يعيش لبنان هذه الأيام وضعاً سياسياً صعباً. فعملية «الوعد الصادق» التي نفذها حزب الله وأسفرت عن مقتل ثمانية جنود إسرائيليين وأسر اثنين تعد الأعنف منذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في عام 2000م. كما أنها أعادت المنطقة إلى وتيرة التوتر السياسي, إن لم يكن إلى حافة الحرب. حيث تأتي هذه العملية في ظل مناخ سياسي إقليمي يشهد تدهوراً ملحوظاً.من هنا يجب عدم النظر إليها كعمل عسكري دون الأخذ في الاعتبار الكثير من المعطيات السياسية, لاسيما ما يتعلق منها بالوضع الداخلي الذي تعيش في ظله الأنظمة السياسية الإقليمية.
فيما يتعلق بالوضع السياسي الداخلي في لبنان فهو لا يحسد عليه. إذ يعيش البلد في ما يشبه الفراغ السياسي نتيجة الخلاف العميق بين القوى السياسية اللبنانية مما أثر سلباً على أداء مؤسسات الدولة وجعل النظام السياسي مشلولاً. فالسلطة والسيادة السياسية مجزأة مما يتعارض من ناحية المبدأ مع الطابع الدستوري للسلطة والنزعة السيادية للدولة. فالسيادة لا تحتمل التجزئة وإن حدث ذلك فهو دليل على التشرذم السياسي للنظام. افتقار الحكومة اللبنانية للكلمة الفصل على القوى السياسية الداخلية, لاسيما حزب الله الذي يتمتع بثقل سياسي وعسكري, والذي بنفس الوقت يحظى بدعم إقليمي من سوريا وإيران, يجعل الحكومة اللبنانية في موقف سياسي ضعيف. حيث إن حزب الله يتبنى نهجاً سياسياً قائماً على المقاومة ضد إسرائيل, ما يتعارض في بعض الأحيان مع ثوابت السياسة الخارجية اللبنانية التي دائماً ما تسعى إلى التهدئة لكنها تجد نفسها وإلى وقت قريب تسير في ظلال السياسة الخارجية السورية. ولعل تصريح بعض القوى السياسية اللبنانية المعارضة للحكومتين السورية واللبنانية حول الحادثة واتهامهم لحزب الله بتنفيذ التعليمات السورية لهو دليل على تباين مواقف التيارات السياسية داخل لبنان. مثل هذا التباين بلا شك يضعف وحدة الصف اللبناني على المستوى الرسمي, رغم محدودية الخيارات لديه من الأساس. فلبنان لا يملك الكثير من مقومات القوة العسكرية ولا يزال يتعافى من آثار الحرب الأهلية التي استمرت نحو عقدين من الزمن.
أما في إسرائيل فإن الحكومة الإسرائيلية بقيادة أيهود اولمرت تسير على النهج الشاروني المتشدد. فاولمرت نفسه يرأس حزب كاديما الذي أسسه شارون قبل انتهاء حياته السياسية. لذلك فسياسة فرض الأمر الواقع من خلال الاستخدام المفرط للقوة ومحاولة إيجاد الذرائع للابتعاد عن طاولة المفاوضات هي ما تصبو إليه الحكومة الإسرائيلية. رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام اختبار صعب فيما يتعلق بالخط السياسي الذي يتبناه وما إذا كان قادراً على تحقيق أهدافه من خلال الآلة العسكرية المدعومة ببيئة إقليمية ودولية مواتية.
عربياً, يعيش العالم العربي وضعاً سياسياً يفتقد إلى وحدة الكلمة والموقف. الشعارات والبيانات السياسية تضعف ولا تقوي. كما أن القمم العربية أصبحت مملة بالنسبة للقادة, تماماً كما هي الحال بالنسبة للمواطن العربي. من ناحية أحرى, المزايدات على الموقف اللبناني سوف لن تكون في صالح لبنان. فتدمير البنية التحتية اللبنانية والأثر السلبي للحملة الإسرائيلية على الاقتصاد اللبناني سوف يكون مكلفاً. بل ها نحن نرى القوى الغربية تتهم سوريا بالوقوف وراء حزب الله ويحملونها مسؤولية التوتر الذي يحصل في المنطقة. نحن ندرك مسبقاً إن الولايات المتحدة على وجه التحديد سوف تبارك الخطوات التي تتخذها إسرائيل بغض النظر عن الحقوق العربية التي هي بحاجة إلى من يدافع عنها. من هنا فالتصعيد في مثل هذه الظروف لا يحقق الغرض المرجو منه في ظل الخذلان الجماعي العربي.
الثابت في الأمر أن التصعيد السياسي والعسكري الذي تشهده المنطقة هو ترجمة عملية للأزمات التي تعيشها بعض الأنظمة السياسية في المنطقة, و تعبير صريح من ناحية أخرى عن حالة اليأس الذي تمر به الشعوب والجماعات السياسية المسلحة وإحساسها بغياب العدل في المواقف الدولية حيال القضايا العربية, تماماً كما هي مؤشر على أن السلام المزعوم ليس إلا حبراً على ورق. فالسلام الحقيقي هو السلام الذي يوفر العيش الكريم للشعوب ويؤمن بجدواه وعدالته المواطن قبل صانع القرار. ما نشهده هو «سلام زائف» إن لم يكن «عملية استسلام» تعبر عن واقع عربي مر تعيشه هذه الشعوب.
