نجحت إسرائيل في تســــويق نفسها كضحية للعالم الغربي، ولا أفهم لماذا لم يوفق العرب في القيام بمهمة مشابهة رغـــم أنهم لا يحتـــاجون إلى تصنــــع أو افتعال أو استدعاء تـــاريخ منقرض، والـــــرأي العام الأمريكي، على سبيل المثال، يتعــــاطف مع إسرائيل أكثر من الإعلام، والكلام السابق ليس لي حتى لا اتهم، وإنما ذكرته انماري دانيال في مقالة علمية(1997) وكتب ديفيد البرت(2007) بأن التزام أمريكا بالمصالح الإسرائيلية يقوم على قاعدة المشترك الديني والسياسي والثقافي والاقتصادي، إضافة إلى الشراكة في مواجهة عـــدو واحد بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والمعروف لا يعرف طبعا، والقواسم المشتركة تؤثر، بدون شك، في التعامل مع المختلف أو الآخر المرفوض، وتمارس دورا أساسيا في رسم الألويات والزوايا المطلوبة في تغطية أخباره، والعلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة استراتيجية ومهمة، ويمكن الوقوف عليها من وجهة نظر ارون ميلر(2008) في حجم الدعم الذي تمنحه الأولى للثانية على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية.
الإرهاب هو الآخر لم يسلم من هذه المعادلة المصلحية، والدليل مذبحة الحرم الإبراهيمي التي نفذها بارلوخ جولدشتاين فجر الجمعة 15 رمضان 1414 أو بالتقويم الغريغوري 25 فبراير 1994 وقتل في المذبحة 25 مصليا وجرح مائة وخمسين قبل أن يقتل باروخ على يد مصلين آخرين، وتوقيت المذبحة له دلالة دينية توراتية لأنه تزامن مع عيد «بوريم» اليهودي، وجولدشتاين مستوطن يهودي من مواليد أمريكا وعمل طبيبا في جيش الدفاع الإسرائيلي، وكان يقيم في مستوطنة «كريات أربع» القريبة من الحرم الإبراهيمي الشريف، والإعلام الأمريكي انحاز في الحادثة المذكورة إلى التعريفات الإسرائيلية وحاول تبريرها، وركز على الفكرة الإسرائيلية المدارة بمعرفة اسحاق رابين وزملائه والشارع الإسرائيلي واليهود الأمريكيين، ووصفهم له بأنه حالة شـاذة و شخص مأزوم نفسيا ومتهور، و أنه مختل عقليا ومتطرف ولايمثل ثقافة إسرائيل وقناعتها، والمتشددون اعتبروه «بطلا قوميا» أو أن تصرفه، في أحسن الأحوال، جاء كردة فعل طبيعية على العنف الفلسطيني المتكرر، والنغمة الأخيرة بالمناسبة مستمرة إلى اليوم وتستخدم دائما لتبرير التجـاوزات الإسرائيليـــــة، ويحسب للحادثة أنها نقلت إسرائيل من موقع الضحية إلى موقع الجلاد ولو مؤقتا، والإعلام الأمريكي نفســـه سجل سابقة غير معتادة، وأعطى الفلسطينيــين و ياسر عرفات فرصة تفسير تصرف جولدشتاين، وهـــــم قـالوا بأنه نتيجة متوقعة للسياسة المتطرفة، والايديولوجية العنصرية المعمول بها في الدولة الإسرائيلية، ولعل الفارق أن الموقف أو الرأي الفلسطيني، لم يعط المساحة والحضور الكافي، مقارنة بوجهة النظر الإسرائيلية، ونشر غلين فرانكل في جريدة «الواشنطن بوست» يوم 26 فبراير 1994 إن الحرب في الشرق الأوسط، حسب التعريف الأمريكي في تلك الأيام، ليست بين العرب واليهود وإنما بين المعتدلين والمتشددين، و لا أدري لماذا لم يوصف فعله بـ «الإرهاب» مع أن شروطه مكتملة هنا، أو ربما لأن 11 سبتمبر لم يكن موجودا في ذلك الوقت، وقد قال غريغ فايلو ومايك بيري في إصدارهما المشهور بعد سبتمبر: أخبار رديئة من إسرائيل(2002) إن الإعلام الغربي يهتم بالإرهاب والاختلافات الدينية، ويستخدمها كثيرا في طروحاته وتفسيراته للعنف الفلسطيني، ويقلل من الدور الأساسي للاحتلال في هذا العنف.
