح يستعمله الإنسان في أي وقت ، فالعقل والحكمة يقتضيان المواءمة في الظروف . ويؤكد د. عثمان انه من الثابت علميا أن بعض النساء لا يصلحن إلا بالضرب وهذه حقيقة يؤكدها علماء النفس والاجتماع ، ولكن هذه الحقيقة تنطبق على نوعية شاذة وقليلة من النساء ولا ينبغي أن يعامل الزوج زوجته بوسيلة قد تباح في بعض الأوقات بأنها وسيلة أصلية للتعامل بينه وبين زوجته ، بمعنى انه لا يلجأ إليها إلا اضطرارا.



قربة التودد

يقول الدكتور محمد داوود أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس وعميد معهد معلمي القرآن الكريم ، مسألة الضرب شبهة أدى إليها سوء الفهم من جانب ، وإساءة استخدام هذه المسالة من البعض الأخر والإسلام أوصى بإكرام المرأة وجعل مقياس خيرية الرجل علي قدر إكرام زوجته . فقد قال رسولنا الحبيب (صلى الله عليه وسلم) “ خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي “ والنبي ( صلى الله عليه وسلم) في بيانه انه حبب إليه من دنياه ثلاث من بينها النساء فالمرأة يحبها زوجة وأما وعالمة ومشاركة في تنمية المجتمع . ونرى كذلك أن الإسلام الحنيف يوصي من خلال هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) بأن أفضل القربات إلى الله من الأزواج التودد إلى الزوجات بأن يضع اللقمة في فمها ، وان يحسن إليها الحديث إذا تحدث زان حديثه معها..و يعاملها معاملة كريمة . وهذا يعني أن الأصل في السياق هو الإكرام وحسن العشرة والتودد والتراحم فإذا ما حدثت مخالفة أو نشوز من الزوجة فإذا جاءت النظرة من الزوج فإنها قد تكفي لعتابها فلا حاجة للكلام ، وفي بعض المواقف قد تحتاج الزوجة إلى توضيح أو إلى موعظة فينبغي على الزوج ألا يبخل عليها بهذا الجانب ، وبعض الزوجات قد يصلحهن تحريك مشاعرها وعواطفها في جانب أنوثتها فيكون الهجر هو العتاب الذي يصلح الحال ، فنفوس النساء مختلفة ، وهناك فئة قليلة ونادرة في المجتمع لا يصلحها كل ما مضي من الأساليب ولا يصلحها ولا يحرك مشاعرها إلا الضرب ، ولكن ليس الضرب المعهود عندنا ، فالضرب في الإسلام مسالة رمزية وشكلية لتحريك المشاعر فقط ، فكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يمارسه بالسواك وهو عود خشبي من الأراك في حجم القلم الذي نكتب به ، ولا يوجد لكنه لون من تأنيب المشاعر فلا يضرب بيده ولا على الوجه ولا بعصى ولا بأي شيء يمكن أن يحدث إيلاما في جسد المرأة ، فالضرب مسالة رمزية ، وهي كما يقول العرب “ آخر الدواء الكي “ بمعنى انه لا يتم اللجوء إلى الضرب إلا في حدود نادرة جدا وبعد استنفاد كل الوسائل . وعلينا أن نستعين بالتطبيق العملي لما ورد بالقرآن في هذا الشأن اقتداء ببيت النبوة ، حيث لم يكن الكلام يدور في معاملة النساء عن الضرب وانما كان الحديث والسلوك عن الإكرام والتودد وحسن العشرة . فالمفهوم الاسلامي مغاير في العلاقات الإنسانية حيث أن العلاقة الخاصة بين الزوج وزوجته في الفراش هي يأتيها الإنسان لأجل متعة خالصة لكن في الإسلام يثاب المرء في اجتهاده فيها بنية إسعاد وإرضاء الزوجة . وهذا يعني أن المعاملة الزوجية الراقية في الإسلام تعني أن الضرب يكون في حدود ضيقة ووفق شروط معينة.



