-A +A
اعداد: فتحي عطوة ( القاهرة)
رغم تشكيك البعض في وجود حالة حرب باردة جديدة، فإن ما يجري على المسرح الدولي يثير أكثر من تساؤل حول أسباب الحروب والتهديد بالحروب وتسابق التسلح والمناورات العسكرية، هنا وهناك والصراع على موارد النفط والغاز وإذا تأملنا المسرح العالمي نجد أن هناك عدة عوامل تدفع العالم إلى حالة استقطاب دولي جديد وهي أهم سمات الحرب الباردة الجديدة ويمكن تناول هذه العوامل بالتفصيل على النحو التالي:

أولا : الحرب على الإرهاب:
منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ظهر توجه أمريكي جديد في سياستها الخارجية هو الحرب العالمية ضد الإرهاب وقد فرضت تلك الحرب تداعياتها على الأمن في العالم، ودفعت الدول الأخرى خاصة روسيا والصين إلى البحث عن عناصر أمنها سيما بعد تواجد الولايات المتحدة في أفغانستان، والعراق والتلويح بالحرب على إيران، وهذا مادفع قائد سلاح الجو الروسي الجنرال فلاديمير ميخائيلوف في 25 يونيو 2005 إلى القول في تصريح لوكالة ريا نوفوستي السوفييتية بأن واشنطن «لم تضع حدا للحرب الباردة مع روسيا» في نفس الوقت الذي تتحفظ روسيا صراحة على مفهوم الحرب ضد الإرهاب الدولي،
وجاء هذا التحفظ على لسان ليونيد شيبارشين المسؤول الثاني في جهاز المخابرات الروسية (ك.جي.بي) الذي أكد أن ليس ثمة حقيقة لما يسمى « الإرهاب الدولي»، ويحلل ليونيد دوافع واشنطن ومساعيها المحكومة بالمصالح البترولية،وما انجر على ذلك من استراتيجية حروب البنتاغون التي استهدفت أفغانستان بالأمس، والعراق اليوم وغدا إيران.
وهكذا وأمام الاستراتيجية الأمريكية الجديدة سعت الصين وروسيا إلى تشكيل تحالف إقليمي ليكون صدًّا في وجه الاختراق الأمريكي لمنطقة آسيا الوسطى، خاصّة في المناطق التي كانت واقعة تحت سيطرة الإتحاد السوفيتى سابقًا. و قد عمدت الدولتان إلى تأسيس بعض المنظّمات الإقليمية و تفعيل البعض الآخر لهذا الغرض و منها، بل و أهمّها: مجموعة شنغهاي: التي ضمّت كلا من ) الصين، روسيا، طاجيكستان، كازخستان وقيرغيزستان ثم انضمّت إليها أوزبكستان)، و تمّ تأسيسها عام 1996 في محافظة شنغهاي الصينية. و في عام 2001 تمّ توسيع المنظمة من خلال دخول أوزبكستان إليها. و تهدف هذه المنظّمة إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء و مناقشة عدد من المواضيع المهمة بشكل دوري وذلك، بهدف:
- إعادة ترسيم الحدود بين جمهوريات ما بعد الإتحاد السوفيتي من جهة، و الصين من جهة أخرى.
- مواجهة الأخطار المشتركة وتنسيق الحرب على الإرهاب والنزعة الانفصالية والتطرّف، إضافة للتعاون الاقتصادي.
و في ظل تزايد ما يمكن وصفه بالتهديدات للأمن الروسي من طرف الناتو، الذي نقلت بعض وكالات الإعلام نبأ رغبته في نشر قواعد رادارات في أوكرانيا بعد انضمامها إلى الحلف. ومع أن مسألة العضوية الأوكرانية، والجورجية في حلف شمال الأطلسي تبقى مسألة محاطة بالكثير من التعقيدات وقد لا تتحقق، لكن القيادة الروسية قررت على ما يبدو الاستعداد لما هو أسوأ، أي العضوية لهاتين الجمهوريتين في الحلف مع ما ستحمله هذه الخطوة من تهديد لروسيا.
