وهنا برزت حركة ثورية كانت تعمل سرا منذ عام 1925، وهي بقيادة الشيخ عز الدين القسام، وهو عالم دين وخريج الأزهر الشريف، قدم إلى مدينة حيفا الفلسطينية من اللاذقية في سوريا، بعد انتهاء الثورة السورية الكبرى ضد فرنسا، تلك الثورة التي شارك بها وعمل القسام في التعليم بمدينة حيفا، وخلال عمله استطاع تشكيل خلايا ثورية عرفت فلسطينيا باسم «حركة القسام الثورية» وبدأت حركة القسام عملها المسلح في مواجهة المخطط الصهيوني، وذلك بعد أن تأكد ومن خلال تجربته في الثورة السورية أن العمل السياسي لا يمكن له أن ينجح دون أن يكون مرادفه عمل عسكري مؤثر، ولكن وكما هو معروف فإن الإمكانيات المتاحة أمامه كانت بسيطة، إلا انه أبلى مع مقاتليه بلاء حسنا، وكانت سمعته تملأ أرجاء فلسطين، حتى استشهد في معركة مع الصهاينة والبريطانيين.
يقول يحيى حمودة أنه «عندما استشهد القسام كنت معتقلا في سجن عكا، ولدى وصولنا خبر استشهاد الشيخ القسام، ثارت ثائرتنا، وقمنا بتكسير كل ما وصلت اليه أيدينا من محتويات السجن».
عصابات المجازر اليهودية
لاحظ الشعب الفلسطيني أن المؤامرة تسير على قدم وساق لتوطين اليهود في فلسطين، خاصة وأن الهجرة اليهودية اتسعت وزاد حجمها عبر «الوكالة اليهودية» التي قامت بإنشاء معسكرات تدريبية لهم داخل فلسطين، وتأسيس عصابات صهيونية مسلحة لتنفذ المجازر وترهب الفلسطينيين، مثل عصابة «شتيرين» وعصابة «الأرغون و«الهاجاناه» وغيرها من العصابات التي كانت تقوم بجرائمها ضد الفلسطينيين على مرأى ومسمع قوات الانتداب البريطاني، ومن هنا كان لا بد للفلسطينيين من ردة فعل، خاصة بعد تجربتهم في ثورة البراق والتي استطاعوا من خلال صمودهم الدفاع عن القدس الشريف، واستصدار قرار دولي عبر لجنة تحقيق دولية بأن حائط البراق، وهو الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك هو من أملاك المسلمين، لا ينازعهم به أحد، إلا أن اليهود الذين لم يرتضوا ذلك قاموا بمواصلة عدوانهم على المسجد الأقصى المبارك، ويحاولون بكل الطرق الوصول على حائط البراق بزعم انه حائط مقدس لديهم.. ومن هنا بدا التحضير الفلسطيني للثورة، حيث كانت كل مدينة وقرية فلسطينية تتنادى لعقد الاجتماعات وبحث كيفية البدء بالثورة، فانطلقت جماعات مسلحة تقوم بعمليات ضد الصهاينة وضد قوات الانتداب البريطاني، وتعم الثورة كل فلسطين في ثورة كبرى عرفت باسم ثورة 1936.
وما يهمنا هنا هو ما يتحدث به المحامي الراحل يحيى حمودة، من مشاهدات ومشاركات، فيقول «إن التمهيد للثورة كان على قدم وساق في كل فلسطين، وأذكر أن رجال قرى بني مالك ولفتا من تلك القرى، اجتمعوا في قرية «العنب» قرب قرية أبو غوش، وكان المجتمعون يمثلون 63 قرية، وأكدوا في نهاية الاجتماع عزمهم على مقاومة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وطالبوا بإعلان استقلال فلسطين وجلاء الإنكليز عنهما، معلنين رفضهم لوعد بلفور».
وكان حمودة في ذلك الوقت يعمل موظفا في دائرة حاكم اللواء بالقدس، ولم يكن من ضمن المجتمعين، كما انه لم يحمل السلاح للنضال ضد الصهاينة، إلا انه خط لنفسه طريقا نضاليا مختلفا، وهو قيامه بجمع التبرعات للمقاتلين الذين بدأوا بما يملكون من أسلحة بسيطة وقديمة، وهي من مخلفات الحروب ومعظمها غير صالح، بهذه الأسلحة بدأوا ثورتهم ومقاومة المؤامرة الدولية التي كانت تتجه بسرعة على تسليم كل فلسطين لليهود حتى يقيموا وطنهم القومي عليها.وكان هدف «حمودة» أن الثورة تحتاج إلى المال والسلاح تماما كحاجتها إلى الرجال، وبالتالي قيامه بجمع الأموال والتبرعات وتقديمها لقيادة الثورة لشراء السلاح هو عمل وطني كبير لا يقل أهمية عن حمل البندقية ومقارعة العدو، بل ربما يكون في بعض الأحيان أكثر أهمية، خاصة وان الفلسطينيين كانوا محاصرين من قبل قوات الانتداب التي لم تكن تسمح لهم بحمل السلاح، وكانت إذا ما ألقت القبض على مجاهد فلسطيني مسلح يتم إصدار حكم الإعدام ضده، كما أنها وبحكم انتدابها للدول المحيطة بعد الحرب العالمية الأولى، فكانت تشدد من حصارها على الفلسطينيين عوضا عن تعاون الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان مع الانتداب البريطاني في منع وصول الأسلحة الى الثوار الفلسطينيين.
