عاد السفير الشاعر عمر كردي إلى «محبوبته» ليوارى جثمانه الثرى في البقيع فجر أمس بعد رحلة طويلة مع الشعر والعمل الدبلوماسي. وبرحيله فقدت الساحة الثقافية أحد شعرائها الذين رسخوا الاتجاه الرومانسي في تجربته الشعرية. والفقيد ــ الذي رحل عن عمر يناهز 70 عاما ــ ولد في المدينة المنورة وتنقل بعد ذلك في عدد من الدول والقارات، وحرص على أن يحمل ديوانه الصادر في 1996 عنوان «محبوبتي» ويقصد بها المدينة المنورة التي شهدت ميلاده وطفولته وأيام صباه، والفقيد ينتمي إلى أسرة مرتبطة بالأدب، حيث كان جده عمر كردي الكوراني قاضيا للمدينة المنورة والمفتي الخاص فيها في مطلع القرن الماضي، وكان شاعرا معروفا أيضا وله ديوان شعري ليس له أثر في الحياة الأدبية اليوم. والراحل تلقى تعليمه الابتدائي حتى الثانوي في المدينة ثم حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1384هـ (1946).
وتقلد الفقيد العديد من المناصب الدبلوماسية كان آخرها سفيرا لخادم الحرمين الشريفين في النمسا ومندوبها الدائم لدى المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة في فينا، وسفيرا للمملكة غير مقيم لدى سلوفينيا.
ومسيرة الراحل حافلة بالعطاء، حيث عمل بعد تخرجه مستشارا قانونيا في وزارة البترول والثروة المعدنية حتى عام 1389هـ ، ثم التحق بوزارة الإعلام كمدير لإدارة الإنتاج الإذاعي في إذاعة جدة حتى عام 1369هـ (1976)، وأعد خلال هذه الفترة برامج للإذاعة منها البرنامج اليومي «مرحبا يا صباح». كما تولى منصب مدير الإدارة الاقتصادية الثنائية في وزارة الخارجية (76 ــ 1984) وعين بعدها قنصلا في سفارة المملكة لدى مصر.
وتدرج في المراتب الدبلوماسية حتى رقي إلى مرتبة سفير (م/15) عام 1415هـ ، وشارك خلال عمله في الوزارة في عضوية العديد من وفود المملكة ولجانها المشتركة مع دول مثل: المغرب، بريطانيا، بلجيكا، سويسرا، ألمانيا، كندا، الصين، وكوريا الجنوبية وذلك في الفترة من (78 ــ 1984).
كما مثل الفقيد المملكة ضمن وفودها في العديد من المؤتمرات الإسلامية بين عامي 77 ــ 1978، إضافة إلى قيامه بأعمال مندوب المملكة الدائم لدى جامعة الدولة العربية في القاهرة لفترة خلت بين تقاعد المندوب الدائم السابق طاهر رضوان وتعيين الاستاذ فؤاد متى مندوبا دائما للمملكة لدى جامعة الدول العربية في محرم 1415هـ (1994)، كما عين سفيرا فوق العادة لدى النمسا في 1418هـ (1997)، ومندوبا دائما للمملكة لدى منظمات الأمم المتحدة العامة في فينا مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمنظمة الدولية للتنمية الصناعية واللجنة الدولية لمكافحة المخدرات والعقاقير المؤثرة، بالإضافة إلى ذلك عين سفيرا فوق العادة ومفوضا وقنصلا عاما غير مقيم للمملكة لدى جمهورية سلوفينيا (في شعبان 1420).
الشاعر والإنسان
وبرغم مهماته الدبلوماسية المتعددة فإنه شاعر غزير الإنتاج وله أربعة دوادوين منها: (لمن يكن هواها) وصدر في 1986 عن دار الفيصل للتأليف والترجمة والنشر، (محبوبتي) وصدر في 1996 عن تهامة، و(هذي حكاياك) عن الدار المصرية اللبنانية، كما تمت طباعة ديوانه الرابع والأخير هذا الأسبوع ولم يتم تسليمه وتوزيعه بعد. وله العديد من الإسهامات الصحافية سواء في صورة مقالات، حيث كتب في «عكاظ» في الفترة 1399 ــ 1401هـ ونشر قصائده الشعرية في معظم الصحف المحلية.
