-A +A
سلمان بن فهد العودة
قد يحوي هذا المقال عبارات قوية أو قاسية في حق الذين سلكوا سبيل العنف ربما لم يكن من عادتي أن أستخدمها، لكنني أجد نفسي محتاجا إليها الآن لأننا في مواجهة أقوام يتسلحون بالحديد والنار ويستهدفون إزهاق الأرواح وتدمير المجتمعات.
حين كتبت عن تنظيم القاعدة، عاتبني بعض أحبتي وصارحوني بخوفهم علي من كلمات طائشة تقدح في عرضي، أو ما هو فوق ذلك، وكنت أقول إن الأمر يحتاج إلى وضوح ومكاشفة، ولست أخفي أنني لم أشعر بأهمية تذكر للمخاوف التي يتحدثون عنها.

كنت وما زلت أدعو علماءنا ودعاتنا المخلصين إلى تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، ونزع الاسم الرباني المقدس «الجهاد» عن أعمال التنظيمات القتالية التي تقتل الأبرياء، وتزعزع الأمن في بلاد الإسلام، أو في بلاد أخرى بيننا وبينها عهد وميثاق؛ تجب رعايته واحترامه بنص الكتاب العزيز (أوفوا بالعقود) (المائدة: من الآية1)، (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الْأيمان بعد توكيدها) (النحل: من الآية91).
وليس أحد من أفراد الناس مفوضا بنقض الاتفاق، ولا بإعلان الحرب، مهما كانت الأوضاع والظروف والأحوال.
وأنا اليوم أؤكد على أهمية التواصي بالوضوح في إدانة جرائم الفساد في الأرض، التي تمارس باسم الإسلام، أو باسم الجهاد، وكشف الغطاء عنها بأسمائها، سواء تسمت باسم القاعدة، أو تنظيمات الجهاد، أو الجماعات القتالية أو المقاتلة، أو الدولة الإسلامية، ولا تكفي الغمغمة أو التعميم أو الإجمال، وأستثني من ذلك مقاومة المحتل والدفاع عن الوطن كما في الحالة الفلسطينية التي هي محل إطباق وإجماع.
والأمر أبعد من ذلك؛ فالاختراق حادث لفكرنا وثقافتنا ومجتمعنا، ومن هنا أوصي نفسي وإخواني من الخطباء والمتحدثين والكتاب؛ أن نستخدم أوضح الأساليب وأبينها في إنكار هذا المنكر العظيم، الذي فيه سفك الدماء، وتدمير المجتمع، وتشويه الإسلام، وتعويق التنمية، والفساد في الأرض، والعدوان على الأرواح، والعبث بالضروريات الشرعية والإنسانية.
فلا نخلط بذلك حديثا عن منكرات أخرى، ونربط بعضها ببعض مما يوهم بعض الجاهلين أننا نصنع مسوغا أو نلتمس مبررا، لا نعرض بالتكفير أو التفجير حين نعالج منكرا اجتماعيا أو سياسيا أو إعلاميا فنقول: هذا سبب التكفير أو سبب التفجير، امنعوا المنكرات حتى لا تعطوا سببا لتطرف الشباب.
هذه لغة غير جيدة، قد توحي لبعض هؤلاء بأنهم معذورون إذا، إذا رأوا ما لا يعجبهم أن يسلكوا أسلوب العنف.
يجب أن نفصل هذا عن ذاك، وأن نكون حذرين في لغتنا وخطابنا، ويقظين من أن نوصل رسائل سلبية لمثل هؤلاء من دون أن ندري.
وعلينا أن ننأى عن لغة (لكن) الملبسة الموهمة، التي تجعل فئة من الشباب يفهمونها خطأ، وكأن الكلام حمال أوجه، يفسره كل على ما يريد.
المقام مقام فتنة عمياء، كلما قيل انقضت تمادت، كما قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ (كما في سنن أبي داود وأحمد والحاكم وقال صحيح الإسناد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما)، والمسؤول الأول والأكبر عن إطفائها، وكشف الغطاء الشرعي عنها؛ هم العلماء والدعاة المخلصون، الذين لا يخافون في الله لومة لائم، ولا يترددون في تجريم العمل الفاسد؛ مهما كانت كلفته عالية.
