الذباب حشرة من الحشرات، لا تضر ولا تنفع، غير أنها مؤذية ومزعجة، جاء ضرب المثل بها في القرآن الكريم، وهي حشرة كما في الأمثال لا تقع إلا على القاذورات والنفايات، وعموما على السيئ من الأشياء والمستقذر منها.
لا تكاد ثقافة أن تخلو من أفراد أو جماعات جل دأبهم وسعيهم البحث عن السيئات وتتبع العثرات والوقوع على الزلات، يتركون الحسن سعيا وراء القبح، ويتجاوزون الحسنات رغبة في الظفر بالسيئات، لا يردعهم دين حنيف ولا يصدهم خلق كريم، بل إن بعضهم يتخذ التفتيش عن الزلات وتسقّط العثرات حرفة يروج بها لنفسه عند ضعفاء الناس وجهلتهم، حتى يبدو لهم وكأنه الصادع بالحق والمنافح عن الخير، ومقصده الصيت والشهرة وغير ذلك.
يقود هذا النوع من البشر سوء الطوية إلى سوء الظن، وبالتالي إلى سوء الحكم والتعامل مع الناس، وتجدهم على كثرة ما يقرأون ويتعلمون لا يزدادون إلا جهلا وغيا، فهم على الدوام ينصبون أنفسهم حماة للسائد والقارّ لدى الناس، وأعداؤهم الأولون هم الباحثون الجادون والعلماء المبدعون والمثقفون الأحرار، ولا غرو، فشتان ما بين الاثنين، باحث همه الحقيقة ورائده الإبداع وباحث همه تصيد أخطاء الأول وتشويه سمعته بشتى الوسائل، والدفاع عن القارّ والسائد لمجرد أنه قار وسائد فهو عاجز عن فهمه فضلا عن فهم ناقديه أو الساعين لتطويره وإخراجه من انغلاق لحظته التاريخية إلى أفقٍ أرحب وأجدى.
هذه الشريحة موجودة لدى كثير من الثقافات إن لم يكن كلها، وفرق شاسع بين الناقد البصير الذي يتتبع مواضع الأخطاء ليصلحها، ويضعها تحت المجهر ليحاورها ويناقشها فيقابل علما بعلم، وبين من دأبه البحث عن النواقص والزلات ليضخمها ويتهجم عليها بجهلٍ ورعونة، ويهيج بها الغوغاء على المفكرين المبدعين الذين تضنيهم الحقيقة ويتعبهم العمل والجهد الذي يبذلونه لنيلها.
في ثقافتنا العربية وتراثنا الطويل كثير من أمثال هذه الشريحة من البشر، فهم لم يكادوا يتركون عالما أو فيلسوفا أو فقيها أو محدثا لايتفق مع عقولهم الضيقة وأفهامهم التي هي كسم الخياط، إلا وهاجموه وتنقصوا من قدره وسعوا لتشويهه وأذيته ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
نالوا أشد النيل من أبي حنيفة الإمام، والطبري عانى منهم الأمرين فقد حصروه في داره وسعوا جهدهم لمنع دفنه، وابن حبان اتهموه بالردة عن الإسلام لأنه قال إن النبوة مكتسبة، وجاء من بعد هؤلاء ابن خزيمة في مسألة إثبات الصورة لله، والغزالي أبي حامد والفارابي وابن سيناء وابن رشد وابن حزم وأبو الوليد الباجي وغيرهم كثير.
وما أشبه الليلة بالبارحة فكل باحث في التراث لا ينتمي لهذه الشريحة من الحراس للسائد والمألوف، حراس العقيدة وحراس الفضيلة وحراس الثقافة، وأشكال وأنواع من الحراسة التي تعتمد على أسير ما، تسجنه في مكانٍ ضيق ثم تحرسه بعد ذلك، ونحن نقرأ تهجم هذه الشريحة في العصر الحديث على الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي وطه حسين وقاسم أمين وغيرهم كثير.
ونراهم اليوم يشنعون على حسن حنفي ومحمد عابد الجابري وأركون والعروي وكل باحث مجد وكاتب مبدع، وهم يقفون على الضد من كل حراك ثقافي منتج وكل بحث علميٍ بان وكل مؤسسة معرفية متميزة.