وفي شعر عمر كردي بدءا بديوانه الأول «لمن يكون هواها» وامتدادا إلى ديوانه الجديد «محبوبتي» عشق للإفصاح، وقدرة على البوح، ونزعة روحية صادقة ــ لم يصطنعها الشاعر ولا ادعاها لأنها في دمه وشرايينه، فكيف إذن يخونه دمه؟ كما قال العقاد ــ وريشة مبدعة ألهمت أسرار التصوير والتجسيد للمعنى والفكرة والصورة والظل يختار لها اللون والضوء والمساحة، ويسقط عليها شعاع شاعريته وحرارة إحساسه وانفعاله، ويعكف ــ دون ملل ــ على مراجعة كتاباته وتأملها المرة بعد المرة، ولا يرضى عنها حتى يراها أقرب ما تكون إلى المثال الكامن في نفسه وضميره، عندئذ يدفع بها إلى الآخرين ويأذن لها بالحياة والانتشار.
وعمر كردي ــ الشاعر والإنسان ــ لم ينجح في إقامة أسوار وحدود بين الكائنين فيه، فهو الاثنين معا في الوقت الواحد، وكثيرا ما تداخل الإنسان والشاعر، وحار محدثه بين لذع الشاعر ونبضه وحرارته، ووداعة الإنسان وواقعيته وتجرده، لكن هذا التداخل والاختلاط لا يسبب له رهقا أو مشقة ولا يوقعه في حيرة أو تناقص، فهو في الحالين كل لا ينفصم ولا ينقسم، تنتصر فيه الشاعرية وتتألق الروح وتشف وينتال عشق الفن والجمال.
جماعة أبولو
وفي شعر عمر كردي تتواصل آثار المدرسة الشعرية الرومانسية التي عرفت في الشعر العربي الحديث باسم جماعة أبولو، مع آثار جماعة الديوان وأبرز ملامحها الفتية متمثلة في شعر العقاد، من هنا هذا الحضور الشعري الذي تلفحنا من خلاله أنسام ناجي وعلي محمود طه ومحمود حسن إسماعيل وأضرابهم من شعراء المملكة وبخاصة حمزة شحاته، والعواد وعبد الله الفيصل.
ونتيجة لهذا كله تتراوح تجاربه الشعرية بين الغنائية والدرامية، بين الدوران حول هموم الذات ومطامحها وأشواقها والاتساع لحركة الحياة، والمجتمع والتاريخ، والانفتاح على عالم سريع التغير، شديد الوطأة والحصار، مفعم بقلق الإنسان وصراعاته التي لا تنتهي، ومحاولاته الدائبة لاستشراف المستقبل واستكناه ما يحمله المقبل المجهول.
وعمر كردي يعصمه إيمانه من القلق العميق، ويعصمه انتماؤه إلى مدرسة شعرية رصينة من هرطقة شعرية ونشاز شعري تموج به الساحة في هذه الأيام، ونجح في أن يصون لغته الشعرية عن الخلط والوقوع في الألغاز والإغراب جريا وراء موضة أو ادعاء لحداثة، وأن يصون حقيقته الشعرية عن أن تكون مسباحة لغرض الحياة ومطامعها العابرة ونزواتها المدمرة، وكان إخلاصه للشعر صدى لإيمانه العميق برسالة المحب والجمال وسمو الفن والإبداع.