ليس مهما أن يدينني هذا أو ذاك بأنني أعمل لصالح جهة أو أخرى، أو أنني «حكومي» لأنني قلت ما لا يحب أن يسمعه، إنني أقولها صريحة يشهد عليها الله، أن هذا الاستنكار هو إحساس إيماني وقناعة عقلية محكمة، لم نمالئ فيها أحدا ولا جهة ولا طرفا، ولسنا مع الحكومات ولا ضدها، ولكننا ضد الانحراف والتخريب والإفساد كله، وضد ما يمارس باسم الدين منه خاصة، كائنة ما كانت التبعة التي تترتب على هذا الإعلان وهذا الاستنكار والإدانة والتجريم.
ليس يهمني خصم يأبى إلا أن يحملني وزرا أنا منه بريء، فالقول الصادع الذي أجهر به، وأقوله بملء فمي؛ هو عقيدة راسخة لم تتبدل ولم تتحول، ولم تختلف، ولكن الحاجة إلى إيضاحها وتكرارها الآن أهم وألزم من أي وقت مضى، بل منذ اندلعت أعمال العنف أصبح الحديث المكرر الملح ضرورة دعوية وتربوية وأخلاقية لكل من يهمه مستقبل هذا الدين ومستقبل هذا الوطن، ومستقبل الأجيال القادمة، والحفاظ على البقية الباقية من استقرار بلاد المسلمين.
ما يجري في الصومال، أو غير الصومال؛ مأساة تبكي لها القلوب، وباسم الإسلام يدمر المدمر ويطحن الطحين وتنشر النشارة، ويتقاتل الناس في الأزقة الخاوية والبيوت الخربة، وتزهق الأرواح وتلفظ الحياة آخر أنفاسها حتى في شهر رمضان.
إنني أقولها صريحة مدوية: إن الله لا يصلح عمل المفسدين، ولا يهدي كيد الخائنين، والذين يقتلون المسلمين باسم الإسلام، أو باسم تطبيق الشريعة؛ لن يفلحوا ولن يصلحوا، وسينالهم عقاب الله تعالى، وسيكونون مثلا لغيرهم، إلا أن يتوبوا قبل ذلك.
إن القاعدة لم تعد هي القاعدة أيام سبتمبر 2001م، فقد تحولت إلى ظاهرة إعلامية، يتشبث بها الكثيرون، ممن يريدون أن يحصلوا على الاسم الرمزي فحسب، وأن يحشدوا الشباب تحت هذه المظلة، وبهذا تغيرت الاستراتيجية، وانفلت الشر من عقاله، وأصبح شظايا في كل مكان ذي صفة محلية، وصدى عالمي، وكأنها (ماركة مسجلة) يحصل عليها من يشاء، ويتحرك باسمها، وإن لم تأخذ صفة التنظيم المحكم الوثيق الصلة ما بين قيادته وقاعدته.
وإنني أدعو الذين لا يزالون يعذرون ويحجمون في خطابهم؛ أن يحسبوا حساب وقوفهم بين يدي الله، وأن لا يحملهم جور سلطانهم، أو تعويق مشروعهم ــ كما حصل في الجزائر ــ أو القطيعة التي تمارسها الحكومات معهم على أن لا يعدلوا، فبالعدل قامت السماوات والأرض، ومن الرحمة بهؤلاء الشباب الأغرار ومن سيلتحق بهم غدا وبعد غد؛ أن نقول لهم: هذا طريق لا يوصل إلى مقصد، ولا يعصم من شر، ولا يقرب من جنة، ولا يباعد من نار، ومن أراد النجاح في الدنيا والنجاة في الآخرة ورضوان الله والجنة؛ فليمسك بعصم الإسلام العظام، وأركانه ومحكماته، وليتوق الفتن، ولا يريقين محجمة دم حرام ولا مشتبه، ولا يفتح لنفسه باب التأويل في المنكرات الصريحة، وأنت بجرأتك على الكبائر الموبقة ترتكب حوبا وجرما أعظم عند الله وفي كتاب الله مما تزعم أنك تنكره، وهذا أعظم ما فعله الخوارج، وقوتلوا لأجله، فلم يكن قتالهم لمجرد التكفير ولا الاعتزال، حتى قاتلوا واستحلوا الدم، وأخافوا السبيل، وهتكوا حرمات الإسلام، فكانوا شر فرق الإسلام بلا منازع، وصح الحديث عنهم عن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ من خمسة أوجه، كما قال الإمام أحمد، وكفرهم بعض أهل العلم، وإن كان الراجح أنهم لا يكفرون.