في هذا السياق أتت أعمال قمة مينسك للدول الأعضاء في منظمة اتفاقية الأمن الجماعي (أو دي كي بي) التي أسستها بتاريخ 15/5/1992 ست جمهوريات سوفييتية سابقة وهي: روسيا، بيلاروسيا، كازخستان، قرغيزيا، طاجيكستان، أرمينيا. إذ وقعت هذه الجمهوريات اتفاقية تعاون عسكري فيما بينها لتنفيذ المهام المتصلة بأمنها الجماعي، ويضمن ذلك تقديم الدعم العسكري لأي دولة عضو في المنظمة في حال تعرضها لعدوان خارجي.
ومنذ عدة سنوات بدأت الصين وروسيا في إنشاء تحالف وثيق في آسيا في مواجهة عالم القطب الواحد، و شهد عام 2001، مستوى جديدا من علاقات شراكة التعاون الإستراتيجية بين الصين وروسيا حيث وقعت معاهدة حسن الجوار والتعاون الودّي بين البلدين التي وقّعها رئيسا البلدين عام 2001. وقد أتاح توقيع الاتفاقية الإضافية بين روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية حول الحدود الدولية بين البلدين في جزئها الشرقي في الرابع عشر من شهر أكتوبر 2004 إمكانية الانتهاء من المحادثات حول مسائل الحدود التي استمرت حوالي 40 عاما. وقد أعلن البلدان عن خلو العلاقات الثنائية بينهما من أية مشاكل متعلقة بالأراضي. كما تم ولأول مرة في تاريخ العلاقات الروسية الصينية الاتفاق على ترسيم الحدود بكاملها.
ومن المقرر أن يكتمل تخطيط الحدود بين البلدين في عام 2007. وتميز توقيع الإعلان المشترك لروسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية حول النظام الدولي في القرن الواحد والعشرين، والموقع في شهر يوليو 2005 بأهمية كبيرة. ويقوم البلدان بتنسيق مواقفهما في القضايا الدولية المهمة كإصلاح هيئة الأمم المتحدة، وتسوية الوضع في الشرق الأوسط، والبرنامج النووي لإيران، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وغيرها.
وفي مجال العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا والصين حقق البلدان في السنوات الأخيرة نتائج إيجابية كبيرة في مجال التعاون التجاري. وقد تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين في الفترة الممتدة بين عامي 2001 و2005 من 10.67 مليار إلى 29.1 مليار دولار. وبهذا الشكل بلغ متوسط وتائر النمو السنوي للتبادل التجاري بين روسيا والصين 30 بالمائة.
وبلغت حصة روسيا في التبادل التجاري للصين في العام الماضي 2.05 بالمائة (مقابل 1.69 بالمائة في عام 2000). ويعتزم البلدان الوصول بحجم التبادل التجاري إلى 60-80 مليار دولار بحلول عام 2010.
وفي 25 أغسطس 2005 اختتمت أولى المناورات العسكرية المشتركة لروسيا والصين بعدما أجرت الصين في خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة مناورات عسكرية مع قيرغيزيا وطاجيكستان وكازاخستان، ومن ثم مع الهند، وكذلك مناورات حربية- بحرية عند سواحل شاندون أيضا مع فرنسا، وهكذا اتخذت العلاقات الروسية الصينية عدة أبعاد:
أولها: موقف البلدين من السياسة الأمريكية ورفضهما لهيمنة قوة واحدة على النظام العالمي في إشارة إلى الولايات المتحدة، ومعارضة مشروع الدرع المضادة للصواريخ التي تقيمها الولايات المتحدة بدعوى حماية أراضيها من هجمات محتملة قد تشنّها ما تطلق عليه «الدول المارقة» مثل إيران وكوريا الشمالية. وترى فيها الصين وروسيا تهديدًا للأمن العالمي وتجديدًا لسباقات التسلّح، لذا فهما يدعمان التمسّك بمعاهدة الحد من انتشار الاسلحة البالستية الموقّعة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية عام 1972 باعتبارها أساس الاستقرار العالمي، واتفاقات الحد من التسلّح بصفة عامة.