* استاذ العلوم السياسية في جامعة الملك عبدالعزيز
فيما يتعلق بالوضع السياسي الداخلي في لبنان فهو لا يحسد عليه. إذ يعيش البلد في ما يشبه الفراغ السياسي نتيجة الخلاف العميق بين القوى السياسية اللبنانية مما أثر سلباً على أداء مؤسسات الدولة وجعل النظام السياسي مشلولاً. فالسلطة والسيادة السياسية مجزأة مما يتعارض من ناحية المبدأ مع الطابع الدستوري للسلطة والنزعة السيادية للدولة. فالسيادة لا تحتمل التجزئة وإن حدث ذلك فهو دليل على التشرذم السياسي للنظام. افتقار الحكومة اللبنانية للكلمة الفصل على القوى السياسية الداخلية, لاسيما حزب الله الذي يتمتع بثقل سياسي وعسكري, والذي بنفس الوقت يحظى بدعم إقليمي من سوريا وإيران, يجعل الحكومة اللبنانية في موقف سياسي ضعيف. حيث إن حزب الله يتبنى نهجاً سياسياً قائماً على المقاومة ضد إسرائيل, ما يتعارض في بعض الأحيان مع ثوابت السياسة الخارجية اللبنانية التي دائماً ما تسعى إلى التهدئة لكنها تجد نفسها وإلى وقت قريب تسير في ظلال السياسة الخارجية السورية. ولعل تصريح بعض القوى السياسية اللبنانية المعارضة للحكومتين السورية واللبنانية حول الحادثة واتهامهم لحزب الله بتنفيذ التعليمات السورية لهو دليل على تباين مواقف التيارات السياسية داخل لبنان. مثل هذا التباين بلا شك يضعف وحدة الصف اللبناني على المستوى الرسمي, رغم محدودية الخيارات لديه من الأساس. فلبنان لا يملك الكثير من مقومات القوة العسكرية ولا يزال يتعافى من آثار الحرب الأهلية التي استمرت نحو عقدين من الزمن.
أما في إسرائيل فإن الحكومة الإسرائيلية بقيادة أيهود اولمرت تسير على النهج الشاروني المتشدد. فاولمرت نفسه يرأس حزب كاديما الذي أسسه شارون قبل انتهاء حياته السياسية. لذلك فسياسة فرض الأمر الواقع من خلال الاستخدام المفرط للقوة ومحاولة إيجاد الذرائع للابتعاد عن طاولة المفاوضات هي ما تصبو إليه الحكومة الإسرائيلية. رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام اختبار صعب فيما يتعلق بالخط السياسي الذي يتبناه وما إذا كان قادراً على تحقيق أهدافه من خلال الآلة العسكرية المدعومة ببيئة إقليمية ودولية مواتية.
عربياً, يعيش العالم العربي وضعاً سياسياً يفتقد إلى وحدة الكلمة والموقف. الشعارات والبيانات السياسية تضعف ولا تقوي. كما أن القمم العربية أصبحت مملة بالنسبة للقادة, تماماً كما هي الحال بالنسبة للمواطن العربي. من ناحية أحرى, المزايدات على الموقف اللبناني سوف لن تكون في صالح لبنان. فتدمير البنية التحتية اللبنانية والأثر السلبي للحملة الإسرائيلية على الاقتصاد اللبناني سوف يكون مكلفاً. بل ها نحن نرى القوى الغربية تتهم سوريا بالوقوف وراء حزب الله ويحملونها مسؤولية التوتر الذي يحصل في المنطقة. نحن ندرك مسبقاً إن الولايات المتحدة على وجه التحديد سوف تبارك الخطوات التي تتخذها إسرائيل بغض النظر عن الحقوق العربية التي هي بحاجة إلى من يدافع عنها. من هنا فالتصعيد في مثل هذه الظروف لا يحقق الغرض المرجو منه في ظل الخذلان الجماعي العربي.
الثابت في الأمر أن التصعيد السياسي والعسكري الذي تشهده المنطقة هو ترجمة عملية للأزمات التي تعيشها بعض الأنظمة السياسية في المنطقة, و تعبير صريح من ناحية أخرى عن حالة اليأس الذي تمر به الشعوب والجماعات السياسية المسلحة وإحساسها بغياب العدل في المواقف الدولية حيال القضايا العربية, تماماً كما هي مؤشر على أن السلام المزعوم ليس إلا حبراً على ورق. فالسلام الحقيقي هو السلام الذي يوفر العيش الكريم للشعوب ويؤمن بجدواه وعدالته المواطن قبل صانع القرار. ما نشهده هو «سلام زائف» إن لم يكن «عملية استسلام» تعبر عن واقع عربي مر تعيشه هذه الشعوب.
* استاذ العلوم السياسية في جامعة الملك عبدالعزيز