وساهم حمودة عبر جمع التبرعات، بشراء عشرات البنادق من شرق الأردن ومن العراق، وتم تهريبها على الدواب والحمير إلى فلسطين عبر الجبال الوعرة.
ويتذكر «حمودة» أن الفلسطينيين كانوا يبيعون حلي ومجوهرات وذهب زوجاتهم، وأحيانا يبيعون حيواناتهم ودوابهم، لكي يشتروا بثمنها الأسلحة ويتبرعوا بها للثوار، مع أن الأسلحة التي كانوا يحصلون عليها عبر التهريب، كانت غالية الثمن بشكل كبير، وكانت طلقاتها قليلة، كما أنها أسلحة بسيطة لا يمكن لها أن تصل في أي حال من الأحوال الى مستوى السلاح الذي يمتلكه اليهود في مستعمراتهم التي بدأوا بإنشائها على الأراضي الفلسطينية الأميرية التي كانت تعطيها لهم إدارة الانتداب البريطاني، وذلك تمهيدا للاستيطان في فلسطين، خاصة وأن الشعب الفلسطيني كان حذرا جدا من بيع أراضيه لليهود الذين كانوا يقدمون أثمانا مرتفعة لقيمة الأرض التي يريدون شراءها.
مواجهة سماسرة الأراضي
كان وعي الشعب الفلسطيني لخطورة انتقال أراضيه لأيدي اليهود وعيا بارزا بوضوح، ولهذا فقد تمسكوا بأرضهم، ولم يقوموا ببيعها رغم الفقر والبطالة التي نشبت بفعل الانتداب البريطاني، ولهذا تفتقت عبقرية اليهود باللجوء الى سماسرة من بعض العملاء العرب كي يقوموا هم بشراء الأراضي باعتبار أنهم يشترونها لأنفسهم، ومن ثم يقومون ببيعها الى اليهود، فسرعان ما اكتشف الفلسطينيون أولئك السماسرة و تم نبذهم و فيما قام الثوار بعمليات تصفية جسدية لبعض منهم.
أما دور يحيى حمودة في هذا الجانب فكان بإلقاء الخطب السياسية التي تبرز خطر السماسرة على الأرض الفلسطينية، ويعمل على كشف كل من يعرف انه يقوم بهذا الدور، خاصة وان عمله لدى الحاكم الإداري للقدس مكنه من معرفة بعض السماسرة العملاء، فيقوم بكشفهم للثوار الذين يقتصون منهم وكذلك يكشفهم أمام الأهالي حتى يقوموا بنبذهم من بينهم.
وقام يحيى بعقد اجتماع لوجهاء قرية لفتا، خاصة أبناء عشيرته، الذين قاموا بتفويضه بتسجيل جميع أراضيهم باسمه الشخصي، ولا زالت سندات التسجيل تشير إلى أن هذه الأراضي هي من أملاك يحيى حمودة علما بأنها تعود لأفراد عشيرته.
ويقول «يحيى حمودة» أنه عندما كشف خطر أحد السماسرة أمام حشد من أهالي قريته، قام هذا السمسار يشكو حمودة لأحد وجهاء القرية محاولا الاستنجاد به، فما كان من الوجيه هذا إلا أن طرد السمسار موجها له الاتهامات بالخيانة.
إنشاء فصيل مسلح
كانت الثورة الفلسطينية عام 1936، شبه منظمة بقيادة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، إلا أنه كان هناك بعض الشباب الذين يقومون بتشكيل فصائل ومجموعات مسلحة مستقلة، يقومون بدورهم في مقاومة الاستيطان اليهودى والعصابات الصهيونية المسلحة، ولأن يحيى حمودة اليساري لم يكن من جماعة المفتي الحاج أمين الحسيني، فكان يعمل على مساعدة بعض الشباب على تشكيل مجموعات مسلحة، ومن أولئك الشباب الذين ساعدهم على ذلك كان أحد شباب قرية «لفتا» ويدعى محمود عبد الله اللفتاوي، وكان يقطن في قرية بيتونيا القريبة من القدس أيضا، وهذا الشاب معروف بين أبناء القرية بخبرته بالأسلحة، وبدقته في التسديد بالبندقية، فقام حمودة بدعمه ومساعدته، وقام بشراء أسلحة جاء بها من بغداد عبر شرق الأردن، وقدمها لهذا الشاب الثائر ولمجموعته التي عمل على تجميعها بسرعة وتدريبها على السلاح في الجبال، ليلتحقوا في ميدان الشرف دفاعا عن الوطن الفلسطيني الذي يتعرض إلى مؤامرة النهب والاغتصاب والابتلاع، التحق هذا الشاب فيما بعد بحركة الجهاد المقدس التي كان يقودها عبد القادر الحسيني، وكانت حركة الجهاد المقدس في فلسطين بقيادة الحسيني، استقطبت ثوارا عربا جاؤوا إلى فلسطين للدفاع عنها باعتبار أن الخطر الصهيوني على فلسطين سيمتد إلى كل الدول العربية، فكانت حركة الجهاد المقدس تضم أردنيين وعراقيين وسوريين إلى جانب الفلسطينيين.