ليكن هذا حديث الأب مع أسرته، والأم مع أطفالها، والمدرس مع طلابه، والخطيب مع جماعته، والداعية مع مريديه، وليكن إعلان النكير هنا غير مربوط بحملة رسمية، ولا نفير إعلامي، ولا تكليف وظيفي؛ بل إحساس بمهمة ربانية، وأمانة تربوية، ومعالجة دعوية، ليكن مدخلا مناسبا للدعوة إلى التصالح مع النفس ومع المجتمع ومع المخالفين الذين يمكن مد الجسور معهم، والتوصل إلى نقاط مشتركة في حفظ الديانة وإقامة الدنيا، ولنرتق بتفكيرنا من الانتصار للنفس، أو الدفاع عنها، أو الثأر من الخصوم؛ إلى النظر في المصالح العامة والمستقبل، وما تحتاجه الأمة بعوامها وخواصها وحكامها ومحكوميها وأثريائها وفقرائها وصالحيها وفجارها؛ فكل هؤلاء من الأمة، ولهم حق الولاية بقدر إيمانهم، والحديث عن موضوع خطير كهذا لا يجوز أن يشغب عليه بالحديث عن موضوع آخر، قد يكون مثله، أو دونه وله ميدان ومحل آخر، أو رجال مهتمون مختصون.
إنني أدعو بكل حماسة أبنائي الشباب في المواقع الإلكترونية والمجالس، أن يتحاوروا بوضوح حول هذا الموضوع، وأن يتكاشفوا في أسباب التعاطف الخفية وكيف نعالجها، وأن يجتمعوا على المحكمات المسلمة الشرعية القرآنية، والأحاديث الصريحة الصحيحة التي بالغت في التحذير من التكفير والتحذير من القتل والقتال، حتى كانت هذه من آخر وصايا النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ على الملأ في حجة الوداع.
إن بعض فاسدي العقول أصبحوا يتحدثون عن الاغتيال وكأنه سنة نبوية، وهذا انحراف في الفهم وطيش في الأحلام، فهل أذن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ بقتل سادة قريش في مكة أم بقتل المنافقين في المدينة أم بقتل زعماء اليهود أثناء المصالحة، وهل أعطى أحدا أن يكون القانون بيده يحكم بكفر أشخاص ثم ينفذ عليهم العقوبة؟ أي فوضى مدمرة أسوأ من تلك التي يحاول أن يجرنا إليها هؤلاء؟.
إنني أقول ما أعلمه علم اليقين أن هؤلاء الذين شط بهم المسلك لو صار بيدهم من الأمر شيء لأفسدوا وأهلكوا الحرث والنسل وضيعوا وقطعوا وضلوا وأضلوا وفتنوا وافتتنوا لأنهم شاردون عن سواء السبيل، بعيدون عن فهم الشريعة وإدراك مقاصدها، جاهلون بسنن الله في خلقه، ولا يتأتى لهم نصر ولا توفيق، وهذا مما يقطع به من لديه وعي وبصيرة ومعرفة بالنواميس والسنة، ولكنهم يفلحون في إحداث البلبلة والإرباك، والتغرير ببعض البسطاء، وإطالة أمد الفتنة، يساعدهم على ذلك صمتنا ومجاملتنا وإحساننا الظن، مع أن الشواهد تدل على اختراق أجهزة أمنية إقليمية وعالمية لبعض هذه المنظمات والتأثير عليها ومدها بالمال وتسهيل مهماتها وهذا يعرفه الذين يحللون ويدرسون أوضاعها خاصة في العراق وفي إيران، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
وصلى الله وسلم على البشير النذير الرحيم، الذي بلغ البلاغ المبين وأقام الحجة، ورسم المحجة، والحمد لله رب العالمين.
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 138 مسافة ثم الرسالة