Bjad33@gmail.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز250 مسافة ثم الرسالة
لا تكاد ثقافة أن تخلو من أفراد أو جماعات جل دأبهم وسعيهم البحث عن السيئات وتتبع العثرات والوقوع على الزلات، يتركون الحسن سعيا وراء القبح، ويتجاوزون الحسنات رغبة في الظفر بالسيئات، لا يردعهم دين حنيف ولا يصدهم خلق كريم، بل إن بعضهم يتخذ التفتيش عن الزلات وتسقّط العثرات حرفة يروج بها لنفسه عند ضعفاء الناس وجهلتهم، حتى يبدو لهم وكأنه الصادع بالحق والمنافح عن الخير، ومقصده الصيت والشهرة وغير ذلك.
يقود هذا النوع من البشر سوء الطوية إلى سوء الظن، وبالتالي إلى سوء الحكم والتعامل مع الناس، وتجدهم على كثرة ما يقرأون ويتعلمون لا يزدادون إلا جهلا وغيا، فهم على الدوام ينصبون أنفسهم حماة للسائد والقارّ لدى الناس، وأعداؤهم الأولون هم الباحثون الجادون والعلماء المبدعون والمثقفون الأحرار، ولا غرو، فشتان ما بين الاثنين، باحث همه الحقيقة ورائده الإبداع وباحث همه تصيد أخطاء الأول وتشويه سمعته بشتى الوسائل، والدفاع عن القارّ والسائد لمجرد أنه قار وسائد فهو عاجز عن فهمه فضلا عن فهم ناقديه أو الساعين لتطويره وإخراجه من انغلاق لحظته التاريخية إلى أفقٍ أرحب وأجدى.
هذه الشريحة موجودة لدى كثير من الثقافات إن لم يكن كلها، وفرق شاسع بين الناقد البصير الذي يتتبع مواضع الأخطاء ليصلحها، ويضعها تحت المجهر ليحاورها ويناقشها فيقابل علما بعلم، وبين من دأبه البحث عن النواقص والزلات ليضخمها ويتهجم عليها بجهلٍ ورعونة، ويهيج بها الغوغاء على المفكرين المبدعين الذين تضنيهم الحقيقة ويتعبهم العمل والجهد الذي يبذلونه لنيلها.
في ثقافتنا العربية وتراثنا الطويل كثير من أمثال هذه الشريحة من البشر، فهم لم يكادوا يتركون عالما أو فيلسوفا أو فقيها أو محدثا لايتفق مع عقولهم الضيقة وأفهامهم التي هي كسم الخياط، إلا وهاجموه وتنقصوا من قدره وسعوا لتشويهه وأذيته ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
نالوا أشد النيل من أبي حنيفة الإمام، والطبري عانى منهم الأمرين فقد حصروه في داره وسعوا جهدهم لمنع دفنه، وابن حبان اتهموه بالردة عن الإسلام لأنه قال إن النبوة مكتسبة، وجاء من بعد هؤلاء ابن خزيمة في مسألة إثبات الصورة لله، والغزالي أبي حامد والفارابي وابن سيناء وابن رشد وابن حزم وأبو الوليد الباجي وغيرهم كثير.
وما أشبه الليلة بالبارحة فكل باحث في التراث لا ينتمي لهذه الشريحة من الحراس للسائد والمألوف، حراس العقيدة وحراس الفضيلة وحراس الثقافة، وأشكال وأنواع من الحراسة التي تعتمد على أسير ما، تسجنه في مكانٍ ضيق ثم تحرسه بعد ذلك، ونحن نقرأ تهجم هذه الشريحة في العصر الحديث على الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي وطه حسين وقاسم أمين وغيرهم كثير.
ونراهم اليوم يشنعون على حسن حنفي ومحمد عابد الجابري وأركون والعروي وكل باحث مجد وكاتب مبدع، وهم يقفون على الضد من كل حراك ثقافي منتج وكل بحث علميٍ بان وكل مؤسسة معرفية متميزة.
Bjad33@gmail.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز250 مسافة ثم الرسالة