اللجوء إلى رام الله بعد نكبة 48
يقول يحيى حمودة أنه وبعد أن تكاملت حلقات المؤامرة على فلسطين وشعبها في عام 1948م، وبعد قيام العصابات الصهيونية بتنفيذ مذبحة دير ياسين القريبة من قرية «لفتا» وإثر هجوم قام به اليهود على «لفتا» حيث بدأوا يطلقون النار على الناس في الشوارع، وهاجموا «مقهى صالح عيسى» بالقرية وقتلوا سبعة أشخاص كانوا لا زالوا داخل المقهى، فاضطر أهالي لفتا الى الهروب من القرية.
رحلت عائلة يحيى حمودة إلى رام الله، حيث استقبلوا مع عائلات أخرى من قريتهم، من قبل أحد وجهاء المدينة وهو حنا خلف ( والد رئيس بلدية رام الله فيما بعد كريم خلف الذي فجرت العصابات الصهيونية سيارته عام 1980م )، وأصر خلف على ضيافتهم في الطابق العلوي بمنزله، اعتقادا منه ومن اللاجئين في منزله أن الضيافة ستستمر لعدة أيام، باعتبار أن الجيوش العربية التي دخلت فلسطين للدفاع عنها، ستتمكن من تحرير الوطن، إلا أن النكبة استمرت واستمرت، ولا زالت قائمة حتى يومنا هذا، بعد 58 عاما من وقوعها.
لقد غيرت حرب 1948 التركيبة السكانية داخل الأراضي الفلسطينية التي احتلت في ذلك العام، والتي أعلن عليها قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي واعترفت بها الأمم المتحدة، حيث قامت العصابات الصهيونية حتى بعد انتهاء الحرب واحتلال أراض فلسطينية واسعة، بتنفيذ عمليات قتل جماعي للفلسطينيين لتهجيرهم أو قتل من بقي منهم في أراضيه، فاضطر كثيرون إلى الهرب من الموت واللجوء للضفة الغربية وقطاع غزة اللذين بقيا خارج نطاق الاحتلال، ليصبح قطاع غزة فيما بعد تحت الإدارة المصرية، والضفة الغربية تحت الإدارة الأردنية، وبلغ عدد المهاجرين الفلسطينيين 680000 شخص حيث غادروا الى الدول العربية المجاورة و بذلك أصبح اليهود أغلبية في الكيان الصهيوني، وفي عام 1949 تمت انتخابات أول كنيست إسرائيلي واختير حاييم وايزمن الزعيم الصهيوني كأول رئيس لإسرائيل.
شارك يحيى حمودة مع مجموعة من المحامين الأردنيين البارزين بتأسيس نقابة للمحامين الأردنيين عام 1950م، ومن ابرز مؤسسي النقابة إلى جانب حمودة المحامون عبد الخالق يغمور، وشفيق ارشيدات، وسليمان الحديدي، وفؤاد عبد الهادي وراتب دروزة، عزيز شحادة، جبرا الأنقر، رشاد مسودي، منير عبد الهادي، عبد اللطيف صلاح.
ودخل عضوية مجلس النقابة في دورتين متتاليتين عام 1951م، و1952، وفي الدورة الثالثة تولى منصب نقيب المحامين الأردنيين وذلك عام 1953م.
وخلال عمله النقابي بدأ ينشط سياسيا، ولكن بشكل مستقل كما هو دائما، حيث لم ينضم إلى أي حزب سياسي، والتقى عدة مرات بالملك الحسين بن طلال، ويقول حمودة أن «الحسين برأيي كان زعيما عربيا كبيرا وهو وطني ولا ريب في ذلك».
وفي أحد لقاءاته مع الملك الحسين، عندما كان حمودة نقيبا للمحامين الأردنيين قال للملك «لقد ضاعت فلسطين وعلينا أن نعمل سويا أردنيين وفلسطينيين على إعادتها».