ثانيها: التعاون في مجال التقنيات العسكرية حيث تعتبر الصين أكبر سوق للسلاح الروسي، وتستأثر وحدها بـ 40% من صادرات السلاح الروسي، في حين تشكّل الأسلحة الروسية 70% من إجمالي واردات الصين من الأسلحة.
ثالثها: التنسيق الأمني بين البلدين في منطقة آسيا الوسطى بهدف تحجيم نشاط الحركات المتطرفة في المنطقة ومكافحة تجارة المخدّرات وتهريب الأسلحة والتصدّي للإرهاب والنزعات الانفصالية، وذلك في إطار مجموعة شنغهاي.
ورغم تنامي العلاقات الصينية الروسية فلا زال الطرفان يريان أنّه ليس من مصلحتهما حاليًا إعلان تحالف عسكري خشية أن يثير ذلك جنون الولايات المتّحدة أو يسلّط الضوء على انبعاث خطر كبير على أوروبا وأمريكا و خوفًا من أن يتم استغلال مثل هذا الوضع في إذكاء نار العداء بين الصين و روسيا من جهة و الغرب من جهة أخرى. لذلك، فقد أكّدت الصين بشكل رسمي مرات عديدة و في مناسبات مختلفة أنّ نوعية علاقاتها المميّزة مع روسيا ليست حلفًا استراتيجيًا أو عسكريًا بالضرورة، و هو غير موجّه ضدّ أي طرف ثالث، و الأهم من هذا أنّه لا يشكّل تهديدًا لأي طرف خارجي. و قد أوضح الصينيون لطمأنة غيرهم، أنّ علاقاتهم مع روسيا هي «علاقات تعاون استراتيجية» و ليست «شراكة أو تحالف استراتيجي».
ثانيا : النفط والسياسة العالمية
أصبح النفط عاملا مؤثرا في رسم الاستراتيجيات العالمية للدول الكبرى ولم يكن هناك سلاح أقوى من سلاح النفط منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. لقد كان الشرارة الوحيدة التي أشعلت لهيب الصراعات العسكرية، ومع توالي الحروب في منطقة الشرق الأوسط وآخرها حرب العراق، اتجهت الأبصار صوب نفط بحر الشمال الأمر الذي أتاح لروسيا الغنية بمواردها النفطية فرصة ممارسة دبلوماسية النفط داخل دائرة يتّسع نطاقها لتشمل اليابان وكوريا الجنوبية شرقًا والصين جنوبًا والاتحاد الأوروبي غربًا وصولاً إلى الولايات المتحدة، وهي في هذا كله تسعى إلى تحقيق أقصى حد ممكن من مصالحها الذاتية. هذا التوجّه لا يمكن لأحد أن ينكره على روسيا فيما يبقى على الصين أن تعيه جيدًا وتتقبّله لاستحالة تغييره وتتعامل معه بما لا يناقض مصالحها.
لقد اضطلعت الطاقة الروسية بدور كبير و مهم في تنمية العلاقات الثنائية السياسية و الاقتصادية الصينية-الروسية وتطويرها منذ عام 1996. و منذ زيارة الرئيس الصيني يانج زيمين لروسيا عام 2000، والعلاقات في مجال الطاقة تتسارع. فقد وقّعت شركات النفط في الجهتين إتفاقًا ضخمًا عام 2001 يهدف إلى إنشاء أنبوب نفطي طوله 2400 كيلومتر مع قدرة على نقل ما بين 25 و 30 مليون برميل سنويًا. و عند إتمام هذا الخط الذي تبلغ كلفته ما بين 2،5 و 3 مليارات دولار تقريبًا، سيكون قادرًا على تزويد الصين 700 مليون طن من النفط الروسي خلال 25 سنة و يمتد هذا الانبوب من منطقة الشرق الأقصى الروسية إلى موانئ الشمال الصينية تتنافس عليه اليابان أيضًا التي اقترحت مسارًا آخر له بطول 4100 كيلو متر و بكلفة تبلغ 4 أضعاف كلفة الخط الصيني المقترح سابقًا.