اهانة المرأة

ويضيف د. داوود ، أن الطامة الكبرى في المسلمين الذين لا وعي لهم فيسيئون استخدام هذه الوسائل فيكونون صورا غير مشرفة للإسلام ومرآة غير صادقة لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، لكن الإسلام لا يتحمل هذه التراكمات من العادات والتقاليد الموروثة التي تهين المرأة وتتنافى مع هدي القرآن وسنة النبي (صلى الله عليه وسلم) في وصيته بالنساء “ لا يكرمهن إلا كريم ولا يسيئ إليهن إلا لئيم “ . إذن فما نراه من إساءة للنساء في حياتنا المعاصرة من بعض الأزواج هو لون من اللؤم الذي نهى عنه الرسول(صلى الله عليه وسلم).

وأوضح د. داوود ، أن الذين ينادون بتعديل هذا الهدي القرآني يجب أن يعرفوا أن العيب ليس في هذا التشريع الرباني ولكن العيب فيمن يسيء استخدامه وهؤلاء المسيئون مطالبون بتغيير سلوكهم وفقا للأمر الإلهي .

ويتابع د . داوود أن الإسلام يبيح للمرأة التي يتجاوز زوجها في معاملتها ويقسو عليها ويبرحها ضربا بأن تقاضيه وذلك مصداقا لقوله تعالى }ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف |

تؤكد د. آمنة نصير العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية أن قضية ضرب المرأة لها أبعاد ومقدمات ومقومات، فمن حيث الأبعاد فإنه عندما ينشب أي نشوز بين الزوجين فيجب أن تلجأ المرأة إلى حكم من أهلها وحكم من أهله على أن يتوافر في كلا الحكمين معايير الحكمة والصدق والسمعة الطيبة، وهذا ينبئ أن الإسلام قد وضع روشتة شافية لعلاج المشكلات الزوجية في البيت قبل أن تتطور الأمور إلى مد اليد.

وتضيف د. آمنة قائلة: إن هذه القضية إنسانية بالأساس وتوجد في كل المجتمعات بين البشر، ولكن يجب أن يسبق الضرب الذي جاء في الآية القرآنية، والتي يثور عليها الكلام وتحدث المطاعن، يسبق الموعظة ثم الهجر وكلاهما له ضوابط وإذا فشلا فيصبح الضرب إحدى الوسائل حماية للبيت من الإنهيار فوق رؤوس الأطفال.



شروط الضرب

وتشير د. آمنة، الى أن الضرب له مقومات أدائية منها أن الزوج لا يضرب الوجه، ولا يقبح المرأة بفحش القول ولا يكون ضربه لها موجعاً ومهينا لكرامتها وهذا ما نجده في توصية رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) وتعجبه من الرجل الذي يلجأ إلى الضرب بسهولة وبدون دواعي فيقول (صلى الله عليه وسلم) « أعجب برجل أن يضرب زوجه بالنهار ثم يأتي آخر النهار ويضاجعها » وهذا تحذير وتبكيت من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للرجل الذي يستسهل وسيلة الضرب، فهذه الوسيلة كما قلت وكما أكد الإسلام الذي أنقل عنه، بأنه ضرب ولو بسواك الأسنان كأنه يشير إليها ويحذرها من إنهيار البيت، وليس الضرب الذي يكسر الضلع ويهين النفس ويقطع شرايين المودة بين الزوجين.

وتستعين د. آمنة، بعلم النفس حيث تجد فيه أن وسيلة الضرب بالمقومات التي أشار إليها الإسلام أمر تحتاجه في بعض الأحيان نوع معين من النساء اللواتي لا يرتدعن ولا يتجنبن هدم البيت الاسرى. وتوضح د. آمنة أن واقع الحياة البشرية وبالنظر إلى المجتمع الأوروبي الذي لا يكف عن تسديد اللوم والتجريح لنا ولديننا، نجد فيه ألاف الجمعيات التي تقف فيه أمام ضرب النساء حيث أكدت الإحصائيات أن هناك آلاف النساء يضربن في أوروبا ضرباً يدخلهن للعلاج في المستشفيات.

هذا يعني أن هذه قضية بشرية قد يسعى بعض الناس إلى علاجها بهذه الوحشية، ثم عندما يأتي الإسلام ويجعل لها ضوابط أخلاقية لحماية الأسرة من الانهيار يأتي التقريع واللوم والعتاب وكأن الإسلام جاء بأمر لا يمارس في هذه المجتمعات.