حمودة فى منزل والد عبد الناصر
يقول حمودة كنت احب جمال عبد الناصر لأني سمعت عن بطولته الشيء الكثير خلال معارك الفلوجة في فلسطين عام 1948م ضد الصهاينة، وكذلك عرفت أن عبد الناصر خلال حرب عام 1948 أنه وصل إلى مشارف القدس (ولكن لم يصل قريتنا لفتا) واختلط بالمواطنين الذين أحبوه عندما عرفوا أنه ضابط مصري وطني جاء ليشارك في دحر المؤامرة على وطنهم فلسطين، ولهذا بعد أن أصبح عبد الناصر رئيسا لجمهورية مصر، دعاني إلى منزل والده القديم الذي يقع في مصر الجديدة بعيدا عن مطار القاهرة بنحو 15 كيلومترا، وقال لي ونحن على مائدة الطعام «لقد ولدت في هذا المنزل».
لقد استطاع عبد الناصر أن يبهر حمودة بثقافته ووطنيته وبشخصيته الفذة، ويقول حمودة بأنه «لا يزال عبد الناصر مثلي الأعلى، فقد سعى حقا إلى وحدة البلاد العربية وقد بدأ مشروعه الوحدوي عام 1958 حيث قامت الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا، مما أثار حنق المستعمرين عليه، وعندما قامت الوحدة بين مصر وسوريا كنت منفيا إلى سوريا».
الهرب إلى المنفى
في رام الله افتتح يحيى حمودة مكتبا للمحاماة، واستأجر منزلا بعد أن عرف أن الأمر سيطول وأن ضيافته في منزل حنا خلف طالت، وبدا يعمل في مكتبه بالترافع بالقضايا الوطنية، كما واصل نشاطه السياسي، فكان له دور مهم في الحياة السياسية الوطنية في فترة الخمسينات عبر الجبهة الوطنية، وربطته صلات صداقة طيبة بمعظم رجال الأحزاب السياسية الوطنية الأردنية، وخلال عام 1956م تشكلت في الأردن حكومة وطنية من أحزاب المعارضة برئاسة سليمان النابلسي، وأعلنت هذه الحكومة تأييدها لجمال عبد الناصر الذي كان على خلاف مع الأردن، وكان النظام الأردني يتهم نظام عبد الناصر بالتدخل في الشؤون الداخلية الأردنية، كما أن حكومة النابلسي اتخذت قرارات منها العمل على إلغاء المعاهدة البريطانية الأردنية، مما سيوقف المساعدات البريطانية للأردن الذي كان محدود الموارد في حينها، وطالبت بتعريب الجيش الأردني، واتهمت الحكومة من قبل بعض قوى المعارضة لها بأنها تقود البلاد إلى أزمات سياسية خارجية، فتم إقالتها بعد ستة أشهر من الحكم.
وبرزت اتهامات لهذه الحكومة بأنها تعمل ضد النظام الأردني، وتم تشكيل حكومة عسكرية، لقي تشكيلها رفضا شعبيا، فانطلقت المظاهرات في معظم المدن ضد الحكم العسكري، وكان يحيى حمودة أحد الذين يقودون تلك المظاهرات، وألقى في إحدى المظاهرات كلمة نارية، كانت سببا في مطاردته والبحث عنه لاعتقاله، بعد أن وشى به شخص يدعى «علي جبر» والذي اصطحب رجال الأمن إلى منزل حمودة في رام الله حيث كان يختبئ داخله أيضا المحامي المعروف إبراهيم بكر، باعتبار انه كان مطاردا من قوات الأمن أيضا.
وبقي حمودة مختفيا، حتى جاءته فرصة الهرب من رام الله إلى سوريا، أوائل عام 1958 وذلك بواسطة فلسطيني معروف بوطنيته، وهو من أبناء قرية «لفتا» وكان برتبة ضابط في أحد الجيوش العربية فقام هذا الضابط باصطحاب يحيى حمودة بسيارته بعد أن تنكر حمودة بزي امرأة، واضعا العباءة على كتفيه، وكأنه زوجة الضابط، واصطحب معه ابنته «وجيه» وحفيده «ناصر»، لينتقل الجميع مع هذا الضابط بواسطة سيارته من رام الله إلى الزرقاء في شرق الأردن ومنها إلى الحدود السورية، حيث كان هناك تنسيق مسبق لاستقباله على الحدود السورية، حيث كان بانتظاره عدد من الضباط السوريين الذين اصطحبوه إلى دمشق بعد ترحيبهم به.