وتشير بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA) إلى أن الصين ستحصل عبر هذا الأنبوب في حال إنجازه بشكل كامل على مليون برميل يوميًا من حقول أناغارسكز وقبل أن تحدث أزمة شركة يوكوس الروسية كانت شركة (CNPC) الصينية وقّعت معها في يونيو 2003 مذكّرة تفاهم حول المشروع، و اقترح بوتين فيما بعدإعطاء الصينيين حصّة في الشركة التي تنتج 1% من نفط العالم الخام، و كان بوتين يأمل بذلك أن يعيد النفط تسخين العلاقات الصينية-الروسية الباردة تاريخيًا.
واستراتيجية النفط الروسي لاتقتصر على العلاقات مع الصين بل تعمل روسيا في اتجاه آخر مع أوروبا والدول المتوسطية، وفي 17 نوفمبر 2005 طار الرئيس بوتين إلى ميناء (سامسون) الرئيسي الواقع على ساحل البحر الأسود، حيث التقى برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وكذلك برئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني. وفي ذلك الميناء احتفل القادة الثلاثة بمراسم افتتاح مشروع هندسي عظيم عملاق، بلغت تكلفته المالية 3,4 مليار دولار، هو خط أنابيب (بلو ستريم) الذي أنشئ تحت مياه البحر الأسود، لكي يعمل ناقلاً للغاز الطبيعي الروسي إلى تركيا، ثم إلى جنوبي أوروبا في مرحلة لاحقة، وربما من هناك أيضاً إلى إسرائيل. يذكر أن شركة (بلو ستريم) هي شراكة متكافئة بين كل من شركة ENI الإيطالية ونظيرتها الروسية (غازبروم) وأنها أنشئت خصيصاً للنهوض بمشروع الأنابيب الروسية المذكور، الذي يتوقع له أن يحمل 16 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الروسي إلى تركيا وما جاورها ويمثل هذا المشروع نموذجاً ساطعاً على قوة عزم السياسات الروسية الخاصة بتصدير الطاقة.
أما من الناحية الهندسية البحتة، فقد أصبح هذا الخط البالغ طوله 1,213 كيلومتر، جاهزاً للتشغيل منذ فبراير من عام 2003 وينقسم الخط إلى ثلاثة أجزاء، منها الجزء الروسي البالغ طوله 373 كيلومتراً، ثم الجزء الثاني الذي يبلغ طوله 396 كيلومتراً الممتد في قاع ميناء (سامسون) التركي على عمق ما يزيد على الألفي متر تحت المياه، ثم أخيراً الجزء الثالث البالغ طوله 444 كيلومتراً، والذي يمتد من (سامسون) إلى أنقرة هذا وتعادل روسيا المملكة العربية السعودية بصفتها منتجاً عالمياً للنفط، إذ يبلغ حجم إنتاجها اليومي نحو 10 ملايين برميل أما صادراتها من النفط والغاز الطبيعي، فتعادل ما يزيد على نسبة 50 في المئة من عائدات صادراتها، وحوالي 25 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي، إضافة إلى كونها تعادل ثلث مجموع عائداتها الضريبية وبفضل هذا الإنتاج، مقترناً بالارتفاع الأخير لأسعار النفط في الأسواق العالمية، فقد تمكنت روسيا من سداد قسط كبير من إجمالي مديونيتها العالمية.
