ظللت زمنا طويلا، عاجزا عن فهم، أو هضم، مصطلح (الكوميديا الهادفة)، واليوم أجدني أكثر جرأة، واستعدادا للقول إنه مصطلح فارغ، لا يكاد يقول شيئا، إذ أن كل كوميديا (هادفة) بالضرورة، بغض النظر عن علو شأن ذلك الهدف، أو انحطاطه، وحتى إن وجدت كوميديا (غير هادفة)، فإنها بالضرورة هادفة إلى أن لا تهدف إلى شيء، ليس هذا المصطلح الوحيد، الذي يمكنني اليوم، رميه، في سلة المهملات، لكنني سأكتفي به، لأنني أريد التحدث عن (كوميديا) عجيبة يقدمها الفنان أحمد حلمي، تختلف كليا عن أي وكل كوميديا عربية سابقة، وتحديدا فإنني أشفقت على أحمد حلمي بعد فيلمه الرائع (آسف على الإزعاج)، وظننت أنه من الصعب تمكنه من تجاوز هذا الدور بسهولة، إلا أنني صدمت وبفرح غامر ونشوة كبيرة، لما شاهدته في فيلمه الجديد (1000 مبروك)، المستقى من أسطورة يونانية قديمة، وأظن أنه سوف يكون أحد أهم أفلام الموسم، وهو من وجهة نظري واحدا من أهم أفلام الكوميديا العربية على الإطلاق، وفيه يقدم أحمد حلمي أداء تمثيليا ساحرا تختلط فيه الكوميديا بالشجن، وتنطلق منه فكرة عظيمة وخارقة في حكاية يدعمها المخرج (أحمد جلال) بمشاهد سينمائية لاذعة الفتنة، فيتأكد لك أن شيئا من فهمك للحياة يتغير فعليا بعد مشاهدتك للفيلم، وأنك لم تكن قبل المشاهدة كما أنت بعدها: أفقا، وانتصارا للحياة، وإذا كان فيلم (احنا بتوع الأتوبيس) لعادل إمام هو أول فيلم كوميدي سياسي، عربي، فإن (1000 مبروك) هو أول فيلم كوميدي فلسفي، على مستوى السينما العربية، وكما فتح عادل إمام الكوميديا لتقول أشياء لم تقلها من قبل فإن أحمد حلمي أثبت قدرة فائقة على إتمام المشوار وفتح الكوميديا نحو آفاق لم يسبق حتى لعادل إمام الاقتراب منها من قبل، وفي فيلم (1000 مبروك) يتجلى الأمر بإدهاش، يستحق التصفيق وبجرأة، تستأهل التحية، والتقدير لهذا الفنان النحيل القصير الذي أعاد للكوميديا وقارها، وقدرتها على حرث أدمغتنا بأفكار جديدة، وحتى لو أنه ـ و كما قيل لي ـ سبق للسينما الغربية أن تناولت نفس الأسطورة فإنني لا أرى في ذلك ريبا، فالمسألة هنا ليست اقتباسا لكنها تناول جديد لتراث إنساني عتيق يخص الجميع، لن أحكي قصة الفيلم لكن فكرته الفلسفية الرئيسية، تريد القول: إن الإنسان لن يقدر على تغيير القدر، لكنه قادر على تغيير الواقع، وأن هذه الحياة ليست سوى مجموعة من الدوائر الصغيرة، تتحرك في دائرة كبيرة، هذه الدائرة الكبيرة تبدأ بالولادة وتنتهي بالموت، وهما (قدر) لا يمكن تغييره، أما ما بينهما فهي دوائر يمكن تغييرها وتحريكها وإعادة تشكيلها دائما، فهي ليست سوى (واقع) نصنعه بأنفسنا، وعليه فلا يجب أن نحبس أنفسنا فيه، هذه الفكرة الفلسفية العميقة، يتم طرحها بسهولة، وبفيض غامر من الكوميديا الرحبة، والمشاعر الجميلة، والتصوير المتقن، والإخراج شديد الشفافية، والتمكن من أدواته اللازمة، شكرا أحمد حلمي.