وبقي في سوريا بالمنفى عدة سنوات قام خلالها بنشاطات سياسية واسعة، حيث تجول في عدة دول عالمية من أجل الدفاع عن قضية فلسطين، فزار برلين وموسكو وأثينا وبكين وغيرها من العواصم العالمية للمشاركة في المؤتمرات.وفي عام 1964م، وأثناء حضوره لحفل أقامه صديقه «الدكتور صبحي أبو غنيمة» الذي كان سفيرا للأردن في دمشق، همس أبو غنيمة بأذنه «هل تريد العودة الى بلدك» فاستغرب حمودة بداية هذا السؤال، فكرر السفير أبو غنيمة سؤاله ولكن بصوت سمعه معظم الحضور، فرد عليه حمودة وبصوت سمعه الجميع «ومن منا لا يحب الرجوع إلى بلده ؟»، وبعد أيام يكون السفير أبو غنيمة قد حصل من الملك الحسين على عفو عن يحيى حمودة، الذي عاد إلى بلدته فور تلقيه نبأ العفو من السفير الأردني.
يقول يحيى حمودة أنه «عندما استشهد القسام كنت معتقلا في سجن عكا، ولدى وصولنا خبر استشهاد الشيخ القسام، ثارت ثائرتنا، وقمنا بتكسير كل ما وصلت اليه أيدينا من محتويات السجن».
عصابات المجازر اليهودية
لاحظ الشعب الفلسطيني أن المؤامرة تسير على قدم وساق لتوطين اليهود في فلسطين، خاصة وأن الهجرة اليهودية اتسعت وزاد حجمها عبر «الوكالة اليهودية» التي قامت بإنشاء معسكرات تدريبية لهم داخل فلسطين، وتأسيس عصابات صهيونية مسلحة لتنفذ المجازر وترهب الفلسطينيين، مثل عصابة «شتيرين» وعصابة «الأرغون و«الهاجاناه» وغيرها من العصابات التي كانت تقوم بجرائمها ضد الفلسطينيين على مرأى ومسمع قوات الانتداب البريطاني، ومن هنا كان لا بد للفلسطينيين من ردة فعل، خاصة بعد تجربتهم في ثورة البراق والتي استطاعوا من خلال صمودهم الدفاع عن القدس الشريف، واستصدار قرار دولي عبر لجنة تحقيق دولية بأن حائط البراق، وهو الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك هو من أملاك المسلمين، لا ينازعهم به أحد، إلا أن اليهود الذين لم يرتضوا ذلك قاموا بمواصلة عدوانهم على المسجد الأقصى المبارك، ويحاولون بكل الطرق الوصول على حائط البراق بزعم انه حائط مقدس لديهم.. ومن هنا بدا التحضير الفلسطيني للثورة، حيث كانت كل مدينة وقرية فلسطينية تتنادى لعقد الاجتماعات وبحث كيفية البدء بالثورة، فانطلقت جماعات مسلحة تقوم بعمليات ضد الصهاينة وضد قوات الانتداب البريطاني، وتعم الثورة كل فلسطين في ثورة كبرى عرفت باسم ثورة 1936.
وما يهمنا هنا هو ما يتحدث به المحامي الراحل يحيى حمودة، من مشاهدات ومشاركات، فيقول «إن التمهيد للثورة كان على قدم وساق في كل فلسطين، وأذكر أن رجال قرى بني مالك ولفتا من تلك القرى، اجتمعوا في قرية «العنب» قرب قرية أبو غوش، وكان المجتمعون يمثلون 63 قرية، وأكدوا في نهاية الاجتماع عزمهم على مقاومة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وطالبوا بإعلان استقلال فلسطين وجلاء الإنكليز عنهما، معلنين رفضهم لوعد بلفور».
وكان حمودة في ذلك الوقت يعمل موظفا في دائرة حاكم اللواء بالقدس، ولم يكن من ضمن المجتمعين، كما انه لم يحمل السلاح للنضال ضد الصهاينة، إلا انه خط لنفسه طريقا نضاليا مختلفا، وهو قيامه بجمع التبرعات للمقاتلين الذين بدأوا بما يملكون من أسلحة بسيطة وقديمة، وهي من مخلفات الحروب ومعظمها غير صالح، بهذه الأسلحة بدأوا ثورتهم ومقاومة المؤامرة الدولية التي كانت تتجه بسرعة على تسليم كل فلسطين لليهود حتى يقيموا وطنهم القومي عليها.وكان هدف «حمودة» أن الثورة تحتاج إلى المال والسلاح تماما كحاجتها إلى الرجال، وبالتالي قيامه بجمع الأموال والتبرعات وتقديمها لقيادة الثورة لشراء السلاح هو عمل وطني كبير لا يقل أهمية عن حمل البندقية ومقارعة العدو، بل ربما يكون في بعض الأحيان أكثر أهمية، خاصة وان الفلسطينيين كانوا محاصرين من قبل قوات الانتداب التي لم تكن تسمح لهم بحمل السلاح، وكانت إذا ما ألقت القبض على مجاهد فلسطيني مسلح يتم إصدار حكم الإعدام ضده، كما أنها وبحكم انتدابها للدول المحيطة بعد الحرب العالمية الأولى، فكانت تشدد من حصارها على الفلسطينيين عوضا عن تعاون الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان مع الانتداب البريطاني في منع وصول الأسلحة الى الثوار الفلسطينيين.