وبما أن روسيا تعد مصدراً رئيسياً لوقود النفط والغاز الطبيعي لدول أوروبا الغربية، فقد ثارت حفيظة بعض هذه الدول، من اعتمادها الكلي على روسيا في هذا المصدر الحيوي الاستراتيجي. وفي الوقت ذاته فقد شرعت عدة دول في إنشاء خط ناقل للغاز الطبيعي عبر أوروبا الشمالية، بهدف زيادة الصادرات من هذا المنتج، التي يأتي معظمها عبر أوكرانيا. وليست أوروبا وحدها هي (الزبون) الذي يتلهف لصادرات النفط والغاز الروسيين في عالم اليوم. فهناك الصين وظمؤها الذي لا يرتوي للنفط بسبب النمو الاقتصادي العملاق الذي تشهده في مختلف قطاعات وخطوط إنتاجها. واعتباراً من العام المقبل 2006 يتوقع أن تبدأ روسيا بتصدير نحو 15 مليون طن من النفط الخام إلى الصين، عبر خطوط السكك الحديدية.
ثالثا سباق التسلح النووي:
في 20 يناير 2002، أعلن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد خطة «نظام الدفاع الصاروخي الوطني» و»نظام الدفاع الصاروخي الميداني»، وطلب تعديل ((معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية)). وقد عارضت الصين ذلك صراحة . وترى الصين أن تطوير وترتيب ونقل نظام الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية الذي يتحلى بإمكانية الدفاع الاستراتيجي لا يساعد فحسب على زيادة الأمن ومنع انتشار الصواريخ، بل بالعكس سيلحق أضرارا بالأمن ويدفع انتشار الصواريخ، وأيضا يخالف ما حددته (معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية).
ولم تكتف الولايات المتحدة بمشروع حائط الصواريخ بل تسعى لبرنامج انتاج قنابل تكتيكية لكن مجلس الشيوخ الأمريكي رفض واعتبر هذه المعاهدة أول وثيقة ثنائية ذات طابع شامل تحدد جميع اتجاهات تطوير العلاقات الروسية الصينية في مجالات ملموسة، بما فيها السياسية، والتجارية الاقتصادية، والعلمية التقنية، والثقافية الإنسانية.
وقد رفض مجلس الشيوخ الأمريكي بتاريخ 16 يونيو 2004، اقتراحا قدمه «ادوارد كنيدي» و «ديان فينستاين»، يهدف وضع حد للتجارب حول القنابل النووية التكتيكية. بعدما قالت إدارة بوش بأنها تملك مثل هذه الأسلحة و أنها تسعى الى تطويرها لأجل الوصول الى ضرب المخابئ الأرضية . وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، حددت الولايات الأمريكية من منظومتها النووية. الآن لم يعد يتعلق الأمر بوضع توازنات للقوة المنافسة و منعها من الهجوم، بل صار الأمر يتعلق بتوسيع الترسانة النووية المتوفرة لأجل إضافة مزيد من الدوافع الاستراتيجية في مواجهة القوى غير النووية. هذا الوضع تم تجربته لأول مرة في سنة 1994، كما جاء في«Nuclear Posture Review». وفي الماضي، كان المحللون يعتقدون أن واشنطن تحد و بشكل عميق من نظريتها الاستراتيجية، لأجل عرض جيد لقوتها العسكرية الضاربة. و لكن في الحقيقة، كان البنتاجون يعمل على تطبيق الأسلحة النووية التكتيكية، يعني استعمالها مباشرة في ميادين القتال. وفي خضم البرنامج، كان اللجوء الى اليورانيوم المخضب للذخيرة و دعم السيارات العسكرية، و لكن أيضا صناعة القنابل النووية الصغيرة التي يطلق عليها « mini-nukes» والتي تستطيع أن تدمر كل المخابئ تحت الأرض. هذا المشروع تلقى بالمقابل ضربة سوط، بعودة إدارة جمهورية الى البيت الأبيض في سنة 2001 تحت رئاسة جورج دابليو بوش. أحداث سبتمبر، منحت الفرصة للعودة الى مشروع السلاح الفضائي، مانحة لدونالد رامسفيلد، صياغة تقرير رسمي بديل بعنوان: مراجعة الدفاع كل أربع سنوات، و الذي تشتمل على استراتيجية الوزارة لمدة الفترة الرئاسية.
