-A +A
عزيزة المانع
لا أكاد أصدق أن هناك امرأة تعارض منحها حقاً يصون كرامتها ويرفع عنها المهانة، ولا أكاد أصدق أن هناك امرأة ترد بيدها يداً تمتد لتنشلها من المرتبة السفلى إلى مرتبة أعلى وأكرم، ولا أكاد أصدق أن هناك امرأة تسد الطريق على من يريد أن ينقلها من موقع الخطر إلى موقع الأمان. لكن، بكل الدهشة والتعجب، هذا ما حدث. فهل هو حب لتعذيب الذات؟ أم هو نقص في تقدير الذات؟ أم كلاهما؟ لا أدري لكني أعجب!
قرأت ما نشر في صحيفة المدينة من أن عددا من (الأكاديميات) يعترضن على دعوة مفتي مصر إلى استصدار قانون يحظر ضرب الأزواج للزوجات، حيث يرين في ذلك تعطيلاً للنص، فضلاً عن (إيمانهن) بجدوى الضرب في تقويم سلوك الزوجة (الناشز) فبعض النساء، حسب تعبيرهن، لا يستجبن إلا بالضرب، كما أن ضرب الأزواج (الشرعي) لزوجاتهم يقصد من ورائه التأثير النفسي وليس الأذى الجسدي، وإذا كان بعض الأزواج لا يحسنون التطبيق فيؤذون زوجاتهم جسدياً فإن ذلك ليس مبرراً كافياً لسلب الزوج حقه في ضرب زوجته، فإساءة استخدام الأزواج لحقهم في ضرب الزوجات يمكن معالجتها بشيء من التوجيه والإرشاد والتوعية.
يا لهؤلاء النسوة اللاتي هن أكثر إشفاقاً على الرجال من الرجال أنفسهم! يعارضن استصدار قانون لمنع ضرب الزوج لزوجته حفاظاً على حق الرجل في تأديب الزوجة (الناشز)، ولكن، من هي (الناشز)؟ وما الأسباب التي دفعت بها إلى النشوز؟ وهل كل من ضرب زوجته بحجة نشوزها هو محق في ذلك؟ هذه أمور لا تعنيهن! فما يعنيهن هو أن لا يحرم الزوج من رخصة أعطيت له حتى وإن أساء استخدامها، فإساءة الاستخدام التي تبلغ أحياناً حد تشويه وجه الزوجة أو التسبب في إعاقتها بدنياً أو حتى في إزهاق روحها، يكفي في تصويبها، توجيه الإرشاد والتوعية والتذكير بأحكام الله، أي الاعتماد على تربية الضمير الديني عند الزوج فقط، أما الزوجة الناشز، فلابد أن يطبق عليها الحكم الشرعي في أن تخضع للضرب، ولا يصلح في تصويب سلوكها الاكتفاء بالوعظ والهجر السابقين له.
لا أدري إن كان هؤلاء النسوة لا يعلمن بما ينشر من وقائع كثيرة تبين تعدي الأزواج على الزوجات وإسرافهم في ضربهن إلى حد الموت في عدد غير قليل من الحالات، أو هن يعلمن ولا يكترثن. وإذا كانت القاعدة الفقهية المعروفة تقضي بأن (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) فإن حظر ضرب الأزواج للزوجات هو مما يدخل في ذلك، فهذه الوقائع التي تعلن عن حالات اعتداء الأزواج على الزوجات بما يعرض سلامتهن البدنية والنفسية للخطر، وفي بعض الأحيان يعرض أرواحهن للإزهاق، هي مفسدة عظيمة ودرؤها مقدم على مصلحة (التأديب) للزوجة. وإذا كان الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم يقول: (ولن يضرب خياركم) وفي سيرته العطرة لم يعرف عنه أنه ضرب زوجة أو خادماً، فإن هذا يدل على أن اللجوء إلى الضرب ليس هو السلوك الأمثل، وإذا كان هناك أزواج يسيئون استخدام الرخصة المعطاة لهم في ضرب الزوجات، فإن المصلحة تقتضي تجريدهم منها.
وعلى أية حال، فإن حظر ضرب الأزواج للزوجات ليس بأشد مما فعله الخليفة العادل عمر عندما عطّل حد السرقة في عام الرمادة، لما رأى الجوع يفتك بالناس وقد يرمي ببعضهم إلى السرقة اضطراراً من أجل البقاء.

ص.ب 86621 الرياض 11622 فاكس 4555382