وساهم حمودة عبر جمع التبرعات، بشراء عشرات البنادق من شرق الأردن ومن العراق، وتم تهريبها على الدواب والحمير إلى فلسطين عبر الجبال الوعرة.
ويتذكر «حمودة» أن الفلسطينيين كانوا يبيعون حلي ومجوهرات وذهب زوجاتهم، وأحيانا يبيعون حيواناتهم ودوابهم، لكي يشتروا بثمنها الأسلحة ويتبرعوا بها للثوار، مع أن الأسلحة التي كانوا يحصلون عليها عبر التهريب، كانت غالية الثمن بشكل كبير، وكانت طلقاتها قليلة، كما أنها أسلحة بسيطة لا يمكن لها أن تصل في أي حال من الأحوال الى مستوى السلاح الذي يمتلكه اليهود في مستعمراتهم التي بدأوا بإنشائها على الأراضي الفلسطينية الأميرية التي كانت تعطيها لهم إدارة الانتداب البريطاني، وذلك تمهيدا للاستيطان في فلسطين، خاصة وأن الشعب الفلسطيني كان حذرا جدا من بيع أراضيه لليهود الذين كانوا يقدمون أثمانا مرتفعة لقيمة الأرض التي يريدون شراءها.
مواجهة سماسرة الأراضي
كان وعي الشعب الفلسطيني لخطورة انتقال أراضيه لأيدي اليهود وعيا بارزا بوضوح، ولهذا فقد تمسكوا بأرضهم، ولم يقوموا ببيعها رغم الفقر والبطالة التي نشبت بفعل الانتداب البريطاني، ولهذا تفتقت عبقرية اليهود باللجوء الى سماسرة من بعض العملاء العرب كي يقوموا هم بشراء الأراضي باعتبار أنهم يشترونها لأنفسهم، ومن ثم يقومون ببيعها الى اليهود، فسرعان ما اكتشف الفلسطينيون أولئك السماسرة و تم نبذهم و فيما قام الثوار بعمليات تصفية جسدية لبعض منهم.
أما دور يحيى حمودة في هذا الجانب فكان بإلقاء الخطب السياسية التي تبرز خطر السماسرة على الأرض الفلسطينية، ويعمل على كشف كل من يعرف انه يقوم بهذا الدور، خاصة وان عمله لدى الحاكم الإداري للقدس مكنه من معرفة بعض السماسرة العملاء، فيقوم بكشفهم للثوار الذين يقتصون منهم وكذلك يكشفهم أمام الأهالي حتى يقوموا بنبذهم من بينهم.
وقام يحيى بعقد اجتماع لوجهاء قرية لفتا، خاصة أبناء عشيرته، الذين قاموا بتفويضه بتسجيل جميع أراضيهم باسمه الشخصي، ولا زالت سندات التسجيل تشير إلى أن هذه الأراضي هي من أملاك يحيى حمودة علما بأنها تعود لأفراد عشيرته.
ويقول «يحيى حمودة» أنه عندما كشف خطر أحد السماسرة أمام حشد من أهالي قريته، قام هذا السمسار يشكو حمودة لأحد وجهاء القرية محاولا الاستنجاد به، فما كان من الوجيه هذا إلا أن طرد السمسار موجها له الاتهامات بالخيانة.
إنشاء فصيل مسلح
كانت الثورة الفلسطينية عام 1936، شبه منظمة بقيادة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، إلا أنه كان هناك بعض الشباب الذين يقومون بتشكيل فصائل ومجموعات مسلحة مستقلة، يقومون بدورهم في مقاومة الاستيطان اليهودى والعصابات الصهيونية المسلحة، ولأن يحيى حمودة اليساري لم يكن من جماعة المفتي الحاج أمين الحسيني، فكان يعمل على مساعدة بعض الشباب على تشكيل مجموعات مسلحة، ومن أولئك الشباب الذين ساعدهم على ذلك كان أحد شباب قرية «لفتا» ويدعى محمود عبد الله اللفتاوي، وكان يقطن في قرية بيتونيا القريبة من القدس أيضا، وهذا الشاب معروف بين أبناء القرية بخبرته بالأسلحة، وبدقته في التسديد بالبندقية، فقام حمودة بدعمه ومساعدته، وقام بشراء أسلحة جاء بها من بغداد عبر شرق الأردن، وقدمها لهذا الشاب الثائر ولمجموعته التي عمل على تجميعها بسرعة وتدريبها على السلاح في الجبال، ليلتحقوا في ميدان الشرف دفاعا عن الوطن الفلسطيني الذي يتعرض إلى مؤامرة النهب والاغتصاب والابتلاع، التحق هذا الشاب فيما بعد بحركة الجهاد المقدس التي كان يقودها عبد القادر الحسيني، وكانت حركة الجهاد المقدس في فلسطين بقيادة الحسيني، استقطبت ثوارا عربا جاؤوا إلى فلسطين للدفاع عنها باعتبار أن الخطر الصهيوني على فلسطين سيمتد إلى كل الدول العربية، فكانت حركة الجهاد المقدس تضم أردنيين وعراقيين وسوريين إلى جانب الفلسطينيين.
