-A +A
فتحي عطوة ــ القاهرة
أنهت لجنة الاتحاد الجمركي العربي اجتماعا لها يوم الخميس الماضي بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة، وقررت في ختام اجتماعها حصر ما ورد في اقتراحات الدول العربية لتنفيذ قرار القمة العربية الاقتصادية في الكويت بشأن إقامة الاتحاد الجمركي طبقا لطبيعتها وإحالة كل منها إلى اللجان المختصة لدراستها.
وطالبت اللجنة في ختام اجتماعها العاشر بضرورة التطبيق الكامل لأحكام منطقة التجارة العربية الحرة مع تأكيد ضرورة الشفافية في تطبيق هذه الإجراءات.
وكان كثر الحديث أخيرا عن أهمية التكامل الاقتصادي العربي لمواجهة الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية ولأهمية ذلك في تقوية مكانة العالم العربي بين التكتلات الدولية.
يعد الاتحاد الجمركي العربي مرحلة متقدمة وتالية بعد قيام منطقة التجارة الحرة بالفعل بين 17دولة عربية في العام 2005، كما أنه مرحلة سابقة تهيئ وتعد لاستراتيجية الوصول إلى السوق العربية المشتركة في العام 2020.
ولأهمية هذا الموضوع نحاول إلقاء الضوء على عملية التكامل الاقتصادي العربي، وموقع الاتحاد الجمركي العربي من عملية التكامل العربي، وتأثير ذلك على الاقتصاد العربي بشكل عام. تعد عملية إتمام الاتحاد الجمركي مهمة للغاية في تنمية التجارة العربية البينية التي بدورها تؤدي لزيادة القدرة الإنتاجية للاقتصاديات العربية، وزيادة فرص التشغيل.
بداية يكشف الدكتور أحمد جويلي أمين عام مجلس الوحدة الاقتصادية العربية أن التجارة البينية العربية وخريطة الاستثمار بين الدول العربية ما زالتا تواجهان العديد من التعقيدات البيروقراطية، وأن نسبة التجارة البينية بين الدول العربية لاتزال تتراوح ما بين تسعة في المائة إلى 11 في المائة فقط لا غير، وأن 90 في المائة من التجارة مع الدول الأوروبية.

بصفة عامة يعد الاتحاد الجمركي الخطوة الثانية لعملية الاندماج الاقتصادي بين مجموعة من الدول إذ تشمل عملية الاندماج خمس خطوات أساسية هي :
1. منطقة التجارة الحرة: حيث تعمد البلدان الأعضاء إلى تخفيض الرسوم الجمركية والقيود الكمية بالتدريج حتى نزول بشكل تام وتتم حرية انتقال السلع.
2. الاتحاد الجمركي: ويتميز بإلغاء جميع أصناف التمييزات والحواجز فيما يتعلق بحركة البضائع داخل نطاق الاتحاد، وتوحيد التعرفات الجمركية للدول الأعضاء تجاه العالم الخارجي.
3. السوق المشتركة: التي تشكل درجة أعلى من السير نحو الوحدة الاقتصادية لأن الإلغاء لا يشمل التعرفات الجمركية والقيود فقط أي المبادلات التجارية، ولكن أيضا القيود المفروضة على حرية تنقل عوامل الإنتاج ورؤوس الأموال والأشخاص.
4. الوحدة الاقتصادية: تنسيق السياسات الاقتصادية القومية بين الدول الأطراف بغاية إزالة التمييز الناشئ عن اختلاف هذه السياسات.
5. الاندماج الاقتصادي الكامل: الذي يفترض توحيد السياسات النقدية والمالية والاجتماعية وإنشاء سلطة عليا على صعيد أطراف اندماج تكون متمتعة بسلطة اتخاذ القرارات الملزمة للدول الأطراف.
خطوات التكامل
ولدى العالم العربي رصيد كبير من الاتفاقيات والخطوات نحو التكامل الاقتصادي العربي لكن لايزال المنفذ على أرض الواقع لايرقى لطموحات الشعوب العربية.
