الحزن على ضحايا كارثة سيول جدة الذين بلغ عددهم حتى اليوم 108 أشخاص، وما زال في ازدياد، والمعاناة الفائقة للآلاف غيرهم أكبر من أي كلمات يمكن أن تكتب. لذا يكون الصمت أبلغ مقال. ولكنه ــ أي الصمت ــ يصبح هنا أصعب الأشياء. ومع ازدياد الشعور بالألم تستعر المعركة بين هذا الصمت البليغ وبركان الحمم المحبوسة تحت ضغط المشاعر الهائل. تخرج الكلمات مرغمة كانسياب الحمم في محاولة لتهدئة الجحيم الداخلي المستعر.
لا شيء في البداية يسبق مشاركة من فقدوا الأهل والأحباب مصيبتهم الفادحة والدعاء لهم من الأعماق أن يجـبر رب العزة والجلال مصابهم ويعزز صبرهم ويتغمدهم هم وشهداءهم برحمته التي تسع كل شيء وحنانه الذي يحتوي كل مصاب. نعزي أنفسنا جميعا ونعزي وطننا كله وكل أبنائه وعلى رأسهم ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وسمو أمير مكة المكرمة وكل من يهمه أمر هذه البلاد ويؤلمه مصابها.
ولا تقتصر المشاركة على الكلمات بل يجب أن تمتد إلى كل ما يمكن تقديمه من عون. يجب أن تشحذ الهمم لتنظيم طريقة تقديم المساعدات العاجلة والتعويضات العادلة إلى كل متضرر. وأن تتكامل المساعدات التي تقدمها الدولة مع ما يمكن أن تقدمه الجمعيات المختلفة والأفراد وأن تتجاوز حواجز الروتين الثقيلة. هذا وقت تفعيل العمل الجاد وترجمة الأخوة الصادقة مع المصابين. بعد ذلك، وليس قبله، يأتي وقت تحليل أسباب الكارثة بهدوء وروية لكي لا تختلط الأحكام المنصفة مع الاتهامات المتشنجة والاجتهادات المنفعلة.
في هذا الوقت يكفي أن تطرح الأسئلة والاستفسارات وتوضع الاقتراحات على مائدة البحث. أهم سؤال يتبادر إلى ذهني ولم أجد له تغطية كافية بين الكم الهائل مما نشر في الأيام الماضية عن كارثة سيول جدة هو: ألم يكن هناك أي نظام للإنذار المبكر ولماذا لم يلعب مثل هذا النظام ،إن وجد، دورا يذكر في تحذير سكان الأحياء الواقعة على مجرى السيول من الخطر الداهم وحثهم على إخلاء مساكنهم والانتقال إلى مناطق آمنة وكذلك تحذير السائقين المتجهين إلى الطرق المهددة بالخطر وغلق الأنفاق الواقعة على مجرى السيول؟. هل كان هناك سوء تقدير لكمية الأمطار القادمة وحجم السيول المتوقعة بحيث لم يتم تفعيل مثل هذا النظام والاستفادة منه ؟ وما سبب ذلك؟ أم كان هناك انشغال تام بالحج؟.. لقد شاهدنا كيفية وفعالية تطبيق إجراءات الإخلاء السريع لملايين الناس في أعاصير كبيرة مثل كاترينا وأندرو وغيرهما. لاشك أن أجهزة الدفاع المدني عندنا أبدت بسالة نادرة في إنقاذ آلاف الأرواح بعد وقوع الضرر، مما يمحو مجرد التفكير في اتهامها بأي تقصير.. ولكن يبقى السؤال هل كان هناك إمكانية للاستفادة بصورة أفضل من الإنذار المبكر والإخلاء السريع؟، تذكرت ما سمعته خلال جلسة دعيت إليها في المجلس البلدي من مندوب من الدفاع المدني عن الإجراءات الاحترازية الممكن اتباعها في حالة تعرض جدة لأعاصير كبيرة. كان ذلك في إطار مناقشة الخطر المتوقع من انهيار سد بحيرة المسك تحت تلك الظروف. الجميع أعجب بالعرض الرائع لبرامج حاسوبية دقيقة وخرائط مفصلة لدى أجهزة الدفاع المدني. ومع ذلك بدا واضحا من الخرائط المعروضة للمساحات الشاسعة التي تشكل روافد للوديان التي تخترق جدة أن خطر السيول وكمية مياهها يتجاوزان بكثير الخطر المباشر لبحيرة المسك التي أكد خبراء أجانب قدرتها على احتمال الأعاصير طالما لم يتجاوز ارتفاع الماء فيها الحد الآمن والذي حددوه، حسب ما أذكر، بـ 8،5 متر .. كما أوضح أحد أساتذة الجامعة أن البحيرة لا تقع مباشرة على أي رافد من روافد السيول وإنما خارجها.