وكرم الراحل في عدد من المحافل، حيث منحته النمسا وسام التكريم الذهبي في 1426هـ، كما كرمته الجامعة الدولية في النمسا بالدكتوراه الفخرية في القانون تقديرا لخبراته العملية، وللفقيد خمسة أبناء هم: الدكتور مازن أستاذ مساعد جراحة أطفال جامعة الملك عبد العزيز، وسلافة، والدكتور أيمن كردي طبيب أسنان في المستشفى العسكري، وإياد الموظف في منظمة التنمية الصناعية التابعة للأمم المتحدة (يونيدو)، وأحمد الذي لازال طالبا.
وتتلقى الأسرة العزاء في منزل ابنه الدكتور مازن الكائن في حي الروضة (جدة) شمال شرق القنصلية المصرية (شارع ابن الأحنف المتفرع من شارع الكيال)
وتقلد الفقيد العديد من المناصب الدبلوماسية كان آخرها سفيرا لخادم الحرمين الشريفين في النمسا ومندوبها الدائم لدى المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة في فينا، وسفيرا للمملكة غير مقيم لدى سلوفينيا.
ومسيرة الراحل حافلة بالعطاء، حيث عمل بعد تخرجه مستشارا قانونيا في وزارة البترول والثروة المعدنية حتى عام 1389هـ ، ثم التحق بوزارة الإعلام كمدير لإدارة الإنتاج الإذاعي في إذاعة جدة حتى عام 1369هـ (1976)، وأعد خلال هذه الفترة برامج للإذاعة منها البرنامج اليومي «مرحبا يا صباح». كما تولى منصب مدير الإدارة الاقتصادية الثنائية في وزارة الخارجية (76 ــ 1984) وعين بعدها قنصلا في سفارة المملكة لدى مصر.
وتدرج في المراتب الدبلوماسية حتى رقي إلى مرتبة سفير (م/15) عام 1415هـ ، وشارك خلال عمله في الوزارة في عضوية العديد من وفود المملكة ولجانها المشتركة مع دول مثل: المغرب، بريطانيا، بلجيكا، سويسرا، ألمانيا، كندا، الصين، وكوريا الجنوبية وذلك في الفترة من (78 ــ 1984).
كما مثل الفقيد المملكة ضمن وفودها في العديد من المؤتمرات الإسلامية بين عامي 77 ــ 1978، إضافة إلى قيامه بأعمال مندوب المملكة الدائم لدى جامعة الدولة العربية في القاهرة لفترة خلت بين تقاعد المندوب الدائم السابق طاهر رضوان وتعيين الاستاذ فؤاد متى مندوبا دائما للمملكة لدى جامعة الدول العربية في محرم 1415هـ (1994)، كما عين سفيرا فوق العادة لدى النمسا في 1418هـ (1997)، ومندوبا دائما للمملكة لدى منظمات الأمم المتحدة العامة في فينا مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمنظمة الدولية للتنمية الصناعية واللجنة الدولية لمكافحة المخدرات والعقاقير المؤثرة، بالإضافة إلى ذلك عين سفيرا فوق العادة ومفوضا وقنصلا عاما غير مقيم للمملكة لدى جمهورية سلوفينيا (في شعبان 1420).
الشاعر والإنسان
وبرغم مهماته الدبلوماسية المتعددة فإنه شاعر غزير الإنتاج وله أربعة دوادوين منها: (لمن يكن هواها) وصدر في 1986 عن دار الفيصل للتأليف والترجمة والنشر، (محبوبتي) وصدر في 1996 عن تهامة، و(هذي حكاياك) عن الدار المصرية اللبنانية، كما تمت طباعة ديوانه الرابع والأخير هذا الأسبوع ولم يتم تسليمه وتوزيعه بعد. وله العديد من الإسهامات الصحافية سواء في صورة مقالات، حيث كتب في «عكاظ» في الفترة 1399 ــ 1401هـ ونشر قصائده الشعرية في معظم الصحف المحلية.