أقامت الدول العربية منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945وحتى الآن عددا كبيرا من البنى التشريعية والمؤسساتية التي تهدف إلى تطوير العمل الاقتصادي العربي المشترك بشكل عام وتنمية التجارة البينية بشكل خاص. وتعتبر تنمية التجارة العربية البينية من الأهداف الأساسية التي سعت إلى تحقيقها برامج وخطط التعاون الاقتصادي العربي المشترك منذ إنشاء جامعة الدول العربية. ولقد اتخذت الدول العربية عددا من المبادرات العملية لتحرير التجارة العربية البينية أهمها أبرام الاتفاقيات الثنائية والجماعية، وكانت أول اتفاقية لتسهيل التبادل التجاري وتنظيم تجارة الترانزيت قد وقعت في إطار الجامعة العربية عام 1953، ثم جاء قرار السوق العربية المشتركة الذي صدر عن مجلس الوحدة الاقتصادية العربية عام 1964، ثم اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية عام 1981 ، والتي ترجمت أسس استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك التي أقرتها قمة عمان عام 1980.
واستجابة لقرار قمة القاهرة عام 1996 فقد أقر المجلس الاقتصادي والاجتماعي عام 1997 اتفاقية البرنامج التنفيذي لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وفي عام 1998 بدأ تطبيق منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي جاءت مع حقبة العولمة وقيام منظمة التجارة العالمية عام 1995، بهدف الحد من الآثار السلبية للعولمة على الاقتصاديات العربية، وأقر البرنامج التنفيذي لهذه المنطقة من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي على أن تتحقق خلال 10 سنوات تم اختصارها إلى سبع سنوات تنتهي في مطلع عام 2005، وفقا لمبدأ التحرر التدريجي مع مراعاة أحكام وقواعد منظمة التجارة العالمية، ويقضي البرنامج التنفيذي بتخفيض الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب ذات الأثر المماثل بنسب سنوية مقدارها (10 في المائة) سنويا، مع توفر قواعد المنشأة التي يقررها المجلس الاقتصادي العربي للسلع الخاضعة، فيما سمح بمنح معاملة تفضيلية للدول العربية الأقل نموا.
وبلغ عدد الدول العربية التي انضمت حتى الآن إلى منظمة التجارة الحرة العربية الكبرى (17) دولة عربية هي (المملكة العربية السعودية، مصر، المملكة الأردنية الهاشمية، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، تونس، السودان، سوريا، العراق، سلطنة عمان، فلسطين، قطر، الكويت، لبنان، ليبيا، المغرب واليمن ).
وبحلول عام 2004 بلغ التخفيض التدريجي من الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب ذات الأثر المماثل (80 في المائة) من تلك التي كانت مطبقة في 31/12/1997، وذلك تنفيذا لتوجيهات القمة وقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقم 1431 تاريخ 31/2/2003 والذي حدد نسبة التخفيض التدريجي من الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب ذات الأثر المماثل التي يتم تطبيقها في 1/1/2004 بنسبة (20 في المائة) ليصل إجمالي التخفيض إلى (80 في المائة) من تلك التي كانت عليها في 31/12/1997، وقد زودت الدول الأمانة العامة بعدد من البلاغات الصادرة إلى المنافذ الجمركية بتطبيق هذه النسبة ابتداء من 1/1/2004.
وفيما يتعلق بمشروع قرار الاتحاد الجمركي العربي فقد تقرر في قمة الكويت الاقتصادية في يناير الماضي الانتهاء من استكمال كافة متطلبات الاتحاد والتطبيق الكامل له عام 2015 واتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة من قبل الدول المؤهلة، تمهيدا للوصول إلى السوق العربية المشتركة.