وقد أوضحت الأمطار الأخيرة ،هذه المرة على الأقل، صحة هذه التوقعات بالنسبة للبحيرة، ولكن للأسف لم تتم الاستفادة من النماذج الرائعة بالنسبة لخطر السيول. لقد أصبح من المشاهد باستمرار أنه يصعب لأية دولة تفادي أضرار الأمطار والفيضانات المصاحبة للأعاصير ، خاصة في زمن الاضطرابات المناخية المتزايدة الذي نعيشه، وليس هناك من حل إلا بالإخلاء المبكر للحفاظ على الأرواح. وتأتي أنظمة التعويض عن المنشآت والممتلكات في المرتبة الثانية. وفي رأيي أن الأولوية عندنا بالمثل يجب أن تكون لإيجاد نظام إنذار مبكر للإخلاء السريع يعتمد على تشغيله تحت أية ظروف محتملة لا قدر الله..
طبعا هذا لا ينفي ضرورة احترام جغرافية جدة وبيئتها وذلك بمنع البناء في بطون الأودية، ومحاسبة الإدارات أو الأفراد المسؤولين عن هذا الخطأ الفادح. وحبذا لو أعطيت الأولوية في برنامج معالجة العشوائيات لإزالة الأحياء المهددة بخطر السيول. ومن الضروري إعادة النظر في الحكمة من تغطية مجاري السيول، واستبدال ذلك بالإكثار منها والإبقاء عليها نظيفة وجاهزة لتصريف أكبر قدر من المياه، وكذلك ،أخيرا، النظر في إمكانية بناء السدود على الوديان الخطرة.
اللهم جنبنا الكوارث والمحن وامنحنا الحكمة وبعد النظر لتفاديها وعلاج آثارها.
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة
لا شيء في البداية يسبق مشاركة من فقدوا الأهل والأحباب مصيبتهم الفادحة والدعاء لهم من الأعماق أن يجـبر رب العزة والجلال مصابهم ويعزز صبرهم ويتغمدهم هم وشهداءهم برحمته التي تسع كل شيء وحنانه الذي يحتوي كل مصاب. نعزي أنفسنا جميعا ونعزي وطننا كله وكل أبنائه وعلى رأسهم ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وسمو أمير مكة المكرمة وكل من يهمه أمر هذه البلاد ويؤلمه مصابها.
ولا تقتصر المشاركة على الكلمات بل يجب أن تمتد إلى كل ما يمكن تقديمه من عون. يجب أن تشحذ الهمم لتنظيم طريقة تقديم المساعدات العاجلة والتعويضات العادلة إلى كل متضرر. وأن تتكامل المساعدات التي تقدمها الدولة مع ما يمكن أن تقدمه الجمعيات المختلفة والأفراد وأن تتجاوز حواجز الروتين الثقيلة. هذا وقت تفعيل العمل الجاد وترجمة الأخوة الصادقة مع المصابين. بعد ذلك، وليس قبله، يأتي وقت تحليل أسباب الكارثة بهدوء وروية لكي لا تختلط الأحكام المنصفة مع الاتهامات المتشنجة والاجتهادات المنفعلة.