الإعلام الغربي عموما يضع تجاوزات إسرائيل ضد الفلسطينيين في خانة رد الفعل والعكس غير صحيح، بل ويجوز أن أقول بأن شبكة «بي بي سي» صاحبة النزاهة والمصداقية العالية لم تسلم من الوقوع في هذا الخطأ المهني الفادح، والزيادة أن معظم المراسلين الغربيين ينقلون أخبارهم عن الصراع من إسرائيل وليس من الضفة والقطاع، وقرأت بأن الإعلام الغربي يستعين أكثر بالإسرائيليين كمصادر للأخبار، وذكر روبرت غانز (2004) بأن المصدر يلعب دورا في توجيه الخبر وتحديد مساراته واختياراته، كما أن قدرة الآلة الإعلامية في إسرائيل، لا تقارن بأي حال مع الإمكانات المتواضعة للفلسطينيين، ما يعني أن مسألة الحياد ومراجعة الحقائق قد لا تكون متاحة لأسباب «لوجستية».
أسجل في النهاية معلومات مفيدة للقارئ، فالانتفاضة الفلسطينية الأولى بدأت في سنة 1987 والثانية في سنة 2000، واليهود لجأوا إلى الأراضي الفلسطينية ابتداء من ثمانينات القرن التاسع عشر، للهروب من الإعدامات التي كانت تلاحقهم في أوربا وروسيا، والسابق على ذمة غريغوري ماهلر في كتابه: السياسة والحكومة في إسرائيل (2004) وحرب 1948 مثلما يقول فيليبس بنيس (2007) تسببت في تشريد سبعمائة ألف فلسطيني وتحويلهم إلى لاجئين في دول كثيرة، ومن ثم مطالبتهم بـ «حق العودة» أمام تعنت إسرائيلي مستمر، والحرب ألغت تنفيذ حل الدولتين الذي أصدرته الأمم المتحدة في سنة 1947، وأرقام اللاجئين الفلسطينيين ارتفعت بعد حرب 1967، ومن حسنات الحرب الثانية على إسرائيل أنها سهلت احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وبناء المستوطنات فيها، قبل تسليمها للسلطة الفلسطينية المشلولة تماما حاليا، وترى بعض الأدبيات الإعلامية المتفائلة بأن الصحافة المطبوعة قدمت للصراع على طريقة المواجهة بين «ديفيد» و «غالاياث» أو «داود» و «جالوت» في الديانات الإبراهيمية، ولكم أن تخمنوا الشخصية المعبرة عن الفلسطينيين في هذه المواجهة غير المتكافئة والعبقرية في نتائجها...!
binsaudb@yahoo.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة
الإرهاب هو الآخر لم يسلم من هذه المعادلة المصلحية، والدليل مذبحة الحرم الإبراهيمي التي نفذها بارلوخ جولدشتاين فجر الجمعة 15 رمضان 1414 أو بالتقويم الغريغوري 25 فبراير 1994 وقتل في المذبحة 25 مصليا وجرح مائة وخمسين قبل أن يقتل باروخ على يد مصلين آخرين، وتوقيت المذبحة له دلالة دينية توراتية لأنه تزامن مع عيد «بوريم» اليهودي، وجولدشتاين مستوطن يهودي من مواليد أمريكا وعمل طبيبا في جيش الدفاع الإسرائيلي، وكان يقيم في مستوطنة «كريات أربع» القريبة من الحرم الإبراهيمي الشريف، والإعلام الأمريكي انحاز في الحادثة المذكورة إلى التعريفات الإسرائيلية وحاول تبريرها، وركز على الفكرة الإسرائيلية المدارة بمعرفة اسحاق رابين وزملائه والشارع الإسرائيلي واليهود الأمريكيين، ووصفهم له بأنه حالة شـاذة و شخص مأزوم نفسيا ومتهور، و أنه مختل عقليا ومتطرف ولايمثل ثقافة إسرائيل وقناعتها، والمتشددون اعتبروه «بطلا قوميا» أو أن تصرفه، في أحسن الأحوال، جاء كردة فعل طبيعية على العنف الفلسطيني المتكرر، والنغمة الأخيرة بالمناسبة مستمرة إلى اليوم وتستخدم دائما لتبرير التجـاوزات