في هذا التقرير، جانب سري تم الكشف عنه في المؤتمر المنعقد في 10 يناير2002، عبر رسالة من دونالد رامسفيلد تحمل عنوان: مراجعة الإمكانيات النووية. و حسب وزير الدفاع، فإن ردع الآخرين يجب أن ينظر إليه من منظور الإمكانيات، بمعني طرق الاستعمالات المختلفة.
النظرية الجديدة للولايات الأمريكية في مجال الردع تتأسس على ثلاثة أعمدة: إمكانية تلقي الضربة الهجومية (بما فيها الضربة النووية)، إمكانيات الدفاع الفاعلة وغير الفاعلة ( الأنظمة المضادة للصواريخ وغيرها ) و إمكانية إعادة تأسيس قوات الدفاع. كما حلل «ويليام م.أركين» في جريدة اللوس أنجلس تايمز، أهمية هذا الخطاب تكمن في عدم اعتبار القنبلة الذرية سلاحا مطلقا، و لكن كسلاح « متفق عليه» لا يمكن التردد في استعماله. أخطر من هذا، ودائما وفق ما قاله « ويليام م.أركين» فإن مراجعة الوضعية النووية يعطي فرضية استعمال الترسانة النووية ضد روسيا، الصين، العراق، كورية الشمالية، ليبيا، سوريا، وحتى ضد الدول العربية التي تهدد أمن إسرائيل.
هذه الإرادة المعلنة للجوء الى السلاح النووي، ليس كوسيلة استراتيجية بل كساحة للقتال، حمل إدارة بوش الى البدء في أكبر برنامج لتطوير السلاح النووي التكتيكي، المسمى «mini-nukes».. الفائدة منه حسب المؤيدين داخل البنتاجون، يكمن على أساس تدمير كل المخابئ الأرضية التي استعملها جيش ميلوزوفيتش في كوسوفو، و القواعد السرية التابعة لتنظيم القاعدة الموجودة في الجبال الأفغانية، من دون أن يتسبب ذلك في أي تلويث إشعاعي قاتل في المنطقة المستهدفة.
رابعا : العراق وكوريا وإيران:
أدخل التصنيف الشهير لثلاث دول هي العراق وكوريا وإيران كمحور للشر العالم في حسابات جديدة، ومع غزو العراق من دون غطاء قانوني دولي تسمح به الأمم المتحدة، ومع نشأة قضية الملف النووي الإيراني والكوري، اتضحت ملامح الإستراتيجية الأمريكية بعد انتهاء الحرب الباردة والتي تحد وتمنع الدول من حق امتلاك التقنية النووية ومنها إيران تحديدا في إطار مخاوف من استخدامها في برامج عسكرية وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على كوريا الشمالية التي يبدوا أنها رضخت للضغوط الأمريكية.
وترافق ذلك مع إعادة صياغة الخريطة السياسية للشرق الأوسط لصالح ما تسميه الشرق الأوسط الكبير بدمج إسرائيل في نظامه السياسي، والواقع ان هذه الإستراتيجية الجديدة التي حلت محل المفاهيم السابقة في الحرب الباردة قد واكبها توسيع موازنة التسليح الأمريكي على عكس ما كان متوقعا من خفض حجم الإنفاق العسكري الأمريكي حيث كشف تقرير أصدره مركز التقييمات الإستراتيجية والميزانية في العاصمة الأمريكية واشنطن أن الإنفاق العسكري الأمريكي وصل إلى أعلى مستوى له منذ عام1988 عشية انتهاء الحرب الباردة تقريبا فقد أظهرت برامج الإنفاق العسكري السرية زيادة بنحو 30,1 مليار دولار أو 19 بالمائة عن المبلغ الذي طلبه البنتاجون للعام المالي 2007.