الاتحاد الجمركي
يتكون الاتحاد الجمركي من منطقة اقتصادية تشمل الأعضاء الذين يقومون فيما بينهم بالامتناع عن فرض ضرائب جمركية بين بعضهم البعض أو فرض أي نوع من الضرائب له نفس الآثار أو أي موانع كمية، كما أنهم يطبقون ضرائب جمركية مشتركة عند تعاملهم مع الدول غير الواقعة في نطاق الاتحاد وبتشريع جمركي.
والاتحاد الجمركي حسب تعريف اتفاقية الجات لابد أن يأخذ فى الاعتبار إلغاء جميع القيود على التجارة الخارجية سواء كانت قيودا جمركية أو خلافه بين جميع الدول الأعضاء، وأن يقوم بتوحيد التعرفة الجمركية والتنظيمات الأخرى الخاصة بالتجارة الخارجية مع الدول غير الأعضاء.
ويستلزم تطبيق الاتحاد الجمركي عدة خطوات: أهمها إزالة كافة القيود الجمركية وغير الجمركية المفروضة على التجارة البينية لدول الاتحاد، وإقامة سياج جمركي موحد في شكل تعريفة جمركية مشتركة تجابه بها الدول التكاملية العالم الخارجي، والامتناع عن عقد أي اتفاقات جمركية أو تجارية بين دولة عضو والعالم الخارجي.
من هنا يمكن القول إن الاتحاد الجمركي يشتمل على أربعة مكونات رئيسية مرتبة على الوجه التالي:
ــ وحدة القانون الجمركي والتعرفة الجمركية.
ــ وحدة تداول السلع بين الأعضاء.
ــ وحدة الحدود الجمركية والإقليم الجمركي بالنسبة لبقية دول العالم غير الأعضاء في الاتحاد.
ــ توزيع حصيلة الرسوم الجمركية المفروضة على واردات الدول الأعضاء في العالم الخارجي حسب معادلة يتفق عليها وتتولى توزيع الأنصبة بين الدول الأعضاء.
أهمية الاتحاد الجمركي العربي :
يزيد الاتحاد الجمركي بلا شك التجارة البينية العربية، فمن الملاحظ حتى الآن ضعف التجارة العربية البينية في حدود من 10 في المائة مقابل نحو 70 في المائة في دول APEC و66.7 في المائة في دول الاتحاد الأوروبي. فعلى الرغم من الجهود المبذولة لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي، فأن حجم التجارة العربية البينية خلال عقد الثمانينات شكل ما نسبته ( 7 ــ 8 في المائة) من إجمالي التجارة الخارجية العربية. وخلال عقد التسعينيات فقد بلغت قيمه التجارة العربية البينية عام 1990ما نسبته (9.4 في المائة) من إجمالي التجارة العربية الإجمالية ، و(9.5 في المائة) عام 2002 .
ومن ناحية ثانية يساعد تنفيذ مشروع الاتحاد الجمركي العربي الدول الأعضاء في عدم اللجوء لإبرام اتفاقيات أحادية للتجارة الحرة مع الاقتصاديات الكبرى. وقد لوحظ في هذا الصدد، قيام بعض الدول العربية (الأردن، المغرب، البحرين، عمان) بالتوقيع على اتفاقيات للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة. وقد عمدت هذه الدول على إبرام اتفاقيات للتجارة بصورة منفردة، طمعا منها في الوصول إلى السوق الأمريكية لغرض المساهمة في إيجاد حلول لمشكلاتها الاقتصادية من قبيل البطالة وجلب الاستثمارات.
وأوضحت دراسة قدمت للقمة العربية الاقتصادية التي عقدت في دولة الكويت في يناير الماضي أهمية قضايا توحيد التعرفة الجمركية من أجل إقامة الاتحاد الجمركي، إذ يعتبر الاتفاق على التعرفة الجمركية الخارجية الموحدة حجر الزاوية في إقامة الاتحاد الجمركي.