وفي شعر عمر كردي بدءا بديوانه الأول «لمن يكون هواها» وامتدادا إلى ديوانه الجديد «محبوبتي» عشق للإفصاح، وقدرة على البوح، ونزعة روحية صادقة ــ لم يصطنعها الشاعر ولا ادعاها لأنها في دمه وشرايينه، فكيف إذن يخونه دمه؟ كما قال العقاد ــ وريشة مبدعة ألهمت أسرار التصوير والتجسيد للمعنى والفكرة والصورة والظل يختار لها اللون والضوء والمساحة، ويسقط عليها شعاع شاعريته وحرارة إحساسه وانفعاله، ويعكف ــ دون ملل ــ على مراجعة كتاباته وتأملها المرة بعد المرة، ولا يرضى عنها حتى يراها أقرب ما تكون إلى المثال الكامن في نفسه وضميره، عندئذ يدفع بها إلى الآخرين ويأذن لها بالحياة والانتشار.
وعمر كردي ــ الشاعر والإنسان ــ لم ينجح في إقامة أسوار وحدود بين الكائنين فيه، فهو الاثنين معا في الوقت الواحد، وكثيرا ما تداخل الإنسان والشاعر، وحار محدثه بين لذع الشاعر ونبضه وحرارته، ووداعة الإنسان وواقعيته وتجرده، لكن هذا التداخل والاختلاط لا يسبب له رهقا أو مشقة ولا يوقعه في حيرة أو تناقص، فهو في الحالين كل لا ينفصم ولا ينقسم، تنتصر فيه الشاعرية وتتألق الروح وتشف وينتال عشق الفن والجمال.
جماعة أبولو
وفي شعر عمر كردي تتواصل آثار المدرسة الشعرية الرومانسية التي عرفت في الشعر العربي الحديث باسم جماعة أبولو، مع آثار جماعة الديوان وأبرز ملامحها الفتية متمثلة في شعر العقاد، من هنا هذا الحضور الشعري الذي تلفحنا من خلاله أنسام ناجي وعلي محمود طه ومحمود حسن إسماعيل وأضرابهم من شعراء المملكة وبخاصة حمزة شحاته، والعواد وعبد الله الفيصل.
ونتيجة لهذا كله تتراوح تجاربه الشعرية بين الغنائية والدرامية، بين الدوران حول هموم الذات ومطامحها وأشواقها والاتساع لحركة الحياة، والمجتمع والتاريخ، والانفتاح على عالم سريع التغير، شديد الوطأة والحصار، مفعم بقلق الإنسان وصراعاته التي لا تنتهي، ومحاولاته الدائبة لاستشراف المستقبل واستكناه ما يحمله المقبل المجهول.
وعمر كردي يعصمه إيمانه من القلق العميق، ويعصمه انتماؤه إلى مدرسة شعرية رصينة من هرطقة شعرية ونشاز شعري تموج به الساحة في هذه الأيام، ونجح في أن يصون لغته الشعرية عن الخلط والوقوع في الألغاز والإغراب جريا وراء موضة أو ادعاء لحداثة، وأن يصون حقيقته الشعرية عن أن تكون مسباحة لغرض الحياة ومطامعها العابرة ونزواتها المدمرة، وكان إخلاصه للشعر صدى لإيمانه العميق برسالة المحب والجمال وسمو الفن والإبداع.
وكرم الراحل في عدد من المحافل، حيث منحته النمسا وسام التكريم الذهبي في 1426هـ، كما كرمته الجامعة الدولية في النمسا بالدكتوراه الفخرية في القانون تقديرا لخبراته العملية، وللفقيد خمسة أبناء هم: الدكتور مازن أستاذ مساعد جراحة أطفال جامعة الملك عبد العزيز، وسلافة، والدكتور أيمن كردي طبيب أسنان في المستشفى العسكري، وإياد الموظف في منظمة التنمية الصناعية التابعة للأمم المتحدة (يونيدو)، وأحمد الذي لازال طالبا.
وتتلقى الأسرة العزاء في منزل ابنه الدكتور مازن الكائن في حي الروضة (جدة) شمال شرق القنصلية المصرية (شارع ابن الأحنف المتفرع من شارع الكيال)