اللجوء إلى رام الله بعد نكبة 48
يقول يحيى حمودة أنه وبعد أن تكاملت حلقات المؤامرة على فلسطين وشعبها في عام 1948م، وبعد قيام العصابات الصهيونية بتنفيذ مذبحة دير ياسين القريبة من قرية «لفتا» وإثر هجوم قام به اليهود على «لفتا» حيث بدأوا يطلقون النار على الناس في الشوارع، وهاجموا «مقهى صالح عيسى» بالقرية وقتلوا سبعة أشخاص كانوا لا زالوا داخل المقهى، فاضطر أهالي لفتا الى الهروب من القرية.
رحلت عائلة يحيى حمودة إلى رام الله، حيث استقبلوا مع عائلات أخرى من قريتهم، من قبل أحد وجهاء المدينة وهو حنا خلف ( والد رئيس بلدية رام الله فيما بعد كريم خلف الذي فجرت العصابات الصهيونية سيارته عام 1980م )، وأصر خلف على ضيافتهم في الطابق العلوي بمنزله، اعتقادا منه ومن اللاجئين في منزله أن الضيافة ستستمر لعدة أيام، باعتبار أن الجيوش العربية التي دخلت فلسطين للدفاع عنها، ستتمكن من تحرير الوطن، إلا أن النكبة استمرت واستمرت، ولا زالت قائمة حتى يومنا هذا، بعد 58 عاما من وقوعها.
لقد غيرت حرب 1948 التركيبة السكانية داخل الأراضي الفلسطينية التي احتلت في ذلك العام، والتي أعلن عليها قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي واعترفت بها الأمم المتحدة، حيث قامت العصابات الصهيونية حتى بعد انتهاء الحرب واحتلال أراض فلسطينية واسعة، بتنفيذ عمليات قتل جماعي للفلسطينيين لتهجيرهم أو قتل من بقي منهم في أراضيه، فاضطر كثيرون إلى الهرب من الموت واللجوء للضفة الغربية وقطاع غزة اللذين بقيا خارج نطاق الاحتلال، ليصبح قطاع غزة فيما بعد تحت الإدارة المصرية، والضفة الغربية تحت الإدارة الأردنية، وبلغ عدد المهاجرين الفلسطينيين 680000 شخص حيث غادروا الى الدول العربية المجاورة و بذلك أصبح اليهود أغلبية في الكيان الصهيوني، وفي عام 1949 تمت انتخابات أول كنيست إسرائيلي واختير حاييم وايزمن الزعيم الصهيوني كأول رئيس لإسرائيل.
شارك يحيى حمودة مع مجموعة من المحامين الأردنيين البارزين بتأسيس نقابة للمحامين الأردنيين عام 1950م، ومن ابرز مؤسسي النقابة إلى جانب حمودة المحامون عبد الخالق يغمور، وشفيق ارشيدات، وسليمان الحديدي، وفؤاد عبد الهادي وراتب دروزة، عزيز شحادة، جبرا الأنقر، رشاد مسودي، منير عبد الهادي، عبد اللطيف صلاح.
ودخل عضوية مجلس النقابة في دورتين متتاليتين عام 1951م، و1952، وفي الدورة الثالثة تولى منصب نقيب المحامين الأردنيين وذلك عام 1953م.
وخلال عمله النقابي بدأ ينشط سياسيا، ولكن بشكل مستقل كما هو دائما، حيث لم ينضم إلى أي حزب سياسي، والتقى عدة مرات بالملك الحسين بن طلال، ويقول حمودة أن «الحسين برأيي كان زعيما عربيا كبيرا وهو وطني ولا ريب في ذلك».
وفي أحد لقاءاته مع الملك الحسين، عندما كان حمودة نقيبا للمحامين الأردنيين قال للملك «لقد ضاعت فلسطين وعلينا أن نعمل سويا أردنيين وفلسطينيين على إعادتها».
حمودة فى منزل والد عبد الناصر
يقول حمودة كنت احب جمال عبد الناصر لأني سمعت عن بطولته الشيء الكثير خلال معارك الفلوجة في فلسطين عام 1948م ضد الصهاينة، وكذلك عرفت أن عبد الناصر خلال حرب عام 1948 أنه وصل إلى مشارف القدس (ولكن لم يصل قريتنا لفتا) واختلط بالمواطنين الذين أحبوه عندما عرفوا أنه ضابط مصري وطني جاء ليشارك في دحر المؤامرة على وطنهم فلسطين، ولهذا بعد أن أصبح عبد الناصر رئيسا لجمهورية مصر، دعاني إلى منزل والده القديم الذي يقع في مصر الجديدة بعيدا عن مطار القاهرة بنحو 15 كيلومترا، وقال لي ونحن على مائدة الطعام «لقد ولدت في هذا المنزل».