في هذا الوقت يكفي أن تطرح الأسئلة والاستفسارات وتوضع الاقتراحات على مائدة البحث. أهم سؤال يتبادر إلى ذهني ولم أجد له تغطية كافية بين الكم الهائل مما نشر في الأيام الماضية عن كارثة سيول جدة هو: ألم يكن هناك أي نظام للإنذار المبكر ولماذا لم يلعب مثل هذا النظام ،إن وجد، دورا يذكر في تحذير سكان الأحياء الواقعة على مجرى السيول من الخطر الداهم وحثهم على إخلاء مساكنهم والانتقال إلى مناطق آمنة وكذلك تحذير السائقين المتجهين إلى الطرق المهددة بالخطر وغلق الأنفاق الواقعة على مجرى السيول؟. هل كان هناك سوء تقدير لكمية الأمطار القادمة وحجم السيول المتوقعة بحيث لم يتم تفعيل مثل هذا النظام والاستفادة منه ؟ وما سبب ذلك؟ أم كان هناك انشغال تام بالحج؟.. لقد شاهدنا كيفية وفعالية تطبيق إجراءات الإخلاء السريع لملايين الناس في أعاصير كبيرة مثل كاترينا وأندرو وغيرهما. لاشك أن أجهزة الدفاع المدني عندنا أبدت بسالة نادرة في إنقاذ آلاف الأرواح بعد وقوع الضرر، مما يمحو مجرد التفكير في اتهامها بأي تقصير.. ولكن يبقى السؤال هل كان هناك إمكانية للاستفادة بصورة أفضل من الإنذار المبكر والإخلاء السريع؟، تذكرت ما سمعته خلال جلسة دعيت إليها في المجلس البلدي من مندوب من الدفاع المدني عن الإجراءات الاحترازية الممكن اتباعها في حالة تعرض جدة لأعاصير كبيرة. كان ذلك في إطار مناقشة الخطر المتوقع من انهيار سد بحيرة المسك تحت تلك الظروف. الجميع أعجب بالعرض الرائع لبرامج حاسوبية دقيقة وخرائط مفصلة لدى أجهزة الدفاع المدني. ومع ذلك بدا واضحا من الخرائط المعروضة للمساحات الشاسعة التي تشكل روافد للوديان التي تخترق جدة أن خطر السيول وكمية مياهها يتجاوزان بكثير الخطر المباشر لبحيرة المسك التي أكد خبراء أجانب قدرتها على احتمال الأعاصير طالما لم يتجاوز ارتفاع الماء فيها الحد الآمن والذي حددوه، حسب ما أذكر، بـ 8،5 متر .. كما أوضح أحد أساتذة الجامعة أن البحيرة لا تقع مباشرة على أي رافد من روافد السيول وإنما خارجها.
وقد أوضحت الأمطار الأخيرة ،هذه المرة على الأقل، صحة هذه التوقعات بالنسبة للبحيرة، ولكن للأسف لم تتم الاستفادة من النماذج الرائعة بالنسبة لخطر السيول. لقد أصبح من المشاهد باستمرار أنه يصعب لأية دولة تفادي أضرار الأمطار والفيضانات المصاحبة للأعاصير ، خاصة في زمن الاضطرابات المناخية المتزايدة الذي نعيشه، وليس هناك من حل إلا بالإخلاء المبكر للحفاظ على الأرواح. وتأتي أنظمة التعويض عن المنشآت والممتلكات في المرتبة الثانية. وفي رأيي أن الأولوية عندنا بالمثل يجب أن تكون لإيجاد نظام إنذار مبكر للإخلاء السريع يعتمد على تشغيله تحت أية ظروف محتملة لا قدر الله..
طبعا هذا لا ينفي ضرورة احترام جغرافية جدة وبيئتها وذلك بمنع البناء في بطون الأودية، ومحاسبة الإدارات أو الأفراد المسؤولين عن هذا الخطأ الفادح. وحبذا لو أعطيت الأولوية في برنامج معالجة العشوائيات لإزالة الأحياء المهددة بخطر السيول. ومن الضروري إعادة النظر في الحكمة من تغطية مجاري السيول، واستبدال ذلك بالإكثار منها والإبقاء عليها نظيفة وجاهزة لتصريف أكبر قدر من المياه، وكذلك ،أخيرا، النظر في إمكانية بناء السدود على الوديان الخطرة.
اللهم جنبنا الكوارث والمحن وامنحنا الحكمة وبعد النظر لتفاديها وعلاج آثارها.
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة