-A +A
خالد الجابري ــ المدينة المنورة
اشتهرت المدينة المنورة على مر العصور بالنخيل وظلت نخيل العوالي، روابي قباء، مزارع العيون ومزارع الجرف في ذاكرة سكان طيبة الطيبة، إلا أن الوضع تغير مع زحف العمران على المزارع، وأصبحت النخيل غير مثمرة قرابة 5000 آلاف نخلة. «عكاظ» تناولت أسباب موت نخيل المدينة وخرجت بالحصيلة التالية:
صدر قبل أسابيع تقرير من فرع وزارة الزراعة في المدينة المنورة، يؤكد على أن المدينة المنورة ما زالت تحتفظ بوجهها الأخضر، وبين التقرير أن هناك 450 مزرعة قائمة في الوقت الحالي وعدد النخيل المثمر فيها 198683 ألف نخلة تنتج سنويا 7133120 كجم من كافة الأصناف الجيدة والنخيل غير المثمر يبلغ 5496 نخلة. بالإضافة إلى أنها تحوي أعلافا وأشجار فاكهة متنوعة.

ويرى الكثير من الأهالي أن جميع المزارع في محيط المسجد النبوي الشريف، وتلك التي في العوالي والتي تعتبر تاريخية، قد طالها هجوم الأسمنت وأصبحت أثرا بعد عين وذهبت وذهب معها عبق التاريخ الجميل.
يقول عبدالغني القش «إن المدينة المنورة كانت عبارة عن سلة خضراء، خاصة في المنطقة المحيطة بالمسجد النبوي وليس العوالي فقط، أما الآن -خاصة في الأعوام القريبة جدا، ومع هوس الحصول على المال وإنشاء المجمعات التجارية من قبل البعض وتحت إغراء المادة- تم إقناع بعض المزارعين بالتخلي عن مزارعهم مقابل المال، وأصبحنا نشاهد أسواقا في وسط هذه المزارع حتى اندثرت الخضرة، وكان من المفترض أن يسعى الجميع للمحافظة على المزارع بشتى الطرق؛ إما بدعم هؤلاء المزارعين أو شرائها منهم ورعايتها وصيانتها، لأنها جزء من تاريخ طيبة».
المزارع محمد المحمدي يرى أن سبب تركه لمزرعته بسبب الظروف الاجتماعية المحيطة به «الأبناء مشغولون والدعم من الزراعة ليس بالمجزي، بالإضافة إلى سيطرة المنتجات الزراعية المستوردة وتوجه الناس لشرائها». وحول سبب تحول كثير من المزارع إلى مواقع بناء، قال المحمدي «معظم المزارعين خضعوا لمغريات المال فحولوا الأراضي الزراعية إلى سوق تجارية أو عمارة سكنية».
ويعتبر عمدة حي الأصيفرين في المدينة المنورة صالح النجار، أن الطفرة العقارية ساهمت بشكل كبير في اختفاء معظم المزارع التي كانت تشكل متنفسا للسكان والزوار على حد سواء، الأمر الذي ترمي إليه خديجة مشيخ «أتذكر مزارع قباء والأيام الخوالي، حيث كان منزل الأسرة إلى جانب هذه المزارع التي كانت متنفسا للأهالي وملاذهم في نهايات الأسبوع والأعياد والمواسم، وكانت ملهمة للشعراء والمطربين، وكلنا يتذكر أغنية غازي علي يا روابي قباء».
غازي صالح المحمدي يقول -من جهته- «إن بساتين العيون القديمة تحولت إلى مزارع مهجورة، والبعض منها تحول إلى مجمعات تجارية ومبانٍ أسمنتية» ويرى المحمدي أن الهجمة القاتلة لهذه الكتل الأسمنتية قضى على المساحات الخضراء، ويطالب بضرورة وضع حل حتى لا تفقد المدينة بساطها الأخضر.
وفي السياق نفسه، يتأسى كل من مروان عبد القادر وسليمان الباشا وفايز النزاوي على حال مزارع المدينة التي اختفت تحت الزحف العمراني والإهمال.
أما حميد العوفي فيتساءل عن مزارع بساتين النعناع والعنب التي اندثرت بسبب انتشار الأسواق والمجمعات السكنية فوق هذه المزارع، لكن محمد العمري وسعيد الرحيلي وسالم مطر يلقون بما حدث على أصحاب المزارع ممن باعوا مزارعهم بثمن بخس وحولوها إلى مخططات سكنية، ويستغربون من عدم وجود حل من قبل الجهات ذات العلاقة ووضع الحلول الناجعة التي تحافظ على خاصية المدينة المنورة.
ويعزو كل من المزارع محمد الحربي وسالم الردادي ذلك إلى أسباب عدة؛ منها أن هذه المزارع لم تعد ذات مردود مادي، كما أن امتداد العمران أوجب الأمانة أو وزارة النقل على إنشاء طرق وشوارع في وسط هذه المزارع.
ويقترح رئيس مجلس الخدمة الاجتماعية في الغرفة التجارية في المدينة المنورة عبد الغني الأنصار، إنشاء صندوق أخضر يمول من الدولة ومن الجمعيات المتخصصة والزراعية ورجال الأعمال، يتم من خلاله دعم المزارعين وشراء هذه المزارع من أجل المحافظة عليها. ويؤيد المقترح رجل الأعمال خالد دقل الذي يشير إلى أن الفكرة خلاقة وتقضي على الزحف الأسمنتي غير المبرر -على حد قوله- خاصة في المناطق التاريخية التي يحمل لها الجميع في نفوسهم ذكريات جميلة يجب أن تخلد من خلال هذه المزارع، خاصة المحيطة بالمسجد النبوي الشريف.
ويؤكد رئيس المجلس البلدي في المدينة المنورة الدكتور صلاح الردادي، أن أحد قرارات المجلس البلدي كان يرمي إلى شراء بعض المزارع وتحويلها إلى حدائق، مشيرا إلى أنه مع كل فكرة خلاقة تساعد على الحفاظ على الرقعة الزراعية الخضراء يتم تنفيذها عن طريق المختصين، مثل أمانة المدينة والزراعة والجمعيات التعاونية الزراعية.
وأوضح أمين منطقة المدينة المنورة المهندس عبد العزيز الحصين، أن أمانة المدينة تسعى، وبالتعاون مع وزارة الزراعة، للاحتفاظ برقعة طيبة الخضراء، مشيرا إلى أن الأمانة قامت بإنشاء حدائق الأحياء وهذه من ضمن التزامها بذلك. وأضاف المهندس الحصين «أن ما يوجد الآن من مزارع في أطراف المدينة وبعض أحيائها، مثل حي الخليل والعيون، أكثر من المزارع السابقة، مما يشير إلى أن المدينة المنورة بها نسبة كبيرة من النخيل التي تنتج آلاف الأطنان من التمور وبمختلف أنواعه، مما يؤكد أن طيبة ما زالت ذات خضرة ونخيل، وبالتالي لا يوجد سبب للقلق، فالمدينة متوازية في تقدمها العمراني والمحافظة على نخيلها وزراعتها الجميلة». لكن أمين منطقة المدينة المنورة يرى أن الزحف العمراني يوجب إزالة بعض المزارع.
وأبان مدير فرع وزارة الزراعة في المدينة المهندس صالح اللحيدان، أن تعليمات تحويل الأراضي الزراعية إلى سكنية أو أي أغراض أخرى «تحتم ضرورة مخاطبة أمانة المنطقة لمعرفة بأي المراحل العمرانية تقع المزرعة، وما الاستخدامات المعتمدة لديهم في المخططات الهيكلية والتنموية للمدينة، وهل هي زراعية أم سكنية أم صناعية أو تجارية، كما تتم مخاطبة مديرية المياه في المنطقة لمعرفة مدى توفر المياه في المزرعة ونوعيتها وانتاجيتها في الساعة ومن ثم يتم إعداد تقرير فني عن المزرعة من قبل أحد المختصين لدينا ومن خلال المعطيات المشار إليها يتم استكمال الإجراءات في تحويل المزرعة إلى سكنية من عدمها».
ويرى مدير إدارة التربية والتعليم في المدينة المنورة الدكتور تنيضب الفايدي، وهو باحث تاريخي متخصص، أن ازدياد المباني والكتل الأسمنتية يؤدي إلى خنق المدينة ويتسبب في اختلال الهواء، مما يؤثر على الصحة العامة للسكان «لذلك فإن طغيان المباني على مساحات المدينة أصبح من الضواهر الواضحة في المدينة المنورة وعلى المسؤولين تدارك الوضع، وذلك بضرورة زيادة الحدائق العامة والعناية بزراعتها ومتابعتها وزيادة زراعة النخيل، خاصة الروثانة رمز المدينة، وثمر العجوة التي تشتهر بها المدينة».