لقد استطاع عبد الناصر أن يبهر حمودة بثقافته ووطنيته وبشخصيته الفذة، ويقول حمودة بأنه «لا يزال عبد الناصر مثلي الأعلى، فقد سعى حقا إلى وحدة البلاد العربية وقد بدأ مشروعه الوحدوي عام 1958 حيث قامت الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا، مما أثار حنق المستعمرين عليه، وعندما قامت الوحدة بين مصر وسوريا كنت منفيا إلى سوريا».
الهرب إلى المنفى
في رام الله افتتح يحيى حمودة مكتبا للمحاماة، واستأجر منزلا بعد أن عرف أن الأمر سيطول وأن ضيافته في منزل حنا خلف طالت، وبدا يعمل في مكتبه بالترافع بالقضايا الوطنية، كما واصل نشاطه السياسي، فكان له دور مهم في الحياة السياسية الوطنية في فترة الخمسينات عبر الجبهة الوطنية، وربطته صلات صداقة طيبة بمعظم رجال الأحزاب السياسية الوطنية الأردنية، وخلال عام 1956م تشكلت في الأردن حكومة وطنية من أحزاب المعارضة برئاسة سليمان النابلسي، وأعلنت هذه الحكومة تأييدها لجمال عبد الناصر الذي كان على خلاف مع الأردن، وكان النظام الأردني يتهم نظام عبد الناصر بالتدخل في الشؤون الداخلية الأردنية، كما أن حكومة النابلسي اتخذت قرارات منها العمل على إلغاء المعاهدة البريطانية الأردنية، مما سيوقف المساعدات البريطانية للأردن الذي كان محدود الموارد في حينها، وطالبت بتعريب الجيش الأردني، واتهمت الحكومة من قبل بعض قوى المعارضة لها بأنها تقود البلاد إلى أزمات سياسية خارجية، فتم إقالتها بعد ستة أشهر من الحكم.
وبرزت اتهامات لهذه الحكومة بأنها تعمل ضد النظام الأردني، وتم تشكيل حكومة عسكرية، لقي تشكيلها رفضا شعبيا، فانطلقت المظاهرات في معظم المدن ضد الحكم العسكري، وكان يحيى حمودة أحد الذين يقودون تلك المظاهرات، وألقى في إحدى المظاهرات كلمة نارية، كانت سببا في مطاردته والبحث عنه لاعتقاله، بعد أن وشى به شخص يدعى «علي جبر» والذي اصطحب رجال الأمن إلى منزل حمودة في رام الله حيث كان يختبئ داخله أيضا المحامي المعروف إبراهيم بكر، باعتبار انه كان مطاردا من قوات الأمن أيضا.
وبقي حمودة مختفيا، حتى جاءته فرصة الهرب من رام الله إلى سوريا، أوائل عام 1958 وذلك بواسطة فلسطيني معروف بوطنيته، وهو من أبناء قرية «لفتا» وكان برتبة ضابط في أحد الجيوش العربية فقام هذا الضابط باصطحاب يحيى حمودة بسيارته بعد أن تنكر حمودة بزي امرأة، واضعا العباءة على كتفيه، وكأنه زوجة الضابط، واصطحب معه ابنته «وجيه» وحفيده «ناصر»، لينتقل الجميع مع هذا الضابط بواسطة سيارته من رام الله إلى الزرقاء في شرق الأردن ومنها إلى الحدود السورية، حيث كان هناك تنسيق مسبق لاستقباله على الحدود السورية، حيث كان بانتظاره عدد من الضباط السوريين الذين اصطحبوه إلى دمشق بعد ترحيبهم به.
وبقي في سوريا بالمنفى عدة سنوات قام خلالها بنشاطات سياسية واسعة، حيث تجول في عدة دول عالمية من أجل الدفاع عن قضية فلسطين، فزار برلين وموسكو وأثينا وبكين وغيرها من العواصم العالمية للمشاركة في المؤتمرات.وفي عام 1964م، وأثناء حضوره لحفل أقامه صديقه «الدكتور صبحي أبو غنيمة» الذي كان سفيرا للأردن في دمشق، همس أبو غنيمة بأذنه «هل تريد العودة الى بلدك» فاستغرب حمودة بداية هذا السؤال، فكرر السفير أبو غنيمة سؤاله ولكن بصوت سمعه معظم الحضور، فرد عليه حمودة وبصوت سمعه الجميع «ومن منا لا يحب الرجوع إلى بلده ؟»، وبعد أيام يكون السفير أبو غنيمة قد حصل من الملك الحسين على عفو عن يحيى حمودة، الذي عاد إلى بلدته فور تلقيه نبأ العفو من السفير الأردني.