-A +A
أنت إنسان اليوم لست كإنسان ماقبل 40 سنة مضت، عندما كان الأوفر حظا لايملك من وسائل الاتصال سوى هاتف العمل وهاتف المنزل، لقد أصبح إنسان اليوم كتلة اتصال وتواصل بالغة التعقيد مع العالم الخارجي بل أصبح غرفة عمليات ومركز تحكم متحركين!.
فمن خلال هذا الجهاز المحمول أصبح يمكنك التحكم حتى في ري حديقة منزلك عن بعد وفي طلب وجبة عشاء إلى البيت، أو شراء قطعة غيار لسيارتك من أقصى شمال الكرة الأرضية وأنت جنوبها، أو إنهاء حجوزات السفر والمعاملات الإدارية بكل صورها، واستقبال مئات الرسائل الخاصة ورسائل الأخبار، والإيصالات المالية بالإضافة إلى المكالمات المتعددة والوصول إلى الشبكة العالمية وغيرها، لقد تعاظمت ــ أيها الإنسان ــ وأصبحت العالم كله وتضاءل كوكب الأرض ليصار إلى سنتيمترات مكعبة قليلة في يديك، فأصبح العالم مع ثورة الاتصال هذه بحجم الكف، ومع أن هذا الأمر ساهم كثيرا في إسعاد الإنسان وقضاء حوائجه بسهولة وسرعة إلا أنه جعل منه كائنا لا يهدأ له بال وفي حالة انشغال وقلق دائمين يملك أجندة طويلة يجب أن يعملها طيلة يومه ذاك.

كل هذه الضغوط والإيقاع السريع وانهمار الطلبات وكثافة المعلومات وتهافت الأحداث وانكماش العالم في داخل إنسان العصر جعله يحن إلى اطمئنان الماضي وهدوئه وإلى التحرر ولو ليوم واحد ليعود إلى كيانه الصغير داخل عالمه الفسيح الأول.
من أجل هذا العنت الذي سببته لنا تكنولوجيا الاتصالات والإعلام لعلني أكون أول من ينادي بيوم عالمي يهجر فيه إنسان اليوم كل وسائل الاتصال والإعلام ويعود إلى كيانه الصغير داخل عالمه الفسيح لنرتدي ألونا خضراء وزرقاء كرمز إلى لون كوكبنا ونمشي في الطرقات سعداء أو نقضيه في منازلنا هانئين دون أجهزة محمولة أو فضائيات أو صحف لنشعر بطمأنينة العالم القديم الفسيح.
غانم الحمر ـ الباحة