التجربة الخليجية
شكل قيام الاتحاد الجمركي في الأول من يناير 2003 نقلة نوعية في العمل الاقتصادي المشترك نظرا إلى أن الاتحاد الجمركي يقوم بشكل أساسي على توحيد التعرفة الجمركية وإزالة معوقات التبادل التجاري وتوحيد إجراءات الاستيراد والتصدير ومعاملة المنطقة الجغرافية للدول الست الأعضاء كمنطقة جمركية واحدة. وعلى الرغم من تأخر ولادة الاتحاد الجمركي لدول المجلس، إلا أنه يعتبر اتحادا متقدما من الناحية القانونية، حيث تم الاتفاق مسبقا على أهم عناصره، إذ تنص المادة الأولى من الاتفاقية الاقتصادية بين دول المجلس التي تم التوقيع عليها في قمة مسقط في ديسمبر 2001 على المبادئ الرئيسة التالية للاتحاد الجمركي لدول المجلس:
أـ تعرفة جمركية موحدة تجاه العالم الخارجي.
ب ـ أنظمة وإجراءات جمركية موحدة.
ج ـ نقطة دخول واحدة يتم عندها تحصيل الرسوم الجمركية الموحدة.
د ـ انتقال السلع بين دول المجلس دون قيود جمركية أو غير جمركية.
هـ ـ معاملة السلع المنتجة في أي من دول المجلس معاملة المنتجات الوطنية.
وكما هو واضح من المبادئ التي يقوم عليها الاتحاد الجمركي لدول المجلس، فإن الهدف الأساسي من إقامة ذلك الاتحاد هو تحرير التجارة بين دول المجلس، ولهذا فإن القطاع الخاص في جميع دول المجلس يتأثر بشكل مباشر بقيامه، حيث يسمح لجميع السلع الواردة من دول المجلس الأخرى، سواء كانت وطنية أو أجنبية، بدخول الأسواق المحلية دون تعرفة جمركية ودون معوقات جمركية أو غير جمركية. ويستثنى من ذلك ما تفرضه بعض الدول فيما يتعلق بالمواد المحظورة. كما تحدد القواعد الخاصة بالحجر البيطري والحجر الزراعي التي تضمنها القانون أن الصادران بهذا الشأن معاملة خاصة في حالة الحاجة إلى فرض حجر بيطري أو حجر زراعي.
التجارة البينية
ورغم أن نسب النمو في التجارة البينية في مجلس التعاون في المدى القريب لم يصل إلى تلك النسب التي حققها الاتحاد الأوروبي، لكن في الوقت نفسه تزايدت الاستفادة الفعلية لدول المجلس من قيام الاتحاد الجمركي خلال فترة قيامه القصيرة، وعظمت تجربة الاتحاد الجمركي الخليجي، من حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي، وساهم الاتحاد الجمركي الخليجي في رفع مستوى التبادل التجاري بين الدول بنسبة 25 في المائة، في حين وصل حجم التجارة الحرة إلى نسبة 90 في المائة بين تلك الدول.
و تم إعداد دراسات مفصلة لهذا الغرض قامت بتحليل حجم التجارة البينية في مجلس التعاون خلال الفترة من 1993 إلى 2004، لمقارنة حركة التبادل التجاري بين دول المجلس قبل وبعد قيام الاتحاد الجمركي. وقد كان مفاجئا أن تلك الدراسات وجدت ارتفاعا كبيرا فاق التوقعات في حجم التجارة البينية في دول المجلس بعد قيام الاتحاد الجمركي في الأول من يناير عام 2003. فلقد ارتفع إجمالي حجم التبادل التجاري بين دول المجلس من 11.6 بليون دولار في عام 1993م إلى 20.3 بليون دولار عام 2002م، أي بزيادة 75.5 في المائة خلال السنوات العشر، أو حوالي 7.5 في المائة سنويا في المتوسط. أما بعد قيام الاتحاد الجمركي في الأول من يناير من عام 2003م، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري البيني بمعدل سنوي تجاوز 20 في المائة.