-A +A
صلاح الدين الدكاك
* هل الحب حالة رفاه؟ أم حالة شظف؟ هل هو عاطفة علوية محايدة تتنزل على القصر وعلى الكوخ بنفس الدرجة من السخاء والغزارة؟ هل هو روح تخفق خلف الأضلاع الناتئة الهشة وخلف الصدور الممتلئة المنعمة، بالقدر ذاته من الدفق والعنفوان؟! أم هو كائن مادي مدجج بحملة شروط باهظة يفاضل بين الأمكنة والأجساد، ويملي مواصفاته بذائقة نبلاء القرون الوسطى؟ّ
- يثير الاغتراب بدافع الكسب وتحسين الدخل، مشاعر ملتبسة متنافرة، تمثل التساؤلات الآنفة، محاولة لفض الاشتباك بينهما؟! فبينما كان المغتربون اليمنيون من جيل السبعينيات يقضون سنوات الغربة في مهب حناجر الفنانين التي تتوسلهم أن يعودوا ليخمدوا نيران أشواق لا تطفئها الأوراق المالية، يعيش الجيل اللاحق من مغتربي التسعينيات في مرمى وابل من رسائل (( SMS )) التي تذكرهم بمواعيد التحويل المالي وتحثهم على المرابطة والصمود لأطول فترة ممكنة في الغربة.
- (( الرومانسيات السبعينية )) المتخففة من كل اشتراط مادي، وتبحث ـ فقط ـ عن (( أوضة فوق السطوح )) بحسب العبارة المصرية الذائعة، صارت اليوم مثار سخرية الكثيرين ونهباً للتهكمات والنكات، وإذا كان لا مناص من عودة المغتربين، فليعد ـ لكن ـ بـ(( لبن العصفور)).
- سابقا كان أقارب ومحبو المغترب يتحسسون مناخه النفسي في الأغاني المهداة و(( ما يطلبه المستمعون )).
ولاحقا يتشممون أخباره في دكاكين ومحلات الصرافة. كان عاشقاً يكافح على وعد الوصال وأصبح شيكا يحترق طمعا في الستر والزواج .
- ترى هل كان فنانو زمان سيغنون أغاني الغربة الملتاعة، لولا حالة الرفاه النسبي المتأتية من حوالات المهجر؟! إن الفن نفسه بحاجة إلى (( البنكنوت والمزاج الرايق )) ليزدهر.. والفنانون الذين حزموا حقائبهم باكراً هم وحدهم من يمطرنا اليوم بعطاء لا ينقطع، فيما يذوي (( بلبل اليمن )) ومطربها الكبير (( أيوب طارش )) في دهاليز وزارة الخدمة المدنية، ويتكئ على (( عشرين ألف ريال )) معاش تقاعدي.
واحدة من أسوأ مشكلاتنا تكمن في أن سفينة عواطفنا لا تسير في مناخ مادي مؤات، لذا فإننا نرغم في نهاية المطاف على المقامرة بالقلب مقابل المحفظة، وبحمولتنا العاطفية مقابل كيس القمح، ويصبح الوطن هو المعادل الموضوعي للجوع والذبول وموت الموهبة.
- يجسد الروائي اليمني الراحل محمد عبد الولي هذه الجدلية في واحدة من أروع نتاجه القصصي، فبعد سنوات ثقيلة من اللهفة والهجر وانقطاع الأخبار تتفاجأ بطلة القصة بعودة زوجها.. لكن محمولاً على نعش، فتصرخ بهياج عاطفي ملتبس: (( ليته لم يعد )) .
Salah_Aldkak@yahoo.com




للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 216 مسافة ثم الرسالة