الإسرائيليـــــة، ويحسب للحادثة أنها نقلت إسرائيل من موقع الضحية إلى موقع الجلاد ولو مؤقتا، والإعلام الأمريكي نفســـه سجل سابقة غير معتادة، وأعطى الفلسطينيــين و ياسر عرفات فرصة تفسير تصرف جولدشتاين، وهـــــم قـالوا بأنه نتيجة متوقعة للسياسة المتطرفة، والايديولوجية العنصرية المعمول بها في الدولة الإسرائيلية، ولعل الفارق أن الموقف أو الرأي الفلسطيني، لم يعط المساحة والحضور الكافي، مقارنة بوجهة النظر الإسرائيلية، ونشر غلين فرانكل في جريدة «الواشنطن بوست» يوم 26 فبراير 1994 إن الحرب في الشرق الأوسط، حسب التعريف الأمريكي في تلك الأيام، ليست بين العرب واليهود وإنما بين المعتدلين والمتشددين، و لا أدري لماذا لم يوصف فعله بـ «الإرهاب» مع أن شروطه مكتملة هنا، أو ربما لأن 11 سبتمبر لم يكن موجودا في ذلك الوقت، وقد قال غريغ فايلو ومايك بيري في إصدارهما المشهور بعد سبتمبر: أخبار رديئة من إسرائيل(2002) إن الإعلام الغربي يهتم بالإرهاب والاختلافات الدينية، ويستخدمها كثيرا في طروحاته وتفسيراته للعنف الفلسطيني، ويقلل من الدور الأساسي للاحتلال في هذا العنف.
الإعلام الغربي عموما يضع تجاوزات إسرائيل ضد الفلسطينيين في خانة رد الفعل والعكس غير صحيح، بل ويجوز أن أقول بأن شبكة «بي بي سي» صاحبة النزاهة والمصداقية العالية لم تسلم من الوقوع في هذا الخطأ المهني الفادح، والزيادة أن معظم المراسلين الغربيين ينقلون أخبارهم عن الصراع من إسرائيل وليس من الضفة والقطاع، وقرأت بأن الإعلام الغربي يستعين أكثر بالإسرائيليين كمصادر للأخبار، وذكر روبرت غانز (2004) بأن المصدر يلعب دورا في توجيه الخبر وتحديد مساراته واختياراته، كما أن قدرة الآلة الإعلامية في إسرائيل، لا تقارن بأي حال مع الإمكانات المتواضعة للفلسطينيين، ما يعني أن مسألة الحياد ومراجعة الحقائق قد لا تكون متاحة لأسباب «لوجستية».
أسجل في النهاية معلومات مفيدة للقارئ، فالانتفاضة الفلسطينية الأولى بدأت في سنة 1987 والثانية في سنة 2000، واليهود لجأوا إلى الأراضي الفلسطينية ابتداء من ثمانينات القرن التاسع عشر، للهروب من الإعدامات التي كانت تلاحقهم في أوربا وروسيا، والسابق على ذمة غريغوري ماهلر في كتابه: السياسة والحكومة في إسرائيل (2004) وحرب 1948 مثلما يقول فيليبس بنيس (2007) تسببت في تشريد سبعمائة ألف فلسطيني وتحويلهم إلى لاجئين في دول كثيرة، ومن ثم مطالبتهم بـ «حق العودة» أمام تعنت إسرائيلي مستمر، والحرب ألغت تنفيذ حل الدولتين الذي أصدرته الأمم المتحدة في سنة 1947، وأرقام اللاجئين الفلسطينيين ارتفعت بعد حرب 1967، ومن حسنات الحرب الثانية على إسرائيل أنها سهلت احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وبناء المستوطنات فيها، قبل تسليمها للسلطة الفلسطينية المشلولة تماما حاليا، وترى بعض الأدبيات الإعلامية المتفائلة بأن الصحافة المطبوعة قدمت للصراع على طريقة المواجهة بين «ديفيد» و «غالاياث» أو «داود» و «جالوت» في الديانات الإبراهيمية، ولكم أن تخمنوا الشخصية المعبرة عن الفلسطينيين في هذه المواجهة غير المتكافئة والعبقرية في نتائجها...!
binsaudb@yahoo.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة