هذا العنوان جزء من الآية الكريمة التي تنص على أن «ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم» {الحشر:7} أي: كيلا يكون الفيء دولة بين الأغنياء دون الفقراء، والفيء هو المال الذي يقع في أيدي المسلمين الفاتحين دون قتال، والدولة هو الشيء الذي يتداوله القوم بينهم يكون لهذا مرة ولهذا مرة، والمقصود هنا هو ألا يسمح للأغنياء بالاستئثار بأموال الفيء من دون الفقراء وتداوله فيما بينهم.
ويعمم كثير من علماء المسلمين هذه القاعدة على كافة الأموال التي تقع تحت سلطة أية دولة تعتمد الإسلام دينا ومنهج حياة. ويسحب بعض العلماء هذه القاعدة أيضا على المناصب الإدارية في البلد المسلم بحيث يحظر على الشخص الواحد أن يجمع بين أكثر من منصب في نفس الوقت لما يترتب على ذلك من سلبيات كثيرة منها تركز الدخل المتحصل من شغلها في أيد قليلة.
وقد يدفع البعض بأن الضرورة قد تقتضي جمع بعض الوظائف في يد واحدة أو في أيد قليلة بغرض إصلاح الأجهزة التي تفسد ويبدو فسادها واضحا وتحتاج إلى تدخل عاجل من شخصية عامة مؤثرة أو قيادية عليا قادرة على الإصلاح وتصحيح المسار. ولكن هذا الدفع لا يمكن أن ينسحب على الوظائف الإدارية غير السيادية سواء منها المالية أو غيرها التي يمكن أن تشغل بأكثر من شخص على نفس القدر من التأهيل والكفاءة.
والملاحظ في العالم العربي والإسلامي أن هناك مجموعات متماسكة الأيادي في مواقع الإدارة والمال على أسس مختلفة إما عائلية أو مناطقية أو حزبية أو مصلحية. وجل همها أن تجمع أقصى ما يمكن جمعه من أموال والاستئثار بها دون الآخرين. ولقد أدى ذلك إلى تناقضات اقتصادية واجتماعية تخطت حدود التفاوت الدخلي إلى تجاوز كافة الاعتبارات الاجتماعية الأخرى في تصنيف السلم الاجتماعي وإفراز تقسيم طبقي حديدي أشبه ما يكون بالتقسيم الطبقي الإبراهيمي الهندي غير القابل للاختراق، ليشمل حتى العلاقات الإنسانية وقواعد الاتصال والتواصل الاجتماعي بما فيها التزاوج ليعاد تعريفها من جديد على أسس دخلية.
والحقيقة أن العرب والمسلمين لا ينفردون بهذا التوجه عن غيرهم من الأمم خاصة في المجال الاقتصادي. بل يمكن الزعم بأن مثل هذا التوجه غير الإسلامي مستورد من (العالم الأول) الذي أنشأ في القطاعات الاقتصادية والتجارية ما يعرف بـ(المجموعات الاقتصادية) حتى يتمكن شخص واحد من الاستئثار بتملك أو رئاسة مجموعة شركات ومؤسسات مالية وإدارتها عن طريق مجموعة من المساعدين الذين يتسمون جوازا بـ(المدراء) دون منحهم الصلاحيات الكافية اللازمة لإدارة شركاتهم ضمن المجموعة باستقلالية كافية عن المالك أو رئيس مجلس إدارة المجموعة. ونظام المجموعات هذا لا يتعدى في الحقيقة محاولة للالتفاف على قوانين مكافحة الاحتكار حتى لا تتعرض مؤسسة الأعمال للتفكيك أو للتحجيم.
ولكن يمكن القول بأن (رب ضارة نافعة)، فقد كشفت الأزمة الاقتصادية العالمية عن خلل كبير في منظمات الأعمال الكبيرة المتشعبة التي تخضع لمدير واحد مما أدى لإفلاس أهمها وأكبرها وفي مقدمتها شركة (جنرال موترز) التي اضطرت الحكومة الأمريكية على إجبارها على إعلان إفلاسها بعد مناشدة الرئيس أوباما لرئيس مجلس إدارتها أن يستقيل في سابقة لم تحدث في التاريخ الاقتصادي الأمريكي. وتدرس الحكومة الأمريكية الآن إعادة النظر في نظام الشركات وحظر تولي شخص واحد لأكثر من منصب قيادي واحد.
وليست الشركات الأمريكية والأوروبية وحدها التي تأذت من مثل هذه (الكركبة) للأنشطة الإنتاجية المتناقضة تحت رئاسة (عبقري) واحد، ففي بلادنا تهاوى عدد من هذه الإمبراطوريات الاقتصادية التي تعمل في مختلف المجالات ولا تتوانى عن الدخول في منافسات ضئيلة لا تصلح إلا للمؤسسات والشركات الصغيرة الناشئة، فلا هي تحقق الأرباح المطلوبة ولا هي تسمح للصغار بالنمو، حتى فقدت التركيز والسيطرة على أعمالها الكبيرة قبل الصغيرة وأغلقت كثيرا من شركاتها الفرعية، التي لا تملكها أصلا ولكنها تعطيها اسمها حتى تغلق الطريق على غيرها. وهاهي اليوم تحمل مليارات الدولارات من الديون وتستجدي الصغار قبل الكبار لإعادة الجدولة لتأجيل إفلاسها المحتوم.
ورغم أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي مازالت تعيد النظر في أنظمتها و قوانينها التي يتطلب تغييرها وقتا طويلا في الدوائر التشريعية، إلا أن بعض الدول العربية سارعت إلى التعديل الكلي أو الجزئي فأصدرت الكويت قانون عدم جواز الجمع بين منصبين على المستوى السياسي، وأصدر البنك المركزي الإماراتي مسودة قانون يقضي بعدم تولي مدير بنك إدارة أكثر من بنك واحد. ورغم أن القانون الإماراتي يسمح للشخص الواحد أن يتقلد (5) مناصب إدارية كحد أقصى إلا أنه لا يسمح بتقلد منصب رئيس مجلس الإدارة أو نائب رئيس مجلس الإدارة لأكثر من شركتين.
ويبقى أن نشير إلى أن هناك عوامل أخرى غير تركز الأموال والقرارات في أيد قليلة وما يتبعه من مشكلات اقتصادية واجتماعية، يقتضي النظر بها ضرورة التعجيل بالإصلاح منها أن إبقاء الوضع على ما هو عليه يقضي على إمكانية تطوير كفاءات إدارية وقيادية جديدة وما يتبعه من قهر وتدمير في رأس المال البشري، إضافة إلى ما يولده التركيز على شخص واحد في تولي عدد كبير من المناصب في نفسه من غرور وتصور بأن العمل لا يمكن أن يمضي بدونه، وأن غيره من الناس لا يمكن أن يديروا التنظيمات التي تحت يده، وأن حجم الأسرار التي يطلع عليها تمنع أصحاب القرار الأعلى من عزله أو محاسبته. وخير مثال على ذلك ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية عندما قرر حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نقل رئيس مجلس الدائرة المالية في دبي إلى وظيفة أخرى هي مساعد مدير ديوان الحاكم للشؤون الخارجية، فرد الموظف المنقول على القرار بالاستقالة من شركة ديار للتطوير العقاري التي تمتلك حكومة الإمارة 40 في المائة من رأسمالها، فأتاه الرد بإقالته من كافة مناصبه وعضويته في كافة الشركات والهيئات الحكومية. ولذلك من الأفضل للجميع العمل منذ البداية على توزيع الثروة بين كافة المواطنين وعدم منح القلة منهم امتيازات يعتقدون مع تقادم العهد أنها ملك لهم ولا يمكن لأحد أن ينازعهم فيها إلى أن تصل لحظة مواجهة الحقيقة فتنسيهم قسوة العزل فرحة التمدد بالتعيينات، ولا يتأذى بالنهاية سوى المؤسسات والهيئات التي أخضعت لإدارتهم ..
Altawati@yahoo.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة
ويعمم كثير من علماء المسلمين هذه القاعدة على كافة الأموال التي تقع تحت سلطة أية دولة تعتمد الإسلام دينا ومنهج حياة. ويسحب بعض العلماء هذه القاعدة أيضا على المناصب الإدارية في البلد المسلم بحيث يحظر على الشخص الواحد أن يجمع بين أكثر من منصب في نفس الوقت لما يترتب على ذلك من سلبيات كثيرة منها تركز الدخل المتحصل من شغلها في أيد قليلة.
وقد يدفع البعض بأن الضرورة قد تقتضي جمع بعض الوظائف في يد واحدة أو في أيد قليلة بغرض إصلاح الأجهزة التي تفسد ويبدو فسادها واضحا وتحتاج إلى تدخل عاجل من شخصية عامة مؤثرة أو قيادية عليا قادرة على الإصلاح وتصحيح المسار. ولكن هذا الدفع لا يمكن أن ينسحب على الوظائف الإدارية غير السيادية سواء منها المالية أو غيرها التي يمكن أن تشغل بأكثر من شخص على نفس القدر من التأهيل والكفاءة.
والملاحظ في العالم العربي والإسلامي أن هناك مجموعات متماسكة الأيادي في مواقع الإدارة والمال على أسس مختلفة إما عائلية أو مناطقية أو حزبية أو مصلحية. وجل همها أن تجمع أقصى ما يمكن جمعه من أموال والاستئثار بها دون الآخرين. ولقد أدى ذلك إلى تناقضات اقتصادية واجتماعية تخطت حدود التفاوت الدخلي إلى تجاوز كافة الاعتبارات الاجتماعية الأخرى في تصنيف السلم الاجتماعي وإفراز تقسيم طبقي حديدي أشبه ما يكون بالتقسيم الطبقي الإبراهيمي الهندي غير القابل للاختراق، ليشمل حتى العلاقات الإنسانية وقواعد الاتصال والتواصل الاجتماعي بما فيها التزاوج ليعاد تعريفها من جديد على أسس دخلية.
والحقيقة أن العرب والمسلمين لا ينفردون بهذا التوجه عن غيرهم من الأمم خاصة في المجال الاقتصادي. بل يمكن الزعم بأن مثل هذا التوجه غير الإسلامي مستورد من (العالم الأول) الذي أنشأ في القطاعات الاقتصادية والتجارية ما يعرف بـ(المجموعات الاقتصادية) حتى يتمكن شخص واحد من الاستئثار بتملك أو رئاسة مجموعة شركات ومؤسسات مالية وإدارتها عن طريق مجموعة من المساعدين الذين يتسمون جوازا بـ(المدراء) دون منحهم الصلاحيات الكافية اللازمة لإدارة شركاتهم ضمن المجموعة باستقلالية كافية عن المالك أو رئيس مجلس إدارة المجموعة. ونظام المجموعات هذا لا يتعدى في الحقيقة محاولة للالتفاف على قوانين مكافحة الاحتكار حتى لا تتعرض مؤسسة الأعمال للتفكيك أو للتحجيم.
ولكن يمكن القول بأن (رب ضارة نافعة)، فقد كشفت الأزمة الاقتصادية العالمية عن خلل كبير في منظمات الأعمال الكبيرة المتشعبة التي تخضع لمدير واحد مما أدى لإفلاس أهمها وأكبرها وفي مقدمتها شركة (جنرال موترز) التي اضطرت الحكومة الأمريكية على إجبارها على إعلان إفلاسها بعد مناشدة الرئيس أوباما لرئيس مجلس إدارتها أن يستقيل في سابقة لم تحدث في التاريخ الاقتصادي الأمريكي. وتدرس الحكومة الأمريكية الآن إعادة النظر في نظام الشركات وحظر تولي شخص واحد لأكثر من منصب قيادي واحد.
وليست الشركات الأمريكية والأوروبية وحدها التي تأذت من مثل هذه (الكركبة) للأنشطة الإنتاجية المتناقضة تحت رئاسة (عبقري) واحد، ففي بلادنا تهاوى عدد من هذه الإمبراطوريات الاقتصادية التي تعمل في مختلف المجالات ولا تتوانى عن الدخول في منافسات ضئيلة لا تصلح إلا للمؤسسات والشركات الصغيرة الناشئة، فلا هي تحقق الأرباح المطلوبة ولا هي تسمح للصغار بالنمو، حتى فقدت التركيز والسيطرة على أعمالها الكبيرة قبل الصغيرة وأغلقت كثيرا من شركاتها الفرعية، التي لا تملكها أصلا ولكنها تعطيها اسمها حتى تغلق الطريق على غيرها. وهاهي اليوم تحمل مليارات الدولارات من الديون وتستجدي الصغار قبل الكبار لإعادة الجدولة لتأجيل إفلاسها المحتوم.
ورغم أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي مازالت تعيد النظر في أنظمتها و قوانينها التي يتطلب تغييرها وقتا طويلا في الدوائر التشريعية، إلا أن بعض الدول العربية سارعت إلى التعديل الكلي أو الجزئي فأصدرت الكويت قانون عدم جواز الجمع بين منصبين على المستوى السياسي، وأصدر البنك المركزي الإماراتي مسودة قانون يقضي بعدم تولي مدير بنك إدارة أكثر من بنك واحد. ورغم أن القانون الإماراتي يسمح للشخص الواحد أن يتقلد (5) مناصب إدارية كحد أقصى إلا أنه لا يسمح بتقلد منصب رئيس مجلس الإدارة أو نائب رئيس مجلس الإدارة لأكثر من شركتين.
ويبقى أن نشير إلى أن هناك عوامل أخرى غير تركز الأموال والقرارات في أيد قليلة وما يتبعه من مشكلات اقتصادية واجتماعية، يقتضي النظر بها ضرورة التعجيل بالإصلاح منها أن إبقاء الوضع على ما هو عليه يقضي على إمكانية تطوير كفاءات إدارية وقيادية جديدة وما يتبعه من قهر وتدمير في رأس المال البشري، إضافة إلى ما يولده التركيز على شخص واحد في تولي عدد كبير من المناصب في نفسه من غرور وتصور بأن العمل لا يمكن أن يمضي بدونه، وأن غيره من الناس لا يمكن أن يديروا التنظيمات التي تحت يده، وأن حجم الأسرار التي يطلع عليها تمنع أصحاب القرار الأعلى من عزله أو محاسبته. وخير مثال على ذلك ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية عندما قرر حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نقل رئيس مجلس الدائرة المالية في دبي إلى وظيفة أخرى هي مساعد مدير ديوان الحاكم للشؤون الخارجية، فرد الموظف المنقول على القرار بالاستقالة من شركة ديار للتطوير العقاري التي تمتلك حكومة الإمارة 40 في المائة من رأسمالها، فأتاه الرد بإقالته من كافة مناصبه وعضويته في كافة الشركات والهيئات الحكومية. ولذلك من الأفضل للجميع العمل منذ البداية على توزيع الثروة بين كافة المواطنين وعدم منح القلة منهم امتيازات يعتقدون مع تقادم العهد أنها ملك لهم ولا يمكن لأحد أن ينازعهم فيها إلى أن تصل لحظة مواجهة الحقيقة فتنسيهم قسوة العزل فرحة التمدد بالتعيينات، ولا يتأذى بالنهاية سوى المؤسسات والهيئات التي أخضعت لإدارتهم ..
Altawati@yahoo.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة